الانتخابات الرئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال:  الأهمية والتوقعات والتداعيات

المحتوى:

1- المقدمة

2- الانتخابات الرئاسية  في جنوب غرب الصومال أهميتها وتأثيرها محليا واقليميا

3- أبرز المرشحين توجهاتهم وحظوظهم

    مختار ربو أبو منصور

  – عبد العزيز حسن محمد لفت غريين

  – شريف حسن آدم الرئيس الحالي للولاية

4- العوامل المؤثرة في الإنتخابات

– المال السياسي

– الولاءات القبلية

التداعيات ورهانات الحكومة الاتحادية

المقدمة

مدينة بيدوة عاصمة ولاية جنوب غرب الصومال  على موعد مع واحدة من أهم  الانتخابات الرئاسية في تاريخها الحديث في ظل وضع أمني وسياسي دقيق ناجم عن التنافس الشديد بين المرشحين والكم الهائل من المال السياسي والقوات المتدفقة إلى المدينة علاوة على الاحتقان المسيطر منذ شهور على المشهد السياسي في الصومال.

استقبلت المدينة خلال الأيام الماضية عددا من المرشحين ترافقهم قوات خاصة وسيارات واقية من الرصاص، كما وصل إليها نواب في البرلمان الاتحادي بمجلسيه الشيوخ والشعب للمشاركة في الحملات الإنتخابية الأمر الذي أعطى الانتخابات زحما سياسيا واهتماما إعلاميا غير مسبوق ، حيث صارت تحتل عناوين  النشرات الإخبارية في الوسائل الإعلامية المحلية المرئية والمسموعة ومواقع وسائل التواصل الإجتماعي والجميع يترقب مآلات هذه الإنتخابات وما يتمخض عنها .

يتوقع كثيرون أن  تلعب  الإنتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها في مدينة بيدوة في 17 نوفمبر المقبل  دورا كبيرا في تحديد مستقبل أربعة عناصر رئيسية في المشهد السياسي الصومالي،  مسار العملية الديمقراطية في الصومال ، والانتخابات الرئاسية الأخرى المتوقع اجراؤها في ولايتي بونت لاند وجوبالاند العام المقبل،  ومستقبل حكومة رئيس وزرائه حسن علي خيري اللذي يراهن على خسارة رئيس ولاية جنوب غرب الصومال الحالي شريف حسن  الدمينو السياسي الذي اذا تغير يحدث تغيرا ممثلا بجواره والعنصر الرابع هو الحرب على الإرهاب.

في هذا المقال سنبحث أهميتة الانتخابات الرئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال، وتاثيرها محليا واقليميا، وأبرز المرشحين ، توجهاتهم وحظوظهم وما هي العوامل المؤثرة فيها. كما سنتطرق دور الحكومة الاتحادية في الانتخابات وما هي الآليات التي تتبعها للتأثير فيها وكيف ستتعامل مع نتائجها اذا سارت الرياح بما لا تشتهي السفن.

الانتخابات الرئاسية  في جنوب غرب الصومال أهميتها وتأثيرها محليا واقليميا

تحظى ولاية جنوب غرب الصومال، أهمية جيوسياسية قصوى محليا واقليميا بإعتبارها واحدة من أغنى  الولايات الأعضاء في الحكومة الفدرالية الصومالية، وأكبرها مساحة، وأكثرها كثافة سكانية، فهي تتكون من  محافظتي باي وبكول الواقعتان غرب البلاد في الحدود مع إثيوبيا، واقليم شبيلي السفلى شريان حياة الاقتصاد الصومالي والمطل على المحيط الهندي والقريب من العاصمة مقديشو.

  سياسيا،  تتمتع ولاية جنوب غرب الصومال  بديناميكية سياسية منقطعة النظير، سمحت لها أن تظل قبل الاستقلال وبعده عاملا أساسيا ورخا مهما يساهم في تحريك طواحين المعارك السياسية في الصومال التي لا تتوقف وتوجيه بوصلتها، وتأثير المشهد السياسي الصومالي المعروف بالتقلب والتموضع والذي يصبح مستقرا ويمسي مضطربا ، لما كانت ولاتزال تتمتع به الولاية من ممثليين في البرلمان الاتحادي الذين يملكون مفاتيخ انتخاب الرئيس الصومالي أو عزله، إلى جانب علاقتها الإستراتيجية مع إثيوبيا  التي لها حدود مع الولاية.

وبالتالي تكمن أهمية الإنتخابات الرئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال  في:

  1. دورها الرائد في تغيير قواعد اللعبة السياسية في الصومال وخصوصا العلاقة بين الحكومة الاتحادية والولايات الاقليمية الأعضاء في الإتحاد الذي يكاد يصل في الوقت الحالي على الأقل إلى نقظة اللاعودة، وحسم الخلاف السياسي الذي ينشأ بين الطرفين بإستمرار. تتفق كل تحليلات على أن خسار ة الرئيس الحالي شريف حسن آدم  في هذه الإنتخابات تشكل نكسة كبيرة لمجلس تعاون الولايات الاقليمية  الذي يضم ولايات جنوب غرب الصومال، وبونت لاند،  وجوبالاند،  وجلمدغ، وبداية لتصدعه وانهياره، فيما  يمنح الحكومة الاتحادية فرصة ذهبية للمضي قدما في سياساتها الهادفة إلى تقليص نفوذ رؤساء الولايات وتهميش دورهم في القرارات  السياسية ولاسيما  فيما يتعلق بالشؤون الأمنية والخارجية للحيلولة دون تكرار الأزمة التي اندلعت بين الحكومة الاتحادية والولايات الاقليمية  في أغسطس عام 2017  على خلفية موقف الحكومة الاتحادية بشأن مقاطعة دولة قطر من قبل أربع دول عربية محورية ، وهي: المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وتحويلهم إلى حكام اقاليم شأنهم شأن المحافظين الذين يتم تعينهم من الحكومة في مقديشو.
  2. أن تتمكن الحكومة الاتحادية من بسط سلطتها على كافة البلاد، لأن   الحكومة الاتحادية الحالية برئاسة الرئيس محمد عبد الله فرماجو تعتبر رؤساء الولايات الإقليمية بدون استثناء عقبة كبيرة أمام بسط سلطتها وتمكنها من فرض هيبتها على جميع المناطق الصومالية لتتفرغ إلى خطوات أخرى تراها ذات أهمية وجدى، مثل تنفيذ اتفاقياتها مع قوى اقليمية ودولية ، واستئناف المفاوضات مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية، والانتخابات الرئاسية العامة في الصومال المتوقع عقدها في عام 2020  ولذلك فإنهاء حكم شريف حسن الرئيس الحالي لولاية جنوب غرب الصومال عبر الصناديق يعد لها بمثابة اطلاق صفارة البداية لسقوط قطع دومينو الولايات الاقليمية الواحدة تلو الأخرى  وطي صفحتها والتخلص من كابوسها وما كانت تشكل عليه من  تهديد على حكومة الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء خيري واستمرارهما في الحكم لسنوات.
  3. شخصية شريف حسن المثيرة للجدل. يعد الرئيس الحالي لولاية جنوب غرب الصومال شريف حسن، شخصية محورية  تتمتع بكاريزما وتأثير حقيقي على ميزان القوى السياسية في البلاد منذ عام 2004،  وكان يحوز غالبا ثقية زملائه في المسرح السياسي ، بل وظل منذ سنوات الرقم الصعب بلا منازع في المعادلة السياسية والذي يحتاج إليه المرشحون للإنتخابات الرئاسية العامة ولذلك فان خسارته في انتخابات حاكم ولاية جنوب غرب الصومال ستخرجه من عالم السياسة الصومالية من بابها الواسع وستشكل علامة فارقة في التاريخ الصومالي نظرا لدوره المحوري الذي كان ولا يزال يلعبه  داخل المطبخ السياسي الصومالي.
  4. الحرب على حركة الشباب . اذا أفرزت الانتخابات الرئاسية في جنوب غرب الصومال تغييرا سياسيا يطيح حكم شريف حسن فإن  ذلك سيعطي دفعة قوية للحرب على حركة الشباب التي تسيطر على مناطق شاسعة من أقاليم باي، وبكولـ وشبيلي السفلى وخصوصا إذا فاز بها القيادي المنشق عن الحركة مختار روبو ، لأن مشاركته في الانتخابات تعتبر اختباراً رئيسيا للجهود التي تدعمها الولايات المتحدة في الصومال لتشجيع المنشقين عن حركة الشباب وإضعاف الجماعات المتطرفة. ولكونه الشخصية المرحلية القادرة على تحقيق انجازات فيما يتعلق بالأمن رغم وجود مخاوف من أن يتبنى سياسات وتشريعات أكثر تشددا .
  5. العلاقة مع إثيوبيا. تعتبر اثيوبيا احدى القوى الاقليمية المؤثرة في إدارة جنوب غرب الصومال بسبب العلاقة الإسترايجية بين الطرفين وموقع الولاية في الحدود مع اثيوبيا وباعتبارها سدا منيعا أمام  هجمات المتشددين الصوماليين ، بالإضافة إلى انتشار عددا كبير من القوات الإثيوبية العاملة ضمن قوة بعثة الاتحاد الإفريقي في اقليمي باي وبكول.

نضيف إلي ما سبق الإشارة إليه  أن  كينيا وجيبوتي اللذين لهما وجود عسكري في ولايتين مجاورتين لولاية جنوب غرب الصومال يراقبان أيضا القضية عن كثب خوفا من أي تداعيات  على الولايات الأخرى المقبلة على انتخابات مماثلة العام القادم. 

أبرز المرشحين توجهاتهم وحظوظهم

يتنافس في الإنتخابات الرئاسية لولاية جنوب غرب الصومال عدد كبير من المرشحين ، من بينهم:

  1. سيد أحمد شيخ طاهر
  2. صالح شيخ عثمان ( وزير سابق)
  3. آمنة محمد مرسل (وزيرة سابقة)
  4. شريف حسن شيخ آدم الرئيس الحالي للولاية
  5. محمد آدم فرجيتي وزير المالية السابق
  6. آدم محمد سرنسور زعيم حرب سابق
  7. يوسف معلم أمين باديو (وزير سابق)
  8. مختار روبو أبو منصور قيادي منشق عن حركة الشباب
  9. عبد العزيز حسن محمد لفت غرين  وزير الطاقة والمياه في الحكومة الاتحادية 
  10. حسين حسن عبدي كشيتي
  11. حسين عثمان حسين ، رئيس جهاز الاستخبارات الصومال السابق 

الا أن ثلاثة من هؤلاء يعتبرون أقوى المرشحين، وأبرزهم حظوظا للفوز، وهم:

شريف حسن آدم الرئيس الحالي للولاية

شخص غني عن التعريف وصاحب مقدرات سياسية عالية  ينتمي إلى عشيرة أشراف من قبائل دغل وميرفلي،  كبرى عشائر جنوب الصومال  المنتشرة على وجه الخصوص في مناطق باي وبكول، والمعروفة بسياساتها البرغماتية وقربها من جميع العشائر الأخرى، فهو واحد من أبرز الوجوه السياسية في الصومال، لمع نجمه في المشهد السياسي عقب دخول القوات الاثيوبية الى الصومال عام 2006 وكان من السياسيين الذين قادوا حملة ما سمي آنذاك بـ”المقاومة”  ضد القوات الإثيوبية وكان مقرهم في العاصمة الإريترية أسمرة.

يوصف شريف حسن بأنه سياسي بارد الطبع، ورجل برغماتي، يتميز بالأخلاق الطيبة والإبتعاد عن الصدام مع الآخرين واستخدام اللألفاظ النابية  وهو الأمر الذي سهل له في الاحتفاظ بعلاقات متميزة مع كافة الزعماء الصوماليين والبقاء في الواجهة السياسية الصومالية لفترة طويلة، وتكوين علاقات قوية مع الدول المعنية بالشأن الصومالي وخاصة إثيوبيا وكينيا.

انتخب عام 2014 رئيسا لإدارة جنوب غرب الصومال في انتخابات مثيرة للجدل ، كما سبق وأن تولى منصب رئيس البرلمان الفيدرالي ووزير المالية، وترشح لمنصب رئيس الصومال في الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد  عام 2012 الأ أنه فشل في تحقيق هذا الحلم.

يراهن شريف حسن الانجازات التي حققها خلال السنوات الأربعة التي قضاها في الحكم والتي سمحت له – بحسب     الكاتب والناشط الدكتور محمد معلم حسن -لإجراء انتخابات رئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال أعطت فرصة متساوية لجميع المرشحين والتي لا تتوفر في الولايات الأخرى وأصوات أعضاء برلمان الولاية الذين اختارهم هو بنفسه، وبالتالي يتوقع أن يتم إعادة انتخابه حاكما لجنوب غرب الصومال في ولاية ثانية مدتها أربع سنوات.

عبد العزيز حسن محمد لفت غريين

ينتمي إلى عشائر رحنوين ، فرع حرين، وهو وزير الطاقة والمياه في حكومة حسن علي خيري ، وتقلد عددا من المناصب  في الحكومات السابقة من بينها وزير الشباب والشؤون الاجتماعية ، وزير المواني ، ووزير الثروة الحيوانية وزير الدولة في وزارة الاعلام والاتصالات والبريد،  ووزير الدولة في وزارة التجارة والصناعة وهو نائب في البرلمان وترشح لمنصب رئيس مجلس الشعب منتصف هذا العام وحل في المرتبة الثالثة. يعد عبد العزيز لفت غرين  شخصية هادئه لا تحب الظهور الإعلامي ومقبولة لدى الأوساط السياسية الا أن  البعض  يتهمه بأنه من القريبن من الرئيس فرماجو وتلقى دعما من قبل الحكومة الاتحادية التي تولي اهتماما كبيرا بنتائج هذه الإنتخابات.

يتوقع كثيرون بأنه حاكم ولاية جنوب غرب الصومال المقبل نظرا لخبرته السابقة في السياسية والتي كتسبها  من خلال المناصب التي تقلدها في السنوات الـ15 الماضية والدعم الكبير التي توفر له الحكومة الاتحادية.

مختار ربو أبو منصور

القيادي المنشق حركة الشباب فهو من مواليد عام 1969 في مدينة حدر مركز اقليم باكول ودرس في مقديشو والسودان سافر بداية التسعينات إلى افغانستان للانضمام إلى “القاعدة” الا أنه عاد إلى البلاد بعد سقوط نظام طالبان  وشارك في تأسيس ما عرف بالمحاكم الاسلامية عام 2006 وحركة الشباب وعين نائبا للحركة ثم متحدثا بإسمها وأعلن أغسطس عام 2017 انشقاقه رسميا من الحركة والعودة إلى العاصمة مقديشو. وكان من المدرجين ضمن قائمة المطلوبين لدى الولايات المتحدة كإرهابي عالمي ووعدت وزارة الخزانة الأمريكية بمنح مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى موقعه إلا أنها شطبت اسمه من تلك القائمة بعد التشاور مع الحكومة الصومالية عام 2017.

يتمع روبو بشعبية في أوساط سكان اقليمي باي وبكول ويرونه بأنه شخصية المرحلة القادرة على هزيمة الشباب وإعادة الأمن والإستقرار إلى الولاية وبالتالي لديه فرصة معقولة للفوز في الانتخابات التي ستجري 17 نوفمبر الجاري.

العوامل المؤثرة للإنتخابات

تتلخص العوامل المؤثرة للانتخابات الرئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال في عاملين:

العامل الأول : المال السياسي

تتزايد المخاوف إزاء عمليات فساد قد تشوب  في الانتخابات، وقيام بعض المرشحين باستخدام اساليب غير ديمقراطية لمنع مرشحين آخرين من الخوض في الانتخابات أو لاقناع  نواب برلمان الولاية بعدم التصويت لهم وتدخلات من قبل جهات سيادية في العملية الانتخابية لصالح مرشحيها، حيث أبدى كثير من المراقبين مخاوفهم من وقوع استغلال سياسي بشع  للتأثير على موازين المرشحين.

العامل الثاني : الولاءات القبلية

تمثل القبلية واحدة من أبرز العوامل المؤثرة  على الإنتخابات الصومالية عموما و يحاول المرشحون للانتخابات الصومالية  في الغالب استخدام ورقة “حماية مصالح العشيرة” لغدغة مشاعر وعواطف الناخبين ولذلك فالمرشحون للانتخابات الرئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال المنتمين إلى عشيرة “ميرفلى” هم الأوفر حظا للفوز .

التداعيات ورهانات الحكومة الاتحادية

فالحكومة الاتحادية كغيرها  من الأطراف الساسية في الصومال تراقب الإنتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها في مدينة بيدوة  في 17  نوفمبر الجاري عن كثب باعتبارها الفيصل والحكم لخلافها مع الولايات الاقليمية التي تتجهز لإنتخابات رئاسية مماثلة وخاصة ولايتي بونت لاند وجوبالاند، وصراعها مع المعارضة السياسية في مقديشو. وعلى هذا الأساس تضع الحكومة الاتحادية كل ثقلها من أجل اطاحة الرئيس الحالي للولاية شريف حسن شيخ آدم  وإعادة سيناريو الإطاحة برئيس البرلمان السابق محمد عثمان جوري حين حشدت كل قواها لإخراجه من المشهد وسحب الثقة منه مراهنة على نفوذها السياسي والمالي وشعبية الرئيس محمد عبد الله فرماجو لحسم الانتخابات لصالحها.

لكن يتسائل كثيرون ما ذا ستفعل الحكومة  في حال سارت الرياح بما لا تشتهي سفنها فهل تتجرع السم وتقبل النتيجة التي قد تؤدي في هزيمتها لمواقع وحلائب وميادين سياسية أخرى؟

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى