الفكر السياسي عند السيد محمد عبدالله حسن(الحلقة الثانية)

ثانيا: الملامح الأساسية لأفكار السيد محمد عبد الله حسن ومراحل تطورها وأبرز الظروف المؤثرة عليها.

كمثيلاتها في الحركات الإسلامية الثورية في العالم الإسلامي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي، تبقي حركة الدراويش ومؤسسها السيد محمد عبد الله حسن محل نقاش وجدل في الأوساط الدارسين والباحثين في الحركات الإسلامية، حول طبيعتها وأهدافها. يري البعض بأن السيد محمد عبد الله حسن كان مناضلا وطنيا و قوميا وأن حركته كذلك كانت حركة وطنية قومية، بمعزل عن دوافعه الدينية وطموحه السياسي في الولاية والسلطة، وينم هذا الاعتقاد في رأينا عن قراءة في تاريخ السيد العسكري وسياقها التاريخي المحلى فقط، ويري بعض الآخر على أنها حركة دينية ذات أهداف سياسية، غير مرتبطة بمفهوم الدولة الوطنية في مساحة جغرافية محددة ينتهي إطار عملها عند حدها، فهي بطبيعتها عالمية وترتكز علي مفهوم الأمة. عدم وجود مصادر مكتوبة من السيد توضح عن الأسباب أو الدوافع والأهداف التي من أجلها قامت حركته تحسم وتنهى النقاش والجدال، لا بد من إعادة قراءة ودراسة خطابات واشعار السيد محمد عبد الله حسن ومن خلالها يمكن فهم ملامح أفكاره، والاستخلاص منها طبيعة نضاله وحركته.
وقبل الخوض في الحديث عن ملامح أفكار السيد السياسية من الأهمية بمكان أن نطرح في البداية هذه الأسئلة.
1- هل الحركة السيد كانت وليدة الصدفة دون سابق تدبير وتخطيط، ام كانت حركة قامت على افكار وأهداف سياسية أو دينية محددة، بعد دراسة وتفكير وتخطيط؟
2- وهل كانت أيضا حركة وطنية تحررية أم حركة دعوية دينية إصلاحية ذات أهداف سياسية؟
3- وهل يمكن أن تكون الحركة الدينية وطنية؟ وهل هناك التقاء بين الحركة الدينية والحركة الوطنية، في الدوافع والأهداف.
للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من الرجوع الي مسيرة السيد نفسها، والى سلوكه وأفعاله على ارض الواقع، دينا وسياسيا وعسكريا، وبحث الإجابة فيها من خلال اشعاره وخطاباته، ورسائله، ومراسلاته مع أعدائه او مع اتباعه، وما كتبه المؤرخون والكُتّاب من سيرة ونضال السيد وحركته، ومن خلالهما أيضا يمكن إثبات عدم صحة الصورة النمطية التي يؤمن كثير من الناس عن السيد محمد عبد الله حسن وعن حركته.
فحركة السيد محمد عبد الله حسن كانت من بدايتها في المقام الأول حركة دينية اصلاحية هدفت لتصحيح عقيدة المجتمع الصومالي التي دخلتها شوائب، عبر الطريقة الصالحية الصوفية. ومما يميز حركة السيد محمد عبد الله حسن أنها قامت على أفكار سياسية إسلامية، ومرجعية صوفية، وتجديد ما اندثر من معالم الدين والعودة إلى أصل الدين وأن الكتاب والسنة هما المصدران الوحيدان في التلقي والتشريع. ولم يكن السيد محمد عبدالله حسن رجلا دينيا بالمعنى التقليدي، وإنما كان مفكرا وسياسيا ذا دراية بالتطورات الفكرية والسياسية والعسكرية في المنطقة العربية وشرق أفريقيا خاصة، وفي العالم الإسلامي عامة، عكس ما عُرف من أقرانه من العلماء التقليديين عن ابتعادهم التدخل في شؤون العامة وقضايا الأمة، وقد انفتحت عليه أثناء وجوده في ديار المقدسة واليمن آفاق جديدة من المعرفة والاستكشاف والتعرف أكثر على ما يجري في العالم الإسلامي من تطورات فكرية وسياسية وعسكرية، مثل ثورات العرب ضد الدولة العثمانية، وثورة محمد المهدي في السودان، وتغلغل الأوروبي في الدول الإسلامية، وفي هذه الفترة هي التي يتتلمذ على يد الشيخ محمد صالح رشيد (١٨٥٣-١٩١٧/١٩) ويأخذ عنه الطريقة الصالحية ويصبح نائبه في الصومال وكان له علي السيد تأثيرا كبيرا من ناحية الفكر الإصلاحي، ويمكن عن طريق الشيخ محمد صالح رشيد وعن نباهة السيد نفسه أن تأثر بالحركة التجديدية الوهابية خاصة فيما يتعلق بالأصولية الإسلامية والكراهية ضد الغرب، في الحقيقة يتميز النظام الروحي والدعوي للطريقة الصالحية برفضه تقريبا شبه الكامل للصوفية التقليدية، ورفضه الصارم ايضا تقديس الأولياء وهي عادة منتشرة ومقبولة بين أوساط الطريقة القادرية، او جعلهم وسطاء بين العبد وربه. وكانت هذه الفترة (المكية) بداية فترة جديدة من حياة السيد محمد عبد الله حسن. هناك رواية يرويها د. عبد الصبور مرزوق في كتابه ثائر من الصومال: أن السيد ورفاقه أثناء وجودهم في الحج تعاهدوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد ضد الدول الاربعة (بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، والحبشة) لتحرير الوطن منهم حتى لو اقتضي الامر أن يكونوا وحدهم في ميدان الجهاد[1]. بيد أن الدكتور سعيد سمتر يرى ان هذه الرواية أقرب للخيال أكثر منها للحقيقة[2].
السيد محمد عبد الله حسن لم يكن ثائرا ضد عدوان الغربي الكافر وحضارته المزعومة، او “قوميا وطنيا” يحارب لتحرير وطنه من الاستعمار الغربي، بل ومن البداية كان واضحا أن مقترحات ورؤية السيد السياسية والدينية قدر ما كانت أصيلا وثورية كانت تمثِّل أو تحمل في طياتها فكرة “الولاية الإسلامية” والتي وجدت بداية انطلاقتها في سياق مجتمع في طور التحول والتكوين وتحت وطأة الاحتلال الغربي والحبشي، متموضعا ما بين بريطانيا وإيطاليا والحبشة مستغلا المساحة الخالية التي تُركت من أجل تعارض المصالح بين القوي المتصارعة. ويمكننا من خلال سياسة حركة السيد محمد عبد الله حسن رؤية قدرتها على الاستفادة من التناقضات في استراتيجية أعدائها وهشاشة التنسيق فيما بينهم منذ بداية حملاتهم العسكرية ضد الحركة، وكذلك لم يكن السيد محمد عبد الله حسن أيضا يقاتل لأجل الفتات التي تُركت في المائدة بعد مأدبة الكبار.
وعلى ضوء خطوات السيد من البداية وممارسته العملية، السياسية منها والعسكرية، وتطورها فيما بعد وعلى مراحل متباينة تدفعنا للاعتقاد بأنه في فترة وجوده في الحجاز قد اتاحت له الاطلاع والوقوف على تاريخ الثورات الدينية والسياسية في الإسلام وانشاءهم الدول العظيمة خاصة في القرون الوسطى، كثورة المرابطين ومن بعدهم الموحدين، والعبيدين في المغرب الإسلامي، والمعاصرة مثل حركة الشيخ عثمان دان فودي في غرب أفريقيا، ومحمد على السنوسي مؤسس الحركة السنوسية في ليبيا، وثورة مهدي السودان، في القرن التاسع عشر الميلادي ويمكن ملاحظة ذلك وانعكاسها على فكر السيد محمد عبدالله حسن علي مدي مسيرته النضالية. وإذا أمعنا النظر في نشأة كل هذه الثورات والحركات نجد أنه هناك قواسم مشتركة فيما بين مؤسسي وقادة هذه الثورات، وهو الرغبة في الإصلاح الديني والاجتماعي في بادئ امرهم ثم تطورها الي طموح سياسي في الولاية والسلطة، وثمة أيضا عوامل جوهرية أخرى تجمعهم، مع بعض الاختلافات في التفاصيل وفي الظروف الزمانية والمكانية، وعوامل خارجية فيما يتعلق في حركة السيد محمد عبد الله حسن، والتي ساهمت في نجاح ثورتهم. أولا: ذهابهم الي المشرق إما للحج أو لطلب العلم وإقامتهم هناك فترة من الزمن، وبعد رجوعهم الى بلادهم أتوا بأفكار ودعوات غير مألوفة في أوطانهم، وثانيا اعتمادهم على العصبية الدينية والعصبية القبلية. ومما يمايز بدعوة السيد محمد عبد الله حسن عن غيرها هو وجود تدخل خارجي أجنبي أي الاستعمار الغربي، فيما ثورات ودعوات الآخرين كانت داخلية لا تَدخّل أجنبي فيها ولا تأثير عليها. ونري أيضا في أفكارهم الجمع بين مفهوم الولاية الإسلامية لابن تيمية وبين مفهوم العصبية الدينية والعصبية القبلية لابن خلدون.

ظاهرة شخصية السيد محمد عبد الله حسن

شَكَّلت ظاهرة شخصية السيد محمد عبد الله حسن، ونضاله، ورؤيته الدينية والسياسية (والقومية الصومالية الكبرى في نظر البعض)، ومنذ بداية تدوين الحوادث السياسية والعسكرية في فترة الاستعمار الأوروبي في الصومال وحتى يومنا هذا محل اهتمام دائم لكل الذين اهتموا بدارسة وبحث التاريخ الصومال المعاصر، خاصة من قبل أولئك الذين لأسباب عدة أولوا اهتماما لحقبة الاستعمار الغربي في الصومال وما تلاها من محاولة بناء الدولة الصومالية. ويمكن القول بأن شخصية السيد محمد عبد الله حسن في سياقها السياسي والثقافي الصومالي، وفي نضاله الطويل الذي امتد إلى أكثر من عشرين عاما ضد قوى الاستعمار الأوروبي والحبشي حيث وضعهم أمام اختبار صعبة طيلة هذه المدة، اخذت بعدا وطابعا أسطوريا، واصبحت رمزا للمقاومة وبطلا قوميا.
ومن أولئك الكتّاب او الباحثين منهم من عاصر السيد محمد عبد الله حسن وكان قريبا من مسرح العمليات، أو كان من صنّاعها، مثل البريطاني دغلاس جيردين او الايطالي فرنجيسكو كاروسيلي، وقد اقتصرت كتاباتهم على الجانب العسكري والحوادث التي جرت على الأرض الواقع من حروب وصراعات بين الاستعمار الغربي والحبشي وبين السيد محمد عبد الله حسن وتداعياتها ومهارات السيد في الحروب وإدارتها، مما يهمه القارئ البريطاني او الإيطالي ومن وجهة نظر غير محايدة، متجاهلين عبقريته السياسية وما يحمله من أفكار سياسية واجتماعية. وكذلك من حذا حذوهم من الكتّاب الغربيين اللاحقين بهم.
والذين جاءوا من بعدهم من الوطنيين الصوماليين او العرب جلهم تناولوا قضية السيد محمد عبدالله حسن وحركته الجهادية من منظور قومي ووطني يغلب عليها طابع العاطفة وينقصها الشمولية ومعالجة كل القضايا التي لها صلة بكل جوانب الحركة السيد محمد عبدالله حسن سياسيا واجتماعيا، وعسكريا، وتناولوا القضية من جانبها النضالي العسكري، والأدبي من شعر وفصاحة السيد محمد عبدالله حسن وافردوها مجالا واسعا، وأهملوا جوانبها الأخرى التي لا تقل اهمية من الجانب الادبي والعسكري، مثل جانب السياسي والاجتماعي في حركة السيد محمد عبدالله حسن،ونستثني هنا المؤرخان د. سعيد سمتر ود. عبدي شيخ عبد، اللذان تناولا قضية السيد وحركته من زوايا وابعاد مختلفة وقدما قراءة موضوعية وفي بعض الاحيان نقدية.
اتفق كثير من الكتاب الغربيين المعاصرين على أن لسيد محمد عبد الله حسن رؤية وأفكارا سياسية واضحة، ومن دوافع ومنطلق ديني، ولم يكن داعيا او شيخا مجنونا، وكذلك ليست حركته حركة همجية متوحشة اندلعت كرد فعل آنية ضد الوجود المستعمر الغربي والحبشي، والتبشير المسيحي في بلاده، وإن كانتا الشرارة التي أشعلتا الثورة المسلحة. وسنذكر في الأسطر التالية جانبا مما كتبه الباحثون والمؤرخون عن السيد محمد عبد الله حسن وحركته.
يقول د. جون ب. اسلات[3]، في دراسة تحت عنوان: رؤية البريطانيين والصوماليين في السيد محمد عبد الله حسن،
تنقسم الاعمال التي كتبت حول السيد الي ثلاث اقسام:
1- الأعمال التي كتبت اثناء حياته أو بعيد وفاته.
2- والتي كتبت في الستينات والسبعينات بعد الاستقلال
3- الدراسات التي كتبت من السبعينيات.
الأعمال التي كتبت بعد استقلال الصومال ملونة بالشعور القومي وهي الى حد كبير تمجيد لسيد، وتري انه ابو الاستقلال الصومال. وتعطي فحصا وتحليلا بسيطا لدوافعه الاسلامية.
الأعمال الاخيرة تعطي نغمة أكثر توازنا. ويرون في حركة السيد قد بنيت وفق معتقداته الإسلامية، بدأت بدوافع دينية مع تأكيدهم بانشغاله في السياسة وتنظيم حركته والتدابير العسكرية، هذه الاعمال الحديثة أكثر دقة من التفسيرات البريطانية المعاصرة لسيد. وتكمن الجذور التاريخية حول السيد في نظرة بريطانية معاصرة لسيد في الأعمال التي تشكل خطا ثريا من الاستقصاء في تفسيراتهم للرجل وحركته. وعلى الرغم من اعتقادهم بأن السيد كان مجرد مجرم، يعترفون كذلك بان حركته جاءت من منطلق ديني. ويتناقضون أكثر من موضع. زعم دغلس جاردين أن أي دوافع ديني او وطني التي الهمت في الأصل حركة السيد تم خنقها من شغفه للقوة والنهب وهكذا معظم اتباعه حاربوا فقط من أجل النهب. وذلك سعيا منه الى ازالة اي دوافع ديني من السيد، مثل اي مقاومة لأي مسلم اخر لحكام المسيحيين، وأن هذه الانتفاضة “التي تنسب الى موجة من التعصب أو التشدد والتي يمكن ارجاعها الى التعطش غير المقنع للقوة” وأن المسلم المتمرد “يعلم أنه بجب عليه تمويه الحقيقة وأن غاياته دنويه وانانية بحتة، ولهذا يعلن لأصدقائه ولأعدائه انه يقاتل لأجل مجد الله. مؤرخون مثل ب. ج. مارتن وسعيد س. سمتر وعبدي شيخ عبدي جادلوا بان هذه التفسيرات ضحلة وتظهر الفشل لتمييز العوامل المتعددة الأوجه وراء حركة السيد، لكن من وجهة نظر جاردين وكمسؤول عمل في الصومالند ولسنوات عدة، كان هذا مسلكا مريحا اتخذه من دون أن يحاول فهم الطبيعة المعقدة لسيد وحركته التي فشل البريطانيون في التغلب عليها أكثر من عشرين سنة. انتهي.
ويقول د. جون اسلات في صفحة ٢٢ في الدراسة المشار اعلاه: قبل النظر في جهاد السيد محمد عبد الله حسن كدافع ديني لإحياء الإسلام في الصومال وفي سياق أوسع، وعناصر الاحياء التي اثرت علي الإسلام في هذه الفترة والتي لا تعترفه بريطانيا، أولا من الضروري ابراز المحطة الأخير لتفسيرات الاستعمارية، نشأت هذه النظرة في سياق الحرب العالمية الأولى. اشتملت هذه النظرة على الاعتقاد بأن السيد مثل الطريقة الصوفية السنوسية والسلطان علي دينا في دارفور، كانت له صلة بالقوي المركزية في ألمانيا والإمبراطورية العثمانية.
يقول الكاتب الإيطالي انجلو دل بوكا في كتابه الايطاليون في شرق افريقيا: لم يكن السيد محمد عبد الله حسن مُلًّا ولا مجنونا بل كان أحد أكثر المحاربين عنادًا ومهارة في كل العصور، ورائد القوميين الصوماليين المعاصرين. انتهي. ويري الكاتب الإيطالي[4] جيرادو نكو ليسي وجود مشروع سياسي لسيد محمد عبد الله حسن حيث يقول: على ضوء عشرين عامًا من المقاومة الدراويشية ظهر للعيان وجود مشروع سياسي إلى حد ما مكتمل يمكن من خلاله رؤية على الأقل في أكثر مراحله نضجًا محاولة اقامة نظام ما قبل الدولة الذي يجد شرعيته حول مصدر سلطة أصيلة وبديلة لكل من سلطة هيكل المجتمع التقليدي و السلطنات(مجيرتينا و هببو) التي تدور في مجال نفوذ إيطاليا وتعمل تقريبا بالكامل لمصالح الإدارة الاستعمارية، هذا المشروع الذي يقوم على أساس و أغراض الإصلاح الديني ، وقبل كل شيء على موقفها العدائي غير القابل للتنازل تجاه الوجود الغربي. وبقول أيضا: شخصية مزدوجة كزعيم ديني وزعيم سياسي، وداعية وشاعر بلاده وتقاليد المحاربين الرعاة في الصومال الشمالي، استطاع محمد عبد الله حسن تعزيز مكانته الشخصية كزعيم لحركة واسعة النطاق ذات مقترحات دينية قوية، والتي اصبحت تدريجيا حاملة أفكار أو مفهوم سياسة مقاومة الوجود الغربي والمسيحي-الأثيوبي والدفاع عن استقلالية الشعب الصومالي الشمالي.[5] . ويقول في مكان آخر: بفضل مكونها الديني بمكننا أن نتفق مع اوليك الذين سلطو الضوء علي صحة ذلك، لم يتخلى السيد ابدا عن قناعاته الدينية لنضاله حتي بعد المقاطعة مع المدرسة الأم لطريقة الصالحية في مكة، وتلك شاهدة على وجود مساحة لصياغة جهاد شخصي وبداية مسيرة مختلفة ليست اقل تدينا ولكنها أكثر سياسية، فمن هذا المنظور يجب فهم او تفسير كيف تجمَّع حول السيد شخصيات من النخبة التي تشاطره المُثل العليا للأخوة الإسلامية، والنضال، وكره الاجانب، والتعلق بتقاليد المحاربين الرعاة البدو[6] انتهي.
يقول الدكتور سعيد سمتر: حركة المقاومة التي قادها السيد محمد عبد الله حسن في نهاية القرن التاسع عش ضد الأوروبيين والحبشة كان لها اسباب دينية قوية، استخدم السيد الدين كأساس إيديولوجي للحركة والقوة الملهمة في تقلباتها اليومية، ويقول أيضأ في الواقع أي تحليل او تفسير لا يأخذ في الحسبان العنصر الديني في المقاومة الصومالية لشرح صعود حركة الدراويش ونجاحاتها واستمرارها المدهشة فسيكون في غير محله…..، تشكلت حركة الدراويش من البيئة الرعوية والتي منها انطلقت[7].
يقول م.ا. لويس: مهما ادعي منتقدوه وبغض النظر عن الطابع الاستبدادي الذى طغي على حكمه في آخره بدون شك، فلا شك أن هدفه كان تثقيف ابناء وطنه للإسلام وضمان التزامهم التام والمطلق بجميع احكام عقيدتهم، وبنسبة له الطريقة الصالحية هي التي من خلالها يتم تحقيق ذلك. وهكذا كان لديه مهمة محسوسة للغاية يريد تحقيقها بين شعبه الذي يري أن دينه الإسلامي مهدد بشكل خطير من قبل الاستعمار المسيحي[8].
لقد تضافرت جملة من العوامل لتساعد السيد محمد عبد الله حسن في تهيئة الأوضاع الموضوعية في قيام دعوته ومنها، أولا- غياب سلطة مركزية تقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واصلاح دين الناس وتذود عن حياض الوطن، ثانيا- وجود المستعمر البريطاني، وسيطرة الحبشة على مدينة هرر قاعدة المسلمين في الحبشة وغاراتها على الصوماليين. ثالثا- وجود بعثات مسيحية تنصيرية تهدف تغيير دين الناس وتنصيرهم، رابعا- ابتعاد الناس عن تعاليم الإسلام. ويجدر الإشارة إلى أن السيد ترك الصومال وذهب الي الحج أثناء وجود المستعمر البريطاني، وكذلك الحال اثناء رحلاته العلمية في داخل الصومال، ومن المرجح معرفته بتواجد الغربي المسيحي في الصومال، بريطانيا في الشمال وايطاليا في الجنوب. ومع ذلك لم يبد اي معارضة لوجودهما ولم تُسجل اي أنشطة له معادية للوجود الأجنبي مما يوحي أو يعطي الانطباع أن عداوة ومعارضة السيد محمد عبد الله حسن للبريطانيين قبل ذهابه الي الحج لم تكن قد تشكلت بعد. أفكار السيد محمد عبد الله حسن السياسية في نظرنا تشكلت وتطورت وفقا للحوادث والظروف التي عارضته في الطريق خلال دعوته الدينية بعد رجوعه من الحج، خاصة في مراحلها الأولى بدأً من حادثة عدن مع الضابط البريطاني في شأن المظلة التي أخذها الضابط من السيد في ميناء عدن، مرورا بحادثة أخرى مماثلة مع ضابط آخر في ميناء بربرة بشأن رفضه دفع الضريبة، وانتهاءً بحادثة لقائه بطفل الذي نصَّره المبشرون المسيحيون، والبعثة التبشيرية المسيحية في ضواحي بربرة، هذه الحوادث وتبعاتها ولّدت في داخل السيد محمد عبدالله حسن الشعور بالغيرة علي الدين والعرض وضرورة اخذ ردة فعل عدائية ضد المستعمر ومقاومته، وضد العلماء التقليديين الذين رضوا بالمستعمر المسيحي. وأن ممارساته السياسية لم تقودها أفكاره الدينية بقدر ما قادته الحوادث، وكذلك الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في بربرة كان له دور كبير في بلورة أفكاره السياسية. وعندما رجع السيد محمد عبد الله حسن إلى وطنه أتى بأفكار دينية وسياسية غريبة على المجتمع الصومالي، وأن أفكاره ومفاهيمه حول الإسلام اثارت جدلا واسعا في أوساط العلماء في المدن الكبرى، ولهذا خاض السيد محمد عبد الله حسن مواجهات جدلية ونقاشات عقائدية مع الشيوخ الطرق الصوفية التقليديين الذين واجهوا حركته الإصلاحية العقائدية والفكرية، واتهموه بالبدع وأنه خرج عن الطريق الصحيح، وحذرو الناس منه ومن افكاره السياسية والدينية واستمرت هذه المواجهات طوال فترة ثورة السيد محمد عبد الله حسن. وتزامن هذا مع وجود المستعمر البريطاني ووجود أيضا بعثات تبشيرية مسيحية تهدف تنصير المسلمين تحت غطاء رعاية الأيتام وإيواء المشردين، وتعليم الأطفال، مما أضفي حركة السيد محمد عبد الله حسن بعدا سياسيا، سرعان ما تحولت إلى ثورة تحررية، أدت إلى مواجهات مسلحة مع المستعمر ومن معه من الصوماليين.
واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية في بربرة كان الي حد ما مزدهرا بحكم موقعها الجغرافي ومينائها واتصالها بالخليج العربي ووجود المستعمر البريطاني الذي أعطى بعض الامتيازات لأصحاب النفوذ في المدينة لكسب ودهم، والمواطنون في بربرة ينتمون إلى الطريقة الصوفية القادرية ويتبنون موقف غير عدائي تجاه التغلغل الغربي في البلاد، و الطبقة المتنفذة والعلماء انخرطوا في النسيج الاقتصادي للمدينة وكثير منهم مشارك في تجارة مربحة مع عدن والتي يدور حولها اقتصاد المدينة، وعلى كل الأحوال فإن هذه الطبقة كانت راضية ومتقبلة لهذا النظام الجديد تحت الحماية البريطانية والذي ساعد في نمو اقتصاد المدينة.
وفي هذا الجو من التناقضات في الواقع الاجتماعي والديني في بربرة ظهرت حركة السيد محمد عبد الله حسن وكانت حقا مناسبة ومطلوبة بمثل هكذا مبادئ الاصلاحية التي تتبناها الطريقة الصالحية. اتسمت هذه المرحلة بالدعوة الي الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كترك القات والتباك، والمسكرات الأخرى والتخلق بالآداب والأخلاق الإسلامية، وأيضا الدعوة إلى الطريقة الصالحية، التي هو خليفتها أو نائبها من قبل الشيخ محمد صالح شيخ الطريقة الصالحية في شمال الصومال، ومواجهة الطرق الصوفية الأخرى ومجادلتهم، وناظر السيد محمد عبد الله حسن كثيرٌ من أكابر علماء الشمال وبعضهم كان من شيوخه، أمثال الشيخ مظر احمد مؤسس مدينة هرجيسا وطريقتها، والشيخ عبد الله عروس – شيخ السيد محمد عبدالله حسن-والشيخ اوغاس محمد قاضي قضاة بربرة الذي حرض نائب القنصل البريطاني كابتن ها.ءاي. اس. كوردو ضده ونصحه لسجنه وقال له إذا لم تسجنه هنا الآن فسوف تذهب بعيدا جدا لكي تلقي القبض عليه.[9] ويري السيد محمد عبد الله حسن أن حكم الكفار ووجوده على ارض المسلمين مفسدة للدنيا والدين، ولذلك كان سلامة دين الناس محور اهتمامه وعداوته لبريطانيا، وفي رسالة أرسلها السيد الي سلطات البريطانية في بربرة، قال فيها: “هذا واذكركم أنكم فعلتم ما أردتم، ظلمتم ديننا بدون وجه حق.. الآن اختاروا لأنفسكم إذا أردتم الحرب قبلنا، لكن إذا أردتم السلام ادفعوا الجزية[10].”
وفي رسالة أخري أرسلها الي قبيلة عيد غلي يبدي فيها تخوفه علي سلامة دينهم وأن المستعمر يفسد عليهم دينهم، وهذا نص الرسالة:” الكفار اعتدوا عليكم وفي أرضكم ليفسدوكم ويفسدوا دينكم ويجبروكم لاعتناق دينهم مدعومين من حكومتهم وسلاحهم وعددهم، لكن إيمانكم بالله وشرفكم هو سلاحكم، إذاً لا تهربوا من جنودهم ولا قوة سلاحهم، الله أقوى منهم[11]”. وفي هذا الشأن يقول د. سعيد سمتر: لقاء السيد ببعثة التبشيرية المسيحية في ضواحي بربرة اضافة الي رسائله وخطاباته تبدو جليا أن حقيقة كون بلده تحت حكم الكفار هو محور مخاوفه. ولذلك ليس مفاجئا أن يري بعض دارسي حركة الدراويش في ممارسات السيد خطة مدروسة لإنقاذ بلده من حكم الأوروبي المسيحي. حتى الآن الحوادث التي تقود الي انتفاضة الدراويش والتي رسمناها آنفا تبدو أنها تلقي بعض الشكوك حول هذه الرؤية. المرحلة الأولي في صعود الدراويش وكانعكاس على أعمال السيد، تبدو أنها موجهة ضد الحبشة الذين كان احتلالهم عامل اضطراب على الصوماليين. في حين أصبح السيد يري نفسه مهما أكثر، يراه الآخرون بطلا لاستقلالية بلدهم السياسية والدينية، مدافعا عنهم ضد جميع المسيحيين. حتى الآن إذا كانت الأعمال تتكلم ارفع وابلغ من الكلمات، وحتى في الأمور الدينية، السيد محمد عبد الله حسن كان مهتما علي مصالح طريقته الصالحية أكثر من الدين نفسه. على الرغم بتعهده بإلقاء الكفار المسيحين في البحر، إلا أن أولى افعاله العسكرية مثل كثير من حملاته اللاحقة. كانت موجهة الي أعدائه القدامى، في هذه الحالة كانت ضد مقر الطريقة الأحمدية في الشيخ[12]. انتهي.
وإشكالية العلاقة مع القبائل من منظور مبدأ الولاء والبراء.
ويلاحظ الدارس والباحث في فكر السياسي لسيد محمد عبد الله حسن من خلال خطاباته ورسائله واشعاره وما حوتهم من أفكار سياسية واجتماعية، أنه كان اصوليا متطرفا على غرار تنظيمات السلفية الجهادية المعاصرة حسب مفهوم وتعريف اليوم للسلفية الجهادية، وقد صنّف الناس على اساس العقيدة ومضامينها من الولاء والبراء، والموالاة والمعاداة، وكذلك البلاد الي دار إسلام ودار حرب، وبالتالي كفّر واستحل دماء وأموال كل من وقف مع المستعمر او رضي به، مهما كان وأيًّا كان السب. ويُلاحظ أيضا خلو خطابات، ورسائل، وأشعار السيد محمد عبد الله حسن من اي إشارة أو دعوة الى القومية أو الوطنية، وذلك دلالة واضحة كون حركة السيد محمد عبد الله حسن حركة دينية سياسية جهادية وفي معظم الأحوال يمكن وصفها تكفيرية ومتطرفة، بعيدة كل البعد عن القومية أو الوطنية، والملفت للنظر أن بعض رسائله الي بريطانيا يُبدئها بعبارة: من محمد بن عبد الله وكافة المسلمين ولهذا الكلمة لها دلالاتها، وهي دالة على أن الصوماليين غير المنتمين لحركته ليسوا بمسلمين. لم يثير السيد في نضاله من البداية، قضية الوطن أو الوطنية لتجميع قبائل الصومال وتوجيهها وجهة قومية وطنية لاستخلاص أرضهم من المستعمرين الأوروبيين والحبشة، وإعلاء راية قومية صومالية، وإنشاء دولة وطنية، لكن بدلا من ذلك أثار فضية وجود المستعمر ومن منظور ديني. فإن تعاون فئة من الناس مع الأجنبي المخالف عن انتمائهم الديني قد يقود احيانا الي صراعات مريرة بين الشعب الواحد إذا اختلفت الاتجاهات والمذاهب، وفي الدوافع و الغايات، وعلي الرغم بأنه لم يكن في الصومال الشمالي من يحارب الاستعمار سوي السيد محمد عبدالله حسن، إلا إنه لم يستطع إقناع القبائل المخالفة والكيانات الصغيرة شبه المستقلة (مجيرتينيا وهبيو) وجمعهم حول مشروعه وحركته، لغرابة أفكاره الدينية وغاياته السياسية، لو رفع السيد من البداية راية القومية أو الوطنية لربما اختلف الوضع، لكن السيد كعالم دين وفقيه يعرف جيدا أن هذا ليس هو الطريق المؤدي الي الغاية المنشودة، وإن الغاية لا تبرر الوسيلة، وكذلك القبلية او الوطنية ليس من الإسلام في شيء، وإن مفاهيم العقيدة ومضامينها بعيدة كل البعد عن مفاهيم القومية والوطنية ومضامينها، وفي اشعار السيد ما يوحي بهذه المعاني والمفاهيم، والتي تثبت بما لا يدع مجالا للشك، بأنه لم يكن يؤمن بالقومية ولا بالوطنية، وأن حركته كانت دينية بدأت بالإصلاح ثم تطورت الى ثورة مسلحة وكانت غايتها طرد المستعمر وإقامة حكم الله علي عباده في الأرض.
ونستعرض هنا جانبا من خطابات السيد محمد عبد الله حسن التعبوية (التحريضية) واشعاره التي رسمت ملامح سياساته ورؤيته في المجتمع الصومالي.
يقول السيد في بعض اشعاره، رداً على السؤال: كيف يحل دم ومال مسلم يصلي ويصوم رمضان ويحج البيت.
Nin aqdaamo ferenjia maantiyo abuuriin
Ama aalada u sida ama awrtaba u rara ama arigaba u qala amaba la ugaarsada
Amaba u ilaalaa ama uurka kala jiraa
Ashahado beeniyo islaanimo ha lagu dhaqo
Ilaahayna nama oran anna ma oggolaan karo.
ما معناه: من هو خادم للإفرنجي، اليوم ومن الولادة،
أو هو حامل لأدواته او يُحمِّل جمله،
أو هو يذبح له الشاة، أو يتصيّد معه،
أو حارس له، أو يؤيده من قلبه،
ولم يأمرنا الله أن نعامله كمسلم ولا أنا أقبل منه بشهادة وإسلام كذب[13].
وقال في أبيات اخري واصفا نفسه ومدافعا عنها:
الرجل الذي ينطق بالشهادة ويعرف الله ويطبق شرع الله ولا ينكر الحق يجب ان يُسمع، وهو يؤدي الصلاة بأوقاتها ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان ويعطي الصدقات ويستحي ان يقول لا إذا سئل، ولا يُوصف بالبخل، رجل لا يضيّع الدين في آخر الزمان، ولا تسوقه الحبشة مثل الأبقار ولا يكون عسكريا لكافر، ولا يستنكف عن أصله الصومالي ولا يكون اجيرا عند الكفار[14]… الي اخره.
وفي إحدى خطبه الأولى [15] التحريضية في تاريخ ٢٧ رجب ١٣١٤ هجرية الموافق ٢١ ديسمبر ١٨٩٦، يتحدث فيها عن فريضة الجهاد ويرد على من ينكر وجوبها في هذا الوقت، ويبين بطلان فتاويهم، ويصفهم دجالين وعلماء السوء يحرفون الكلام عن مواضعه، لأنهم يفتون الناس بأن طاعة المستعمر واجبة لأنه من أولى الأمر ويفتون أيضا بأن وقت الجهاد متأخر الي ظهور المهدي، وأن من جاهد في هذا الوقت فقد وقع في الحرام، لأنه ألقى نفسه إلى التهلكة. وهناك رسالة[16] أخرى طويلة مكونة نحوا من أربعين صفحة، بعثها السيد محمد عبد الله حسن الي قبيلة بيمال الثائرة ضد المستعمر الإيطالي في بنادر، يجيب فيها بعض المسائل او الشبهات التي أثيرت حول تصرفاته وتكفيره للناس واستحلال دمائهم وأموالهم، وتتجلى فيها بوضوح، أفكاره ومنهجه (التكفيري). ويقول السيد في مطلع الرسالة (نقل حرفي كما وردت في المصدر) ….. وأيضا نعرفكم يا إخواني بان لكم أحسن الحال لأنكم تجاهدون في سبيل الله ولكن نعرِّفكم بأن الناس يحكمون عليكم بالباطل لما علمنا من حالهم القبيح لأننا جربناهم فلم نري منهم أحدا يقر أهل الحق وينكر أهل الباطل وهم عن الحق والأخرة هم الغافلون، فهؤلاء يقولون الجهاد ما هو واجب علينا أصلا، وهؤلاء يقولون انه واجب علينا بخصوصنا مع انهم قادرون عليه، وهؤلاء يقولون انه حق ولكن وقته متأخر. وهؤلاء يقولون هو حق ولكن كفانا الورد والذكر عنه، وهؤلاء يمدحون النصارى ويقولون إنهم لمصالح العباد وعمارة البلاد وتنمية الأهالي وينسبون اليهم العدالة، ويبيحون معاشرة الكفرة ومعاملتهم، وهؤلاء يقولون علي المجاهدين بالباطل، وهؤلاء يقولون لا يجوز التعرض لأهل لا إله إلا الله أصلا وهؤلاء يقولون لا تصح صلاة خلف من له شعر، وهؤلاء يقولون لا يجوز التوسل أصلا ويكفرون به وكذلك نداء غير الله، وهؤلاء يقولون لا يجوز الاعتماد إلا علي الأصلين، أي الكتاب والحديث، وينكرون العلوم الفرعية كلها، وهؤلاء ينكرون الشفاعة، وهؤلاء ينكرون الصلوات الاحزاب ودلائل الخيرات وغير ذلك من الأمور المرضية، وهؤلاء يبيحون ويستبيحون مجاورة الكفار والسفر الي بلدانهم وتعميرها، وكل ما قالوه كذب وزور. انتهي. وبعد ذكر هذه المسائل رد كل مسألة بالتفصيل يورد فيها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة واقوال العلماء فيها، يحرم فيها، موالاة الكافرين ومدحهم ومعاشرتهم، والسفر الي بلدان الكفار او الإقامة فيها او تعميرها، وعند حديثه عن مسألة التعرض لأهل لا إله إلا الله، قال السيد: واما قولهم لا يجوز التعرض لأهل لا إله إلا الله فليس بإطلاقه كما علم من الكتاب والسنة فقد قدروا علي أن لا يتعرض احد لأحد من أهل التوحيد إلا بسبب شرعي منها: الإخلال في الأعمال، فإن أخل شيأ منها ولو ترك الجماعة أو الجمعة فيتعرض لأجل هذا ولكن نعتقد أنه مؤمن ناقص الإيمان.
ومنها مصاحبة الكفرة ومعاونتهم ونحوهما فيتعرض أيضا لأجل هذا، ونعتقد كافر محض كما في الآيات والأحاديث…. الي اخر كلامه. وأما حكم الانتقال إلى البلدان الإسلامية التي ملكها الحربيون من النصارى واستيطانها والرضى بأحكامها المخالفة للشريعة وكذلك الذهاب للتجارة أو العيش فيها، وادعاء بعض المسلمين انهم رعية النصارى ويرضون بذلك ويفرحون بها، فظاهر القرآن عدم إيمانهم.
ومن بعض خطبه أيضا[17] : وإذا رأيتم من المسلمين من يعين عليكم الكفار بأن دلوهم على الطريق أو اماكن المياه أو كانوا لهم عيونا وجواسيس فأقلتوهم حيث وجدتموهم فليسوا مسلمين. ويروى الشيخ جامع اوعيسى في كتابه تاريخ السيد محمد عبد الله حسن والدراويش، حادثة حكم فيها السيد رجلا بالقتل حداً بعد ما رفض حكمه ودعا الاحتكام الي الإفرنجي.
واللافت أن جميع هذه المسائل هي نفس المسائل التي تثار اليوم حول الحركات الجهادية المعاصرة ورموزها، واجابة السيد هي نفس اجاباتهم. ولذلك نري أن فكر ومنهج السيد محمد عبد الله حسن يتمحور في هذا المرحلة حول الجهاد الدفع، والبراءة من الكفار، وموالاة المسلمين ونصرتهم، ومن لم يمتثل بها يستحل دمه وماله، وكذلك كل من خالف نهجه في مقاومة المستعمر، ولم يكن معهم، فضلا عمن حاربه، ويري هو وحركه فقط هم المسلمون حقا، وغيرهم هم الكفار أو المرتدين، ومن تولي او ظاهر الكفار او تحاكم اليه ورضي العيش تحت حكمه، يكون مثلهم في الحكم ولن يكون مسلما.
يتبع….

________________________________________
[1] ثائر من الصومال لدكتور عبد الصبور مرزوق ص ٢٥ طبعة ٢٠١٧ الناشر بيت المقدس
[2] Oral poetry and SomalRationalisme the case of mahamed abdille hasan dr. Saod s. Samatar p 104 africa studies series 32 cambridge universaty press.
[3] dr john p. Slight lecturer in imperial and global history fuculty of arts & social sciences, the open universaty.
Bildhaan an internaational journal of somali studies, p 16-35.
[4] Imperialismo e resistenza in corno da africa page 29
[5] Ibidem p.11
[6] Ibidem p. 310
[7] Dr said s. Samatar , Oral poetry and Somali Nationalism
The case of mahamed abdille hasan p 93 african studies series 32 cambrige universaty press
[8] A modern history of the somali, nation and state in the horn africa l.m lewis p 98
Dr said s. Samatar , Oral poetry and Somali Nationalism
The case of mahamed abdille hasan p 106 african studies series 32 cambrige universaty press

[10] Ibidem p 116
[11] Ibidem P 116
[12] Ibidem p 116/117
[13] ديوان السيد محمد عبدالله حسن لجامع او عيسى ص ٣٣ شعر رقم ٥
[14] نفس المصدر شعر رقم ٦
[15] الثائر من الصومال لدكتور عبد الصبور شاهين ص ٤٠
[16] كشف السدول عن تاريخ الصومال لشبخ احمد عبدالله احمد ريراش ص ٢٠١
[17] نفس المصدر السابق ص ٥٢

خالد إبراهيم

باحث في تاريخ الصومال
زر الذهاب إلى الأعلى