ثلاث سنوات من المعاناة

دفعني الاحتفال بالذكرى الثالثة لتسلُّم حسن شيخ محمود مقاليد السلطة في البلاد الليلة الماضية في القصر الرئاسي (فيلا صوماليا) أن أعود إلى مهنة كتابة المقالات، وقد سمَّيتُ هذه السلسة باسم:”ارفع صوتك” وهي شعور ودوافع فردية، والتي أقصد منها ترك سجل تاريخي لمسيرة الأمة الصومالية.
تتركز هذه المقالة على نقطتين رئيسيتين: فشل القيادة الصومالية وخاصة الرئيس حسن شيخ محمود خلال فترة حكمه المستمر من عام 2012-2015 وماذا يمكن القيام به في الفترة المتبقِّية من حكم الرئيس؟!.
أهم إخفاقات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود:

أولاً: ضياع فلسفة الحكم:

في خريف عام 2009م تم وضع الخطَّة أو الرؤية المتبعة للحكومة الصومالية الحالية برئاسة حسن شيخ محمود بمشاركة كل من:
1. الدكتور/ محمد نور غعل.
2. السيد/ دعالي آدم محمد.
3. محمد عبد الرحمن علي (سرين).
4. عبد القادر محمد عثمان (برنامج).
وقد أعدت (اللجنة) رؤية مكتوبة لإنقاذ البلاد من الانهيار، وكان من أهم مضمونها: ” إيجاد رؤية سياسية مشتركة وموحَّدة ومتكاملة لإنتشال البلاد والشعب الصومالي من الوهدة السحيقة التي وقع فيه، والاستفاذة من العوامل السياسية والاقتصادية المتوفرة آنذاك من خلال تأسيس حزب سياسي كبير منفتح على الآخرين يعمل من اجل تحقيق المساواة والعدالة والحوار والحكم الرشيد”، بناء على مشورة مطوَّلة في وضع الخريطة المستقبلية للبلاد، والتي تحتاج إلى كثير من المشاركة في تقاسم السلطة بين القوى الوطنية في المطبخ السياسي في البلاد، وإفساح المجال أمام الجميع في حل المشاكل الصومالية مقارنة مع أفراد قليلة استحوذت على السلطة.
ووافق حسن شيخ محمود (الرئيس الصومالي الحالي)، والسيد فارح شيخ عبد القادر، وعبد الكريم حسين غوليد على هذه الخطة في اجتماعات عقدت في كل من مقديشو ونيروبي، وكان ذلك الأسس التي تم إنشاء حزب السلام والتنمية (PDP) عليها.
ولكن مع الأسف فشلوا في تطبيق هذه الرؤية ولم يغيِّروا نمط الحكم في الصومال الذي كان سائدا في البلاد منذ عام 2000م، وهو نظام حكم الشخص الواحد كما فعل (عبد قاسم صلاد)، و (عبد الله يوسف أحمد) واستحواذه على السلطة، أو استحواذ شخصين مثل ( شريف شيخ أحمد، وشريف حسن شيخ آدم) أو ثلاثة أشخاص (حسن شيخ محمود، وفارح عبد القادر، وعبد الكريم غوليد) وهذا النوع من الحكم لا أملَ في نجاحه، ولو تم الحكم به البلاد لمدة مائة عام، لأن هناك العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والتي يتم تجاهلها والتي من الضروري أن يشارك في حلها كافة المكونات السياسية في المجتمع الصومالي.

ثانياً: الأمل المفقود:

عندما تتحدث مع المجتمع الصومالي بمختلف طبقاته في الداخل والخارج فإنهم متفقون على شعورهم بالإحباط والفشل السياسي الذي وصل إلى أدنى مستوياته، والذي يتمثَّل في ضعف القيادة الصومالية، وارتفاع التدهور الاقتصادي وتردّي الدخل الفردي، وانتشار الحواجز الإسمنتية المحصَّنة في مقديشو، وتشكيل إدارة فيدرالية على نمط “نادوني بالرئيس ولو مرة”، وأترك لكم النزاعات التي لا نهاية لها.
قارنوا معي بين وضعية الرئيس حسن شيخ محمود في بداية عام 2012م الذي بدَا وكأنه منقذ البلاد، وتعهُّده بتحسين الأوضاع المتردِّية وإعلانه بالركائز الستَّة في برنامجه السياسي التي اهتم بها القاصي والداني، وبين وضع السيد الرئيس اليوم.
وقبل أيام قال لي أحد أصدقائي ويقيم في السويد: ” إن الأمل في الصومال أسوأ من عام 2007م إبان التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال حيث كان الشعب الصومالي الفقير يقاوم الاحتلال الإثيوبي بشراسة وطنية ويرفض هذا المشروع، ومن ناحية أخرى كتب الدكتور إبراهيم فارح (بورسليد) مؤخرا مقالا مطولا في في مجلة وَرْسَن العدد الأول: ” المخاوف التي تساورني من الرجوع إلى الوراء هي التي تلزمني التحذير”.

ثالثاً: الفساد :

ومن أكبر المشاكل التي يواجهها الشعب الصومالي في الوقت الحالي مشكلة الفساد، والمعروف أن الفساد منتشر في جميع دول العالم بما فيها دول الجوار، وليس أمرا خاصًّا بنا، لكن الفارق هو أنه لا توجد في الصومال هيئات لمحاربة الفساد وليس هناك شخص يتم القبض عليه على خلفية اتهامات بالفساد.
ومن أبرز مظاهر الفساد في البلاد الفساد السياسي وشراء ذمم النواب في البرلمان، والفساد المنتشر في قطاع الأراضي : وخاصة أراضي وممتلكات الدولة حيث يتم الاعتداء عليها بطريقة واضحة وممنهجة، وقبل أيام أخبرني أحد أصدقائي السياسيين “أن مقبرة من مقابر أحد مقاطعات محافظة بنادر دفن فيها والده يرحمه الله قبل فترة يتم نهبها وتعميرها بشكل غير قانوني، وفي تاريخ 08/09/2015 شكا وجهاء عشائر محافظة هيران من نهب ممتلكات الدولة في مدينة بلدوين أسوة بما يحدث في مقديشو.

رابعاً: الصراع الداخلي بين القيادات العليا:

في السنوات الثلاثة الماضية وفي عمليات صعبة أُنفِقت خلالها مبالغ طائلة كرشاوى حسب ما عبر به نواب من البرلمان الفيدرالي لوسائل الإعلام فقد تم سحب الثقة من حكومتين، ولم يحدث خلال تلك الفترة سحب الثقة من وزير واحد من قبل البرلمان، وهذا التصرف السياسي لم يكن متوقعا من رئيس الجمهورية الأمر الذي يؤثر سلبا على سمعته وسمعة مجلس الشعب.

خامساً: الأمن :

رئيس الجمهورية الذي زار مدينة أفجوي الواقعة على بعد 30كم جنوب غرب مقديشو يوم الخميس 10/9/2015م على متن طائرة مروحية قال في خطبته: “إن حركة الشباب هزمت، وإن هناك عناصر قليلة تحاول إعادة تنظيم صفوفها، وتشن هجمات متفرقة هنا وهناك”، والحقيقة بعيدة عن هذه الرؤية إذا نظرت إلى الخسائر الفادحة التي لحقت بالقوات الأوغندية والبورندية في شبيلي السفلى، إضافة إلى الهجوم الذى تعرضت له أماكن حساسة في مقديشو من القصر الرئاسي ومقر البرلمان والفنادق المهمة، وانسحاب قوات الأمصوم من مناطق مختلفة من شبيلى السفلى، والحصار المفروض على مدينة بولو بردى فى محافظة هيران وسط البلاد،وسيطرتها على كامل محافظة جوبا الوسطى، كل هذه الدلائل لاتؤيد تصريحات الرئيس السالفة.
وتقول مجموعة الأزمات الدولية التى تحلل النزاعات الدولية: “إن الصراع مع حركة الشباب سيكون طويلة الأجل”، ويمكنك مراجعة هذا التقرير الصادر بهذا الخصوص تقرير رقم 99 الصادر26/2014م نيروبي-بروكسل الموسوم بـ “البيان الإفريقي الموجز”.

سادسا: تدهو العلاقات الخارجية:

كما هو معلوم فإن تطلعات الشعب الصومالي والأسرة الدولية كانت كبيرة في أن البلاد ستدخل مرحلة جديدة، بعدما تسلَّم السلطة قائد من قيادات المجتمع المدني.
ولكن النتيجة أصبحت عبارة عن جولات كثيرة عديمة الجدوى إلى خارج البلاد وسفريات أرهقت ميزانية الدولة وأثرت سلبا على دفع رواتب القوات المسلحة وموظفي القطاع المدني للدولة,أما فى ملف العلاقات الخارجية فلم يتحقق أي نجاح يذكر، فعلى سبيل المثال: دولة أوغندا – وهي من أكثر الدول الإفريقية مساهمة فى عملية حفظ السلام ومعها ماليزيا وجيبوتي – كانت من بين الدول القليلة التي تسهّل إجرات منح التأشيرة لحاملي جواز السفر الصومالي بدأت تشدد إجراءات منح التأشيرة.
وفي بعض المرات يتعرض الطلاب المبتعثون وقيات من المجتمع المدني للتوقيف فى مطارات دول الجوار أثناء رحلاتهم بحجة أن تأشيراتهم مزورة أو غير صالحة، وقد يتعرضون للترحيل والإبعاد، وهذه القضية الجديدة لم يسبق لها مثيل.
وبرنامج الرؤية الجديدة لعام 2016م من القضايا التى حظت ترحيبا واسعا من قبل الشعب وخاصة عندما نشرت وسائل الإعلام أنباء عن وعود منح مالية دولية لهذا المشروع تقدر بملايين الدولارات،.غير أنها انتهت باجتماعات تعقد هنا وهناك وتنتهى بإلقاء اللوم على الحكومة الصومالية.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما أثناء زيارته الأخيرة لدول الجوار كينيا وإثيوبيا – رغم أهميتها السياسية والدبلوماسية بالنسبة الى الصومال – فإن الرئيس الصومالي لم يحاول الذهاب إليه للقاء به.

سابعا: إخفاقات أخرى، منها الظلم الواقع في محاكم مقديشو،وغياب العدالة، إضافة إلى عدم دفع رواتب موظفي القطاع المدني والعسكري للدولة، فى حين يذكر المدقّق العام للدولة أن الدخل العام في خزينة الدولة بلغ 31 مليون دولار فى غضون 3 شهور، ولو أمعنت النظر فى حجم الدخل القومي تدرك تماما بأنه إذا تم إدارته بكفاءة وبنزاهة لكان يغطّي جميع رواتب الموظفين فى القطاعات المختلفة للدولة، واستغنت الدولة عن مساعدات البنك الدولى.
توصياتي في الفترة المتبقية:
أملي كبير فى الشعب الصومالي الذى هو شعب فعّال وصبور، ولكنه ينتفض ويعود بعض الأحيان كالطائر العنقاء، وهذا الوصف استعرته من الكاتب/الجنرال جامع محمد غالب”جامع يرى”، وأود أن أتقدم بالتوصيات إلى الجهات التالية:
1– إلى رئيس الجمهورية:
أقول للرئيس: إن طبيعة السياسية فى البلاد تُعلِّمنا أنه لايمكن لرئيس سابق أن يعود إلى الرئاسة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وعليه فلا تسْعَ إلى الحصول على فترة رئاسية ثانية عن طريق تمديد الوقت، بل حاول أن تمنح للنواب فرصة اختيار من يرغبون- كما فعل أسلافك من قبل- ،واستفد من دروس التاريخ لتتفادي من مشاكل وهموم الإنتخابات،وتبدير الأموال في لعبة سياسية خاسرة.

2- إلى البرلمان الصومالي:
وأقول لنواب البرلمان: تضيعوا أوقاتكم في متاهات، وصادِقُوا على القوانين المتبقية مثل قانون نظام الأحزاب السياسية وغيرها، واستعدُّوا لانتخابات مغايرة لتلك التى جئتم عبرها.
لم يكن ريئس البرلمان السيد محمد عثمان جواري قائدا مخلصا وعادلا، بل سعى جاهدا خلال فترة وجوده فى رئاسة البرلمان فى تضليل رأي عام نواب البرلمان، لكي لا يتقدموا بمشروع لسحب الثقة منه،وقد نجح فعلا بهذه المهمة بكل جدارة، ولكنه أخفق في مهمات كان من المنتظر إنجازها قبل عام 2016م، وطبعا هذه من الإخفاقات الوطنية.

3- إلى الأحزاب السياسية الصومالية:
أقول للأحزاب: شمِّروا عن ساعد الجدِّ من أجل التغيير السياسي فى البلاد ،لاتقبلوا تمديد الحكم،اهتمُّوا بالمصالح العليا للبلاد،وادْعُو المكونات السياسية التي تجمعها الرؤية الوطنية إلى الوحدة والتعاون والاحترام والتقدير للمكونات الأخرى.
4- إلى المجتمع المدني الصومالي:
أدعُوكم إلى إعادة دورالمجتمع المدني الفعال والذى كان سائدا في الفترة ما بين سنوات 2000-2006م وأن تمثلوا الشعب الصومالي بصوت عالٍ، وأن يتمَّ إشراك النخب التي تحظى بسمعة وتقدير في مجتمعهم فى العملية السياسة، وان تتناولوا الموضوعات التى تهمُّ الشعب الصومالي بالمحافل العامة.

5- إلى الإسلاميين:
الصراع السياسي الذي بدأ من عام 2006م بين الحركات الإسلامية هو سبب رئيسي في كون العملية السياسية الصومالية عقيمة، وقد انضم التيار الصوفي المسلح باسم (أهل السنة والجماعة) بدوره إلى حلبة الصراع، إن الشعب الصومالي منهك لايتحمل صراعات أخرى من هذا النوع، وأرى أنه من المناسب “أن تُترك السياسة للسياسيين”، ومن يريد ممارسة العملية السياسة فعلية الانخراط في الأحزاب السياسية التي ليس لها مرجعية دينية، بل لها أجندات سياسية واضحة يمكن التصويت عليها.

6- إلى حركة الشباب :
تشهد بلادنا صراعا لسنوات طويلة،وكانت حركة الشباب الإسلامية طرفا أساسيا من هذا الصراعات ،وفى رأيي آن الأوان لفتح باب الحوار أو قنوات الإتصال مع حركة الشباب، وعلى الأحزاب السياسية وقادة المجتمع المدني ان يتجاسرو الاتصال مع الحركة بهدف إنقاذ البلاد.

7- إلى بعثة حفظ السلام الإفريقية (الأميصوم):
يبدو أن أميصوم نسيت التاريخ النضالي للشعب الصومالي، وخير شاهد على ذلك تلك المجازر التي ترتكبتها فى عدد من المدن الصومالية مثل مركا في شبيلى السفلى، وهلغن في هيران،فقد استهدفت مدنيين أبرياء عزَّل، ولم تقدم أي مبرارات أو اعتذار رسمية لأهالي الضحايا.
وينبغى للأحزاب السياسية والمجتمع المدني بالتعاون مع الشعب الصومالي فى جميع أنحاء العالم تنظيم حملة تطالب قوات الأميصوم بالرحيل من البلاد ،وبدلا منها بناء قدرات الجيش الصومالي وتأهيله فى أقرب وقت ممكن، فالوجود العسكري للأميصوم يؤجِّج الصراعات الداخلية في البلاد، انظر مثلا ما يجري فى جلمدغ، والصراع اللامنتهى مع حركة الشباب.

8-إلى القوى الأجنبية الأخرى:
التدخلات الأجنبية في الصومال دائما غير مجدية ومثمرة، فمثلا القوات الإثيوبية العاملة فى محافظة هيران لم تكن من ضمن القوات التابعة لبعثة الإتحاد الإفريقي، كما صرح بذلك العقيد عبد الرحمن عبد طنبل قائد الفرقة الرابعة للجيش الصومالي في الأقاليم الوسطى، وقال في كلمة له: “أريد أن أوضح لكم أن القوات الإثيوبية المنسحبة من هلغن، وحتى التى نفذت عمليات عسكرية فى مناطق متفرقة من الإقليم، مثل نور فنح، بوعو، وبقاقبلى، وعيلعلي، وبقغوسار، كلها ليست من ضمن قوات الإتحاد الإفريقي، وأنها تتلقى الأوامر من أديس أبابا، ونحن ننتظر الجواب من الحكومة الصومالية”.
غير أن التدخلات الأجنبية فى الصومال ليست فقط عسكرية، بل تشمل التدخل في الموراد الاقتصادية للدولة، وخاصة الموارد المعدنية والنفطية يحيث يعطى امتياز تنقيبها لشركات غير معروفة فى غرف مظلمة.
والأدهى من ذلك التدخلات الأجنبية فى مواسم الانتخابات حيث هناك أيادي أجنبية تدعم بعض المرشحين بالمال لشراء أصوات الناخبين، مما يعني أن الرئيس الصومالي لايصل إلى الحكم عن طريق رغبة الناخبين (الشعب –البرلمان).
وفى الفترة المتبقية أوصي بتسليط الأضواء على تصرفات القوات الأجنبية فى البلاد، إضافة إلى الصفقات الخاصة التي تبرمها الحكومة مع شركات التنقيب عن النفط، والأموال المتدفقة على البلاد من قبل الأجانب والتي هدفها التأثير على مجريات الإنتخابات فى عام2016م.
وكتب/عبد القادر محمد عثمان”برنامج” رئيس حزب المؤتمر الصومالي(كلن)

ترجمة مركز مقديشو
مقديشو- الصومال.

عبد القادر محمد عثمان ( برنامج)

رئيس حزب المؤتمر الصومالي(كلن)
زر الذهاب إلى الأعلى