تطور التعليم العالي في الصومال

 د. حسن البصري شيخ عبدالقادر- رئيس جامعة إمام

برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة ازدياد الجامعات وتكوين مؤسسات في التعليم العالي، مما يقتيضي الدراسة والكتابة عن تلك الظاهرة وتحليلها، ثم تشجيع ايجابياتها، وتصحيح أخطائها، وانطلاقا من ذلك نود أن نكتب عن تطورالتعليم العالي في البلاد منذ الاستعمار حتى الآن، مع الإشارة إلى واقعه الحالي ومستقبله.

التعليم العالي في الصومال في ظل الاستعمار

كان التعليم في الصومال عبارة عن حلقات علمية في المساجد أو في أماكن مخصصة لها، يجتمع فيها الشيخ المدرس والدارسون الطلبة، لكن التعليم النظامي المعروف حاليا كان شبه عدم قبل الاستعمار، أما في ظل الاستعمار فلم يكن الأمريختلف كثيرا في بدايته، لكن فيما بعد تم فتح مدراس نظامية على يد المستعمر، كما تمكن بعض رجال الأعيان الوطنيين من فتح بعض المدارس يتم تدريسها بمواد مختلفة عن مدارس الاستعمار، وقد أفادت تلك المدارس للمجتمع الصومالي، وخرجت كثيرا من المثقفين الذين ساهموا في تحرير البلاد  وتولوا مناصب في الدولة الصومالية بعد الاستقلال.

أما بالنسبة للتعليم العالي فقد تأخر إيجاده نسبيا، ولم يتم فتح جامعة فضلا عن وجود دراسات عليا إلا قبل الاستقلال بسنوات قليلة، بحيث كانت الإدارة الموجودة في تلك الفترة ترسل بعثات معظمها تدريبية إلى دول العالم وخاصة دول المستعرة للبلاد، وقد يتدرب المبتعثون مدة سنة أو سنتين على الأكثر ثم يعودون ليتولوا مناصب عليا، وكان هؤلاء بمثابة من حصل على دراسات عليا حتى أن بعضهم كان يطلق عليه لقب ” الدكتور”. وفي فترة الوصاية التي كانت إيطاليا تديرالبلاد  تم فتح جامعة وطنية والتي تطورت فيما بعد لتصبح جامعة الأمة، ولم تكن في بدايتها ترتقي للمستوى المطلوب.

ومن الملاحظ أن الإدارة الإيطالية لم تكن تثق في قدرة الصوماليين على تولي المسؤولية حتى فيمن تم ابتعاثهم إلى الخارج، وخير شاهد على هذا عندما تم تكوين الحكومة الداخلية الصومالية عام 1956م وعُينت وزرات عدة يتولاها وزراء صوماليون جاءت إيطاليا بدكاترة إيطاليين يشارك مع كل وزير في إدارة وزاته بصفة مستشار، مماعكس أداء الوزراء الذين شعروا بعدم اتخاذهم قرارات وطنية إلا بموافقة هؤلاء المستشارين، وهو أمر غير مستغرب بحيث أن البلد لم يزل في أيدي إيطاليا المستعمرة.

التعليم العالي في ظل الحكومات الصومالية المتعاقبة

في بداية فترة الحكومات الصومالية لم يتغير وضع التعليم العالي في البلاد، إلاأن الجامعة الوطنية تطورت وأصبحت تخرج دفعات كثيرة، وخاصة أثناء الحكومة العسكرية والتي ساهمت في تطوير التعليم عموما، وجعلته مجانا، كما أن هناك بعثات كثيرة يتم إرسالها إلى الخارج، وكانت تلك البعثات مينية على حاجة الدولة إداريا وعسكريا وغيرها، إضافة إلى شخصيات مستقلة سافرت إلى الخارج لتلقي التعليم العالي ، وخاصة إلى تلك الدول التي كانت لها علاقة قوية مع الصومال حكومة وشعبا، مثل مصر، والسودان، والسعودية.

ورغم ذلك فمن الملاحظ في ظل الحكومة العسكرية: أن اهتمامات الشعب لم تكن موجهة نحو التعليم، ولم يكن معيار تقييم الشخص المتميز بمستواه التعليمي، بحيث كان المثقف الذي يحمل الشهادة العليا يمارس مهنة التدريس أحيانا مقابل رواتب غير كافية، بينما كان يعتبر الفنان أو العسكري صاحب الرتبة العالية مثلا في الطبقة الراقية، ويكتسب شهرة واسعة لدى المجتمع، ممايعنى أن سياسة الحكومة نفسها كان مبنية على ذلك، فكانت هناك وزراة الإعلام والإرشاد والتي تعبتر من أكثرالوزارات تأثيرا في المجتمع في تلك الفترة، قدساهمت في توجيه الشعب وإيجاد نجوم في مجالات أخرى في السياسة، في الجيش، في االفن، وغيرها، مماجعل اهتمامات المجتمع في المجال التعليم دون المستوى المطلوب.

ومع ذلك فكان هناك فئات معينة مولت نفسها وسافرت إلى الخارج للتعليم العالي، وهي العناصر التي ساهمت في تطوير التعليم عموما والتعليم العالي خصوصا بعد سقوط الحكومة المركزية، واندلاع الحرب الأهلية في البلاد والتي أتت الحرث والنسل، وأدت إلى انهيار التعليم تماما، بحيث تم فتح مدارس ومعاهد ثم جامعات بعد سنوات عدة من اندلاعها، ثم ازدهر التعليم فيمابعد.

واقع التعليم العالي ومستقبله في الصومال

منذإعادة فتح الجامعات الأهلية في البلاد بدأ اهتمام المتجتمع الصومالي نحو التعليم عموما والتعيم العالي خصوصا، من جانبين: جانب ازدياد الطلبة الملتحقين بالجامعات المحلية بدلا من السعي إلى الخارج، وجانب فتح مؤسسات تعليمية متنوعة كالجامعات والمعاهد والمراكز على يد نخبة مثقفة من أبناء المجتمع.

ورغم ضعف النظام المركزي الذي ينظم تلك المؤسسات العلمية، إلا أنها ساهمت في رفع الوعي لدى الشعب، وجذبت انتباهه نحو العلم والمعرفة، فبدأ التنافس في هذا المجال وكثرت تلك المؤسسات العلمية على شكل ملحوظ ، وأصبحت ظاهرة يجب دراستها وتقييمها.

ومع وجود سلبيات هذه الظاهرة إلا أنني أعتبرها ظاهرة إيجابية تساهم في نشر العلم والمعرفة، بحيث وفرت كثرة الجامعات فرصا عدة لم تكن متاحة لدى الطالب الصومالي، من حيث اختيارالجامعة التي يريدها، والتخصص الذي يفضله، وعلى الرسومات الدراسية التي يتمكن من دفعها.

أتذكر عند تخرجي من الثانوية العامة عام 1997م لم يكن أمامي إلا جامعة واحدة حديثة وبتخصصات معينة، بينما في الفترة الحالية الامر مختلف تماما، بل إن كثيرا من الطلبة الذين كانوا يسعون إلى الخاج وجدوا ضالتهم في البلد، بعد أن وفرت بعض الجامعات تلك التخصصات التي كانوا يريدونها، لكن هناك ملاحظتين لابد من الإشارة إليهما:

أن التعليم العالي في الوقت الحالي يعاني من فوضى، بعد أن دخل المجال من يسعى إلى الربح والتجارة، وأصبح المعيار الوحيد للجامعة كثرة عدد الطلبة في قاعاتها، دون الاهتمام بماعدا ذلك، ولذا برزت جامعات يديرها من ليس أهلا لها، فكثرت الاختلافات والانشقاقات، حتى أن جامعة واحدة انقسمت إلى ثلاث جامعات بعد أن اختلف مؤسسوها.

أن العلاقة بين مؤسسات التعليم العالي ضعيفة جدا، مما انعكس سلبا أداؤها، ومستوى الطلبة التي يتم قبولهم فيها، مما يجعل الطالب يسجل نفسه في جامعة، وبعد فترة يتركها ثم يلتحق بأخرى، لعدم وجود أي نظام يلزمه بإيجاد أوراق إثبات من الجامعة التي تركها، إضافة إلى ذلك  فإن كل جامعة تدرس بمنهج خاص بها، مما يؤدي إلى إيجاد طلاب في وطن واحد وفي مدينة واحدة لكن مختلفين ثقافيا وفكريا.

وعلى هذا إذا تم تصحيح هاتين النقطتين فإن واقع التعليم العالي في البلاد يمر بأحسن مراحله تاريخيا من حيث الوفرة والتنوع والفرص المتاحة لدى الطالب، وحتى يصل إلى مستوى أكثر تطورا فإنه لابد من:

إيجاد نظام عام ينظم شؤون التعليم العالي ومؤسساته، وهذا من اختصاصات الحكومة المركزية.

وضع أهداف عامة للتعليم العالي في البلاد، وتحديد نوعية الطالب الذي يتم تخريجه، بحيث تسعى جميع المؤسسات إلى تحقيق تلك الأهداف.

إيجاد مواد معينة مشتركة  يتم تدريسها لكل طالب في أية مؤسسة ينتمي إليها،  مما يجعل جميع طلاب التعليم العالي متقاربين فكريا وثقافيا، بدلا من تخريج طلاب مشتتين كل قد شبع من منهج مختلف عن الآخر.

وخلاصة القول فإن التطورالحالي للتعليم العالي في البلاد مؤشر إيجابي يحسن تشجيعه وتوجيه نحو الأفضل، وتنظيمه وتسهيل العقبات أمامه، لكونه جزء لايتجزأ من تطور البلاد.

خاص لمركز مقديشو للبحوث والدرسات

 

الدكتور حسن البصري

رئيس جامعة إمام، حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة بحر الغزال - الخرطوم ، عام 2011م، ودرحة الماجستير في التاريخ الحديث من جامعة النيلين - الخرطوم، السودان عام 2006م، وحصل البكالوريوس من جامعة مقديشو كلية الآداب، قسم التاريخ. عام 2001م
زر الذهاب إلى الأعلى