عباقرة لهم أصول في المنطقة (24) الأديب والشاعر علي بن عبد الله صواخروني الصومالي (2)

الأديب والشاعر علي بن عبد الله صواخروني الصومالي (2)

ذكرنا في الحلقة الماضية بأنّ والد شاعرنا علي بن عبد الله صواخرون كان من أعيان ولاية ظفار بسلطنة عمان وتجارها وبالتالي لم يهمل تربية ولده وكان له أثره الواضح في حياة الابن بحيث تأثر بوالده الذي رباه أحسن تربية. وليس معنى ذلك بأنّ أمه لم تقدم شيئاً أو ليس لها دور في حياة الشاعر ، فوالدته هي التي كانت سبباً في بروز ابنها في أن يتربع في سماء الأدب السلطنة،  بحيث أنّها علمته اللغة الرصينة الفصيحة والدارجة، وأزرعته في داخله العطف والحنان، وشعور المودة والشاعرية، والحق أننا نستطيع القول بأنّ  بداية انطلاقة السيد علي بن عبد الله صواخرون كانت في البيت لأنّ والدته كانت تسمع الراديو ، ويستمع معها الأشعار وبعض الأغاني العربية منذ نعومة حياته ، ومع مرور الزمن استطاع أن يطور نفسه ولو بالشيئ القليل، لأنّه كان لديه الرغبة الجامحة حتى رفع قدراته ونمى مواهبه وسجل اسمه في ديوان رواد الحركة الأدبية والفكرية ليس في داخل بلده سلطنة عمان وإنّما في خارجها، لأنّ الأم عموماً هي التي تربي الأجيال أحسن التربيةا قال ذلك شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته العلم والأخلاق:

والمال إن لم يدخره محصنا    بالعلم كان نهاية الإملاق

والعلم إن لم تكتنفه شمائل    تعلية كان مطية الإخفاق

       لا تحسبن العلم ينفع وحده     ما لم يتوج ربه بخلاق         

    من لي بتربية النساء فإنها     في الشرق علة ذلك الإخفاق

  الأم مدرسة إذا أعددتها     أعددت شعبا طيب الأعراق

              الأم روض إن تعهده الحيـــا    بالــــريّ أوراق أيمـــــا إيـــــــراق               

                                الأم أستــاذ الأساتــذة الألــــى     شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق 

 الشاعر علي الصومالي في عيون محبيه:

ولما أصبح الشاعر علي بن عبد الله صواخرون مشهوراً في المجتمع عرف الناس به بصفات حميدة وخصال جميلة ، نادراً ما تتجسد في غيره، كالطيبة العالية والبساطة والتلقائية، كما أنه يشعرك بالألفة والود، تحب إطالة فترة الجلوس معه لساعات، وهو إلى جانب ذلك صاحب خلقٍ رفيع، ولينٍ في الجانب، وسعة صدر، ولطفٍ كبيرٍ في التعامل، لا تجده متجهماً أبدا، فهو صاحب ابتسامةٍ رقيقة، يجمع بين حسن الأدب والحياء، وبين النكتة والظرافة والمرح، لذا يلتف حوله دائماً جمعٌ كبير من المعجبين والمحبين، وما يميزه أيضاً أنه لا يبخل بالنصيحة والتوجيه ومد يد العون والمساعدة لأي قاصدٍ يقصده، فهو كريم اليد وعفيف النفس وفصيح اللسان، على حد قول من عرف شخصيته كإنسان وكشاعر، ومن هنا فلا عجب أن نجد جميع من غنّى كلماته يتباهى بهذا الشرف الكبير ويحب الجميع ، لأنّ في البداية أحب الناس كما أحب الوطن حتى تجلت وطنيته في موهبته الشعرية والفكرية. وظهرت في شعره ونثره ، وليس هناك قط من قام بتشكيك على تلك الوطنية التي أحبها بلده عمان وأهله، ومن تلكم كلامته في حب الوطن التي جاء في مطلع قصيدته: 

عظيمة يا عمان العلم والتاريخ  …. عظيمة يا ملاذ السلم والحكمة 

رفض هذا الزمان اللي معاك يشيخ … نفض كل التراب إلي على جسمه.

ولم يكن الشاعر عبد الله صواخرون الوحيد من أهل صواخرون العمانين الشعراء ، بل أنه في الساحة العمانية الأدبية العديد من هذا الطراز مثل الشاعر عبد الله بن علي بن يوسف صواخرون والذي سوف نسرد حديثه في الحلقات القادمة إن شاء الله ضمن شعراء وأدباء الصواخرونيين في ظفار، وكذلك الشاعر خالد أحمد عبد الله صواخرون الصومالي ، ومن أشعار خالد صواخرون الوطنية :

ظفار العز يا أمي …. وروحي والشرف والعرض

عشقها جالي الهمي …. كسجدة في حلول الفرض

شوقي لها بدمي …. كما شوق المطر للأرض

جنة زانها بدمي …. وريف بطولها والعرض

سماها عانق النجمي …. يحرك في شعور النبض

سكنها الجد والعمي …. حموها من دعاة الرفض

نما في ظلها أسمي …. رحيلي عنها في الرفض

ولا يستغرب هذا الولاء لأهلنا في عمان ممن ينحدر أصولهم من بلاد الصومال وهم كثر ، لأن الصومال كانت لها علاقة وطيدة بالجزيرة العربية ، وكانت سلطنة عمان من أهم المواقع والأوطان التي كانوا يرحلون ويستوطنون فيها، وبإشارة إلى منطقة ظفار وشهرة وجود أهل الصومال فيها ليس معناها بأنهم وجودهم ينحصر في المنطقة فقط، لأنّ على ذكر آل صواخرون يشار أيضا بالبنان إلى قبائل صومالية أخرى في ظفار فقط سواء من قبائل الدارود وغيرها من القبائل الصومالية الأخرى من زيلع وبربرة  وحافون ومقديشو ومركة وبرواة .

مناحي قصائده وأشعاره: 

نستطيع القول بأن الشاعر علي بن عبد الله صواخرون تناولت قريحته في جميع أنواع  الشعر ومقاصده في النواحي الاجتماعية والسياسية والدينية والأدبية وغير ذلك، وتغلب قصائده اللون العاطفي الحزين، لأنّ قصائده نابعة من ذاته الشخصية التي لا تنفصل عنه ، وهي عبارة عن الترجمان الدقيق عن مشاعر وأحاسيس متوهجة ملؤها الصدق، مثل غيره من الشعراء العرب منذ العصر الجاهلي حتى يومنا هذا كما ذكر ذلك في إحدى مقابلاته التلفزيونية. وكانت انطلاقاته الأدبية الأولى في بلده عمان حتى تربع في زمانه ريادة الشعر بلهجاته المحلية والعربية الأخرى في الجزيرة العربية معاً إلا أنه لم يرد أن تنحصر تلك الموهبة التي أعطاه الله إياه، بل ومع مرور الوقت أحسّ ذلك فأراد أن يخرج من هذا الإطار المحلي الضيق إلى العالم الفسيح وبخصوص إلى واحات الأدب والطرب في الخليج العربي، فبدأ في التعاون الأدبي مع الفنانين الخليجيين كما أشرنا فيما سبق، وكان أول التعاون من هذا النوع مع الفنان خالد الشيخ، ومن هناك استمرت انطلاقاته الأدبية والفنية في سماء الخليج حتى هرول إليه لفيف من أهل الذوق في المنطقة نتيجة شجاعته وإصراره في الأمر  ووضوح رؤيته الفنية. وأهل القامات من الشعراء والفنانين في منطقة الخليج صرعان ما أدركوا شخصية علي بن عبد الله صواخرون وأشعاره وقصائده المتميزة وبالتالي احتكوا معه واحداً بلو الأخرى، فغنى له الفنان عبدالله الرويشد المشهور في المنطقة، علماً أنهما تربطات علاقة الرحم حيث تنحدر أم عبد الله الرويشد من أفخاد الشاعر على بن عبد الله صواخرون. كما غنى له بعض النجوم في الخليخ مثل راشد الماجد وعلي عبدالستار وخالد الشيخ والفنانة رباب ورويده المحروقي وفطومه وفرقه الاخوه البحرينيه وحمود ناصر وسعد الفهد وعادل الماس واسماء كثيره.

وفي الفترة الأخيرة من حياته الأدبية أحسّ بأنّ موهبته الشعرية أصبحت تقريباً منحصرة في منظومة الفنانين والمغنيين، فأراد أن تصل تلك الشاعرية التي وهبه الله بها إلى جميع شرائح المجتمع وفي كل واد يهيمون، ومن هنا نشر قصائد غير غنائية في المجلات والجرائد المهتمة بهذا النوع من الأدب، وكذا في المنتديات والأندية.

غير أن أمسياته كانت قليلة جداً كما ذكر ذلك نفسه في احدى أمسياته في أخر حياته حيث قال: ” ولكني اكتب القصايد بكل أنواعها، ولكن للأسف أمسياتي قليلة جدا وليس التقصير مني ؛ بل من أصحاب الشأن ذاتهم ولا أعرف السبب..!” انتهى.

ومن أشعاره السياسية:

لم يخف الشاعر علي بن عبد الله صواخرون بأنّ الزمان تغير وكثر في التملق والترزق في المواهب كسباً للذنيا والمال، فزهد عن ذلك كله وصرح في قولته المشهورة ” وإن كان هذا الوقت وقت الأدب الوظيفي أو التجاري أو الأميري ، ولكن والحمد لله ماني من أهل اليأس..” وكان الشاعر علي بن عبد الله صواخرون جريئاً بحيث ألقى شعراً أشعل في نفوس المواطنين يشكوا من إهمال الحكومة في شأن المواطن،  وقال في ذلك:

عذريني يا عمان!!
: “الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة”!!
سوف أكون حيث:
يكون لي رزق وفير…
يكون لي شأن كبير….
تكون لي كلمة مسموعة…
تكون لي حرية التعبير عن الرأي..
حيث أكون غاليا وذا شأن , لأني أعلم بان أرخص شي عند الحكومة 
العمانية هو المواطن…
وأنا لا أريد أن أكون رخيصا..

وكما يظهر فإنها قصيدة سخرية تسخر من مكتسبات الوطن وما آلت إليه حال المواطن، وقد عرضها بكل شجاعة وجرأة. ويقدم الدكتور أحمد بالخير ورقة في الندوة بعنوان “نماذج من الشعر العماني.. الغربة في شعر علي بن عبدالله صواخرون” وشكوى علي بن عبد الله صواخرون عن الغربة تناولها أحد الباحثين العمانين الذي قدم بحثا علميا عن الغربة في نماذج الشاعر صواخرون إيماءات واضحة إلى غربة الذات في نصوصه الشعرية. ويطرح الباحث الكثير من المحاور في سياق بحثه عن ثيمة الغربة وهو في الوقت نفسه يكشف عن الكثير من المظاهر الحضارية التي أثرت في غربة الذات لدى الشاعر. ولم يكن السيد علي صواخرون الوحيد من الشعراء عصره الذين سلكوا نفس المسلك، فهذا الشاعر طلال السعيد الذي ألقى قصيدة  “مناحي” وهي ساخرة تسخر من عملية التوظيف في بعض الوزارات وما تعمله الواسطة في التوظيف.

وللشاعر علي بن عبد الله صواخرون العديد من القصائد السياسية  وقد دقع ثمن في ذلك لأنّه على إثرها ألقي في السجن، وفي احدى السنوات كتب قصيدة وألقاها في احدى المهرجانات بصلالة وبحضور الوزير الدولة ومحافظة ظفار السابق تحكي معاناة الشباب، وكانت النتيجة إلقائه بالسجن بعام 1995م ثم أفرج،  ولكن كل ذلك لم تغير طريقته وفكره ولم تخف به كل هذه التصرفات من ترهيب وترغيب، بل واستمر على منواله يعطي كلمته الموزونة ويعبر فكره حتى يوصل أفكاره إالسلمية لى المواطن عبر قالب جذاب يهزب المشاعر ويثير العواطف لكي يتحقق الهدف ويصل المرمى.       

ومن أشعاره الحلوة التي تحمل في طياته الحكمة  ورجاحة العقل:

ما قلتلك يا خوى      إن الصغار صغار

وفرخ الحباري ما يلحق      لو كساه الريش

تشرة عليهم والأفاعي      تعشق المزمار

مدري سذاجة أعدها      ولا جهالة وطيش

نام الفقير وحسده      في نومته تجار

كنه الرفاد جيوبهم      والحلم ذا بخشيش 

اللوح يكذب لو بكى      من طعنه المسمار

وش يفرق المعنى       ما بين الغش والتغشيش

هكذا كان يلقي كلامته الشعرية في منتهى الروعة والجمال ويجذب السامعين ويوقظ النائمين ويفهم الغافلين.

ومن هنا نستطيع المعرفة بأنّه ليس من الفراغ أن يعتبر الشاعر علي بن عبد الله صواخرون من اشهر الشعراء العمانيين ونجمها اللامع وسفير الأغنية الشعرية الظفارية… فرحمك الله يا أبا المجد والى جنات الخلد إن شاء الله. فعلا كان أبو المجد القامة للمفردة العمانية، واستحق أن يقول لأحد محبيه بقوله:

اشتكي لوسادتي يشتكي لي موجعي

على خدودي دمعتي حزين بعدك مسمعي

طالت مشاوير الألم تعبت من جرح ندم

مليت من ليل السهر والخبر نفس الخبر 

وللحديث له بقية.

 

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى