إطلاله علي الوضع الراهن في اليمن وانعكاسه على الصوماليين المقيمين

بعد انهيار الدولة الصومالية عام  1991م  خاض الصوماليون حروبا أهلية  أدت إلى هجرة كثير من الصوماليين إلي أنحاء العالم بحثا للعيش ومأمن أفضل ، فمن بين الدول التي هاجروه إليها الصوماليون  اليمن كونها قريبة الصومال  ويفصل بينهما فاصلا بحريا وكونها الطريق الموصل إلي دول الخليج  والسعودية تحديدا، جعل ذلك تستقبل موجات  من المها جرين  ولقي الصوماليون المهاجرون من إخوانهم اليمنيين ترحيبا لائقا مع أن الوضع في اليمن لم يكن بأحسن من الوضع المعيشي  في الصومال لكن اليمنيين كانو يتمتعون بأمن واستقرار أعاده الله كما كان، وكان عدد المهاجرين  يتزايديوما بعد يوم  حتى أصبح عبئا علي الدولة اليمنية مما دفع تستغيث وتطلب من الهيئات  الدولية  كالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين  إلي الحمل معها هذا العبء  استنادا إلي اتفاقية  1951 المتعلقة  باللاجئين , فأخذوا بذلك صفة اللجوء ، وهكذا أصبحت اليمن حاضنة لعدد كبير من لاجئى الصوماليين . لم يتغير الحال في الصومال تغيرا ملموسا ما يقارب عقدين بل كان الأمر يتفاقم بعض الأحيان مما أدى إلي بقاء كثير منهم  خلال تلك الفترة في اليمن، وكانوا يعانون من الظروف المعيشية الصعبة،  والتقارير التي  تصدر من الجهات المعنية بخصوصهم  تشير ذلك، وهذه المعاناة ما كانت تقتصر بهم فقط  بل كان يشارك معهم كثير من الشعب اليمني  و كثير من بلدان  العالم العربي والعالم الثالث عموما  يعاني من نفسها وإن كانوا يتفاوتون في ذلك، ويعيد المتخصصون جذور هذه المشكلة بسبب الفساد الإداري وسوء توزيع الثروة  اللذين  سائدين في هذه البلدان  .

ففي اواخر عام 2010 ومطلع 2011 إندلعت الثورات العربية  والتي اشتعلت شرارتها الأولي من تونس مرورا بمصر  وليبيا ثم إلي اليمن ، هذا الواقع أثبت للشعوب العربية إلي أن الانتفاضة الصومالية في عام 1991م لم تأت من فراغ ، وأن النضج الحاصل للشعوب العربية ضد الطغيان السياسي  كان موجودا في عقلية الفرد الصومالي .

لكن مع الأسف الشديد  خير هذه الشعوب الثائرة بين خيارين أحلاهما مر، إما البقاء تحت الظلم والاستبداد ، وإما الخروج إلي الفوضى والحروب الأهلية ، وكأنه لا يوجد خيار ثالث بين هذا وذاك وهو العدل والاستقرار واعطاء فرصة للشعوب لتختار من تشاء .

 إذا عدنا إلي اليمن  فهبت عاصفة الربيع العربي وإن كانت هذه التسمية منتقده عند الكثيرين، فأجبرت الرئيس السابق علي عبد الله صالح علي التنحي وتسليم السلطة إلى نائبه إلي حين انتخاب رئيس جديد مقابل منحه للحصانة وعدم الملاحقة وفق المبادرة الخليجية  وكانت  طوق نجاة حسب تعبير  أعيان ووجهاء المجتمع اليمني , وأنقذت اليمن فعلا من منعطف خطير . فانتخب عبدربه منصور هادي رئيسا لليمن عام 2012م وكان مرشحا توافقيا ولم يزل الوضع اليمني منذ ذلك بين مد وجزر حتى جاءت الأحداث الأخيرة وهي استيلاء الحوثيين علي السلطة بعد حروب دامية خاضوها مع خصومهم  بدءا من دماج المركز السلفي  وعمران المحافظة ذات الأغلبية الإصلاحية  ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل اقتحموا  العاصمة اليمنية صنعاء واستولوا المؤسسات الحكومية المختلفة واقتحموا أيضا المقرات التابعة لخصومهم  وتوقف كل حركات ونشاطات المؤسسات الحكومية،  زرع هذا الأمر قلقا كبيرا في أوساط الصوماليين المقيمين في اليمن وازداد الوضع سوءا بعد  استهداف  تجمعاتهم في صنعاء وفي غيرها بالتفجيرات مما أدي  إلي الشعور بالضيق  وخاصة الشباب  أعني الصوماليين الذين يعانون من أول صعوبات كثيرة وأكثرهم كان شغلهم الشاغل الصراع مع لقمة العيش ولكن كان الكل يدبر حياته اليومية كيفما كان، هذ التدبير دعك  التفاصيل , فالأحداث الأخيرة أصبحت عائقة أمام الشباب والشابات لبحث المعاش.أما بالنسبة للطلبة والعائلات فقد غاد كثير منهم  بسبب الأزمات المتلاحقة في اليمن منذ 2011م .

 استمر توسع  الحوثيين المحافظة تلو المحافظة  وفشل جميع الاتفاقات والمفاوضات بين القوى السياسية  في اليمن إلي أن لجأت الأمور وضع الرئيس  و الحكومة  بأسرها تحت الإقامة الجبرية من قبل الحوثيين  صاحب ذلك كله ولاءهم لإيران، و ظهر ت العلاقات الخفية فيما  بينهم إلي العلن وإبرام اتفاقات  سيادية علنية  فأصبحت ذلك ملفتة لأنظار، وأشد من ذلك التصريحات التي كان يدليها بعض  النخب الإيرانية  والتي تقول بأن صنعاء رابع عاصمة عربية سقطت علي يد إيران، بالإضافة إلي خطابهم العدائي لدول الخليج.

كل ذلك جن جنون  الخليجيين وأثار غضبهم، وتزامن ذلك كله بمجيء الزعامة الجديدة للمملكة العربية السعودية ملك سلمان الذي خلف عن الملك الراحل، و شعروا  بأن دورهم في اليمن منتهي وخاصة المبادرة الخليجية  التي ابتلعها الحوثيون ولم يبق منها  إلا الرئيس عبد ربه الذي تسلل مؤخرا من قبضة الحوثيين  وفر إلي عدن وأعلن بأنها عاصمة مؤقتة  فسارع الخليجيون إلي التكاتف معه، وأعادوا سفاراتهم من جديد وفتحوها في عدن،وبعد إصرار الحوثيين ملاحقة عبد ربه وشلته اضطر الخليجيون إلي اتخاذ موقف حاسم من هذا الخطر الداهم المزعزع لأمنهم,  ولحماية ما تبقي من المبادرة الخليجية  المتمثلة بالرئيس عبدربه منصور  فأنشأوا تحالفا بقيادة السعودية وبدأ قصفا جويا سمي بعملية عاصفة الحزم  لردع الحوثيين وإعادة ميزان القوى  التي رجحت لصالحهم, فتلقي هذا التحالف تأييدا غير مسبوق علي مستوي الإقليمي والعالمي لم يكتف الأمر ذلك بل أصبح الملف اليمني الأجندة الرئيسية في قمة جامعة الدول العربية الذي عقد قريبا في مصر  وأبدت الدول  تأييد شبه إجماع  لموقف السعودية ودول الخليج عدا سلطنة عمان.

الصومال كغيرها من الدول العربية  أعلنت تأييدها،  ولما لها من صلة قريبة في الآونة الأخيرة  مع دول الخليج  الذي كان لا يخفي  من يتابع  سياسة الحكومة الحالية، أضف إلي ذلك معاناتها من حركة الشباب والتي تعتبرها بمثابة الحوثيين لانتهاجهما أسلوب الفرض بقوة السلاح , هذه الأمور وغيرها جعلت تتخذ هذا الموقف، وانعكست هذه العملية علي ليمنيين والأجانب المقيمين في اليمن مما اضطر الحكومات إلي إجلاء رعاياهم من اليمن ، طبعا الصوماليين  هم  أكثر  الأجانب المقيمين في اليمن وبالتالي التأثير عليهم أكثر من غيرهم  ويبدوا ذلك واضحا في مدينة عدن التي تجري فيها حروب طاحنة بين الحوثيين وبين اللجان الشعبية  حيث تروي بعض الأخبار  حالة مأساة من انعدام للطعام والمياه والكهرباء , لجأ بعض سكان عدن الفرار من المدينة ومن بين هؤلاء صوماليين،   أما في صنعاء حيث القصف متواصل علي المعسكرات والثكنات العسكرية التابعة  للحوثيين ومواليهم  ويسبب ذلك دوي انفجارات تهز المدينة مما يخلق هلعا وفزعا لسكان العاصمة، بالإضافة  إلي ذلك حملات اعتقال،  وبعض الأحيان يكون من بين المعتقلين  صوماليين إلا أن السفارة الصومالية تبذل جهودا جبارة  لفك المعتقلين  , وتقوم السفارة أيضا دورا مهما وهو التوفيق بين موقف الحكومة الصومالية وبين ما يستدعي الواقع اليمني  حتي لا يلتقوا قسوة وسوء معاملة من قبل جماعة أنصار الله .

 أما في محافظة حضرموت  أكبر محافظات اليمن  فالوضع يختلف هناك . سيطرت جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب كبري  مدن المحافظة مدينة المكلا  وهناك تحالف قبائل حضرموت التي تريد استعادة سيطرة المكلا من قبل عناصر القاعدة فالوضع متوتر ويوجد وساطة لإقناع الطرفين بعدم الاقتتال  ولا يعرف ماذا ستنتهي الأمور . وفي مأرب لا يزال القبائل مرابطين في جبهاتهم  خوفا من اقتحام الحوثيين وتقع اشتباكات من حين لآخر، فتوقفت التعليم بشقيها الحكومي والأهلي  وعلقت الدراسة في جميع الجامعات فمن بقي من الطلبة  إما ناوون إلي السفر أو عازم عليه  أو راحل شرع يسافر، والوضع يحتمل أكثر من ذلك  لا سمح الله.

فمن ذلك يتطلب عدة أمور لمعالجة وضع  الصوماليين الموجودين في اليمن  أهمها:

*علي الأمم المتحدة أن تقوم بدورها  تجاه المتضررين  في الأحداث الجارية في عدن خصوصا وفي المناطق اليمنية الأخرى كونها الجهة المخولة لذلك .

*علي الحكومة الصومالية  أن تقوم بواجبها تجاه رعاياها في اليمن  مستعينة الدول الشقيقة و الصديقة  والمنظمات العالمية والإقليمية، وعليها أيضا التنسيق مع ولاية بو نت لاند و أرض الصومال لحسن استقبال العائدين من اليمن الملهوفين  .

*علي الصوماليين الموجودين في اليمن الحذر والانضباط  والوقوف من مسافة واحدة حيال ما يجري  في اليمن  , وأدعوهم  إلي التعاون والتكاتف فيما بينهم وإصغاء توجيهات السفارة

حفظ الله اليمن وأهله…

زر الذهاب إلى الأعلى