متى تستعيد الدولة هيبتها؟

ولو نظرنا إلى واقعنا نجد أن القانون غائب تماماً منذ إنهيار الحكومة الصومالية في عام 1991م، والمعروف أن هيبة الدولة تراكمية، تبدأ من احترام قانون الطريق الى أن تصل إلى أعلى درجات القانون وهوإحترام الدستور وعدم الاعتداء على بنوده، مهما كانت المسببات، فالاعتداء على الدستور، تجاوز لكل الخطوط الحمراء، في الدول التي تحترم نفسها تحترم القانون وتطبقه علي الجميع ويكون القانون فوق الجميع .

 فالاعتداء على حرمة الطريق  وعدم قيام شرطي المرور بدوره كما يجب، مؤشر على ضياع الهيبة، والهجمات المتكررة علي مقرات الدولة وعدم ملاحقة الفاسدين والسكوت عن  تجاوزات القانون مؤشر على ضياع هيبة الدولة، فهل يصدق أحد أننا وصلنا إلى حد أن القاتل يمشي قي الشوارع والمقتول في الرصيف لا أحد يستطيع أن يعاقب عليه بسبب إنتمائه إلي قبيلة أو إلي فصيل معين، وفي الشوارع من يحمل كل انواع السلاح  بطريقة غير شرعية مع أن الحكومة الصومالية ذكرت مرارا وتكرارا أنها لا تقبل الا أنها لم تعمل في أرض الواقع شيئا ملموسا حتي الأن

الصوماليون، لا يشعرون بهيبة دولتهم، لأنهم باتوا يعتقدون، أن الذي يشتِم والذي يجاهر بالاعتداء على هيبة الدولة، باللسان والقلم أو بالتصرُّف له الصدارة، وله المكتسبات والاحترام والاسترضاء، والصادق يتراجع إلى الصفوف الخلفية، والحديث عن الاسترضاء يطول، ويتشعب، ويشعر الإنسان بمرارة الصوماليين عندما يتحدثون عن ضيقهم بهذا الأسلوب الذي تتبعه الدولة في تعاملها مع الناس، والثابت أن الدولة الضعيفة هي التي تقوم بعمليات الاسترضاء هنا وهناك حتى تسيّر أمورها يوماً بيوم دون سياسة ثابتة ومبادئ راسخة في معاملة الرعيِّة وتسيير شؤونها.

إننا لو أردنا الحديث عن عمليات الاسترضاء التي تجري في السرّ والعلانية لا تسعنا آلاف السطور للحديث عن هذا الأسلوب المدمر الذي غزا حياتنا منذ سنوات.

إننا إذ ندق ناقوس الخطر وفي هذا الظروف الصعب التي تمر به البلاد، بل والمنطقة بكاملها، فإننا لا نرى أي ضوء في نهاية النفق المظلم و مسلسلات الحروب إلا إذا لملمت الدولة أوراقها من جديد واستعادت هيبتها، بدءاً من اصرارها على احترام قانون الطريق مروراً بكل التشريعات وتنفيذها بحقها، حيث يأخذ كل ذي حق حقه بعيداً عن الاسترضاء وأخذ الخواطروالانحناء  أمام أصحاب الصوت العالي علي الحكومة الصومالية، يجب تطبيق القانون وتوسيع الحكم حتي يشعر المواطن العادي في المدينة والقرية والبادية أن له دولة ذات هيبة تظلل الجميع بعطفها وحزمها ولا يخاف بعد الله سوي القانون.

نؤأكد أن الأمن أو وزارة الداخلية هو جهة إنفاذ القانون ويلزم أن يكون هناك تشريعات معينة تسمح  لهذه الأجهزة لإتخاد الإجرءات اللازمة لتحقيق الأمن  ومن يخالف ذلك أو يخرج عليه تقوم الأجهزة الأمنية باتخاذ اللازم حياله، وهذا ما حدث بالفعل عندما صدر قرار يمنع حمل الأسلحة وتخزينها بطريقة غير شر عية  وقامت الأجهزة الامنية بعمليات واسعة بتنفيذها والتي تم من خلالها جمع كمية هائلة من الأسلحة ورحب جمهور الشعب حيث راي أنها خطوة إلي الأمام.

و يتخيل البعض أن الشعب الصومالي فوضوي وغير ملتزم، ولكن هذا الكلام غير حقيقي وليس في محله، فالتاريخ أثبت أن شعب الصومال شعب عظيم، والتاريخ كذلك أكد أنه حينما يكون هناك قانون ديمقراطي يعطي المواطن الصومالي حقوقه ويلزمه بواجبات فإن المواطن الصومالي يلتزم به ويطبقه برحابة صدر ولا يلجأ لأشكال الفوضي إلا إذا شعر بأن هناك  ظلم كما حدث في نهاية الثمانينات وقامت الجبهات المعارضة لإسقاط حكومة سياد بري، وايضا في عام 2006م عندما قامت المحاكم الإسلامية ضد زعماء الحرب في الصومال، أو أنه هناك استثناءات في تطبيق القانون.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن هيبة الدولةالصومالية ضاعت منذ إنهيار الحكومة الصومالية1991م حتي الآن وانتشرت كل أشكال الفوضي واستغل البعض حالة غياب الحكومة فقد تنوعت الجرائم التي إرتكبها المجرمون بحق الشعب الصومالي
إلا أن عودتها أصبحت ضرورية، ولن نبالغ إن قلنا إن عودة هيبة الدولة واجب وطني في ظل الفترة الحرجة التي نعيشها وتقتضي أن تكتمل كل أركان الدولة ونستطيع ببناء الصومال من جديد.
في السطور القادمة استطلعنا آراء عدد من الخبراء.. وطرحنا عليهم السؤال.. ما هي الإجراءات التي يجب أن تقوم بهاالحكومة الصومالية حتي تسترد هيبتها؟
 رئيس المحكمة العسكرية العليا، اللواء عبد الرحمن محمد توريري أكد أن هيبة الدولة عنوانها دولة القانون، فقيمة سيادة القانون في المجتمع هي أن يشعر الحاكم والمحكوم الكبير والصغير، والجميع أنهم متساوون في المسئولية وأن القانون لا يفرق بينهم، وأن يراعي كل منهم علي أي تصرف يمكن أن ينتج عنه ما يضر أمن المواطنين والدولة.
وأكدأنه لكي تعود هيبة الدولة لابد من تفعيل سلطات الدولة المعنية بحكم القانون، من شرطة والتي يجب ان تلتزم بسيادة القانون في الشارع, والدوائر الثقافية وهي المعنية بتزكية هيبة القانون, مؤكدا ضرورة تقوية فكرة العدالة الناجزة وأن يطبق القانون حتي يشعر المواطن أنه هناك سيادة للقانون في الشارع تحميه وتؤمنه من أي أضرار.
وأشار تور يريأن الدستور هو تاج دولة القانون وهيبتها، فالدستور يعبر عن مقومات الدولة وتحصين نظام الحكم, وتنظيم الحريات والحقوق فهو ضابط لكل شيء، لأننا في النهاية نصبح أمام دولة مكتملة الأركان.

قي حين يرى الأستاد عبد الوهاب علي مؤمن خبير و كاتب متخصص في علم الإجتماع السياسي ومدير مركز مقديشو للبحوث والدراسات، بأن الحكومة حاليا منفصلة عن الشعب وأصبحت تهتم بتبييض وجهها أمام المجتمع الدولي فقط وبالتالي أصبحت قوة إرغام لا تحظى بالشرعية أو القبول لدي الشارع الصومالي، ولا تهتم المصالحة الوطنية، ولاتهتم كذلك بقضايا التي تشغل المواطنين، ولذلك آن الأوان أن تعلم أن الشعب هو الذي يفرز حكومة قوية داخليا وخارجيا، وأن تقوم  بمجموعة من الخطوات التي من شانها أن تؤدي الى تحسين صورتها أمام شعبها، ومن هذه الخطوات، السعي أولا الى إستتاب الأمن في المناطق الخاطق تحت سيطرتها وذلك بعد تقويم سلوكيات رجال العسكر والأمن، لأن ذلك يؤدي إلى إحساس المواطن  بوجود حكومة تهتم بأمنه، وأن تقوم ثانيا: بمحاربة الفساد المنتشر في كافة أجهزة مؤسسات الدولة، ثالثا: عليها أن تهتم بالقضايا البسطة التي تشغل المواطن والمتمثلة في الحصول على الخدمات الاساسية للحياة، كالتعليم والرعاية الصحية والحصول على فرص عمل جيدة، رابعا: على الحكومة أن تقوم بإصلاح القضاء ، فقضاء الصومالي يمر اليوم بأسوء مراحلة. لا يوجد في البلاد هيكل قضائي موحد. فلكل اقليم أو دارة محلية قضائها البدائي الذي لا يلبي حاجات سكان تلك المناطق ويتحاكم قضاتها وفق ما يناسبهم من احكام الشريعة وقوانيين الأنظمة السابقة.
وتقول الأستادة مني حاج حسن الناشطة الحقوقية،( البعض يتصور أن هيبة الدولة تفرض من خلال أجهزة الأمن ومبدأ السمع والطاعة, ولكن هذا غير صحيح، فهيبة الدولة تنبع من قدرتها علي تطبيق القانون علي الجميع دون تمييز .
وأشار ت مني إلي أن الوضع الحالي في الصومال استثنائي، فهناك تداعيات الحرب الأهلية والتي أدتإلي الانقسام والانشطار داخل النسيج الاجتماعي وبالتالي يجب التعامل مع القضية ليس من منطلق هيبة الدولة ولكن من منظور إدارة الأزمة، فنحن أمام أزمة سياسية حادة يجب أن نخرج منها.
وأشارت، لدينا وضع مضطرب جدا ومقلق وتصرفات الحكومة بإكتفاء المشاهدة ما يجري في بعض الأقاليم مثل إقليم شبيل السفلي وكيفية تطبيقها لنظام الفدرالي.. وغيرها. توحي بالارتباك وتجعل المواطن يشعر بأن الدولة غير قادة علي إنقاذ البلاد، فالحكومة المرتعشة والمترددة لا توحي بالهيبة علي الإطلاق، وبالتالي لابد من عودة هيبة خلال التوافق الإجتماعي  وتحققيق المشاركة للجميع دون إقصاء أي طرف والوطن للجميع…)
أما الأستاذ عبد المجيدعبدي معلم محاضر جامعة هرسيد العالمية في مقديشوا فيقول:( الدول والأنظمة السياسية تكتسب هيبتها من وجود دولة القانون، وأن تكون الدولة محكومة بقوانين ديمقراطية طبقا للمعايير الدولية المعروفة، تساوي بين المواطنين جميعا أمام القانون ويكون لديها قضاء ناجز يحكم بين الناس بالعدل وأن تكون هناك أجهزة تطبق القانون بحزم علي الجميع دون استثناءات حتي يشعر المواطن بأن الدولة تحافظ علي حقوقه وتلزمه بأداء واجباته، وإذا التزمت الدولة الصومالية بهذه المعايير خلال المرحلة المقبلة فسنتمكن من استرداد هيبة الدولة التي فقدت خلال الفترة الماضية(..
و الأستاذ عبد المجيد تحدث عن هيبة الدولة من منظور آخر، مؤكدًا أن هناك من يسعون إلي تغييب هيبة الدولة الصومالية والقضاء عليها والتي تسعي لتحقيق مصالحها الخاصة كما دعاالحكومة الصومالية بمواجهة هؤلاء بحزم.لإسترداد هيبة الدولة التي فقدها الشعب الصومالي أكثر من ربع قرن .

وأخيرًاعمليات الاسترضاء التي تقوم بها الدوائر المختلفة في الدولة هزَّت هيبتها، وانحدرت بها إلى مدارك مرعبة نخشى أن تؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها والقائمة طويلة من الأمور، التي تؤشر ضياع هيبة الدولة ولا يمكن الاستخفاف بأي منها مهما كانت بسيطة، فكما قلنا، ان هيبة الدولة تراكمية، ولا يمكن فصل عناصرها عن بعضهاالبعض.

وإن غياب الاستقرار التشريعي هو ضياع لهيبة الدولة، وكثرة التغييرات الحكومية ضياع أيضاً لهيبة الدولة، وآلاف البرامج التي تُطرح سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية دون تنفيذ مؤشر على  ضعف  الحكومة ومعالجة العنف المجتمعي «بالمهدئات» فشل للدولة وضياع لهيبتها.

حان الوقت لفرض هيبة الدولة ا لصومالية‏.. و‏ ترسيخها في أرض الواقع..‏ لأنه بدون عودة هيبة الدولة لن نتحرك خطوة إ لي لأمام، والنتيجة ستكون العودة إلي المربع الأول وهو ما لا يقبله أحد‏.

أ.حسن محمد علي

كاتب وباحث في علم الإجتماع
زر الذهاب إلى الأعلى