الصراع الصومالي الإثيوبي  من منظور تاريخي

مقدمة

على وقع الأزمة الأخيرة التي عصفت بالقرن الأفريقي بين الصومال والحبشة إثر مذكرة التفاهم بين الحبشة وإقليم صوماليلاند، والذي بموجبه تحصل إثيوبيا على منفذ بحري  في المياه الإقليمية الصومالية عبر البحرالأحمر بمقدار خمسا وعشرين كم٢ فى منطقة زيلع الساحلية مقابل إعتراف أديس أبابا بما يسمى جمهورية صوماليلاند وسعيها في المحافل الدولية لنيل الإقليم الاستقلال التام من الصومال.  يجري نقاش حاد بين الصوماليين عبر مواقع التواصل الإجتماعي حول هذه الصفقة المشبوهة وتتباين الآراء  ما بين مؤيد ومعارض. بدا لي أن أشارك في النقاش بهذا المقال وأن أساهم فى إثرائه بمعلومات تاريخية تساعد الشباب في معرفة حقيقة الحبشة وأطماعها التاريخية في المنطقة.

وهي في الحقيقة (مذكرة التفاهم) صورة من صور أطماع إثيوبيا  القديمة الجديدة للحصول على منفذ بحري في المياه الإقليمية الصومالية في البحر الأحمر. رغم تحكم إثيوبيا في المشهد السياسي والعسكري في الصومال منذ سقوط نظام سياد بري إلا أنها لم تستطع تحقيق أهدافها الحقيقة والتاريخية ومن أهدافها التاريخية ضم الصومال كلها إلى الحبشة مدعية بأنها جزء من أراضيها التاريخية، ليس وبكل أسف لأن قوة الصوماليين الردعية وتوحدهم واجتماع كلمتهم هي المانعة، ولكن؛ لأن السياق الجيوسياسي المحيط بهم، ودور الجهات الدولية والإقليمية، اللاعب الرئيسي والقوة المحركة لقضايا المنطقة والتي تتحكم قواعد اللعبة السياسية والعسكرية في المنطقة،  وعدم تماسك الجبهة الداخلية الإثيوبية، وتضاءل دور الكنيسة ورجالاتها في صناعة المشهد السياسي بعد موت آخر ملوك الحبشة هيلا سلاسي في إنقلاب ١٩٧٥، والصراعات الإثنية والقبلية التي تعصف بها منذ زمن هي التي حالت دون تحقيق ذلك. ومع مجيء المتهور أبى احمد إلى السلطة أظهر للعلن ما كان تخفيه ساسة الحبشة حول سياستهم التوسعية تجاه الصومال، ووجد ضالته في إقليم شمال غرب الصومال أو ما بات يعرف صوماليلاند الذي يسعى منذ عقدين الانفصال من الصومال، دون أن يعترف به أحد من الدول العالم .

الصراع الإثيوبي الصومالي ضارب في القدم  منذ اعتناق القبائل الصومالية الإسلام وظهورها فى المشهد السياسي والعسكري في شرق أفريقيا كقوة فاعلة ضمن جيوش المسلمين المقاتلة في الحبشة، واستيلائهم على أراضي واسعة في شرق أفريقيا، ومن ثم تشكل بلاد الصوماليين ككيان سياسي مستقل والذي أصبح عائقا أمام طموحات إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري.

يرتبط الصراع الإثيوبي الصومالي بدايته بظهور الإسلام  واعتناق سكان قرن أفريقيا  المعروفين عند العرب  “البربر”، وسيطرة المسلمين سلما بواسطة التجارة على سواحل إثيوبيا بدءا من جزيرة دهلك مرورا بمصوع إلى أن توغلوا داخل إثيوبيا. هذه العلاقة التجارية كانت موجودة قبل الإسلام لكنها تعززت بعد ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، وأخذت طابعا دعويا ونظرا لدور الحبشة في نصرة المسلمين الأوائل المضطهدين في مكة عندما هاجروا الى الحبشة خاصة ملكها العادل النجاشي اصحمة، لم يحاول المسلمون فتحها عنوة إلا  محاولة وحيدة حدثت في زمن الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لفتح جزيرة دهلك والتي باءت بالفشل. ومنذ ذلك الحين ترك المسلمون الحبشة وشأنهم ولم يحاولوا فتحها، ولكنهم استطاعوا احتلالها من خلال التجارة. فتوجه تجار المسلمين إلى سواحل القرن الأفريقي بلاد البربر وبنو مستعمرات على طول سواحل شرق أفريقيا واستوطنوها وانصهروا بقبائل المحليين مثل زيلع، بربرة، مقديشو، ومركة، ملندي وممباسا. ومن هناك توجهوا نحو داخل الحبشة إلى أن وصلوا الهضبة الإثيوبية، ونشروا الإسلام بين القبائل الوثنية، واستطاعوا اقامة ممالك قوية أصبحت تهدد المملكة الحبشة النصرانية.

كمثل  أى نظام أقيم على أساس دينية استمد الكيان السياسي الحبشي منذ أن اعتنق المسيحية شرعيته من الإنجيل ومن الكنيسة وفي سبيلها قاتل وهو أيضا في نظر الكنيسة خادم الصليب، وكان رجال الدين يضفون الشرعية على الملك، وهو تحت طاعة البطاركة والقساوسة ولذلك كان رجال الدين في كثير من الأحيان هم الحكام الفعليون بحيث يفقد الملك الشرعية في حال عصيانه الكنيسة وقوانينها. وبالتالي يعود جذور الصراع الصومالي الإثيوبي إلى مزيج من العوامل الدينية والعرقية والجيوسياسية، نتج عنها سلسلة من الحروب الطويلة بين المملكة الحبشة النصرانية وبين مماليك المسلمين في الحبشة.

انطلاقا من هذه الحروب والعداء الشديد بين مسلمي الحبشة ونصارى الحبشة يمكننا رصد جوانب عدة تساعدنا على فهم ماهية الصراع وأشكاله واستشراف مآلاته وهذا ما سنتعرض إليه في السطور القادمة ونركز على الجانب الديني والاثني أوالعرقي.

خالد إبراهيم

باحث في تاريخ الصومال
زر الذهاب إلى الأعلى