السودان: “توجه أمريكي جديد لإنهاء الصراع”

لا أعلم إن كان ذلك حسن حظ أم هي صدفة الأقدار التي منحتني رؤية السودان من الداخل، بجماله الذي إستشعرته، وتناقضاته التي ألهمتني، وإضطراب هويته التي ما إن حاولت أن أفهمها في أرضه إلا وتجاذبتني روايات التاريخ  وأوقعتني أسيرة ما بين حيرة الرواة وإقدام السياسيين، ولا أنكر أن ولادتي الفكرية في أرض المقرن خرجت من رحم ذلك كله، فستأثرت بي رؤية خاصة عبرت عن نفسها في شخصي وفيما أقوله وأكتبه، وكأن تلك الرؤية تعلم مسبقاً بأنها ستسكن إلى ما شاء الله في جوف مُحاربة، ولدت لتكون مُحاربة حتى وإن لم تسعى لذلك، ولكنه القدر الذي أحاطني بصراعات كان لابد لي أن أواجهها وأتغلب على كل من أراد أن يضرب بجهله اللامتناهي سياجاً حول ما أفكر به وأعبر عنه فكان لابد لي من موقف وإن كان هو أخر مهامي في هذه الحياة.

مع إقتراب الأزمة السودانية من عامها الأول دون تقدم واضح، أدركت واشنطن بأن إشراكها لبعض حلفائها الإقليميين  لحلحلة الأزمة السودانية يحتاج لإعادة توجيه، نظراً للأسباب التالية:

  • إصرار أطراف الصراع السوداني على عدم التوافق لوقف إطلاق النار.
  • تحفظ أحد أطراف الصراع “الجيش السوداني” لمشاركة “أبوظبي” في المفاوضات الجارية حول الأزمة.(وفقاً لتصريح وزير الخارجية السوداني “علي الصادق” فبراير 2024).
  • إختلاف الرؤى الخليجية حول الأزمة السودانية، وهذا ما يعيق نجاح المساعي المبذولة لحلها.

 بعد إستقالة السفير الأمريكي في السودان “جون غودفري” وتعيين مبعوثاً أمريكياً خاصاً للسودان ” توم بيرييلو” تصاعدت قناعة واشنطن بأن مفتاح هذه الأزمة بيدها هي فقط إن كانت تريد لرؤيتها المستقبلية أن تنجح تحقيقاً لشعارها “قرن إفريقي جديد عبر الخرطوم”، وإجهاضاً لسير المحاولات الروسية والصينية الساعية لتعزيز حضورها على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وحفاظاً على عدم خروج الأمور عن السيطرة وضمان سيرها وفقاً لما يراد لها أن تصل إليه.

سأتناول في هذه الورقة العلمية ملفان رئيسيان أرى أن الإدارة الأمريكية ممثلة بمبعوثها الجديد في السودان ستكثف جهودها حولهما لما لهما من أهمية في الصراع السوداني -السوداني

  • إعادة توجيه الموقف المصري

أولاً: تقنين الدور الإماراتي في الأزمة السودانية

بعد صدور تقرير أعده خبراء لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يؤكد دعم دولة الإمارات لمليشيا الدعم السريع “عسكرياً” من خلال إرسال شحنات من الأسلحة عبر الأراضي الليبية والتشادية، رفضت “أبوظبي” ذلك التقرير، ونفت دعمها للمليشيا وأكدت عبر وزارة خارجيتها أنها لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي، وتدعو إلى وقف التصعيد، وبدء حوار دبلوماسي في السودان، ولكن ذلك النفي لم يجد أذاناً صاغية بين الجموع السودانية، فالشعب السوداني وقيادته يُحمّل دولة الإمارات مسؤولية إذكاء الصراع المسلح بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، عزز ذلك الإتجاه أحد الأذرع الإعلامية التابعة للمخابرات الفرنسية “Africa Intelligence” التي أعلنت في إبريل 2023 أن الحرب الدعائية في وسائل التواصل الإجتماعي والداعمة لمليشيا الدعم السريع والتي يقودها “ألغوني دقلو” الأخ الأصغر لقائد المليشيا بالتعاون مع فريق إعلامي يتخذ من إمارة “دبي” مقراً له، وقيادة النائبة “سارة جيكوب” العضو في لجنة الشؤون الخارجية للقارة الإفريقية بمجلس النواب الأمريكي لتحالف يضم عشرة مشرعين لحث الإمارات على إنهاء دعمها لمليشيات الدعم السريع، والذي جاء متزامناً مع تقرير “Giorgio Cafiero” مؤسس الشركة الاستشارية “Gulf State Analytics”، ولو قمنا بإلقاء نظرة سريعة على الداخل السوداني لخرجنا بحقيقة واحدة مفادها أن السودانيون لم يكونوا ينتظرون تصديقاً من الإدارة الأمريكية يؤكد ما صرح به الفريق أول ركن “ياسر العطا” مساعد القائد العام للجيش السوداني والذي سبق حراك المشرعين الأمريكيين بقيادة “جيكوب” بفترة، وإن كان موقف المشرعين أحد الأسباب التي دعمت “معنوياً” وتيرة المقاومة الشعبية السودانية المسلحة وألبستها ثوب “القداسة”، ناهيك عن تصاعد موجة الإلتفاف الشعبي حول القوات المسلحة السودانية، والمفاجأة أن ذلك الإلتفاف الداعم للجيش السوداني لم يكن مقتصراً على الداخل السوداني بل إمتد ذلك الإلتفاف ولقى دعماً إفريقياً من معظم الأطياف السياسية الإفريقية خاصة في الوسط والغرب الإفريقي والذي أطلق عليه بالفرنسية “Un devoir africain sacré” وتعني باللغة العربية “واجب إفريقي مقدس”، في دلالة واضحة على أن الأزمة السودانية “وفقاً لوجهة نظر إفريقية” باتت تشكل هاجساً لابد من نصرته بإعتباره إلهاماً إفريقياً سيضيف بعداً “نفسياً” و”فكرياً” و”سياسياً” داعماً لزخم موجة التحرر الوطني التي رست أخيراً على الشواطئ الإفريقية بعد عقود طويلة من الإمتهان السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وهذا ما سيضاعف “وفقاً لوجهة نظر إفريقية” المواجهة القادمة بين كافة الأطراف الداعمة لمليشيا الدعم السريع والأطياف السياسية الإفريقية المشاركة في بلورة القرار السياسي في تلك الدول، مواجهة لن تكون “سياسية” فقط بل ستمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، وهذا ما لم تأخذه تلك الأطراف بعين الإعتبار، ولم تحسب حساب العواقب المستقبلية في قارة بات الشعب قبل القادة في بعض أقطارها هم المتحكمون بمزاج دول كبرى كانت حتى عهد قريب هي الضامن الوحيد لبقاء الدولة.

ما يحرك أبوظبي اليوم في الأزمة السودانية هو تخوفها من عودة تنظيم الإخوان المسلمين لحكم السودان بإعتباره المهدد الأكبر لأمن النظم السياسية العربية، وهذا ما يفسر تشدد دولة الإمارات في التعامل مع كل ما يمت لذلك التنظيم بصلة ولو من باب التعاطف، ولكننا نجد في المقابل أن هناك أطراف خليجية وعربية وإن كانت تستشعر خطر تنظيم الإخوان على الأنظمة السياسية الحاكمة إلا إنها لا ترى بأساً من التعامل “البراجماتي” مع ذلك التنظيم ورجالاته إن كان ذلك سيحقق سلاماً في الإقليم، بدليل:

  • إنخراط “دولة قطر” في مباحثات “سرية” مع النظام السوداني السابق برئاسة “عمر البشير” لتحقيق السلام في دارفور 2013، مما إنعكس إيجاباً على تنامي العلاقات السودانية والقطرية. (تكاد تكون بعض الأطراف الخليجية “أبوظبي، الرياض، المنامة” مقتنعة بأن “الدوحة” تحيط بها رؤية خاصة في التعامل مع تنظيم الإخوان المسلمين وصل لدرجة التعاون والدعم المادي والسياسي، وذلك بسبب موقف “الدوحة” من ثورات الربيع العربي عام 2011، ومرونتها السياسية في التعامل مع كوادر التنظيم الذين أتت بهم السلطة في بعض الدول العربية، وهذا ما خلق برأيي “أزمة الثقة” بين دولة قطر وبعض الأطراف الخليجية “المذكورة أنفاً” والعربية “مصر”).
  • إستئناف “الرياض” الحوار مع حزب الإصلاح في اليمن.
  • موافقة “مسقط” على إقامة أحد أهم الكودار الإسلامية السودانية “علي عثمان طه” النائب الأول “سابقاً” للرئيس السوداني السابق “عمر البشير”، و”نافع علي نافع” نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم في أراضيها بعد سقوط نظام الإنقاذ 2019، ومن ناحية أخرى سمحت السلطنة لزعيم قبيلة تعز “حمود المخلافي” باللجوء للسلطنة رغم تصنيفه بأنه “إسلامي” متورط في تنظيم مظاهرات مناهضة للتحالف العربي في اليمن.
  • إستمرار العلاقات السودانية المصرية رغم دعم “الخرطوم” لوصول الرئيس الراحل “محمد مرسي” لسدة الحكم، وإستنكارها الإطاحة به يونيو2013 ، ودعم “القاهرة” للجيش السوداني في حربه ضد مليشيا الدعم السريع رغم قناعتها بأن المؤسسة العسكرية السودانية ما هي إلا الذراع “المسلح” لتنظيم الإخوان، وبالتالي عدم تلاقي تلك الأطراف الفاعلة في الأزمة السودانية هو ما يعيق نجاح المساعي المبذولة لحلها، وهنا أدركت واشنطن بأن إشراكها لبعض حلفائها يحتاج لإعادة توجيه.

تواجه الدبلوماسية الإماراتية اليوم أصعب مأزق لها في السودان، وأرى بأن ذلك المأزق سيستمر في سودان ما بعد الأزمة، حتى مع وجود حكومة سودانية مقبولة “إماراتياً” فهي قطعاً لن تكون مقبولة “شعبياً” مدنية كانت أم عسكرية، فكلمة وزير الخارجية “علي الصادق” بأن “الإمارات إختارت أن تكون عدوة للشعب السوداني” كلمة ألقت بظلالها على مستقبل العلاقات السودانية الإماراتية، كلمة لا يدرك أبعادها إلا من فهم كينونة الدولة السودانية قديماً وحديثاً، وسبر الترسبات التاريخية والنفسية والسياسية والإجتماعية التي شكلت الوجدان الشعبي السوداني، وأكدت تلك الكلمة لي كما أكدت لمن أدركها لا لمن أستمع إليها بأن التحدي القادم أمام أبوظبي في السودان لن يكون في الإطار الدبلوماسي “إنسحاب وعودة بعثات دبلوماسية بين الطرفين”، فالأزمة الدبلوماسية بين “الخرطوم” و”أبوظبي” ستنتهي وسيستأنف عمل البعثات الدبلوماسية بين الطرفين هكذا تقول طبيعة العلاقات الدولية على مر التاريخ، ولكن يبقى السؤال هنا بأي رؤية سيتم إعادة دراسة المأزق السياسي الذي حدث بين الطرفين وما نتج عنه من تداعيات كارثية تمهيداً لإستعادة العلاقات مع سودان ما بعد الأزمة؟ وما هي الألية السياسية والقانونية التي سيتم إعتمادها مستقبلاً للرد على التقارير الدولية التي ستعتمدها “الخرطوم” للشكوى في المنظمات الإقليمية والدولية ضد “تشاد، الإمارات، ليبيا، أفريقيا الوسطى”؟ وهل سيتم بعد ذلك إدراك الفكر الجمعي السوداني الذي صقلته تجربة الحرب وأعادت بلورة رؤيته لسودان المستقبل؟ فالسودانيون لمن لا يعرفهم شعبٌ مجبول منذ فجر التاريخ على أربعة طباع: (حزم الفعل، إستذكار النصر، إخفاء الغبن، ترجمة النشوة)، ويكفي للمرء منا أن يأخذ جولة صامته في ملامح ومحاجر عيون أي مواطن سوداني عندما يأتي الحديث حول حادثة الجنرال “تشارلز غوردون” قائد الجيش البريطاني في الخرطوم الذي قُتل على يد المهدية، ليتأكد بأن إستذكار النصر وجذوة النشوة لم تنطفىء منذ عام 1885م “وهو العام الذي قتل فيه غوردون”، وجذوة الغبن المصحوبة بالقهر لم يخفت لهيبها بإغراق أعظم حضارات العالم “حلفا القديمة” عام 1964 وإنتزاع حلايب من جذورها السودانية عام 1992م وما زالت تتحين الفرصة لإقتناص حقها، ورباطة الجأش المصاحبة لحزم الفعل لم تجد ملاذاً لتأوي إليه إلا في صدور الشعب.

مستقبلاً: يتوقع أن تعمل “واشنطن” وتحت ضغط “داخلي” يقوده بعض أعضاء مجلس النواب والداعمين لهم من منظمات دولية وإعلامية على تقنين دور “أبوظبي” في المشاركة في المفاوضات المستقبلية لحل الأزمة السودانية، كسباً لثقة المكون الشعبي السوداني والمؤسسات السودانية الوطنية التي بالطبع ستتعاون معها واشنطن في رسم علاقات سودان ما بعد البشير، فواشنطن وإن كانت داعمة لإجهاض مساعي كافة التيارات الإسلامية للوصول للسلطة إلا إنها غالباً ما تضع الحسابات المستقبلية قبل كل شيء حفاظاً على مصالحها، وهذا ما يفسر    حرصها الدائم على أن لا تخرج بصورة مضادة للإرادة الشعبية حتى وإن إختلفت مع إيديولوجيتها السياسية خاصة في إفريقيا، لإدراكها بأن معاداة الشعوب الحية الواعية “فكرياً، وسياسياً” هو أقصر وأسرع الطرق لقتل حضورها المستقبلي في القارة الإفريقية خاصة بعد التحولات المفصلية التي شهدتها منطقة الساحل الإفريقي، فالدرس الفرنسي كان قاسياً ولكن إستوعبته كافة الأطراف الإقليمية والدولية الساعية إلى إيجاد موطىء قدم لها في قارة المستقبل.

ما أريد أن أقوله في نهاية حديثي حول هذا الملف بأن “واشنطن” ستصل إلى حل “توافقي” لإنهاء الصراع في السودان وفقاً لرؤيتها المستقبلية للسودان ومنطقة القرن الإفريقي.

ثانياً: إعادة توجيه الموقف المصري

تدرك القاهرة أن وصول زعيم تحالف تقدم “عبدالله حمدوك” للسلطة في السودان سيكون داعمه وذراعه المسلح لتثبيت تلك السلطة هي مليشيا الدعم السريع، وتلك نقطة إيجابية لصالح غريمتها “أديس أبابا”، في ظل القبول الإثيوبي لشخصية “حمدوك” بإعتباره أحد أهم الشخصيات التي عملت لصالح الحكومة الإثيوبية السابقة، والتقارب الأخير بين رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد” وقائد المليشيا “حميدتي” الذي لو تصاعد سينعكس سلباً على الأمن القومي المصري، وبالتالي على مستقبل العلاقات السودانية المصرية، فالقاهرة وإن كانت تدرك مسبقاً بأن الجيش السوداني حانقاً على مصر بسبب ملفات متعددة مثل “حلايب وشلاتين” وغيرها من الملفات التاريخية ولكنه قطعاً أكثر مرونة في التعامل مع مصر على عكس “الدعم السريع”، وتحفظ القاهرة على التعامل المباشر مع ميلشيات الدعم السريع لا يعني أن القاهرة لا تدرك قوة الدعم السريع على الأرض بل تدركه تماماً وتخشاه، خاصة في ظل الإنقسام الإقليمي والدولي حول الصراع السوداني -السوداني المسلح، فرؤية مصر للسودان ومنطقة جنوب وداي النيل برمته ليست كرؤية  دول الخليج العربي للدولة السودانية، فالقاهرة مشروعها في السودان مشروع يتجاوز السياسة والأمن القومي هو مشروع “إحلال وجود” لم يبدأ بإغراق أعظم حضارات العالم في “حلفا القديمة” في ستينيات القرن الماضي ولن ينتهي بإنتزاع “حلايب” من جذورها السودانية في حقبة التسعينيات بل هو ممتد لما هو أبعد من ذلك، وبالتالي زيارة “حمدوك” إلى القاهرة أراها بأنها محاولة لتغيير وجهة الموقف المصري من الأزمة السودانية، وطمأنة القاهرة بأن هناك تفهم للمخاوف المصرية حول وصول الدعم السريع للسلطة، ويبقى السؤال هنا كيف سيتم إقناع أو شراء موقف القاهرة لدعم وصول “حمدوك” ومن ورائه “حميدتي” للسلطة في السودان؟ وفي حال حدوث ذلك ما هو الثمن الذي ستدفعه القاهرة؟ وهل سيضمن ذلك تقارباً إثيوبياً مصرياً مستقبلياً بواسطة “سودان حمدوك”؟ أم أن القاهرة ستبقى على موقفها الداعم للجيش السوداني وستعمل على دعم إستراتيجية خلط الأوراق التي يلوح بها الجيش السوداني بتقاربه مع إيران؟ وهذا أسوأ سيناريو ستواجهه دول الخليج العربي مجتمعة.

يدرك السودانيون أنه من الصعوبة بمكان ولادة حكم مدني حقيقي و”مستقل” في السودان على المدى القريب، فعبدالله حمدوك وفريقه في حال وصولهم لسدة الحكم في السودان لن ينظر إليهم معظم السودانيون كحكومة حقيقية ممثلة للشعب السوداني، وهذا ما سيقوضها من الداخل، حتى ولو أعدت الأطراف الخارجية الداعمة لها عدتها لإنجاحها، وهذا يعني جملة تحديات ستواجه إستمرار الحكم “المستورد” بقيادة حمدوك (وفقاً لوجهة نظر سودانية)، فالأطراف الداعمة لوصول “تقدم” لسدة الحكم في السودان تدرك أن أذرع الدولة السودانية العميقة يمكنها أن تجهض الحكم المدني في السودان، في تكرار للسيناريو المصري عام 2013 عندما نجحت الدولة المصرية العميقة من إجهاض أول حكم مدني حقيقي في تاريخ مصر، وهذا ما يفسر لدى شريحة كبيرة من الشعب السوداني إصرار الأطراف الخارجية المنخرطة في المشهد السوداني على تفكيك المنظومة العسكرية للجيش السوداني والأجهزة الأمنية التابعة له وتجريفها، ومحاولة إحلال مليشيا الدعم السريع محلها كذراع “مسلح” ضامن لإستمرار الحكم المدني “المستورد”، ويبقى السؤال هنا ما الذي يدفع بعض الأطراف الخليجية إلى المشاركة في إجهاض حكم مدني في مصر2013 ودعمه في السودان 2024؟ والجواب هو لأن ممثلي الحكم المدني في السودان اليوم تم التوافق عليهم “مسبقاً” وفقاً لوجهة الداعمين لهم بإعتبارهم عناصر “مضمونة” الجانب لقيادة المرحلة القادمة، وهذا وضع مختلف تماماً عما كان عليه في مصر ما بعد مبارك، وصعود تنظيم الإخوان المسلمين لحكم البلاد وخروج الأمورعن السيطرة، الفرق بين الرئيس الراحل “محمد مرسي” و”حمدوك” هو أن “الأول” جاء بإنتخابات مدعومة بإرادة شعبية دون ضغوط أو وصاية من الخارج، و”الثاني” إن وصل لسدة الحكم فهو قطعاً جاء بدعم خارجي لا يحبذه الداخل السوداني ناهيك عن إنعدام مستوى الثقة في الأطراف الداعمة له، وبالتالي إستمرار حكمه مرهون بالإرادة الشعبية.

مستقبلاً: في ظل إطالة أمد الصراع المسلح في السودان وعدم ترجيح كفة الحرب لصالح أياً من الأطراف المتصارعة من المحتمل أن تحتفظ القاهرة بموقفها الداعم للقوات المسلحة السودانية، أما استقبالها لزعيم تحالف تقدم “عبدالله حمدوك” لن يخرج خارج إطار التباحث السياسي حول الأزمة السودانية وليس تأسيساً لمرحلة سياسية قادمة في السودان، فالقاهرة تدرك كما يدرك السودانيون بإستبعاد ولادة حكم مدني حقيقي في السودان على المدى القريب، ولكن وجود حكم مدني “صوري” تحت رعاية الجيش السوداني هو الأقرب للمزاج المصري، وتبقى الإرادة الدولية “واشنطن” هي المرجع الأول والأخير لما سيتم التوافق بشأنه في سودان ما بعد البشير.

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

afrogulfrelations_21@hotmail.com

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى