أيها الصُوماليون : جِيبوتي عَزيزةُ عَلينا

العلاقة بين الصوماليين والجيبوتين علاقة ممتدة عبر العصور ، لأنها مبنية على  وشائج الدم والقرابة والأصل والمصير ، فهم أمة واحدة ، ولا تمثل الحدود البرية المرسومة بين البلدين أو النظام الإداري القائم في كلا الشطرين أي عقبة في تقوية وتوكيد وتطوير العلاقة الوجدانية بين الشعبين .

بقي الشعب الصومالي إلى جانب إخوانه في جيبوتي ماديا ومعنويا في فترة نضاله حتي تمكن من نيل استقلاله ، ولما سقطت الحكومة المركزية في الصومال واندلع الحرب الأهلي بين مكونات أفراده لم تقف جيبوتي مكتوفة الأيدي بل قدمت بكل ما في وسعها من مناصرة الشعب الصومالي ، فكانت سندا وملجأ وأملا للصوماليين،  ففتحت أبوابها وصدرها وسخرت بكل إمكانياتها القليلة من أجل لملمة الوضع الصومالي والتقريب بين وجهات النظر بين الأخوة الفرقاء الأعداء ، وتحملت في سبيل ذلك حملا كانت في غنى عنها ، ولكنها أبت إلا أن ترد الجميل وتعترف الفضل لأهله ولو كان يسيرا .

لم تشهد العلاقة بين البلدين أي منغصات أو فتور منذ استقلال جيبوتي إلى اليوم إلا في الأيام الأخيرة من الحكومة الحالية ، حيث اتهمت الأخيرة جيبوتي بأنها تنشط في مجموعة لا تريد للصومال خيرا من غير أن تقدم دليلا مقنعا وملموسا  ، وبدورها أنكرت جيبوتي هذه التهمة جملة وتفصيلا.

ومهما يكن الأمر فإن الخلاف وتباين وجهات النظر أمر وارد ، ولكن ليس من الحصافة السياسية ورعاية الوشائج الأخوية إعلان وإظهار هذه الأمور أمام الملأ  ما دام هناك مندوحة  يمكن من خلالها معالجته بصورة ودية وسرية ، لأن ما يجمع بين الشعبين أكثر مما يفرق ببنهما.

وبعد ذلك انبرت أصوات صومالية تنشط في مواقع التواصل الاجتماعي بصورة فردية وجماعية تتقاسم الأدوار وتكيل التهم وتحمل مآسي الصومال على كاهل الحكومة الجيبوتية ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل صعدت لهجتها ضدّ الرئيس إسماعيل عمر غيله  متهمة إياه بأمور يستحيي  المرء روايتها فضلا عن كتابتها .

أقول لهؤلاء الأخوة الصوماليين سواء كانوا في الداخل أو في الخارج ، فليس من المروءة والرجولة التماهي في إيذاء من هو أقرب الناس إليك ، وتحويله إلى عدو لك وأنت تستطيع أن تحتضنه وتقربه إليك ، ويجب عليكم أن تعلموا أن الخلاف السياسي لا ديمومة له واصلاحه وتجاوزه أسهل من شرب كأس شاه صغير ، فلا تدنسوا بأخلاقكم من أجل إرضاء طرف ما .

ثم أذكركم بأن : جيبوتي عزيزة على شعب الجمهورية الصومالية ، لأنها قدمت له الكثير بعد سقوط الحكومة المركزية في عام ١٩٩١م ، فاحتضنت المؤتمرات الصومالية في فترات متعددة ، وما مؤتمر عرته في عام ٢٠٠٠م إلا أنموذج حقيقي في تفاني جيبوتي لإعادة الصومال إلى الطريق الصحيح ، وكل الحكومات التي جاءت من بعد ذلك فهي من حسناتها .

جيبوتي عزيزة علينا لأنها وفرت لكثير من تجار الصوماليين جوازات سفر جيبوتية حتي يتمكنوا من التنقل بين عواصم العالم من أجل تنمية تجاربهم .

جيبوتي عزيزة علينا لأنها البلد الوحيد في العالم الذي سمح لرجال الأعمال الصوماليين بفتح بنوك تجارية خاصة في عاصمتها ووفرت لهم الحماية القانونية والأدبية لكي يزاولوا أعمالهم التجارية بصورة صحيحة وآمنة .

جيبوتي عزيزة علينا لأنها الموقع الوحيد الذي بقي متماسكا فيما كان يعرف بأرض الصومال الكبير ولا نريد أن تنطفأ بهذه الشعلة المضيئة مهما كانت مبررات معارضتك لها .

جيبوتي عزيزة علينا لأنها تمكنت من احتضان معارضتها المسلحة من دون التمادي في إراقة الدماء المعصومة ، وأما المعارضة السلمية ممن يحمل جنسيتها فهو أمر داخلي لا يجوز لغير أهلها أن يتدخل فيها  .

جيبوتي عزيزة علينا لأنها دولة تتوسط بين منطقة تلتهب النار من جنباتها ويعاني جيرانها من كل جهة  ويلات الحرب والتشردم والخلاف ،و لا نريد أن تنجر إلى هذا المستنقع وتصبح  مثل جيرانها .

جيبوتي عزيزة علينا لأنها دولة أركانها قائمة على أعراق مختلفة ، متعايشة، لا نريد أن تتحول إلى ساحة تستعرض كل طائفة عضلاتها على الآخرين كما حصل ويحصل في الصومال .

جيبوتي عزيزة علينا لأنها حافظت أمنها واستقرارها ثم استطاعت أن تساهم في إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع الصومال.

جيبوتي عزيزة علينا لأنها آوت وكرّمت عددا من علماء وكتاب صوماليين كان لهم حضور في ساحة العلم والمعرفة ، فلا يوجد من يعترف بأن للصومال علماء ومفكرين إلا بها ، فمن غير المعقول أن نناصب العداء لها .

جيبوتي عزيزة علينا لأنها تمثل الرئة التي تتنفس منها الصومال كلما شعرت بالضغط ورداءة الهواء ، لأن القريب هو الذي يحنوا عليك مهما كان الخلاف بينكما،  وأما الآخرون فليسوا كذلك.

وأخيرا ينبغي لجميع العقلاء من أبناء جمهورية الصومال ( الجنوب والشمال ) الابتعاد عن كل فعل أو قول يسيئ إلى العلاقة الأخوية التي تربطهم بإخوانهم في جيبوتي شعبا وحكومة وأن لا ينساقوا وراء حملات التشويه التي يبثها بعض من لبس لباس السياسية ولا يفهم من أبجديات السياسية إلا نشر التهم الكيدية وتشويه المخالف من أجل الحفاظ على مصالحه الشخصية وإن تضررت مصالح المجتمع ، ولا يستطيع التفريق بين العدو الرسمي والأصلي وبين حبيب لا يحمل الحقد والكره لبلده ولأمته .

ملاحظة : هذا المقال يُعبر عن رأي صومالي يحب الخير لكل البلدين والشعبين الشقيقين ، وأما من كان لا رأي آخر فلا ينوب عنهم .

حفظ الله تعالى جيبوتي قمة وقاعدة وأصلح الصومال .

عبدالباسط شيخ إبراهيم

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى