مع تولي “بايدن” الرئاسة .. هل حان الوقت لتقود الولايات المتحدة دفة الإصلاح الحقيقي لمنظمة الأمم المتحدة؟!

 

 

دستور عالمي يجمع دول العالم على السلام والاستقرار والتعاون من أجل رفاهية البشر ومنع الحروب والصراعات .. ذلك كان الهدف الرئيسي من اجتماع اشترك فيه عدد من قادة دول العالم في24  أكتوبر 1945  بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، بعد ان خرجت العديد من دول العالم مثقلة بالأعباء، ومرهقة من ويلات  الدمار الذي سببته الحرب العالمية الثانية، فقرروا ان يضعوا نقطة ويدشنون منظمة الأمم المتحدة لتكون بديلة عن عصبة الأمم التي لم تؤدي الغرض المنشأة من أجله، وأثبتت فشلها في تحقيق السلم ومنع انتشار الأسلحة حول العالم، وتسوية المنازعات الدولية عبر المفاوضات والتحكيم الدولي، مما أظهر الحاجة لمنظمة بديلة تلعب الدور العالمي في حفظ الامن والسلم الدوليين أمر لا غني عنه، لذلك تم الإعلان وقتها عن ميلاد منظمة الأمم المتحدة، وتعلقت الآمال بها لتكون خير وسيلة لتحقيق السلام العالمي ومنع الصراعات قبل اشتعالها، إلا انه في الفترة الأخيرة نرى عكس ذلك على أرض الواقع، وتتجددت الآمال والتطلعات الدولية لإجراء إصلاحات حقيقية جدية داخل منظمة الأمم المتحدة خاصة بعد فوز الرئيس الأمريكي “بايدن” بانتخابات رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وتصريحاته التي تؤكد رغبته في ان تلعب البلاد دور أكبر في النظام العالمي، وتكون جزء فعال لإجراء العديد من الإصلاحات الدولية، لعل أبرزها ظاهرة تغير المناخ وحقوق الإنسان والصراعات العالمية التي تهدد الكوكب بأكمله.

 آمال عريضة

تشعبت منظومة عمل الأمم المتحدة وانتشرت بعثاتها الرسمية عبر دول العالم، ووسعت عضويتها لتشمل193 دولة أي معظم الدول المستقلة، مع امتداد العديد من أذرعها الأمنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتنموية كذلك الاقتصادية المنبثقة من أجهزتها الرئيسية، لنري في النهاية اجتماعات قمة وندوات ومؤتمرات دولية ومناقشات دبلوماسية وسياسية وسط خلية نحل تعمل ليل نهار من أقصي شمال لجنوب الكرة الأرضية، ليُشكل ذلك المشهد صورة المنظمة التي من المفترض ان تدير شئون العالم، وتعمل على تحقيق الميثاق الذي وقعت الدول الأعضاء عليه، وتعهدت باحترامه، بداية من حفظ السلم والأمن الدوليين وتسوية المنازعات سلمياً حتى تحقيق تعاون دولى بين الدول الأعضاء، مع العمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع سكان كوكب الأرض بدون أدني تمييز، إلا ان الواقع يشهد عكس ذلك تماما فتزايدت النزاعات والصراعات بين الدول وانتشر التطرف والإرهاب والمجاعات والأزمات الإنسانية، وتراجع دور القوي الكبري في تحقيق التعاون الاقتصادي وتسوية النزاعات سليماً ليحل محلها العديد من الصراعات الدموية التي شهدت تفاقماً خلال الفترة الأخيرة، لتكتفي المنظمة بالإعراب عن القلق والدعوة لوقف العنف والمناداة والمناشدة، ليتساءل البعض عن مدي جدوي وجود المنظمة التي هدفها الأساسي تسوية الصراعات سلميًا والحفاظ على السلم والأمن الدوليين!!  

الأزمة السورية نموذجاً

عنما نتحدث عن إصلاح الأمم المتحدة فلا يجب ان نغفل الأزمة السورية التي مازلت مستمرة حتى الآن رغم مرور ما يقرب من 10 سنوات من اندلاعها، فقد فشل المجتمع الدولي على رأسه الأمم المتحدة، ومجلس الأمن في توفير الأمن والأمان للسوريين، وتحولت سوريا لملعب عالمي يلعب فيه مؤيدين نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” المتمثلين في روسيا وإيران ومن خلفهم حزب الله، أما الثاني فهم المعارضون ويتمثلون في المعارضة السورية وما يساندها من قوي دولية أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وبعض دول الخليج من جانب اخر بشكل غير معلن، لتتحول سوريا إلى مقبرة كبري لمواطنيها من رجال ونساء وأطفال، فقد أشارت آخر إحصائية لمنظمة “اليونسيف” ان عدد المتضررين من الحرب وصل إلي 11 مليون فرد، بالإضافة لأكثر من 7 مليون طفل تأثروا بطرق مختلفة من جراء تلك الأزمة، لتتواصل يومياً الغارات الروسية المدعومة على الأرض من الجانب الإيراني في حصد أرواح المدنيين السوريين في ظل صمت الأمم المتحدة، ووقوف مجلس الأمن مقيد أمام الفيتو الروسي المرفوع ضد قرارات الدخل الدولي هناك، لتكتفي الأمم المتحدة ببيانات التنديد والقلق، وسط استمرار الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري، وبدأت تتأثر بها دول الجوار بشكل خطير.

إصلاح الأمم المتحدة

وسط ذلك المشهد العبثي الذي يضرب كوكب الأرض من شماله لجنوبه، مع ضعف ثقة بعض المواطنين بالعديد من أسس النظام العالمي، نجد ان هناك العديد من الأصوات عبر العالم بدأت تنادي بقوة لإصلاح الأمم المتحدة لتأخذ شكل أكثر جدية وواقعية في تسوية الأزمات، والتدخل لمواجهة الأزمات الإنسانية بشكل أكثر واقعية على الأرض لتسمح بدور أكثر فعالية في حماية النظام العالمي الذي بدأ يتأثر بقوة من الصراعات بين الدول والتكتلات التي تصارع بعضها البعض أو تلتهم الدول الصغري بدون أي رحمة أي شفقة، ومن أبرز وأحدث الأصوات التي خرجت خلال الفترة البسيطة الماضية لتؤكد ان هناك نوايا جادة لذلك الإصلاح والتطوير هو ما أشار إليه المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر “ريتشارد ديكتس”، حين قال: “إننا في رحلة معا. رحلة لتنفيذ قرار الجمعية العامة للشروع في أكبر عملية إصلاح لمنظومة الأمم المتحدة الإنمائية في التاريخ”.

 وقد بدأت بالفعل أولي المحاولات الجدية لإصلاح الامم المتحدة في عام 1963عندما زاد عدد أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين من 6 إلى 10 أعضاء، كما زاد عدد أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي مرتين (في عامي 1963 و 1971)، كما ظهرت محاولات جديدة بعدها للإصلاح استؤنفت في عام 1975 حيث تم تشكيل لجنة خاصة لميثاق الأمم المتحدة لتعزيز دور المنظمة، كما قدم الامين العام للامم المتحدة وقتها “بطرس غالي” في عام  1992رؤية لإصلاح المنظمة لتجديد دمائها وتنشيط دورها العالمي، وفي عام 1993 تم مناقشة مسالة الانصاف في التمثيل وعضوية مجلس الأمن وما يختص بذلك ويؤثر عليه من قضايا دولية في محاولة جديدة لإصلاح مظنومة العمل داخل المجلس.

أما في عام 2006 حث الامين العام للأمم المتحدة وقتها “كوفي عنان” جميع الدول على التحرك الجدي نحو الإصلاح بإعتباره فرصة قد لا تعوض، ظهرت بعدها عدة أصوات فردية من جانب بعض الدول للمناداة بضرورة التحرك لإصلاح المنظمة، ونري ذلك بوضوح في دعوة “ليو تشن مين” نائب الممثل الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة في عام 2008 خلال مطالبته أمام جلسة الجمعية العامة بضرورة إصلاح مجلس الأمن وإعطاء الأولوية لزيادة تمثيل البلدان النامية وخاصة الدول الأفريقية، كما أعلن رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد الروسي “قنسطنطين كوساتشيوف” في عام 2018، أن موسكو مستعدة للتعاون مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فيما يتعلق بملف إصلاح المنظمة، كما ظهر ذلك ايضا واضحاً في الاقتراح الفرنسي عام 2013 الذي أعلنت فيه أعلنت فرنسا تاييدها لمبادرة إصلاح عمليات حفظ السلام لكي تتمكّن من تحقيق أهدافها، ومؤخرا بالتحديد في يناير 2017 قدم الأمين العام “أنطونيو جوتيريش” مقترحات لإصلاح الأمم المتحدة منذ بداية ولايته من أجل تنفيذ تغييرات أساسية في مجالات التنمية والإدارة والسلام والأمن.

الولايات المتحدة والإصلاح

أما الولايات المتحدة الأمريكية فكان موقفها من الإصلاح يختلف في عهد الرئيس “أوباما” عن نظيره “ترامب”، ففي يناير 2012 أعلنت أمريكا عن طريق “جو تورسيلا” ممثلها لدي الأمم المتحدة للإدارة والإصلاح خطتها المكونة من أربعة أجزاء لإصلاح المنظمة من خلال 4 محاور رئيسية تتمثل في التطوير والإصلاح ،المساءلة ،النزاهة ،والتميز، ووجه وقتها انتقاد قوية لمنظومة العمل بالأمم المتحدة قائلا ” أنظمة الإدارة داخل المنظمة قد عفا عليها الزمن، ولم يعد بها سوي القليل من الشفافية والمساءلة، والنفايات المذهلة للعقل”، أما في عهد الرئيس الأمريكي الحالى “دونالد ترامب” فقد اختلف الامر بصورة كبيرة حيث صرح بأن “المستقبل لا ينتمي للمنادين بالعولمة، بل ينتمي إلى الوطنيين” في دعوة منه إلى التركيز على الاهتمام بالأداء المحلى الداخلى على حساب المشاركة الدولية والتعاون العابر للحدود، وهوما ظهر بشدة خلال كلمته أمام الجمعية العامة في 24 سبتمبر 2019، والتي لم يتطرق للحديث عن أي دور للمنظمة في القضايا الدولية أو إصلاح وتطوير منظومة العمل داخل الأمم المتحدة لتفعيل دورها العالمي.

إلا ان الولايات المتحدة الأمريكية وإمتلاكها لنفوذ عالمي واسع، بالإضافة لقوتها الاقتصادية والسياسية تستطيع ان تكون هي صاحبة المبادرة الجدية التي تنفذ على أرض الواقع، وتتمكن بسهولة من إجتذاب العديد من المؤيدين لعملية الإصلاح من حلفائها، والدول المتضررة من الصراعات وانتشار الإرهاب والتطرف خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، لذلك فالأمل فى تحقيق خطط الإصلاح والتطوير للأمم المتحدة – التي تعتبر أحدي الركائز الرئيسية للنظام العالمي- يرتبط بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتكتل عالمي يسير بقوة نحو ذلك الطريق.

توافق دولي

المصلحة هي التي تحرك الدول، وإذا تم وضع رؤية توافقية بين القوي الكبري أو على الأقل بها جزء يكون مسار مشترك بين جميع الأعضاء يقوم على خدمة مصالح الجميع وتحفيزهم اقتصاديا وسياسيا، سيصبح من المرجح وقتها رؤية تحرك جدي على الأرض ونشاط واقعي يخرج من إطار التصريحات الدبلوماسية وموائد المؤتمرات والندوات والمناقشات والتقاط الصور أمام وسائل الإعلام، والتي أصبح البعض يشبه ذلك المشهد بإعادة عرض مسلسل عدة مرات، ليمل الجميع من متابعته أو حتى الاهتمام به.

الاهتمام العالمي الآن بأهداف التنمية المستدامة التي يمكن إذا تم التعامل معها بجدية اكثر بعيدا عن التصريحات الاعلامية الرنانة، يمكن ان يكون بمثابة فرصة ذهبية لإعادة طرح فكرة إصلاح الأمم المتحدة بشكل أكثر جدية وتوافقاً بين الدول الاعضاء، بشرط وجود نية لدي القوي الكبري لذلك الإصلاح والتطوير الذي سيعود بالنفع على مصالحها حول العالم، من سلام وتنشيط تعاون اقتصادي وتبادل تجاري، فضلا عن حماية ممراتها التجارية ومصادر مواردها الاقتصادية المختلفة.

دعونا نتفائل بأن فكرة المصالح العالمية المشتركة يمكن ان تكون بوابة ذهبية بالتوازي مع الاهتمام الإعلامي الدولى بالتنمية المستدامة لتحقيق ذلك الإصلاح، لنطمئن بان هناك أمل لوضع خطط وتنفيذ إصلاح وتطوير حقيقي لمنظمة الأمم المتحدة، خاصة مع تزايد التحديات التي ربما تهددنا جميعا في مختلف أنحاء العالم، وتجعل الإنسانية في خطر جدي خلال المستقبل القريب.

عمرو سليم

صحفي وباحث في الشئون الإفريقية
زر الذهاب إلى الأعلى