الحكومة الجديدة في الصومال .. آمال عريضة وفرص محدودة

قد يتفق معي أي متابع في الشأن السياسي الوطني بان التشكيلة الحكومية الحائزة على ثقة البرلمان بأغلبية ساحقة (191 صوتا من اصل 213 نائبا حضروا في القاعة) جاءت بعد مخاض عسير للغاية وإجراء مشاورات مكثفة استمرت أكثر من 46 يوما مما كلف رئيس الوزراء أكثر من مرة سحب قائمة مرشحيه أمام البرلمان خوفا على مصيرها. وقد تكون الأسباب المؤدية إلى ذلك عديدة ومتنوعة تمتزج فيها المؤثرات الخارجية بالصراعات السياسية الداخلية المتموجة وبعض منها ممتد منذ انتخاب حسن شيخ رئيسا للجمهورية، واختياره تشكيل حكومة مصغرة غير توافقية بين أغلب القوى السياسية الحقيقية، وبالأخص تلك التي ساهمت فعليا ترجيح أصواته أمام منافسيه الحقيقي في السباق الرئاسي وهو شريف شيخ أحمد -رئيس الجمهورية في حينها- وكذلك بالطريقة التي تمّ فيها إدارة عملية إسقاط الحكومتين السابقتين وصولا إلى اعتماد سياسية صم الآذان من جميع المناشدات الوطنية منها وغير الوطنية المدعوة إلى دفع خيار التوافق والابتعاد إلى ما يؤدي وجود فراغ حكومي يؤثر سلبا في إنجاز المهام الدستورية أو يؤخر اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق رؤية 2016م.

ويبدو ان التشكيلة الحالية برئاسة السيد عمر عبد الرشيد هي محاولة متأخرة لبناء حكومة توافقية تشترك فيها كافة الكتل البرلمانية و القوى السياسية الفاعلة في الميدان وتضم بعض الوجوه الجديدة والشابة التي تحظي بمصداقية أكثر ومهارات أعلى من الذين عملو في تلك المناصب التنفيذية سابقا، واستثني عمدا من الوزراء الذين كانوا طرفا رئيسيا مباشرا في الأزمات الماضية وهي حكومة موسعة يصل عددها إلى 66 وزيرا مقسما إلى 26 وزيرا، و14 وزير دولة، و 26 نوابا للوزراء، ويمثل فيها عدد البرلمانيين 40 وزيرا من الأصل المذكور( 5 وزراء، 12 وزراء دولة، و23 نوابا للوزراء) أي بنسبة 73%من العدد الإجمالي، مما يعني ضم أكبر عدد من الكتل البرلمانية في المجلس الوزاري المشكل، وذلك على الرغم    من أنها لا تعطي التشكيلة الحالية إجابات محددة عن بعض الأسئلة الملحة المتمثلة أساسا بما يميزها        عن الحكومات السابقة، وهل تم إسناد شخصيات أكثر قدرة وكفاءة وخبرة من السابقين في الوزارات المختلفة، وكيف يمكن أن تحقق ما عجزت عن فعله الحكومات السابقة إنجازها، وما الذي يمنع حدوث الأزمات المتكررة في الحياة السياسية إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة واللا منتهية.    

وتأتي الحكومة بعد فراغ حكومي استمر منذ 25 أكتوبر من العام المنصرم نتيجة محاولة رئيس الوزراء السابق تعديل حكومته وحدوث انقسامات حادة وسط القوى السياسية الوطنية والكتل النيابية فضلا عن صدع جسر التعاون بين النظام والمجتمع الدولي الشريك في الانتقال من الدولة الفيدرالية وتحقيق رؤية 2016م كما أنه يتزامن بدء عمل هذه الحكومة في وقت يتآكل فيها الإطار الزمني في وجود القوات الأفريقية على الأراضي الصومالية وتوقفت فيها فعالية المؤسسات الحكومية وخصوصا قضايا تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة حركة الشباب وبسط سيادة الدولة وتعيين اللجان الوطنية المستقلة، وتكملة تأسيس الإدارات الإقليمية وتكثيف العمليات المستهدفة بالبؤر الإرهابية والعصابات الإجرامية المتناثرة     في المدينة وتقديم المشر وعات المقترحة الضرورية بالنهوض المؤسسي عموما إلى البرلمان والمضي قدما في إصلاح المؤسسات الحكومية و توثيق روابط التعاون العملي بين الوزارات و أجهزتها التنفيذية مثل وزارة الأمن وأجهزتها (المخابرات والبوليس)، ووزارة الدفاع والجيش باعتباره جهازا تنفيذيا والعدل والقضاء وتقوية قدرات أجهزة الرقابة والنيابة العامة وإعادة الهيكلة في العلاقة الخارجية مع الدول، بناء على التطورات السريعة التي حدثت في الإقليم المحيط والمجتمع الدولي عموما، وهو ما يؤكد وجود الكثير من التحديات التي ينبغي من الحكومة الحالية أن تتأقلم معها سريعا للعمل على استعادة قدرة الحركة وسد الفراغ والإثبات بدخول مرحلة مختلفة عن التي سادت في الشهور الماضية.

وتتميز هذه الحكومة عن سابقتها من الحكومات بعض المزايا التي في حالة التوظيف الايجابي والاستغلال الامثل لها يمكن أن تعطي العمل السياسي أو الوطني آفاقا من الفرص ودفعة قوية إلى الأمام.  ومن تلك المميزات:-

1-    أنها حكومة موسعة تضم كافة القوى السياسية المختلفة الاتجاهات سواء كانت لها تمثيل في البرلمان أو لها وجود آخر في الساحة السياسية، وهو أمر يعكس مجموع الأصوات التي حصلتها في التصويت، مما يعنى توافر ضفة الشمولية والتنوع الضروري للعمل السياسي الوطني في مرحلته الحالية، وبالتالي يعطي لها فرصة التحرك والانتشار في أنحاء الوطن ويقلل احتمال العودة القريبة إلى الانسداد والأزمة السياسية المؤرقة في الأفق القريب على الأقل.  

2-     أنها حكومة تنهي سيادة الهيمنة الفردية والاحتكار الفئوي وفرض التوجه الأوحد التي سادت منذ السنتين والنصف والتي لم تؤدي لا إلى طرح معالجات حقيقية بالتحديات ولا إلى احتواء الأزمات المتصلة بالعملية السياسية المعقدة، بل، وربما يمكن القول بان تلك الهيمنة عقدت احتمالات النجاح في تحقيق رؤية 2016م عمليا وخيار فبول الإدارات الإقليمية مركزية القرار الاستراتيجي والسياسي، مما يعنى وجود فرصة حقيقية أمام الحكومة لاستعادة زمام المبادرة والاستثمار من الزخم السياسي المتوقع مع اقتراب نهاية الفترة الدستورية للنظام السياسي ودفع خيار الوحدة الوطنية وتوثيق العلاقة بين المركز والمحافظات.  

3-    أنها تضم عددا لا باس به من الشباب من الجنسين الذين تولوا حقائب هامة للغاية تشمل الداخلية، المالية، التخطيط والتعاون الدولي، البترول والمعادن، الاتصالات والبريد، الثروة الحيوانية، التعليم، المواني والنقل البحري، المرآة وحقوق الإنسان، الشباب والرياضة وغيرها    من الحقائب، وتهتم بأن تكوّن لنفسها بنكا من الإنجازات يعطي لها فرصة الاستثمار السياسي لاحقا ويعطي لها بطاقة الدخول اللانهائي في عالم السياسية المتسع، الأمر الذي يعنى مع تلك الوجوه الشابة فرص إحداث تحول كلي في العمل السياسي الاستاتيكي وإمكانية عودة إحساس الدولة المفتقد في الشارع خصوصا مع توافر المهارات الوقتية والطاقة الكامنة وشهية الإنجاز ورغبة السبق عن الشيوخ التي امتلكت لنفسها العمل منذ العقود الماضية.

4-     انها حكومة حائزة على صلاحيات واسعة وسلطات شبه مطلقة تقريبا والتي لا تكتسبها ما يعطيه الدستور فقط بل ما توحي به اللحظة الراهنة، وذلك نتيجة تزامن تشكيلها بعد عجزه عن تحقيق التوافق الداخلي وإصلاح المؤسسات وتوفيق أطر التعاون بين المساعدات الدولية والاحتياجات الوطنية فضلا عن تأكد المجموعة المحيطة به بان الزمن غير مساعد لهم لا في تحقيق طموحاتهم ولا العودة القريبة إلى ممارسة العمل السياسي.

 وربما يمكن ان يتطور الأمر إلى الطلاق البائن بينه وبين المجموعة وخصوصا بعد موافقته مؤخرا طوعا أو سهوا تأسيس منتدى يكون بمثابة مجلس رئاسي مشترك بينه وبين رؤساء الحكومات الإقليمية، ويعمل بشكل جماعي تقرير وتنفيذ جميع المهام الدستورية وغير الدستورية على المستوى العام، مما يعنى وجود لحظة راهنة تساعد الحكومة على استغلال الموقف والحركة سريعا نحو أنجاز المهام وتحصين الخطوات.

ومع ذلك يمكن التأكيد بان على الحكومة التفكير مليا ضرورة أن تحقق في مائة اليوم الأولى انطلاقة مشهودة تريد من خلالها تحديد هويتها واثبات الفرق بينها وبين سابقتها واعتبار ما بعدها تكملة لها.        وما لم تنجزه في تلك الفترة سيكون من الصعب إنجازه في المدة التي تليها وبالتالي يكون السؤال ما الجوانب التي يجب الاستهداف أو التركيز عليها خلال تلك المدة القصيرة والمحدودة

  • تحريك وتكثيف الحملات العسكرية والأمنية على المستوى العسكري الهادفة إلى بسط سيادة الدولة وتقليص رقعة وجود حركة الشباب وتفكيك البؤر الإرهابية والعصابات الإجرامية في المدينة وإعادة التنسيق والتعاون المرتخي بينها و بين (أمنصوم) على مختلف الأصعدة لتحدد الحكومة موقفها الأولي والحازم أو المتهادن المتقبل مع التحديات الأمنية.  
  •  السعي إلى الإسراع بالتحرك إلى تمرير جميع الأطروحات العالقة على المستوى الحكومي، والسعي إلى دفع البرلمان للإنهاء من الأطروحات المقدمة إليه باعتبار أنها يمكن وصفها حكومة برلمانية، وبالذات المتصلة بالأحزاب السياسية والاتفاقيات الموقعة بينها وبين الشركات التركية العاملة في المواني لاستعادة الوجود والإحساس الحكومي المفتقد والذي يكاد أن يختفي أمام المواطن والمهتم بالشأن الوطني برمته،
  • تشديد فعالية جهازي النيابة والرقابة العامة، وتكثيف معدل التحقيقات والمتابعات والمرافعات والمحاسبات بشكل حاسم، وإحداث آليات عمل جديدة رادعة للفساد، وذلك بهدف التجاوز من فرص احتمال تحايل المسؤول الحكومي على النظام العام، وكذلك سوء ممارسته للسلطة واحتكاره للعمل العام إلى درجة دفع رفع قضية ضدهم وفرض عقوبات صارمة ليدرك الناس على هوية الحكومة الجديدة وأو لويا تها المحددة.    
  •  العمل عاجلا على إخلاء واسترجاع جميع المباني والممتلكات الحكومية المختلفة المدنية منها والعسكرية سواء المرخصة منها والمستباحة، والسعي إلى تشغيل تلك المرافق المتزاحمة على بعضها البعض في أماكن ضيقة أو غير ملائمة للإنجاز، والاستعداد على دفع الفاتورة  التي يحتاج إليها ذلك الالتزام ليعرف الجميع إننا أمام فجر متمايز ويوم جديد مختلف عن الذي تعودنا التعايش معه طيلة العقدين الماضيين لإ ثبات الفرق بينها وبين سابقتها. 

غير ذلك تكون هذه الحكومة محدودة الفرص للانتشار الضروري لعمرها والنجاح المتوقع لبرنامجها السياسي، وتحقيق المهام المرتبطة برؤية 2016م وربما تستمر الانتكاسات وتدوم التراجعات، وتزداد الحوادث الأمنية المفجعة، وتتسع فجوة التعاون والتواصل بينها وبين المجتمع الدولي الشريك في العمل السياسي الوطني مالم يتم توظيف واستثمار جميع تلك الفرص المذكرة توظيفا صحيحا واستغلال اللحظة المواتية التي هي بالطبع ان لم تستغلها لصالحها تنقلب عليها. 

زر الذهاب إلى الأعلى