هي حكومة “الشباب”

فتلكن حكومة “الشباب”. فما العيب في ذلك؟. منذ أكثر من٧٠ عاما من تاريخ الصومال الحديث كان البلاد تحت حكم الشيوخ سواء كانت لبرالية أو شيوعية أو اسلامية ولم يكن  للشباب الذين يشكلون أكثر من ٦٠٪ من المجتمع الصومالي مكان في تلك الحكومات. فعندما لاح اليوم في الأفق بصيص أمل يمكن من شأنه اعادة الاعتبار للشباب وتمكينهم في الحكم بعد تلك العقود من التهميش والاقصاء من مراكز صنع القرار، فما هي كل تلك العويل والدعوة الي الويل والثبور وعظائم الأمور؟ لماذا يعيب البعض الوجوه الشابة في الحكومة الذين استطاعوا تقديم اداء متميز يختلف عن أداء الشيوخ العجزة  في الحكومة لمجرد انتمائهم الي فئة عمرية معينة؟ اليس هذا  ضرب من ضروب التمييز العنصري؟! وكيف تنكشف أسرار البلاد وتتعرض مصالحه للخطر ان تم تعين شبان على مناصب رفيعة في  أجهزة الدولة؟ 

في الحقيقة تلك افكار مستهجنة لا تمت للوطنية الحقيقية بصلة وتتعارض مع أدنى مبادئ حقوق الانسان الأساسية بل تشجع العناصر الكسولة في البلاد التي تدعوا الي هدم وتدمير مستقبل الاجيال الناشئة، عصب  البلاد وروح تقدمها والرئة الأساسية التي تتنفس بها الأمة. وربما الهدف من تلك الحملات النيل من الحكومة وإتهامها بالفشل والاخفاق، لكن مروجيها ومن بينهم للأسف وجوه شابة ومتعلمة يخطئون في الوسيلة ويعيبون الحكومة بما ليس عيبا، وينتقصون من حيث لا يدرون من حقوق الشاب الصومالي الذي يناضل من أجل استعادة حقوقه المشروعة .

كان رسام الكاريكاتير الصومالي أمين عامر الذي نحترم ابداعاته وكاريكاتيراته الساخرة من الشخصيات البارزة التي اتهمت الحكومة بأنها تعين مناصب رفيعة للشباب حيث وصف المدير السابق  لمكتب الرئيس حسن شيخ محمود ونائب محافظ مقديشو “كمال جوتالي” بالفاظ جارحة لا تليق بمستوى رجل مثل أمين عامر الذي يتمتع بشعبية كبيرة داخل المجتمع الصومالي ولا سيما في اوساط الشباب الذين يشكلون العدد الأكبر من جماهيره ومتابعيه. فاذا كان لدى الرسام أمين عامر رأي أو اعتراض لسياسة وطموحات “كمال جوتالي” كان ينبغي أن ينتقد تصرفاته وادائه الوظيفي… وليس من المرؤوة أبدا ان ينال من شخصية كمال متهما اياه بأنه شباب جاء من الحارة. 

هناك العديد من الطرق التي يمكن للرسام اتباعها لتقديم الملاحظات على أداء الشخصيات الشاب الذين يتقلدون مناصب رفيعة في الحكومة الحالية وتوجيه النقد للسياسات الحكومة خصوصا فيما يتعلق بتعيين الشباب لمرافق الدولة الحيوية. وكان بامكانه الاشارة الي أخطاء الشباب وقلة خبرتهم وفشلهم في أداء المهام المنوطة بهم، لكن للأسف اختار امين عامر الطريق الأسهل للنيل من هيبة الشباب في الحكومة والتشكيك في قدرتهم على العمل والانجاز انطلاقا من مبادئ بالية عفا عنها الزمن كانت الشيوخ تلجأ اليها في كل مرة يشعرون بالحرج أمام ارادة الشباب وثورانهم ضد الظلم  السياسي و الاستبداد الفكري الذي يمارسونه الشيوخ.

وكذلك للأسف الشديد وقع في هذا الفخ بعض الشباب الذين ابدوا معارضة  شديدة ازاء تعيين الوجوه الشابة لمناصب مهمة في الحكومة وإدارة العاصمة أو في مكاتب البلاد لدى المنظمات الاقليمة والدولية في العالم كالهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) والأمم المتحدة  تحت مبررات وهمية وحجج لا اساس لها في قاموس الحياة حتى قال البعض إن تعيين الشباب لتلك المناصب الحساسة في الدولة يعرض مصالح البلاد للخطر وتجعل اسراره في متناول الجميع. 

  فيما يبدو فهؤلاء الشباب المعارضين للتعينات الجديدة يجعلون مصالحهم الخاصة وملاحظاتهم على المسؤولين الجدد فوق المصلحة العامة للشباب دون الالتفات الي أثر ذلك في حياتهم ومستقبل آلاف الشباب الذين يتخرجون سنويا من الجامعات والمعاهد العليا الطامحين الي بناء دولة جديدة وفق أسس حديثة ورؤى تتواكب مع تطورات المرحلة وعصر التكتولوجيا تحل محل دولة الشيوخ التي وضعت وحدة البلاد ومستقبل شعبه في مهب الريح. 

فالخطوات التي اتخذتها الحكومة أخيرا فيما يتعلق بضح دماء جديدة في مفاصل الدولة  كان أمرا صائبا وينبغي الاشادة والترحيب به. ولاشك أنه سيسجل للرئيس حسن شيخ محمود، لأن تلك الخطوات من شأنها أن تعزز مكانة الشباب في البلاد ومساهمتهم الايجابية في ايجاد حل نهائي للمعضلة الصومالية بعد أن كانوا عقودا معاول في ايدي كبار السن يستخدمونها في ضرب مصالح البلاد ومقدراته.

قضية تميكين الشباب و بالأساس التمكين السياسي فهو أمر في غابة الأهيمة. ولا يمكن لأي شعب ان يتقدم دون وجود إلتأم خبرة الشيوخ وفكرة وسواعد الشباب. ولا يحدث ذلك دون افساح المجال للجيل الشباب من خلال اشراكهم في العمل السياسي وتضمينهم في الصفوف الثاني لقيادة الدولة وذلك بهدف تدريبهم في ممارسة العمل السياسي والحكومي؛ لأنهم رؤساء الغد وزعماء المستقبل. فاذا لم يحدث ذلك ولم يتقبل الشيوخ استيعاب الشباب في دوائر الدولة  فليعلموا أن حياتهم ومستقبل ابنائهم على المحك. وكل امرئ يحصد ما يزرع؛ لأن هذا الشباب الضائع التائه هو الذي سيتولى غدا قيادة البلاد ومعه تلك العقلية الهدامة المبنية على الحسد والثأثر التي تربى بها وورثها أبا عن جد، حينها سيندم الجميع ولات حين مناص.

لذلك يجب على الحكومة استعياب الشاب في مختلف مؤسسات الدولة ليمارسوا العمل السياسى ويتمكنوا من صنع القرارات. ولابد أن تتم دعوتهم الي احتماعات رئاسة الجمهورية والحكومة ومجالس البلديات بغية الاستماع لآرائهم وافكارهم ومناقشتهم في القضايا التي يهتمون بها. فان ذلك لا شك سيساهم في تهدئة الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد و ويلعب دورا كبيرا في اعداد قيادة رشيدة ورجال مخلصين يحترمون قوانيين السياسة والتداول السلمي للسلطة. 

من هنا اقترح تحديد حصص معينة( الكوتا) للشباب في المجالس السيادية، كالبرلمان والحكومة والقضاء والتي لا يمكن المساس بها ويجب ان يتم اختيارهم وفق معايير المهارة والكفاءة بعيدا عن المحاصصة القبلية والفؤية والحزبية . 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى