دراسات صومالية (12) الأزمة الصومالية والحروب الأهلية

في حين تعمق بعض الباحثين في إبراز الأزمة وأسبابها مثل ( الأزمة الصومالية الحالية وأسبابها وطبيعتها ونتائجها ، دراسة استراتيجية) بقلم الدكتور علي حسن محمد علي، والبحث عبارة عن دراسة علمية في غاية الروعة والجمال ، وقد نشر البحث ضمن البحوث العلمية الأكاديمية التي نشر في مجلة الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم ، السودان في العدد 4 أغسطس عام 1995م. وللدكتور علي حسن بحث آخر ( الجذور الاجتماعية للمشكلة الصومالية ) وهو أيضا بحث علمي نفيس ، وقد نشر البحث في مجلة الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم في السودان في عددها السادس في الفترة أبريل ، مايو ،ويونيو في عام 1996م. كما وضع السيد محمد حسن علي دريل (جذور النزاع الصومالي – دراسة نقدية حول المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الصومال). وهذا الكتاب حاول صاحبنا وزميلنا إبراز حقيقة أصل النزاع الصومالي وأزمته الراهنة ، من نواحي مختلفة. وللدكتور الزميل محمد معلم عبدالرحمن نظيف كتاب أطلق عليه ( الدبلوماسية ودورها في إنهاء الصراع في الصومال) ونال من خلاله دبلوم عالي من معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة إفريقيا العالمية. وكهذا عمل الزميل معالي الدكتور محمد نور جعل بحثا سماه ( جذور النزاعات السياسية وآلية فضها في الصومال من عام 1960م إلى1999م)، ونال الكاتب في هذا البحث درجة الماجستير من معهد الكوارث واللاجئين في عام 2001م التابع بجامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم في السودان.
وهكذا توالت جهود الباحثين ولم تتوقف وتلو واحد تلو أخرى مما يدل أنّ الأمر لم يكن هيناً، حتى جاء الشيخ يوسف علي عينتي الداعية المعروفة وألف كتابا سمّاه ” الصومال- الجذور والأزمة الراهنة”، والذي طبع بالقاهرة بطبعته الأولى عام 1430ه/ 2009م، من مطبوعات دار الفكر العربي. وكذا قام سعادة السفير عبد الرحمن فارح إسماعيل بتأليف كتاب ( أسباب الأزمة الصومالية ) وهو كتاب يتحدث بعمق عن الأزمة الصومالية المعاصرة التي طال عمرها، وحتى بعد رحيله رحمه الله، ويمتاز هذا الكتاب بأن كاتبه دبلماسي مخضرم، وطبع الكتاب بمقديشو عام 2002م.
وأنتجت جمهورية مصر العربية المتمثلة بوزارة الدفاع كتاباً أطلقت عليه ( الصومال والأزمة الراهنة) مما يدل على بُعد القضية الصومالية الإقليمية والدولية. وخصص الباحث حسن حاج محمود عبد الله أحمد الحسني بحثا قيما في ” الجبهات الصومالية النشأة والتطور(2000م)”.
أمّا ( كتاب الصومال .. الداء والدواء ) والذي وضعه الباحث الشاب الشيخ منير عبدالله الحاج عبده الحسني، كان لي شرف أن كتبتُ بعض السطور لتكون تقديماً للكتاب، فرأيتُ أنّ الكتاب فريداً في نوعه، بل وقلتُ أنّه ” ليس بدعاً مما سبق ويُعدُّ من قبيل ما ذكرناه من الدراسات والبحوث، ويحاول الكاتب هنا معالجة القضية الصومالية العويصة بيد أنه يعرض بمنظور آخر مختلف من ذي قبل بحيث يرى فضيلته بأن مشكلة الصومال تكمن في عدة أمراض تفشت في المجتمع، ومن هنا ألزم نفسه بعرض وتتبع الداء الذي تشتكي منه الأمة، ثم أردف بالدواء والعلاج الناجع لهذه الأمراض والمشاكل التي تعاني البلاد منها”. ولم يكن منير عبد الله الحاج أول من قام بتأليف كتاب في الداء والدواء ، وإنما هناك كتاب الداء والدواء المسمى بـ (الجواب الكافي لمن سأل عن الداء الشافي ) للشيخ محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، علما أنّه وضع الكتاب إجابة لسؤال طرح عليه من رجل مريض، مصاب ببلية أعيته، ولم يجد لها حيلة أو دواء. ومن ناحية أخرى لعل في دهن مؤلفنا الشيخ منير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء”. وعلى العموم فإنّ كتاب الصومال الداء والدواء وما ورد في طياته من أخبار لم يأت بفراغ وإنما نتيجة ما رأى المؤلف – حفظه الله – بأعينه ومن خلال اختلاط المجتمع بحيث كان جزء منه التحم معهم وسكن فيهم وتاجر معهم في أكثر من بقعة من ربوع بلاد الصومال.
والمتمعن للكتاب يستشف بأنّ همّ المؤلف ليس إلا أن يجد الحل للمعضلة الصومالية العويصة ، ومخرجا صالحا لأزمة بلاده الراهنة. ومن مميزات هذا الكتاب بأن مؤلفه كان شاهد عيان بأغلب الوقائع والأحداث التي تحدث عنها ونقل منها، ويتساءل المؤلف بأن أهل الصومال رغم توفر عناصر الوحدة كالدين واللغة والقومية إلا أنهم خاضوا في حروب مريرة بأسباب تافهة من قبيل المحسوبية والإقليمية والقبلية وما إلى ذلك بل وتستمر أزمتهم التي يئس منها العالم لمعالجتها. والباعث الحقيقي التي انطلق المؤلف لوضع كتابه هذا بأنه لم يجد في الساحة الصومالية كتابا وافيا تطرق بأزمة الصومال المعاصر من حيث عرض المشكلة ثم طرح الحل الناجع في سبيل معالجتها بصورة مستقلة ، ومن هنا فرض نفسه ملئ هذا الفراغ منطلقا بحس وطني وديني لكي تكون ما يقوم به دراسة فريدة من نوعها وإضافة جديدة للبحث العلمي، ثم اختتم كتابه ببعض التوصيات والمقترحات التي رآها أنها مناسبة لمحاولاته العلاجية للأزمة الصومالية ، وأهم هذا الداء والتي تطرق بها المؤلف داء الجهل والقبلية والفقر وحب السلطة والقات والتعصب والعجلة والثأر والانتقام واللاوطنية ، ثم بعد ذلك أردف المؤلف كل داء بدوائه المناسب. وخلال عرض المؤلف بهذه الداء كان يقوم أولاً بتعريف هذا الداء لغة واصطلاحا حتى يعرفه القارئ ثم يسرد أدلة من الكتاب والسنة وبعض الأمثال السائرة لكي يبرهن ما يقوم به ….
وللحديث بقية

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى