في غاز الطهي حياة لأشجار الصومال

لساعات وسط الدخان المٌضر بالصحة كانت تمكث عائشة أحمد في مطبخها بالعاصمة الصومالية مقديشو كي تعد طعاما لأولادها في الصبح، وهو ما تسبب كثيرا في تأخرهم عن موعد مدرستهم، التي تغلق أبوابها في السابعة والنصف.

لكن مشكلة عائشة وغيرها من المواطنين في البلد العربي الفقير صارت من الماضي، مع تزايد اعتماد صوماليين على أسطوانات غاز الطهي، التي عادت في سبتمبر 2012 إلى المشهد الصومالي، بعد غياب لنحو 25 عاما؛ جراء تردي الأوضاع الأمنية، وعدم وجود شركات خاصة تستثمر في هذا القطاع.

ففي ذلك العام بدأت شركة صومالية خاصة في استيراد الغاز عبر سفن تجارية، ثم تعبئته في أسطوانات قبل بيعه للفنادق الكبرى حصرا، ومع الإقبال من المواطنين، صار المنتج تقدمه أربع شركات خاصة في بلد تعجز فيه الحكومة عن استيراد الغاز، جراء أزمة اقتصادية خانقة تعانيها.

ولا تتوافر تقديرات رسمية لمستخدمي غاز الطهي ولا معدل زيادتهم، غير أن النسبة تبلغ في مقديشو 2%، بحسب تلك الشركات، التي يقول قائمون عليها إن الإقبال في ازدياد بفضل التحسن الأمني؛ الذي أقنع الكثير من الصوماليين بالعودة من المهجر وبلاد النزوح، حيث اعتادوا استخدام غاز الطهي في الكثير من هذه البلاد.

وفي ظل استخدام الفحم النباتي في الطهي، تضيف عائشة، الأم لسبعة أولاد، في حديث مع مراسل الأناضول: “كنت بعد الانتهاء من إعداد الفطور أمضي ساعات أخرى في تنظيف المطبخ من مخلفات الفحم، لكن عندما بدأت في استخدام الغاز أصبحت مهمة الطهي وتوابعها سهلة كثيرا”.

الأم الصومالية ترى أبرز مضار الفحم النباتي في “دخان كان ينبعث من المطبخ ويؤذي الجيران.. أما الآن فلا حديث عن مشاكل بيئية”.

و”لا يقتصر استخدام غاز الطهي على المنازل فحسب، إذ إن الفنادق ومعظم المقاهي في مقديشو صارت تستخدم أسطوانات الغاز”، كما يقول أحمد مودي، وهو طاه في فندق برواقو بشارع مكة المكرمة الرابط بين المطار والقصر الرئاسي في العاصمة.

مودي يوضح، في حديث مع الأناضول، أن “سرعة إشعال نيران الغاز وشدتها تساهم كثيرا في طهي الطعام سريعا، خاصة عند وجود طلبات عاجلة، متفوقا على الفحم النباتي الذي كان يتطلب نحو نصف الساعة لإشعال نيران مناسبة”.

ولغاز الطهي فوائد أخرى للفنادق والمطاعم، فبحسب الطاه الصومالي، فإن “مخلفات الفحم المتراكمة أمام المطاعم والفنادق كانت تمثل مشهدا غير جذاب للزوار، وهو ما اختفى مع استخدام الغاز.. كما اختفت رائحة دخان استخدام الفحم”.

وبحسب حجمها، يتباين سعر الأسطوانة، حيث يباع أصغرها حجما (6 كجم) بـ1200 شلن صومالي (حوالي 60 دولارا أمريكيا) للمستخدمين الجدد (مع ثمن الأسطوانة نفسها)، بينما تبلغ تكلفة إعادة تعبئة الأسطوانة الفارغة 140 شلنا (12 دولارا أمريكيا)، وهي تكفي الأسرة المكونة من 3 أفراد لمدة شهر.

هذه التجارة الرابحة صديقة البيئة تتنافس عليها أربع شركات خاصة من خلال مكاتب صغيرة في شوارع رئيسة بالعاصمة لتسهيل إجراءات عملية شراء الأسطوانات وإعادة تعبئتها.

وعادة ما تسبق عملية الاستخدام الأول لغاز الطهي تعليمات كثيرة، حيث يعلم فريق من الشركة الزبائن الجدد في المنازل أو الفنادق أو المقاهي كيفية الاستخدام الأمن لأسطوانات الغاز، تفاديا لأي خطأ قد يتسبب في إشعال حريق.

عن انطلاق هذا المشروع في البلد الذي يعاني اقتتالا دمويا منذ الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري عام 1991، يقول أحمد جوليد، وهو مدير عام شركة “مقديشو غاز”: “في عام 2014 بدأنا مشروع توفير أسطوانات الغاز للمنازل والمقاهي، بعد أن لاحظنا غياب هذا المشروع وازدياد الحاجة إليه”.

وحول إقبال المواطنين على هذا المشروع، يجيب جوليد، في حديث مع الأناضول: “مكاتبنا تستقبل يوميا مئات من الزبائن، بينهم من يريد استخدام الغاز للمرة الأولى.. هدفنا لم يكن تجاريا بحت، وإنما كان أيضا دعما لسلامة البيئة المتضررة من استخدام الفحم النباتي الذي كان سائدا في جميع المطابخ الصومالية”.

ويباع الكيس الواحد من الفحم النباتي في أسواق مقديشو بحوالي 315 شلن صومالي (نحو 15 دولارا أمريكيا)، ويكفي كيسان بـ30 دولارا أسرة من ثمانية أفراد لمدة شهر، بينما يكفيها استخدام أسطوانة غاز بحجم 12 كلجم بمبلغ 22 دولارا ( 440 ألف شلن صومالي).

وتعاني الأقاليم الجنوبية من الصومال، الذي خصص للشجرة يوما وطنيا سنويا في 17 أبريل/نيسان، من عملية تصحر وجفاف ترجعها هيئات عاملة في مجال حماية البيئة إلى القطع الجائر لملايين من الأشجار في تلك الأقاليم، تمهيدا لتصديرها إلى الأسواق الخليجية.

مشيدا بالإقبال على استخدام غاز الطهي بديلا عن الفحم، يقول نائب وزير الثروة الحيوانية والمراعي الصومالي، عبد الناصر محمد غارني، إن “الحكومة تدرس الدخول في مشروع الغاز؛ لكونه صديق للبيئة”.

وتسعى الحكومة الصومالية جاهدة لإنقاذ ما تبقى من أشجار لا يتوافر لديها إحصاء بعددها، فضلا عن زراعة أشجار محل أخرى التهمتها مذبحة القطع الجائر.

ويمضي غارني قائلا، في تصريحات للأناضول، إن “الحكومة أطلقت مؤخرا مشروعا للتشجير في جميع الأقاليم، لتشجيع المواطنين على حماية البيئة التي تعاني من التصحر جراء قطع الأشجار، وقد وافقت دول عربية (لم يسمها) على طلب الحكومة لها بعدم استيراد الفحم من الصومال تطبيقا لقرار حظر تصدير الفحم”.

ووفقا لتقديرات غير رسمية، فإن حوالي ربع مليون طن من الفحم النباتي كان يتم تصديره سنويا من الصومال.

ومنذ عام 2012، يفرض مجلس الأمن الدولي حظرا على استيراد الفحم من الصومال، لحرمان حركة “شباب المجاهدين” المتمردة، التي تقاتل القوات الحكومة بدعوى العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، من عائدات مالية تستخدمها في التسلح.

الأناضول

زر الذهاب إلى الأعلى