دراسات صومالية (5) التصوف والزهد

أنّ مجال التصوف له علاقة وطيئة بالتاريخ الصومالي من حيث المصادر والمادة العلمية ، وأن علماء الصوفية في شرق إفريقيا عموماً وبلاد الصومال خصوصاً  كان لهم دور بارز في نشر الإسلام، بل وأسهموا في إبلاغ رسالة الإسلام إلى أنحاء كثيرة في المنطقة في فترة مبكرة ، وقد كان من إسهاماتهم إنشاء مراكز إسلامية عني فيها بتدريس أصول الدين لتلك المجتمعات الإسلامية، وعرض العقيدة الإسلامية  على الوثنيين ومن ليس لهم دين ، ومن خلال تتبع هذه الحركة وجهودها يبزر انتشار الإسلام واتساعه واحتكاكه السلمي في المجتمعات الإفريقية ، علما أنّ الصوفية دخلت إلى الصومال كغيرها من البلاد في شرق إفريقيا بواسطة علماء اليمن والحضارمه الذين استقروا فيما بعد في المدن الساحلية مثل مقديشو وزيلع وبربرة وبراوه ومركة [1]، وكان لهم أثر كبير في نفوس الأمة، رغم ما طرأ عليها من الإنحرافات العقدية والفكرية، إلاّ أنّ أساسها كان نشر الإسلام ودعم عقيدته السمحة وعرضها على الناس كافة بالمصابرة، ومن هذا الباب يستطيع المؤرخ والمهتم بالتاريخ والحضارة أن يستشف الحالة الدينية والاجتماعية في المنطقة. كما أننا لا ننسى الدور البارز الذي لعبته الحركة الصوفية في هذا المنحى، وما حققته من إيجابيات في عملية نشر الإسلام و المقاومة ضد التنصير، ومن هنا وبالرجوع إلى المصادر التاريخية اليمنية في الفترة الإسلامية له أهميته الكبيرة، ربما يساعد الباحث النابه على العثور على مبتغاه.

وفي هذا المقام ينبغي أن نشير إلى أنّ هنا عدد من الكتب والرسائل التي وضعها أهل العلم في الصومال من الطرق الصوفية بمختلف طرائقهم ومشايخهم ، ومشاهيرهم ومذاهبهم ، ونشير هنا إلى بعض هذه المؤلفات والمصادر  نظرا لأهميتها وكونها تكمن في طياتها بعض الأخبار التاريخية مثل: تراجم شيوخ وسيرهم وأشخاص أخرى في المنطقة كقادتهم وروادهم، وكذا أخبارا لها علاقة بحركة التصوف وتطورها. وقد استخدمت الصوفية طرقا متعددة للمادة العلمية سواء في قالب نثري أو شعري كالقصائد والمواليد.

ومن هذه الكتب التي ألفها أبناء الصومال كتاب يحوي خمس رسائل مطولة ويسمى مجموعة القلنقولي نسبة إلى قرية قلنقول التي تقع في غرب الصومال، وهي مسقط رأس صاحب الكتاب وموطن دفنه وهو الشيخ عبد الله بن معلم يوسف القطبي ، والرسائل الخمسة هي :

  1. رسالة عقيدة أهل السنّة والجماعة .
  2. سراج الظلام في سلسلة السادة الكرام .
  3. تحذيرات بليغة تسمى بالسكين الذابحة على الكلاب النابحة .
  4. نصر المؤمنين على المردة الملحدين مع بقية أحكام الدين .
  5. أنيسة العاشقين في تذكر المحبين .

والكتاب عبارة عن ردود على الخصوم بالطريقة الصالحية وغيرهم ممن اعترض علي أفكار الطريقة القادرية وعقائدهم التي ينتمي إليها المؤلف ، وقد استخدم المؤلف عبارات ذات لهجة حادة.

كما تناول الكتاب وناقش بعض قضايا عقدية وأخلاقية وأمور فقهية . وفي الجزء الأخير من الكتاب تناول المؤلف فيه باباً خاصاً لعلم التصوف وما يتعلق به ، والكتاب فيه نظم ونثر ، وقد أورد المؤلف نظماً كثيرا وقصائد عدة ، كلها تتناول التصوف ومدح الرسول صلّى الله عليه وسلم ومدح بعض الصالحين وذكر مناقبهم .

ومن هذه القصائد : قصيدة الحاج صوفي في نظم أسماء الله الحسنى ، وقصيدة الشيخ قاسم بن محي الدين البراوي ، وقصيدة مهيجة الأفراح في مدح سيدنا محمد نور الأرواح للشيخ الزيلعي ، والقصيدة المسماة : النفحة المسكية في مناقب غوث البرية للمؤلف ، وقصائد أخرى.  والكتاب يتكوّن من جزءين  ، الأول يقع في 159 صفحة ، والثانى يقع في 198 صفحة ، وطبع بمطبعة المشهد الحسينى ، بالقاهرة.

ومن هذه الكتب كتاب: (إرشاد الأذكياء في حكم التوسل بالأولياء) ومؤلفه الشيخ علي بن حاج إبراهيم والكتاب يعزز رؤية صاحبه حول التوسل مستدلا ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حسب ما يراه صواباً ، وقد وضع الكتاب أساساً للدفاع عن بعض المعتقدات الصوفية ، كما أنّ صاحبه يهاجم الذين يعارضون شطحات وترهات الصوفية كما هو موجود في كتاباتهم مثل كتاب : (الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية ) الذي كتبه الحاج إسماعيل بن السيد محمد سعيد القادري . وعموماً أنّ الكتاب يكشف عن طبيعة الصراع الدائر بين المتصوفة ومخالفيهم من السلفيين [2] . وقد استخدم المؤلف كتابه بعبارات سلسلة لا غموض فيها ولا ركاكة ، كما حذر من تكفير المسلمين بسبب التوسل بالصالحين والتبرك بهم ، ويقع في 58 صفحة ، وطبع بمطبعة الحكومة بمقديشو عام 1977م الموافق رمضان سنة 1402هـ في طبعته الثانية .

وهذا النوع من المصادر تبرز مدى حدة الصراع الديني بين  الطرق المتصوفة وكيف ومستوى الخلاف فيما بينهم رغم أنّ الساحة كانت خالية لهم في تلك الفترة المتقدمة ، بحيث لم تظهر قوة الاتجاه السلفي في المنطقة إلا في الفترات المتأخرة[3].

وكما أشرنا فيما سبق بأنّ علماء الصوفية في الصومال تناولوا أيضاً تراجم ومناقب بعض مشايخهم، ومن ذلك كتاب: ( الفيض الرحماني في نبذة من مناقب الجيلاني للشيخ عبد الرحمن الزيلعي. وهذا الكتاب تتبع المؤلف فيه نسب الشيخ عبد القادر الجيلاني وأوصله إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم تناول سيرته مبتدأ بمولده ورحلاته ، وما قال عنه الشيخ العز بن عبد السلام، واختتم الكتاب بذكر بعض كرامات الشيخ عبد القادر الجيلاني[4].

وإذا كانت هذه الترجمة تتعلق بشخصية  مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني المدفون بالعراق وهو خارج ما نصبوا إليه من المصادر والمعلومات إلا أنّ الشيخ له علاقة قوية بالطريقة القادرية المنسوبة إليه وهي – أي الطريقة القادرية – جزء من تاريخ الصومال الفكري والعقدي ، وقد أخذت دورا قويا في سبيل مدافعة البلاد والعباد من الاستعمار، وحماية البيضة من رجال التنصير وحملات التبشير خلال القرنين المنصرمين.

بيد أنّ هناك  كتباً أخرى تناولت حياة علماء الصوفية ومناقبهم،  ويٌعدُّ من المصادر التاريخية للصومال مثل كتاب “الجوهر النفيس في خواص الشيخ أويس”. والكتاب تناول في البداية ترجمة الشيخ أويس وذكر بعض سيرته ثم شرع في ذكر كيفية الدخول في الطريقة القادرية والإنتماء إليها لا سيما فرعها الأويسية. ويضمّ الكتاب عدداً من القصائد مرتبةً حسب الحروف الهجائية، والكتاب فيه شطحات صوفية كبيرة وترهات عظيمة،نسأل الله العافية [5]

والحق أن التراث الصوفي في الصومال له قدم إذ انتشر التصوف في الصومال مع إنتشار الإسلام بشرق إفريقيا ، غير أنّه في القرنين الأخيرين نرى أنّ هذا التراث صار ” مستغرقاً في القضايا المطلقة كحبّ الرسول صلّى  الله عليه وسلم ومتابعة الترقيات الروحية بترديد الأوراد والأذكار، والفناء في حبّ الصالحين كالجيلاني وغيره فهي ثقافة تعالج أشواق الروح ولا تنزل إلى عالم الأرض والانشغال بأوضاع ساكنيها وأوضاعهم اليومية السياسية والاجتماعية ” [6].

ومن الكتب التي تصدت إلى عقيدة التصوف وما طرأ عليها من انحرافات عقدية وفكرية كتاب ( الإنحرافات العقدية في المجتمع الصومالي ) للمفكر الصومالي فضيلة الدكتور عبد القادر محمد عبد الله رحمه الله، وهذا الكتاب يناقش أفكارا وقضايا تسربت إلى المجتمع الصومالي ، ومن بين ذلك التصوف وأنواعه والبدع الاعتقادية في الصومال حيث عرض المؤلف في الكتاب نبذة تاريخية عن العقائد مثل دخول الإسلام وتاريخه في الصومال كما تناول فكرة التأويل ونفي الصفات، وتطرق أيضاً إلى بعض الفرق المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة مثل الفرق البهائية والشيعة والقاديانية ، إضافة إلى بعض المذاهب المعاصرة. وتناول التنصير وحركات المبشرين ، أمّا حديث التصوف فاختصر كلامه حول القادرية والصالحية والإدريسية والديدية والرفاعية والمرغنية على ضوء منهج أهل السنة والجماعة. وعلى هذا نستطيع القول بأنّ أهل الفكر والثقافة في بلاد الصومال قديماً وحديثاً، تطرقوا لمجالات مختلفة تتعلق بالعقيدة  في وجهات النظر المختلفة والمدارس المتنوعة، والمذهب المتضادة .

ولكن في الوقت نفسه هناك أقلام تدافع عن التصوف في بلاد الصومال منذ قدومه حتى وقتنا الحاضر، بل يرى هؤلاء بأنّ الصوفية لهم فضل كبير في نشر الإسلام وأخلاقه في المنطقة، ويقدم هؤلاء نماذج لترجمة هؤلاء المتصوفين مثل الشيخ حسن معلم محمود سمتر المشهور بحسن البصري في كتابه: (مدارس التصوف الإسلامية في الصومال)، والكتاب عبارة عن رسالة علمية نال صحبها مرة أخرى إلى درجة الماجستير. وله أيضاً كتاب آخر سماه: (تاريخ الدعوة في قرن أفريقيا).

وألف الباحث أحمد حسن بري عيسى كتاب (المدائح النبوية في الصومال في العصر الحديث، دراسة موضوعية فنية )، وأصله بحث أعدّ لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي والنقد الأدبي من كلية اللغات، قسم الأدب العربي والنقد الأدبي من جامعة المدينة العالمية بماليزيا، عام 1436ه/2015. وهذا الدراسة دراسة موضوعية فنية، وذلك بالتعريف إلى نتائج شعراء العربية في الصومال في المدائح النبوية، وإبراز نصوص شعرية مدحية لبعض الشعراء المادحين الصوماليين، وبالتحليل الفني لبعض النصوص الشعرية المدحية ، وإعطاء ترجمة لهؤلاء الشعراء المادحين ، ووصف مراحل المدائح وظهورها ونشأتها، وعرض بعض موضوعات المدائح النبوية وأغراضها.

[1]  – أحمد ريراش : مرجع سابق   ص177-178.

[2]  – انظر حسن مكي : مرجع سابق ص53.

.[3] – ولمزيد من المعلوما والأخبار حول إنتاج أهل الصومال فيما يتعلق بالتصوف والزهد فليرجع إلى كتاب ” الثقافة العربية وروادها في الصومال للمؤلف وخاصة الفصل الخامس.

[4]  –  حسن مكي : المرجع السابق ص45.

[5]  – حسن مكي : المرجع السابق 45.

[6]  – حسن مكي : المرجع السابق ص55 .

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى