مسار العملية الانتخابية في الصومال

كان يفترض الإنتهاء من الإنتخابات الغير مباشرة مع بدايات هذا الشهر- شهر سبتمبر- المشرف على الإنتهاء غير أنه لم يتم تحقيق أى تقدّم ملموس على الأرض بإستثناء تشكيل لجان ذات صلة هنا وهناك

القيادات الإتحادية والإقليمية يجمعون على التكتم والتّحفظ عن إعلان التوقيت الفعلى ويصرّون على أن الإنتخابات ستجرى فى وقتها مع أنّ وقتها عفى عليها الزمن فعلا! , ما يجعل أمر التأجيل حتميّا خصوصا وأنّنا نصادف اليوم الموعد المقرّر لتقديم الإدارات الإقليميّة أعضاءها المنتدبين لمجلس الشّيوخ (الغرفة العليا) فى إطار إتّفاقية منتدى التّشاور الأخير فى مقديشو وهذا ما ما سيتطلّب إضافة بعض الوقت وقد يكون تعديل النّظاموالعودة إلى نظام التّعيين القديم أمرا واردا.

من هنا يتساءل المراقبون ما مغزى ذرّ القيادة الرماد فى العيون , هل هى بمثابة إقتطاع شوط إضافى ليفسح المجال أمام القيادة العليا للملمة شؤونها وخوض آخر مرانها قبل المواجهة المصيريّة أم هى بهدف الضغط على المجتمع الدولى ووضعه أمام إختبار: إمّا أن تتغمدو علينا بواسع فضلكم واموالكم وأن تضاعفو من ميزانيتكم للإنتخابات لكى تكفى وتفيض، وإمّا أن نجعل الأمر يراوح مكانه هكذا أم أن المجتمع الدولى لم يعد يهتم باالشأن الصومالى كما كان الحال قبل اربع سنوات خصوصا بعد تقهقر الإسلاميين عسكريا وإندثار طاهرة القرصنة إلى حدّ كبير , جميع هذه الإحتمالات واردة , لكن الملاحظ أن الأيام الأخيرة شهدت تحركات المرشحين منالنّظاموالمعارضة ومن أبرز ما يميّز الفترة الحاليّة:

1. زيارات المدن

أقامت معظم قيادات المعارضة خارج البلاد لما تشهده العاصمة من إضطرابات من حين لآخر فى ظلّ فشل الحكومة الحالية فىتوفيرمناخ يسمح التنافس بين الفرقاء بشكل سلمى وآمن بما يسمح للمعارضة السياسية ممارسة حقهم الدستورى فى التعبير عن الرّأى وتنظيم نشاطاته الفكرية والسياسية , وفى الأسابيع القليلة الماضية شهدت عودة الكثير من المترشحين إلى الديار من أجل وضع اللمسات النّهائيّة للإستعدادات لكنهم جوبهو ببعض المضايقات فى خرق واضح لحيادية مؤسّسات الدولة وحرمان إستغلالها من موقع القيادة والتّأثير

2. صعود الخطاب التعبوى العشائرىّ

من أجل الظّفر بأصوات الوجهاء المخوّلين لإبتعاث المندوبين برز إحياء أسلوب مخطابة العقلية العشائريّة للمجتمع لدى المترشّحين إستغلالا للمكمون القبلى الدّفين الّذى يخلد إلى الراحة بعض الأحيان فيما يشبه فترة طور السكون(Dormancy) المعروفة لدى النّباتات , ورغم خطورة اللّعب على هذا الوتر يبقى هذا الأسلوب الخيار الوحيد أمام معظم المترشحين المفلسين فكريا طالما الأغلبية فى وضع صامت بينما القرار ينحصر القرار فى يد شلّة يمكن تحريكها والتّحكّم فيها

 3. تكتلات المترشحين

فى طل التّضخم المرتقب لأسعار صوت النّاخبين يصعب على الكثيرين الّذين لا يوجد لديهم منابع إقتصادية ضخمة للإنفاق على حملاتهم الإنتخابية فإنّ من الطبيعىّ أن يلجأو إلى إنشاء تكتّلات متحالفة لخوض النزال أمام النطام الحالى من باب عدوّ عدوّك صديقى , غير أن الكثير من علامات الإستفهام تدور عن ماهية القاسم المشترك بينهم هل هى فقط لمقارعة القيادة الحالية وإزاحتهم عن الحكم هل فى جعبتهم رؤية وطنية اوإستراتيجيات واقعية كيف يمكن لهذا التحالف الهشّ تشكيل حكومة تتوافق مع أهواءهم علما بأنّ ما يفرّقهمم أكثر ممّا يجمعهم

4. الدعاية الإنتخابية

لا يمكن ممارسة الدّعاية بينما لا يوجد هناك إنتخابات حقيقيّة من الأساس , رغم معلوميّة ذالك لدى المترشّحين إلّا أنّ الصّور الملصقة على الطرق والمحلّات والسّيارات تتزايد بإستمرار

تعتبر كلمة الدّعاية من أبجديات الإنتخابات ومرادفاتها وكثيرا ما تتردّد على مسامعنا من غير أن نستوعب مغزاها الحقيقى وكيف يمكن إستخدامها فى المعمعة بشكل عام

الدّعاية: عبارة عن السيطرة على عقل المستهدف وإقناعه بشتى الؤسائل المتاحة لتغيير سلوك الناس أو معتقداتهم دون القصد إلى الربح المادي وفى الوضع الطّبيعى تتطلّب وجود إعلام محترف قادر على توصيل الفكرة من غير أن يفطن له المتلقّى المستهدف

وقد إكتسب هذا الأسلوب فى المخاطبة أهمية بالغة لما له من تأثير قوىّ على السّاحة إضافة إلى بروز الإعلام الحديث المتمثّل فيما يعرف بآلات التّواصل الإجتماعى والّتى أصبحت الوسيلة الأرخص والأسرع للنشر والتّوجيه

هذه الرّسائل قد لا تكون بريئة بالضرورة خصوصا عند إقتراب المواعيد الإنتخابية , فعلى سبيل المثال تقوم سي اى ايه الأمريكية بالكشف عن بعض الوثائق الشخصية السرية عن مرشّحى الرّئاسة عمدا إذا إرتاو ضرورة إطلاع النّاخب الأمريكى عليه ليأخذ قراره بناء عليه , ومع ذالك فإنّ المؤسّسة تبقى مهنيّتها محلّ إجماع لدى الأمريكان

لا يوجد لدينا إعلام كفء ذو مصداقيّة يمتلك كوادر فى الإخراج والتّقديم ولا تتوفّر لديه أدوات التّصوير الحديثة كما أنّ المتلقّى لم يعد مستعدّا للتّجاوب بشكل إنسيابى لوجود مؤثرات تعوق دون وصول تلك الرّسائل , هذه المؤثرات قد تكون بسبب طبيعة الشّخص الصومالى وسلوكه فى تلقّى الأخبار شفهيّا فيما بينه والإعتماد على النّظرة القبليّة للأمور عند الطّرح والتّحليل

يوجد لدينا فقط الدّعاية المضادّة المتمثّل فى تصيّد أخطاء المترشّحين الآخرين بغية إسقاطه من عين النّاخبين , وفى غياب الضّوابط والتّشريعات المفصّلة والمرجعيّات الفاصلة بخصوص الإنتخابات يبقى الوضع قابل للسّخونة فى جولاته المتبقّية ونتمنّى فيها أن تمرّ الأمور بسلام.

                                                                                                    محمود عيسى فارح 

زر الذهاب إلى الأعلى