المصالح العربية في القرن الأفريقي

يعتبر القرن الأفريقي امتدادا للعالم العربي، وذلك بحكم القرب الجغرافي بينه وبين الجزيرة العربية، وبحكم الإرث التاريخي والثقافي، والمصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة بين الشعوب العربية وشعوب القرن الأفريقي.

ونظرا لأهمية منطقة القرن الأفريقي، والمتمثلة في موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يتيح لها أن تتحكم بأهم الممرات المائية التي تعبرها نسبة عظمى من التجارة الدولية والإقليمية، ولكونه نقطة وصل بين بين قارات ثلاث هي أفريقيا وآسيا وأروبا، ازداد الصراع الدولي والإقليمي عليه مما أجج النزاعات الدّاخلية في المنطقة.

ولكون العرب جزءا من المنظومة الدّولية، كان من الطبيعي أن يكونوا جزءًا من هذا الصراع على الوجود في المنطقة، خاصة وأنهم عرفوا المنطقة منذ زمن بعيد يعود لما قبل الميلاد، إلاّ أن العرب لم يفعّلوا حضورهم إلاّ بعد أن تغلغلت إسرائيل في القرن الأفريقي وتعاونت سرّا وعلنا مع دول واقعة فيه لإحداث شرخ في الأمن القومي العربي واستكمال مخططها لتطويق الوطن العربي. بل لم يدرك العرب أهمية هذه المنطقة إلاّ عندما رأوا أنّ جميع القوى الدولية والإقليمية تتنافس في إيجاد موطئ قدم لها فيها.

فالولايات المتحدة الأمريكية لها عدّة قواعد عسكرية سرّية وعلنية في دول منطقة القرن الأفريقي، ويتمثل وجود الصين في المنطقة بالتجارة والاستثمارات كما أنّ لها قاعدة عسكرية في جيبوتي التي تتحكم بالبوابة الجنوبية لمضيق باب المندب.

وتعدّ تركيا من الدّول التي سارعت للبحث عن موطئ قدم لها في القرن الأفريقي حيث تتولى شركة تركية إدارة ميناء مقديشو الدّولي، كما أقامت أكبر قاعدة تدريب عسكرية خارج بلدها في مقديشو. بينما إيران التي تُعدّ خصما للعرب لها حضور ملفت في المنطقة.

كلّ هذا وغيره يحتّم على العرب الدفاع عن مصالحهم واسترداد بضاعتهم وذلك عبر توثيق عرى الأخوّة والصداقة والدبلوماسية مع دول القرن الأفريقي لما لذلك من أهمية في أمنهم القومي وتنمية اقتصادهم.

تتعدد الروابط والمصالح العربية مع القرن الأفريقي بين تاريخيّة وثقافيّة وعرقية واقتصادية وأمنية. خاصّة وأن ثلاثاً من دول القرن الأفريقي ( الصومال، جيبوتي، والسودان ) أعضاء كاملة العضوية في جامعة الدّول العربية، وهذا بحدّ ذاته مؤشر على مدى متانة الرباط بين العرب وشعوب القرن الأفريقي.

ونستعرض هنا أهم المحاور الرئيسية التي تمثل المصالح العربية في القرن الأفريقي، وتشمل الأمن المائي والغذائي، والأمن القومي العربي، والمصالح الاقتصادية والتبادل التجاري، والمصالح السياسية:

  • الأمن المائي والغذائي: يعتبر المياه محرك الحياة، ولن تستقيم حياة بدون مياه، ولن يحدث تطوّر بدون مياه، وعلى هذا الأساس قامت الحضارات العريقة في كلّ من مصر والعراق على ضفاف الأنهار، فأمدت العالم بإنتاج حضاري رائع مازالت آثاره باقية حتّى الآن.

ومن المعلوم أنّ بعض الدول العربية تتقاسم المياه مع دول في القرن الأفريقي وذلك عن طريق الأنهار التي توجد في كلّ من العالم العربي ودول القرن الأفريقي. فمصر والسودان مثلا يعتمدان وبنسبة كبيرة على مياه النيل الذي ينبع من دول في القرن الأفريقي، وخاصة إثيوبيا وأوغندا، بينما الصومال تعتمد زراعتها في المناطق الجنوبية على نهري شبيلي وجوبا الّذين ينبعان من هضبة الحبشة. لذلك يُعتبر المياه أهم المصالح العربية في القرن الأفريقي، وعليه لا بدّ من أن تسعى الدّول العربية إلى تعزيز استمرارية هذه المصلحة، وذلك بمجابهة التحرّكات الصهيونية في المنطقة والتي ترمي إلى تقليص حصة العرب في مياه النيل من خلال سعيها لإقامة مشاريع زراعيّة وسدود عملاقة في ممر النهر إلى مصر والسودان بدولة جنوب السودان تستقطع كثيرا من حصص الدولتين من المياه التي يعتمدان عليها في أنشطة حياتهم المتعددة من الزراعة وتربية الحيوانات إلى توليد الطاقة الكهربائية وغيرها.

وإذا أدركنا أهمية المياه فمن الطبيعي أن نعرف أنّ أي تهديد مائيّ يعني أيضا تهديداً غذائيًّا للارتباط بين أنشطة الإنتاج الغذائي من الزراعة وتربية الحيوان وبين توفر كمّيّة المياه اللازمة لقيام هذه الأنشطة وإيتاء ثمارها.

  • الأمن القومي العربي: إن القرن الأفريقي امتداد أو حديقة خلفية للعالم العربي، ولذلك من الصعب أن يشعر العرب بالأمن والهدوء ما لم يطمئنوا بأحوال القرن الأفريقي.

ولتفعيل هذه المصلحة لا بدّ من التركيز على قضيّتين أساسيّتين في مجال الأمن القومي العربي وهما:

  • قضية القرصنة في سواحل القرن الأفريقي: رغم تقلّص هجمات القراصنة على سواحل القرن الأفريقي بسبب الجهود الدولية والإقليمية إلاّ أنها لا تزال خطرا محدقا بالأمن القومي العربي، حيث تهدّد القرصنة طريق التجارة الدولية عبر ممرات البحر الأحمر في القرن الأفريقي، ويكون العرب المتضرر الأكبر والأول في إغلاق هذا الطريق البحري، إذ أنّ النفط الخليجي يتم تصديره عبر هذا الطريق وعن معابره تستورد الدول العربية احتياجاتها من الخارج. مما يُلزم الدول العربية أن تسعى للقضاء على أسباب القرصنة والوصول إلى حلّ جذري لقضية القرصنة حتى تأمن بضائعها وسيادتها.
  • قضية الحركات والجماعات الأيديولوجية المسلّحة: تعاني الدول العربية ودول القرن الأفريقي من جماعات وحركات أيديولوجية مسلّحة، تهدّد كيان الدول وتسعى في إضعافها أو إزالتها. وعليه لا بدّ للدول العربية ودول القرن الأفريقي من التنسيق فيما بينها لمواجهة هذه الحركات. وليس الحلّ العسكري هو الخيار الوحيد لمواجهة الحركات المسلّحة بل إنّ الحوار والإقناع وإقامة الحجّة لمن أهم السبل لإزالة هذا الخطر.
  • المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري: يُعتبر القرن الأفريقي منطقة استراتيجية للتجارة حيث الممرات المائية التي عن طريقها تتم التجارة الدّولية، وعليه فإن مصلحة العرب تصبّ في الاستفادة من موقعها الجغرافي القريب من القرن الأفريقي، وتستثمر هذا التّقارب الجغرافي بإقامة شراكة تجاريّة مع دوله تتضمّن إنشاء سوق تجاريّة حرّة والتبادل التجاري للسلع المستوردة بين الجانبين بأكبر حجم ممكن، وبما يحقق للجانبين تكاملاً اقتصاديًّا، ويعود على الشعوب بالرفاهية والنماء الاقتصادي.وتوفير الأموال المهدرة  في عمليات استيراد وتبادل تجاري عبر مسافات شاسعة ومكلفة.
  • المصالح السياسية: إنّ التمثيل الدّبلوماسي للعرب في منطقة القرن الأفريقي ضئيل جدّا، وهي نتيجة طبيعة لضعف العلاقات السياسية والدبلوماسيّة معها، مما سيكون له أثره السلبي على سياسات دول المنطقة تجاه العرب حيث تكون الساحة خالية لأعداء العرب المتربصين بهم من إسرائيل وإيران. فعلى العرب قيادة حراك محموم لتفعيل وتكثيف العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول لتحقيق أكبر قدر من المزاحمة لإسرائيل ومشاريعها وسياساتها في المنطقة وعدم إخلاء الساحة لتنفيذ مخططاتها بكل نجاح وسلاسة دون عقبات أو عراقيل. حيث أن إسرائيل سعت وتسعى إلى أن تكون المؤثر الأول في القرن الأفريقي، و” إن التحولات التي تجري، سواء في القرن الأفريقي أو قريبا من خليج العقبة، تعمل لصالح إسرائيل” كما يقول مدير مكتب الجزيرة في رام الله وليد العمري في مداخلة له لبرنامج عين الجزيرة في حلقته في الثالث من شهر أكتوبر 2017م ،. وما قيام دولة جنوب السودان المنفصلة عن السودان إلاّ تجسيدا لتلك النظرية.

وفي الختام، أورد هنا بعض الاقتراحات التي من شأنها مراعاة المصالح العربية في القرن الأفريقي:

  • على المستوى السياسي والأمني: لا بدّ من الاهتمام العربي بالقضايا السياسية في القرن الأفريقي وخصوصا فيما يتعلّق بالملف الصومالي الّذي يبدو أن العرب غائبون أو مغيّبون عنه. ويتم ذلك عن طريق التمثيل الدبلوماسي الرفيع والمكثف، والمتابعة الدقيقة لتحولات المنطقة السياسية والأمنية.
  • على المستوى الثقافي والتعليمي: لا بدّ من ترميم الجسور الثقافية مع منطقة القرن الإفريقي بفتح أبواب الجامعات العربية للوافدين من القرن الأفريقي سواء كانوا طلابا، أو باحثين أو أساتذة، للاستفادة من الخبرات التعليمية العربية، ولتعزيز الثقافة العربية التي كانت يوما ما ثقافة منطقة القرن الأفريقي، إلاّ أنها جنحت في الآونة الأخيرة في المنطقة نحو الغروب، وتنتظر البعث والإحياء ممن يهمهم الأمر وهم العرب في المقام الأول.
  • على المستوى الاقتصادي والتجاري: تعدّ منطقة القرن الأفريقي سوقا خصبة للمنتجات العربية، كما أن المواد الخام المتوفرة في القرن الأفريقي تساعد العرب في نمو صناعاتهم. كما أنّ الاستثمارات العربية في المنطقة من شأنها أن تؤدي دورًا فعّالا في حفظ المصالح العربية في القرن الأفريقي.

  

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى