القرن الأفريقي والخليج العربي

يعرف القرن الأفريقي بذلك الجزء الناتئ في شرق أفريقيا والّذي يشمل كلا من الصومال ، وجيبوتي،  وإريتيريا،  وإثيوبيا، إضافة إلى ذلك كلا من السودان، وجنوب السودان وكينيا وأوغندا بحكم الجوار والتأثير والتّأثر.

وللقرن الأفريقي أهمية كبيرة استمدّها من موقعه الجغرافي حيث تطل بعض دوله على المحيط الهندي، كما تتحكم بعض دوله بالممرات الاقتصادية والعالمية كالبوابة الجنوبية لمضيق باب المندب، ويوجد فيه بعض الجزر الملائمة للتحركات العسكرية كدهلك وجزيرتي حنيش. كما يوجد فيه بعض الموارد الطبيعية وأهمها البترول الذي اكتشف وجوده لاحقا في كلّ من الصومال والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا.

كلّ هذا وغيره يضفي على القرن أهمية تجارية وعسكرية، فعن ممراته التجارية تتم تجارة النفط القادمة من دول الخليج، ومن ممراته وقواعده العسكرية تستخدمها القوات الأوروبية والأمريكية متى ما أرادت تنفيذ عمليات عسكرية في الوطن العربي.

أما الخليج العربي فهو الجزء الأكبر لما يكوّن ما يعرف بشبه الجزيرة العربية والواقعة جنوب غربي آسيا، ويضم دولا عربية منها المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، دولة قطر، دولة الكويت، مملكة البحرين، وسلطنة عمان وتشتهر معظم دوله بإنتاج النّفط وتصديره.

ويربط الخليج بالقرن عدّة نقاط نلخصها بما يأتي:

  • ارتباطات تاريخية وجغرافية: ارتبط الخليج بالقرن في الأزمنة الغابرة حيث أنّهما كانا يمثلان نقطة الوصل بين أفريقيا والعالم العربي، إذ أنّه عن طريق التجارة البحرية بين شبه الجزيرة العربية ودول الساحل في القرن الأفريقي وجدت منذ أن عرف الإنسان التجارة، وذلك بحكم الموقع الجغرافي الذي يربط بينهما فمضيق باب المندب وخليج عدن هما الأساس لتلك العلاقات التي كانت بين أفريقيا والعالم العربي.

ومع مرور الزمن اندمجت بعض مجتمعات الجهتين فيما بينهم فأدى ذلك إلى نقل ثقافة كلّ منهما إلى الآخر، وما هجرة المسلمين إلى الحبشة عن طريق البحر إلاّ تجسيدا لتلك العلاقات ونقل الثقافات إلى الجانب الآخر.

هذه الارتباطات التّاريخية والجغرافية بين المنطقتين أدّت إلى اهتمام كلّ منطقة للمنطقة الأخرى وعلى هذا الأساس أبرمت الاتفاقيات التجارية والمعاهدات السياسية والأمنية بين المنطقتين.

  • الحضور الخليجي في القرن الأفريقي: إن الحضور الخليجي في القرن الأفريقي يتفاوت ويختلف في المجالات والدول التي يشملها، فالحضور الاقتصادي لدول الخليج في القرن الأفريقي أكبر وأقوى من أي حضور لها، ذلك أن دول الخليج لم تول اهتماما كبيرا للمنطقة رغم أهميتها ورغم كونها محورا للصراعات الدولية والإقليمية. فالحضور الإسرائيلي في المنطقة أقوى من الحضور العربي جميعا بل الحضور الإيراني في المنطقة أوسع وأقوى من الحضور العربي، وذلك يعود إلى عدّة أسباب أهمها:
  • المشاكل والخلافات العربية الدّاخلية.
  • عدم وجود رؤية عربية موحدة.
  • انحصار استقلالية القرار العربي وعدم مرونته.
  • غياب ثقافة تكوين التحالفات عن العقل العربي

تلك هي أهم الأسباب التي أدّت إلى ضعف الوجود العربي في القرن الأفريقي، ومع ذلك فقد أدرك العرب وخاصة دول الخليج العربي أهمية القرن الأفريقي لاحقا وخصوصا عندما أصبحوا في خطّ المواجهة مع إيران التي أرادت أن يكون لها موطئ قدم في جنوب الجزيرة العربية بمساندتها جماعة “أنصار الله” أو الحوثيين الشيعة المتمركزين في اليمن.

ونستعرض هنا أهم الملامح التي توضح مدى العلاقات بين دول الخليج العربي ودول القرن الأفريقي:

أولا: الاستثمار الخليجي في القرن الأفريقي: من المسلّمات أن دول الخليج العربي استثمرت دول القرن الأفريقي استثمارا قويا وساعدت في بناء البنى التحتية لعدد من دول القرن الأفريقي، ولكن هذا لم يكن عبر برنامج ممنهج قامت به الدول الخليجية تجاه دول القرن الأفريقي، بل كان عبارة عن برنامج أحادي قامت به دولة خليجية تجاه دولة في القرن الأفريقي لأسباب واعتبارات آنية حكمت على الطرفين بالتعامل بتلك الصيغة.

ففي مقالة نشرتها الباحثة الإمارتية في الشأن الأفريقي أمينة العريمي على موقع مركز مقديشو للبحوث والدراسات عرضت فيها جانبا كبيرا من الاتفاقيات المبرمة بين دول الخليج العربي ودول القرن الأفريقي، حيث أسهبت الكاتبة في استعراض تلك الاتفاقيات الأحادية وكيفية توظيفها بما يخدم لصالح الطرفين.

ثانيا: الاهتمام السياسي والعسكري الخليجي للقرن الأفريقي: اكتسب القرن الأفريقي أهمية لدى دول الخليج العربي في الفترة الأخيرة وخاصة عندما أدركت دول الخليج العربي الخطر الإيراني المحدق بهم من مساعدتها للحوثيين.

ويُعتبر عاصفة الحزم نقطة تحول للتوازنات في المنطقة حيث استخدمت دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ممرات وقواعد عسكرية في القرن الأفريقي، بل تعدّى الأمر إلى إقامة قواعد عسكرية لدول الخليج في القرن الأفريقي، فبحثت المملكة العربية السعودية في إقامة قاعدة لها في جيبوتي، واستضافت في بلادها قادة دول ذات أهمية في القرن الأفريقي في بلادها، كما جاء في مقال نُشر على موقع العرب: حيث أشار كاتب المقال إلى الاهتمام الخاص الذي توليه السعودية بتعزيز العلاقة مع دول القرن الأفريقي نظرا للقرب الجغرافي ولأهمية موقعها الاستراتيجي … ولهذه الأهمية يقول الكاتب  استقبلت الرياض ثلاثة من رؤساء المنطقة وفي مقدمتهم الرئيس الجيبوتي، عمر جيله.

وكانت زيارة جيله التي جاءت تلبية لدعوة من الملك سلمان بن عبدالعزيز، قبل زيارتين أخريين قام بهما كل من الرئيس الصومالي السابق، حسن شيخ محمود، ورئيس وزراء إثيوبيا، هيلي ماريام ديسالين.

والجدير بالذكر هنا أن لقاء العاهل السعودي والرئيس الجيبوتي حظي باهتمام كبير خاصة وأنه أتى في ظرفية دقيقة كانت ولا تزال تعشها المنطقة خاصة الأحداث الدائرة في الجوار اليمني، والتي لها انعكاسات كبيرة لا فقط على دول الخليج بل أيضا على منطقة القرن الأفريقي ودول جنوب البحر الأحمر بشكل عام.

وأكد السفير الجيبوتي لدى الرياض، ضياء الدين بامخرمة في حوار صحفي على أهمية العلاقة بين جيبوتي والسعودية، حيث قال إن العلاقات التاريخية الوطيدة التي تربط بلاده بالسعودية “تُحتّم عليهما تطوير تلك العلاقة والتنسيق بينهما، كون المنطقة تمُر بأحداث جسام ومتغيرات متسارعة ومتداخلة، تجب مواجهتها بالتنسيق والاستعداد”.

وأضاف السفير الجيبوتي “المملكة كدولة كبرى في المنطقة، قدمت لجيبوتي الكثير من الدعم والمؤازرة في إطار تلك العلاقات المتميزة التي تجمع البلدين”.

ويرى مراقبون أن زيارات القادة الأفارقة الثلاثة “تأتي في ظل الأحداث اليمنية والتهديدات المتزايدة المتأتية خاصة من الصومال الذي يطل على الشواطئ السعودية على امتداد حدودها البحرية مع دول القرن الأفريقي”.

عامل آخر يدفع المملكة العربية السعودية للاهتمام بتطوير العلاقات مع دول القرن الأفريقي هو سعي الرياض لوقف التغلغل الإيراني في دول جنوب البحر الأحمر.

كما أن القلق على أمن مضيق “باب المندب”، الممر الحيوي لمعظم حركة التجارة العالمية، وما نتج عن محاولة تحالف جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، السيطرة على هذا الممر، بعد سقوط ميناء الحديدة اليمني في أيديهم، يدفع الجميع، بحسب مراقبين إلى اليقظة ومواجهة ذلك.

رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي ماريام ديسالين، زار هو الآخر السعودية، في أول زيارة خارجية له بعد إعادة انتخابه لهذا المنصب في الـ5 من شهر أكتوبر عام 2015 ، في محاولة لتعزيز العلاقة بين الطريفين في مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقتين ولتحقيق السلام والاستقرار.

وعملت الإمارات على إقامة قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري فيما عرضت بناء أخرى في أرض الصومال وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في شمال الصومال”“. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام دول الخليج للقرن الأفريقي.

ثالثا:الأزمة الخليجية الرّاهنة وانعكاساتها: إن الأزمة الخليجية الراهنة والمتمثلة في حصار قطر من قبل المملكة العربية السعودية وحلفاءها يُعتبر موقفا محرجا لدول القرن الأفريقي، إذ عليها أن تتعامل مع الأطراف المتنازعة بما يخدم مصالحها (دول القرن الأفريقي) ويحفظ لها جميلها (دول مجلس التعاون الخليجي)، وهو موقف صعب إلاّ أن كلّ دولة من دول القرن الأفريقي تعاملت مع هذه الأزمة كما ارتأتها فإرتيريا -مثلا- التي ارتبطت بعلاقات جيدة مع قطر حتى الآن- انضمت إلى الصف السعودي وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر.

وأعلن بيان منسوب للحكومة الإريترية عن دعمه المحدود للقطيعة مع قطر. ووصفت إريتريا المبادرة التي اتخذتها دول الخليج بكونها “واحدة من ضمن المبادرات في الاتجاه الصحيح لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين”. بينما الصومال التي تعدّ أكبر مستفيد من المساعدات السعودية، ورغم الدعم المالي الإماراتي للجيش الصومالي، سمحت للطائرات القطرية بالتحليق في أجوائها في وقت أغلقت دول عربية أجواءها في وجهها وأكدت موقفها الحيادي من الأزمة.

وقال مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة معالجة الأزمات الدولية رشيد عبدي “لا يمكنك العثور على أي مكان استراتيجي للدول العربية أكثر من الصومال”   

وأخيرا، إنّ دول الخليج العربي ودول القرن الأفريقي ارتبطا ارتباطا وثيقا، ومن العسير أن يوجد حدث في أحد الجانبين إلاّ وله تأثيراته الواضحة في الجانب الآخر، وبالنسبة لما تمر به المنطقة الخليجية وما تسبب من انعكاسات سيؤثر حتما على منطقة القرن الأفريقي ولذلك ينبغي وأن تتفق دول القرن الإفريقي والخليج العربي على رؤية استراتجية للتعاون المشترك. 

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى