قياس مسح الأسلحة الصغيرة في الصومال .. (جرس إنذار )

تعد المراكز المسحية المتخصصة في جمع البيانات والأدلة المرتكزة إلى الموضوعية والحيادية، إحدى الوسائل المهمة في الاستدلال البحثي والوقوف على حقيقة المؤشرات الرقمية والبيانية للقضايا محل الدراسة؛ خاصة إذا كانت هذه المؤشرات والبيانات ترتبط بطبيعة الأنشطة الأمنية في مناطق الصراع والنزاع المسلح.

وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، تأتي أهمية التقارير والملاحظات البحثية الصادرة عن المركز الدولي للشراكة العالمية حول الأسلحة الصغيرة، التابع لمعهد الدراسات العليا للدراسات الدولية والتنموية بالعاصمة السويسرية جينيف، وهو أحد المصادر الرئيسية المعنية برصد المعلومات والتحاليل حول قضايا الأسلحة الصغيرة والعنف المسلح حول العالم.

وفي تقريره الحادي والستين، الصادر في فبراير2017، تحت عنوان( مسح الأسلحة الصغيرة.. ملاحظات بحثية)، خصص المركز صفحات من التقرير للحديث عن( قياس تدفق الأسلحة غير الشرعية في الصومال) كتبها كريستوفر كارلسون؛ حيث كشفت البيانات والمؤشرات والمعلومات المرصودة بتلك الصفحات، الكثير من الحقائق بشأن وضعية الأسلحة الصغيرة في المحافظات والمدن الصومالية، وخاصة ما يتعلق بديناميكيات تدفقات الأسلحة غير الشرعية إلى منطقة جنوب الوسط في الصومال وداخلها( جنوب الوسط) باعتبارها إحدى مناطق النزاع المسلح النشط، وما يرتبط بها من أنشطة خفية وحراك مشبوه بين أطراف عدة، وهو ما يستوجب لفت الانتباه إلى فحوى هذا التقرير، الذي يدق أجراس الخطر والإنذار!!

التعريف والمصدر

في سياق تعريفه للمقصود بمصطلح(الأسلحة الصغيرة غير الشرعية)، ذكر التقرير أنها تعني” الأسلحة المنتجة أو المنقولة أو المحتفظ بها أو المستخدمة بصورة تخالف القانون الوطني أو الدولي”، وأن مقتضيات هذا التعريف ، تنبيء عن أشكال متعددة وطرق مختلفة غير شرعية لتدفقات هذه النوعية من الأسلحة؛ ومن هذه الأشكال والطرق:

  1. تهريب الأسلحة عبر الحدود
  2. عمليات الشراء من السوق السوداء أو الحيازات القانونية التي تم تحويل مسارها من المستخدمين المخولين كوكالات الأمن أو المواطنين العاديين أو الأسلحة الأخرى المنتجة بصورة غير قانونية كالإنتاج الحرفي غير المرخص

الجهود الصومالية والثراء الخطر

وفي سياق إشاراته إلى طبيعة التدفقات النوعية للأسلحة الصغيرة، والمناطق الصومالية التي تنشط فيها هذه التدفقات، أكد التقرير على أن الأدلة المتعلقة بتدفق الأسلحة غير الشرعية إلى الصومال” تشير إلى وجود العديد من المصادر والمستخدمين النهائيين، وكذلك إلى وجود مجموعة واسعة من أنواع الأسلحة التي تشكّل هذه التدفقات من المسدسات والبنادق إلى الرشاشات الثقيلة وقاذفاتRPG”

وفي السياق ذاته، أفاد التقرير أنه رغم الزخم الكبير الذي شهدته قضية تدفقات الأسلحة غير الشرعية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية ، والذي دفع باتجاه تبنّي أهداف التنمية المستدامة وتحديداً هدف التنمية المستدامة 16.4منذ سبتمبر 2015، والذي يترتب عليه التزام دول العالم بالحد بشكل كبير من التدفقات غير الشرعية للأسلحة بحلول عام 2030، يفيد التقرير أنه رغم انضمام الصومال لكل هذه الجهود، إلا أن “نجاحه في عمليات الضبط والمصادرة والحد من طرق التوريد لا يزال نسبياً” ؛ إذ ” لا تزال الأسلحة والذخيرة منتشرة بين مجموعة من الجهات غير الحكومية بما في ذلك الميليشيات القبلية والجماعات المعارضة والمواطنين العاديين” وأفادت ملاحظات التقرير أيضاً، أنه” بالرغم من إحراز حكومة الصومال الاتحادية بعض التقدم في إدارة مخزونات الأسلحة الحكومية وتوزيعها على قوات الأمن التابعة لها، فإن تهريب الأسلحة غير الشرعية وتحويل مسار إمدادات هذه الحكومة منها يظل مصدر قلق كبير”

المنطقة النشطة وإشكاليات السيطرة

وبالتركيز على منطقة جنوب الوسط باعتبارها المنطقة النشطة من حيث انتشار النزاعات المسلحة، أشار التقرير إلى المنطقة المذكورة باعتبارها المثال الصارخ لتدفقات وتجارة السلاح على المستوى المحلي، مؤكداً أنها” تشمل التهريب المتعمد، وبيع أسلحة الدولة إلى الجماعات غير الحكومية، إضافة إلى تجارة السوق السوداء وعمليات الضبط والمصادرة في المعارك، وهذه الأخيرة تشمل اسلحة من قوات حكومة الصومال الاتحادية وقوات بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال”

ويذكر التقرير بعض الإفادات بشأن ما تواجهه الحكومة الصومالية الاتحادية من صعوبات وإشكاليات تخص آليات مقاومة تدفق الأسلحة غير الشرعية، والسيطرة على الإمدادات المخصصة للحكومة من الأسلحة المستوردة لرفع كفاءة العناصر الأمنية بالصومال، ومنعها من الوقوع في أيدي العناصر الراديكالية والعنيفة؛ ومن تلك الإشكاليات التي أوردها التقرير في إفاداته” مشكلة الفصل المبهم بين القوات الحكومية وغير الحكومية في منطقة جنوب الوسط، والتي تعني إمكانية انخراط أفراد الجيش الوطني الصوماليSNAأو قوات الشرطة الصومالية، للعمل في الميليشيات القبلية، ما يترتب عليه التحويل المتعمد في مسار إمدادات الدولة إلى الجماعات غير التابعة لحكومة الصومال الاتحادية” هذا بالإضافة إلى إشكالية أخرى أوردها التقرير تتمثل في تصاعد حدة عمليات الفرار من الخدمة بين قوات الأمن الصومالية؛ فوفق التقرير” تراجعت نسب بقاء قوات الشرطة والجنود المدربين لتصل في بعض الأوقات إلى 20%، مع هروب مزودي الأمن السابقين بالأسلحة والذخيرة والزي العسكري التابعين للحكومة”

بين اليمن ومقديشو

ومن بين ما أشار إليه التقرير، طبيعة الحركة النشطة التي يمارسها تجار الأسلحة غير الشرعية وغير النظامية في مقديشو العاصمة؛ إذ أكد التقرير على أنه” لا يزال تجار السلاح يسهلون تجارة السلاح غير المنظمة في أجزاء من مقديشو، وأن الأدلة تُظهر أن الأسلحة غير الشرعية التي تباع في السوق السوداء تشمل الإمدادات الحكومية، والتي يُعتقد أن بعضاً منها تم تسريبه بشكل متعمد، كما أن حركة الشباب استخدمت هي أيضاً أسلحة حكومية تم شراؤها بطريقة غير شرعية من أسواق مقديشو، في الهجمات على الأهداف المدنية والحكومية”

وفي سياق تقييمها لتدفقات الأسلحة غير الشرعية من مصادر أجنبية، أشار التقرير إلى”التحذيرات الصادرة من مجموعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة في الصومال وإريترياSEMG، بشأن توقعات محتملة، وإفادات شهود، بإمكانية لجوء حركة الشباب إلى تكثيف جهودها لشراء أسلحة متطورة تعينها على مواجهة التصعيد المضاد من قبل قوات الحكومة وقوات الاتحاد الإفريقي، وذلك عبر خطوط إمداد للحركة  قادمة من اليمن، تتضمن عمليات توريد للمسدسات والرشاشات وقاذفاتRPG والذخيرة، إلى نقاط استلام متعددة على الساحل الصومالي، مع الأخذ في الاعتبار أن أرض البنط ــ وفق ما يذكر التقريرــــ تمثل بوابة أساسية للأسلحة والذخيرة القادمة من اليمن، والتي يتم استلامها براً وجواً، لنقلها إلى مقديشو ووجهات أخرى في منطقة جنوب الوسط”

أخطاء الأعضاء

وفي إشارة صريحة، أفاد التقرير بوجود إجراءات معاكسة تتخذها بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تكون نتيجتها تصعيب مهمة الحكومة الصومالية في السيطرة على حركة تدفق الأسلحة غير الشرعية، وتقويض جهودها في هذا الشأن، خاصة في المناطق التي لا تخضع لسيطرتها؛ إذ يذكر التقرير أن هذه الدول، تقوم ” بتجاهل متطلبات الأمم المتحدة بشأن التبليغ، والقيام بتوريد الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى مباشرة إلى الجماعات المسلحة غير التابعة لحكومة الصومال الاتحادية، وهذا النوع من عمليات التوريد يقوض جهود حكومة الصومال الاتحادية في الالتزام بمتطلبات التبليغ عن استيراد الأسلحة بموجب قرارات لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، وبالتالي يصعِّب في نهاية المطاف من جهود حكومة الصومال الاتحادية في تحديد وتسجيل وتتبع الأسلحة في المناطق الخارجة عن سيطرتها”

القرار 2182(مجلس الأمن الدولي)

وفي سياق الحديث عن ما يمثله قياس تدفقات الأسلحة غير الشرعية من صعوبات وتحديات وفوائد في ذات الوقت، أوضح التقرير أن” تتبع بيانات عمليات ضبط ومصادرة الأسلحة والذخيرة في الصومال، يقدم معلومات هامة تساعد على فهم تدفقات الأسلحة غير الشرعية محلياً ودولياً، وأنه لابد من تصنيف المعلومات وفقاً لنوع السلاح وطرازه وظروف الضبط والمصادرة، وأنه وفقاً لتقارير مجموعة المراقبة في الصومال وإريتريا، تبين أن بعض الجهات، بمن فيهم نخبة الأعمال والسياسة، متورطين في تهريب السلاح، بالإضافة إلى أن طرق نقل وكميات وأنواع السلاح الذي يتم تهريبه، تؤكد وجود عمليات نقل غير شرعية مصدرها عناصر خارجة على القانون في دول عديدة منها إيران وليبيا وكوريا الجنوبية والسودان، وأن الفترة ما بين عامى 2004، و2011، سجلت نحو 455 حالة نقل وضبط ومصادرة السلاح، تتضمن حوالي 50.000 قطعة سلاح تشمل بنادق هجومية شبيهة بالكلاشنكوف ورشاشات PKM ورشاشات دوشكا الثقيلة وقاذفات قنابل وبنادق غير ارتدادية”، غير أنه ــ وفق ما يذكر التقريرـــ ” لا توجد مجموعة شاملة أو منتظمة من البيانات حول عمليات الضبط أو المصادرة من قبل جميع قوات الأمن في منطقة جنوب الوسط، مما يحد من قدرة مجموعة المراقبة في الصومال وإريتريا على إعداد التقارير، ويحول بشكل مستمر من تتبع الأسلحة المصادرة غير المسجلة أو التي تم إدارتها بصورة سيئة، خاصة وأن عمليات الضبط والمصادرة في البحر والبر في الصومال، تبرز الحاجة إلى تطبيق إجراءات موحدة، الأمر الي يستوجب قيام الجيش الوطني الصومالي وقوات الاتحاد الإفريقي بتسجيل أنواع الأسلحة وأرقامها التسلسلية وبيانات ختم الذخيرة والعلامات الأخرى ذات العلاقة، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2182، والذي يلزم كلا القوتين بمشاركة هذه المعلومات مع مجموعة المراقبة في الصومال وإريتريا، وتسهيل تفتيشها على الأسلحة والذخيرة المصادرة قبل إعادة توزيعها أو إتلافها”

مؤشرات خطرة

ويلفت التقرير النظر إلى بعض المؤشرات التي يمكن من خلالها الاستدلال على وجود أخطار قادمة، ومن هذه المؤشرات ما يتعلق بمتابعة أسعار الأسلحة والذخيرة غير الشرعية متابعة منتظمة؛ فمن وجهة نظر التقرير” تعتبر أسعار الأسلحة غير الشرعية أعلى في الدول التي تطبق إجراءات رقابة صارمة، وأقل في الدول التي تفتقر إلى اللوائح التنظيمية أو حكم القانون فيما يتعلق بالأسلحة، ومن ثم يمكن أن يشير الهبوط المفاجيء في أسعار الأسلحة، إلى تزايد مخاطر وقوع نزاع ما أو تدهور في البيئة الأمنية، في حين يشير الارتفاع الحاد في الأسعار إلى طلب أعلى لغايات الحماية الشخصية، وأنه بغض النظر عن أسباب تقلبات الأسعار، فإنه يمكن أن يدفع الوعي بتغيرات الأسعار غير العادية إلى التحقيق السريع في أسباب هذه التغييرات”

خلاصات

وفي الختام، يخلص التقرير إلى الحقائق التالية:

  • أنه منذ رفع حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة جزئياً في عام 2013، حصلت حكومة الصومال الاتحادية في منطقة جنوب الوسط على أكثر من 17.500 قطعة سلاح، و9ملايين قطعة ذخيرة.
  • أنه تم استيراد كميات غير معروفة من الأسلحة والذخيرة، على يد أطراف عدة من بينهم حكومات إقليمية وجماعات معارضة، وأنه لكي يتم تشكيل قاعدة معرفية من أجل صياغة مراقبة السياسات المناسبة لمعرفة تفاصيل هذه الكميات، وما يتعلق مجملاً بقضية تدفق الأسلحة غير الشرعية إلى الصومال، فلابد من تنظيم الجهود لتحقيق التوقعات فيما يتعلق بحفظ السجلات وتتبعها حسبما هي محددة في مؤشر هدف التنمية المستدامة المقترح02.16.40، وهو ما يجعل من الدعم الدولي المستمر لتعزيز حكومة الصومال الاتحادية في هذا الصدد، أمراً مهماً للغاية، كما أن التعاون بين اللاعبين المحليين والدوليين جوهري كذلك.

المصدر

( كريستوفر كارلسون، ملاحظات بحثية مسح الأسلحة الصغيرة، رقم 61، فبراير 2017(قياس تدفق الأسلحة غير الشرعية: الصومال)، ملف التقرير باللغة العربية متاح على: http://www.smallarmssurvey.org/fileadmin/docs/H-Research_Notes/SAS-Research-Note-61-ARA.pdf

* باحث مصري

محسن حسن

باحث وأكاديمي مصري
زر الذهاب إلى الأعلى