دراسات صومالية ( 3 ) تشييد المدن والكتابة عنها في بلاد الصومال

 

فنّ العمارة والخطط وتشييد المدن كانت مشهورة في الحضارة الإسلامية – كما أشرنا في الحلقة السابقة – بحيث استطاع المسلمون في تشييد المدن مبكراً  في عهد الخلفاء الراشدين كمدن البصرة التي تمّ إنشاؤها في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم مدينة الكوفة في زمن الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، غير أنّ نشأة المدينة الإسلامية بدأت قبل ذلك من ” يثرب ” بعد هجرة الرسول إليها والتي حولتها إلى ” المدينة ” بمفهوم حضاري واضح، بعد تغيير اسمها إلى ” المدينة “. فبعد الهجرة حدث تغيير واضح، سعى إلى تحقيقه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أساسه الدعوة إلى الإسلام. [1] وقد قدم الباحثون دراسات في هذا المنحى من خلال بحوث ودراسات عن الفن المعماري على الرغم من أنّ ذلك  كان مرتبطاً بالوضع الاجتماعي والاقتصادي. ولا شك أنّ البحث العلمي التاريخي له مذاقه الخاص ورونقه الفريد، لا سيما فيما يتعلق بتاريخ المدن وحضارتها، وقد أشرتُ أكثر من مرة بأنّ محاولة كتابة تاريخ المدن والأمصار والأقاليم والأقطار كانت مشهورة في أوساط أهل العلم وخاصة عند أهل التاريخ والأخبار عبر العصور الإسلامية الزاهية ولم تتوقف حتى الآن بل تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

أما فيما يتعلق بحركة تدوين الكتب ومصادر المعلومات فقد ظهرت في الساحة كتابات تسلط الضوء على المدن والخطط قديماً وحديثاً، سواء كانت هذه المدن أو القرى كبيرة أو صغيرة، ومن هنا  وبالتالي ظهر في الساحة الثقافية  كتب وبحوث على أيدي أهل العلم تتحدث عن تاريخ المدن وحضارتها على غرار كتب البلدان أو التي تناولت تاريخ مدينة أو قطر معين، كما هو مشهور في التاريخ الإسلامي في العصور الوسطى.

وعند الرجوع إلى مصادرنا ومراجعنا الإسلامية المعنية يتضح لنا بأنّ أهل التاريخ والحضارة أعطوا اهتماماتهم الأولية كتابة تأريخ المدن والأمصار سواء المدن الدينية المقدسة كمكة والمدينة والقدس، أو تلك المدن الأخرى كالكوفة والبصرة ودمشق وبغداد والقاهرة والقيروان والفاس ونيسانبور وبلق وبخاري وسمرقندا، بحيث نرى مصادر وكتباً تتحدث بإسهاب عن تاريخ تلك المدن وجغرافيتها ومن مرّ بها، والأحداث المهمة التي حدثت فيها وغير ذلك من الأمور ، فتركوا لنا قائمة طويلة بين مخطوط ومطبوع يصعب حصرها. ويُعد مثل هذه الصنوف من الكتب وغيرها مصدرا مهما يُستلهم لتاريخ هذه المدن المقدسة وغيرها والتي يصعب حصرها، بل لا يوجد مدينة من المدن في العالم المتحضر إلا وقد كتب عن تاريخها وجغرافيتها. ومن هذه الكتب على سبيل مثال: ( أخبار مكة ) للأزرقي، و(تاريخ المدينة) لعمر ابن شيبة ، و( تاريخ دمشق) لابن العساكر، و ( تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي و ( تاريخ اليمن ) للصنعاني ، و( تاريخ مصر والمغرب)  لابن عبدالحكيم ، و (تاريخ المغرب ) لابن العذارى، بل وقلّ أن تجد مدينة إسلامية لم يكتب لها كتاباً يُؤرخ ويقدم معالم حضارتها.

مصادر ومراجع حول المدن والقرى الصومالية:

وعلى هذا النمط أيضاً ظهر في الصومال مؤلفون تناولوا هذا المنحى وساروا  على نهج سابقيهم ، مثل كتاب” الكبريت الأحمر في تاريخ سادات الغرر الساكنين في مدنية هرر )  [2]  لعمر بن صوف حسن القادري البكريّ ، والكتاب مخطوط لم يطبع حتى الآن ، ويتحدث عن بعثة عسكرية جردها حكام مقديشو إلى هرر لمساندة حكامها ضد البرتغال في القرن التاسع الهجري ، الخامس عشر الميلادي ، علماً أن حكام مقديشو ورعاياهم نجحوا في رد البرتغاليين على أعقابهم عن سواحل مقديشو ، ثم بعد ذلك انتهزوا فرصة استنجاد إخوانهم الهرريين ضد الغزو البرتغالي ،  فأرسلوا جزءاً  من حاميتهم إلى شمال غرب الصومال عند ما اكتشفوا ضعف البرتغاليين ، وأنهم لا يصمدون في الحروب الأرضية إذا نزلوا في الأرض[3]. والكتاب يؤرخ لحركة الجهاد الإسلامي ضدّ هجمات الأحباش وحلفائهم البربغاليين في منطقة هرر وما حولها، بقيادة الشيخ عمر الرضى المعروف بالشيخ أبادر . كما يؤرخ الكتاب لحضارة هرر والحياة السياسية والاجتماعية ، وإن كان الجانب العسكري يغلب على الجوانب الأخرى .

ومن الكتب في هذا المضمار كتاب : ( مقديشو ماضيها وحاضرها ) للشيخ جامع عمر عيسي، ويُعدّ هذا الكتاب مرجعاً مهماً ورائداً في تاريخ مقديشو ويرسم صورة واضحةً لفترات ازدهار المدينة ومعالم حضاراتها . وتناول الكتاب تاريخ المدينة منذ نشأتها وما طرأ عليها من الأحداث والتطورات ، ونظم حكمها وسلاطينها بفترات مختلفة من عمر المدينة، وكذا مساجدها القديمة والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويمتاز الكتاب أن المؤلف دوّن في كتابه أشهر من مر على المدينة من الرحالة ، والغزو البرتغالي للمدينة. ويرى بعض من علق الكتاب أن المؤلف يسرد الحوادث سردا متتابعا ولا يعلق عليها إلا نادرا كأنما يسير بسرعة العصر، ويقبض قبضة العجلان ، ولا يلتفت إلى ما وراءه بل ينظر إلى أمامه ويقدم انضمامه زهورا يجمعها من كل بستان زهرة والكتاب يقع في 84 صفحة، ويضم الكتاب بعض صور تاريخية مفيدة. الجدير بالذكر أن سبب وضع هذا الكتاب يرجع إلى أن مؤلفه أراد أن يشترك في مسابقة أعلن عنها مدير قسم الثقافة بوزارة التربية والتعليم آنذاك السيد ياسين عثمان كنديد في أوائل 1968م.[4]

وهكذا جرت العادة عند أهل الابداع والتأليف كتابة بحوث لها علاقة بتأريخ المدن والبقاع مما هو مشهور في أوساط الباحثين. وهناك لفيف من أهلنا في القطر الصومالي ركزوا على كتابة مدن معينة في بلاد الصومال مثل:

  • المنارة الهادية إلى تاريخ إمارة بارطيرى الإسلامية للأستاذ آدم شيخ سعيد البردالي.
  • بوصاصو، عبق الماضي وجوهرة المدن الصومالية للأستاذ عبد الفتاح نور أحمد ” أشكر.
  • حُدُر وتاريخ جنوب الصومال لشريف صالح محمد على، منشور بالإنجليرية رغم أنّ بداياته كانت باللغة العربية.
  • تاريخ مدينة مقديشو السياسي والاجتماعي والاقتصادي 1101- 1960م للأستاذ صالح علي محمود حسين.
  • تاريخ مدينة جوهر” دراسة تاريخية حضارية.
  • المدن الصومالية للأستاذ أنور أحمد ميو.
  • المعالم المؤثرة في تاريخ مدينة بيدوا بقلم الأستاذ عبد الفتاح عبد العزيز شيخ محمد روبلي.

وينبغي أن نشير إلى أنّ هناك بعض الباحثين تناقلوا معلومات عن مدينة بيدوا وتحدثوا عنها بحيثيات مختلفة، بحيث تجرأ البعضُ تخصيص بحوث أكاديمية تناولوا فيها مواضيع لها صلة ببيدوا، ومن هذه البحوث:

  • إعداد وتدريس معلمي اللغة العربية في المدارس الابتدائية في مدينة بيدوا بالصومال، للأستاذ إبراهيم محمد نور المشهور بـ إبراهيم الليساني، وهذا البحث عبارة عن رسالة تكميلية لنيل درجة الماجستير في معهد الخرطوم الدولي التابع بجامعة الدول العربية.

ومن ذلك أيضاً:

  • الحرب الأهلية ومشكلات الأسرة في المجتمع الصومال – الدراسة الميدانية لمدينة بيدوا- للأستاذ حسن محمد علي أدم. وهذا البحث عبارة عن جهد علمي ودراسة ميدانية عملها الباحث في مدينة بيدوا في جنوب الغرب الصومال. ويهدف المؤلف في دراسته هذه التعرف على المشكلات التي يعاني منها المجتمع الصومالي عامة وسكان بيدوا وضواحيها خاصة.

[1] – د. محمد عبد الستار عثمان: المدينة الإسلامية، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، سنة 1978م.

[2]  –  هكذا موجود في المخطوطة ، وتقع في 42 ورقة ، ولديّ صورة منها ، وأصلها في مدينة هرر حيث يحتفظبها أهلها هناك  .

[3]  –  وانظر تعليق الشيخ إبراهيم عبد اله أحمد  في كتابه :  تحفة الأوفياء لمسيرة التحرير والتعريب في القرن الإفريقي ص 116 ، عندما يعلق ما جاء في المخطوطة  .

[4]  –  طبع على نفقة الحكومة المحلية بمقدشو في مطبعة الحكومة عام 1979م.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى