قصة آدم…الدكتور عمر إيمان أبو بكر

قصة آدم عليه السلام

“إن من لم يقرأ سيرة نبي الله آدم عليه السلام ، ولم يفهم النصوص الواردة فيه لم يعرف حقيقة الجنس البشري على الوجه المطلوب بداية ونهاية، فآدم عليه السلام هو نقطة البداية وبداية الانطلاق لمسيرة البشرية جمعاء، وبمعرفة كيفية خلقه تتكشف سر بداية هذا المخلوق، وبتحمله بتلك التكاليف الشرعية تظهر حكمة إيجاد هذا النوع من المخلوقات وباستخلافه في الأرض يتبين مغزى هذه النعم التي أوجدت لوجوده من لوازم الحياة”

هذه من الجمل المفتاحية التي وردت في الكتاب الذي نتصدى لعرضه في السطور القادمة.

قصة آدم كتاب جديد ألفه الدكتور عمر إيمان أبو بكر، وعدد صفحاته 260 صفحة، وقد صدر عن دار الفكر العربي بالقاهرة، وطبع بتاريخ 1438م الموافق 2017م ( نحن الآن في عام 2016م ولعله يقصد أن قدر الموافقة أكثر بين هذين العامين)

وفي البداية أبان الدكتور عمر إيمان عن الباعث في تأليف الكتاب وهو أنه ترجم سورة يوسف إلى اللغة الصومالية في رمضان 1432 عبر إذاعة القرآن الكريم ثم راودته نفسه إلى استكمال ترجمة بقية قصص الأنبياء إلى اللغة الصومالية ثم إنه رأى أن ذلك يتطلب جهدا مضاعفا مما جعله يختار رأيا آخر، وهو مواصلة التأليف باللغة العربية وإصدار قصة كل نبي بكتاب مستقل ثم ترجمة ما يصدر منها إلى اللغة الصومالية، وبذلك يكون قد حقق في أن واحد عدة أهداف.

وكثرة التأليف في هذا المجال لا تمنع المؤلف من أن يدلي بدلوه فيقول : إن قصص الأنبياء كانت ولا زالت محط أنظار العلماء قديما وحديثا كل يدلي بدلوه في إيضاح جوانب من صفحات حياتهم عبر التاريخ في تبليغ رسالات الله بالحجة والبرهان، وبالسيف والسنان، ومن هنا يظهر لك صدق مقولة القائل :” كم ترك الأول للآخر”.

وقبل الدخول في صلب الكتاب أورد المؤلف في مقدمته عدة مسائل تمهيدية أولها صعوبة دراسة قصص الأنبياء؛ لوجود الكم الهائل من الروايات الإسرائيلية والأحاديث المكذوبة والحكايات المصطنعة حيث درج كثير من المؤلفين في قصص الانبياء أن يذكروا فيها كل ما هب ودب ويذكرون الكثير من المكذوب بجانب القليل من الصحيح ، وقلما سلم من ذلك من صنف في قصص الانبياء، ولا يخفى ما في هذا من المفاسد الشرعية

ولبيان أهمية الموضوع أشار إلى أن قصص الأنبياء في القرآن الكريم لا تأتي إلا لأهداف نبيلة، وفي مقدمتها تسلية النبي-صلى الله عليه وسلم- لما ناله من الإساءة إليه من قبل قومه بالتكذيب له، والإعراض عما جاء به من عند الله فقال الله له :” وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثت به فؤادك ” [ هود]. والنفس البشرية تستوحش الطريق لقلة السالكين فيه كذلك تأنس النفس بالاقتداء بالغير من قام بالحق قبلها، فعلمه بحالهم يزيده تذكرا بأنه حاله جار على سنن الأنبياء، وأن الغلبة تكون له في عاقبة الأمور كما كانت لهم.

إن في قصص القرآن الكريم تشويقا للنفوس المؤمنة إلى كلام الله تعالى لما فيها من الدروس والعبر والحكم، والنفس البشرية قد يعتريها بعض الملل من التكاليف والفرائض فتحتاج تارة إلى الترويح والتخفيف. إن معرفة قصص الأنبياء بالتفصيل يعني معرفة قدر كبير من القرآن إذ أن قصص الأنبياء في القرآن تشكل بمجموعها ما لا يقل عن ثلث القرآن الكريم، ومعرفة هذا القدر من القرآن لا شك أنه مكسب كبير لمن رزقه الله العمل بماعلم.

وأخيرا فإن قصص الأنبياء وإن كانت ضمن معجزة القرآن الكبرى إلا أنها أيضا معجزة ثانية للنبي-صلى الله عليه وسلم- لأن فيها بيانا للأحداث التي جرت لأنبياء الله مع أقوامهم منذ بداية إرسالهم إلى نهاية حياتهم، والجميع يعلم أن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يكن حاضرا وقت جريان تلك الأحداث. ” تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين”. (هود/49).

وذكر المؤلف أن قصص القرآن تمتاز على غيرها من القصص مما يتداوله الناس فيما بينهم من القصص بأمرين:

الأول: أن قصص القرآن حقيقة واقعة وصحيحة وثابتة تلقاها جبريل من رب العالمين ، بخلاف غيرها من قصص الناس فالقصاصون يحرصون فيها على عنصر الإثارة بإيراد الغرائب والحكايات لقصد ترغيب الناس فيما يقولونه بصر النظر عن صحتها وغرضهم في ذلك هو إلهاء الناس فيكثر فيها الأكاذيب، فلا وثوق في شيء منها إلا القليل المروي من طريق الثقات.

الثاني: أن الله تعالى أنزل قصص القرآن في كتاب بأسلوب هو في غاية الروعة والجمال بحيث تتشنف الأذن لسماعه، وتشتاق القلوب إلى تلقيه فهي جزء من ذلك الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

بين المؤلف منهجه الذي يسير عليه في دراسة قصة آدم عليه السلام  وهي أن يعتمد أولا: على القرآن الكريم، وثانيا: السنة النبوية، وثاليا: تفسير الصحابة، وعند اختلافهم اختلافا لا سبيل لنا إلى الجمع نعمد إلى التمحيص وإثبات ما يعضده الدليل وهكذا ولا يليق بالباحث أن يسرد الروايات المتعارضة دون توجيه ، ورابعا : أئمة التفسير.

والكتاب يحتوي تحقيق الكثير من المباحث الواردة في القرآن الكريم أو في كتب القصص مما يتعلق بسيرة آدم عليه السلام، ومن ذلك صفته الخلقية وقصة اللغات وهل هي توقيفية، والخلافة في الفرض، وخلق حواء من ضلع آدم ، وتمكن إبليس من وسوسة آدم، وكلام الله له، وطرق إغراءات إبليس اللعين لآدم وحواء، والتبعات المترتبة على مخالفة آدم، وعمر آدم، ومحاجة آدم موسى ، كل ذلك بأسلوب علمي يتسم بالجزالة وحسن الأسلوب، وصرامة البحث العلمي مع  تحقيقات علمية ولطائف واستدراكات ومناقشات وترجيحات مفيدة للباحثين.

وفي خضم الحديث عن خلق آدم عليه السلام فند المؤلف نظرية داروين في تفسير الوجود البشري (ص:57)ووصفها بأنها سخيفة وهذيان وجنون ، وقد دحضها بالعديد من الحجج العقلية والنقلية كما رد المؤلف على نظرية،وفي معرض حديثه عن تعرية آدم وحواء عن اللباس بسبب مخالفة أمر الله أبطل نظرية الإنسان الحجري العاري من الثياب التي يروج لها الكثير من المؤرخين، ويعنون أن الإنسان في بداية أمره كان يعيش بالأدوات الحجرية أي أنه كان بدائيا في كل شيء، ومن مقتضى ذلك أنه كان يمشي عريانا كما ولدته أمه ولم يكن على جسده لباس، وقال ” وهذا كله كذب وافتراء على البشرية في تاريخها” ولكن أشار إلى أن العري قد يحدث عند أمة من الأمم باختيار منهم مع معرفتهم الوسائل التي توصلهم إليه فيمشون عراة تماشيا مع أعرافهم وتقاليدهم كبعض القبائل في أدغال إفريقيا (ص:152).

وأخيرا لخص المؤلف المسائل البارزة والمباحث الواردة في ثنايا الكتاب، وهي طريقة تعليمية نافعة.

مؤلف الكتاب: هو الدكتور عمر إيمان أبوبكر، الأستاذ المشارك في الحديث وعلومه بجامعة صنعاء ( لعلها قبل استيلاء الحوثيين على صنعاء لأن المتناقل في وسائل الإعلام أن الجامعة تعرضت للتدمير والنهب على أيديهم) والدكتور عمر باحث جهبذ في علوم الحديث نال الدكتوراة في علوم الحديث من جامعة الإمام، درس في فرع جامعة الإمام بموريتانيا،عاد إلى الصومال بعد إغلاق الفرع عقب حادثة 11 سبتمبر2001م له كتاب ” التأسيس في فنّ دراسة الأسانيد” والكتاب مطبوع بدار المعارف بالرياض، ويقع في 494 صفحة، وله كتاب ” الإمام النسائي وكتابه المجتبى” مكتبة دار المعارف، الرياض، ط أولى 1424هـ 2003م.وهو عبارة عن ترجمة موسعة عن الحافظ النسائي ، ومنهجيته وشرطه وطريقة ترتيب الكتاب وللدكتور عمر إيمان دراسة أخرى مخطوطة بعنوان ” الأحاديث التي علق الإمام الشافعي القول بها على صحتها” وبحث آخر بعنوان:” منهجية الاستدلال بالحديث عند الإمام الشافعي( أورد المخطوطتين الدكتور محمد حسين معلم، عباقرة لهم أصول في القرن الإفريقي، مركز مقديشو للدراسات 04 يناير2015) وفي التاريخ والحركات ألف كتابه ” تجربة المحاكم الإسلامية في الصومال” طبع 2008 دار الفكر العربي. وقد انضم الدكتور إلى في عام 2006 إلى اتحاد المحاكم الإسلامية وصار عضوا في شوراها، ثم صار عضوا في التحالف الوطني لتحرير البلاد الذي تأسس في أسمرة في سبتمبر 2007م. ثم نائبا لرئيس الحزب الإسلامي الشيخ حسن طاهر أويس،(قبل اندماجه في حركة الشباب في فبراير2010) وأخيرا اعتزل السياسة وعاد إلى التدريس أستاذا في جامعة الإيمان بصنعاء.

محمد عمر أحمد 14/محرم1438هـ __14 أكتوبر2016م.

زر الذهاب إلى الأعلى