الصومال وجدلية الهوية والتاريخ

عند ما نقول “الصومال” نقصد بالمنطقة الجغرافية المعروفة اليوم بجمهورية الصومال رغم أن إطلاق هذا الإسم على تلك المنطقة لم يعرف الا في وقت متأخر من القرن التاسع عشر الميلادي وبعد ما سيطرت قبائل الصومال الساحل الصومالي من زيلع شمالا الي كسمايو جنوباً بما فيها المناطق الداخلية ودخول الاستعمار الأوروبي.  قبل هذه الفترة ما كان إسما جامعا يطلق على الأراضي الصوماليين بل كانو قبائل متفرقة لا يجمعهم لا أمير ولا وطن.

 أما عن الموطن الأصلي للصوماليين، اعتقد ان موطنهم الأصلي هو مناطق في شرق وشمال غرب الصومال وجنوب شرق الحبشة، استنادا علي مصادر تاريخية وما وصل إلينا عن طريق حكايات الآباء والاجداد مشافهة. ذكر في كتاب فتوح الحبشة[1] مشاركة الصوماليين في القتال ضد الحبشة وبعض القبائل التي شاركت في هذه المعارك كلها أوبعض من أحفاذها موجودة الآن في جنوب أو في غرب الصومال، وهذه الحروب وقعت الأراضي الممتدة من زيلع مرورا بهرر( بر سعدالدين) الي ان توغلت داخل الحبشة. اذا أمعنا النظر في سير المعارك وتداعيتها نري موطن الصوماليين ما كان بعيدا عن منطقة هرر عاصمة المسلمين الحبشة آنذاك وباعتقادي انه أثناء الحرب وبعد هزيمة المسلمين فر وهاجر كثير من الصوماليين الي الجنوب حيث استولوا أراضي غالا بعد حروب مريرة.

اما حكايات الآباء والاجداد متشابهة مع اختلاف في التفاصيل، جل القبائل الموجودة حاليا في الجنوب والغرب يؤمنون انهم جاءو من الشمال او من إثيوبيا وتاريخ مجيئهم حسب زعمهم يتطابق مع زمن حروب المسلمين الحبشة ضد الحبشة النصرانية ربما  قبله أو بعده بقليل.

معلومات وتاريخ شبه جزيرة الصومال في العصور القديمة متعارضة وغير دقيقة ولا نستطيع الجزم بشكل قاطع ان هذه المنطقة، الصومال بالتحديد وشعبها كانت معروفة لدي الحضارات الشرقية القديمة، ولو ان بعض المصادر تذكر أن سواحل شرق افريقيا  كانت معروفة لدي الملاحين اليونانيين ما قبل الميلاد وكتب بعضهم في خرائطهم سواحل شرق أفريقيا وان كانت غير دقيقة.

والعلاقة التجارية التي كانت بين المصريين القدماء وشرق أفريقيا او شبه جزيرة الصومال والتصاوير البشرية او الرسومات الفرعونية التي تظهر ازياءهم، من ملابس وتسريحة الشعر، والملامح البشرية التي وجدت في المعابد وقي الآثار الفرعونية  من المرجح انها  تعود الي شعوب أرض الآلهة، ولذلك جعلت كثرين يعتقدون أن الصومال كانت موجودة ومعروفة لدي المصريين القدماء، ويستدلون بذلك الرحلات المشهورة  التي قام بها الفراعنة في فترات وعصور مختلفة، واشهرها رحلة الملكة المصرية حبشتسوت الي أرض بنت أرض آلهة، وما جلبت معها من البخور والعطور والحيوانات والعبيد لاستخدامهم في المعابد الفرعوني وغيرهم ولمن أراد مزيدا من التفصيل في رحلات التجارية بين الفراعنة وبلاد الألهة وعصورها  فليراجع كتاب الصومال قديما وحديثا لحمدي السيد سالم.

 لكن هذه الأزياء التي تظهر في الرسومات الفرعونية يشترك فيها كثير من الشعوب في شرق أفريقيا وليست خاصة بالصوماليين، كما يقول الكاتب الإيطالي  جاجينتو فيجننزا في كتابه الصومال الإيطالية ويقول الكاتب: نظرا لتركيبة الجغرافية لشبه جزيرة الصومال ونباتاتها لا يمكن الاعتقاد انها لأي بلد اخر غير الصومال، لكن ينبغي التنبيه الي أن  نفس هذا الازياء كان وما زال  يستخدمها  شعوب سود اخرين خاصة الاثيوبيين وغالا ولذا يشكك صحة كون الصوماليين وحدهم المعنيين بالتصاوير الفرعوني،.

ويقول أيضا ان الساحل العطور الشهيرة( أرض بنت)الذي عرف علي انه الصومال في القديم  أعتبره خطأ جيوغرافي ويرجح ان المنطقة المعنية بهذا الاسم هي خليج اوفير  سوفالا (موزمبيق الحالي وما جاورها ) يعني تقريبا جنوب القارة الأفريقية، ويؤكد ان شبه جزيرة الصومال ما كانت معروفة في القديم ويستدل علي ذلك بكبير الجغرافيين  اليونانيين اكتييو دي ميليتو( 500 ق. م) كان يجهل عن وجود شبه جزيرة الصومال لأنه لم يذكرها في خرائطه وكتاباته وهذا دليل واضح بعدم معرفته بوجودها،  بنسبة له الدنيا كانت  تنتهي بمكان مدينة عصب الحالي وقد كان رحالا ومؤرخا ما كان ليترك ذكرها لو عرف بوجود هذه المنطقة.

وكذلك اريتودو( 440 ق. م) الذي يعتقد انه أبو التاريخ والجغرافيا لا يذكر الصومال وهو الذي تجول كثيرا ودرس كتب سابقيه، وهذا مناقض لما ذكر ان سفن النبي سليمان والفينيقيين أيضا كانت تجلب الذهب من بلدة زفر، وهذا الخبر أيضا ورد في سفر الأخبار المعروف بإسم براليبومين.

ويذهب جوليان[2] الي أن زفر ما هي إلا الساحل الشرقي من قارة افريقيا في الجهة المعروفة سفالة، وهناك فرضيات اخري تقول انها فى الهند او علي سواحل بلاد العرب

المدرسة الإسكندرية هي أول من ذكر بعض الشيء عن الصومال، ارتوستني( 200 ق. م) صاحب مكتبة الإسكندرية يسمي نوتي كومو   مكان غواردفو الحالية وجيناموميفيرا كل سواحل الصومال الحالي.

معلومات اوسع ينقلها جوغرافيو الرومان في القرن ١١ب.م بنسبة لالمجستو دي تلومييو الصومال كانت معروفة ويسمي ازانيا، ويصور السواحل بشكل خاطئ.

بطليموس الفلاذي الذي عاش في عصر إمبراطور الروماني ادريانوس ذكر في مصنفاته الحوادث والرحلات التجارية مع شرق أفريقيا، وكذلك أيضا قد ذكر في كتاب الطواف ببحرارثرة المنسوب لاريان النيقوميدي خريطة الساحل الشرق الأفريقي بشكل تفصيلي، وللمزيد راجع كتاب: وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية لجوليان ترجمة يوسف كامل.

 ونجد ذكر ما يعرف اليوم بالصومال بعد دخول الإسلام بقرون في كتب الجغرافيين والمؤرخين او الرحالة المسلمين إذ يذكرون بعض المدن الساحلية كزيلع ومقديشو وبربرة ومركة وبراوة،  ونلاحظ انهم يعرفون( بالراء المكسورة المشددة) هذه المناطق يعني شبه جزيرة الصومال والحبشة اسمين: الحبشة وتشمل المنطقة المعرفة اليوم بإقليم اوذل بشمال الصومال، وبلاد البربر من بربرة شمالا الي براوة جنوباً، كالمسعودي والادريسى والعمري وغيرهم ويذكرون اسماء قرى وبلدات غير معروفة اليوم، وحتي في ترتيب المدن ومواقعهم غير دقيقة علي الأقل علي الصورة التي نعرفها اليوم ربما تغيرت الأسماء او انقرضت.

 ويجب الإشارة الي ان هناك مآخذ على بعضهم في عدم الدقة في الوصف والضبط في الأسماء او إهمال وعدم ذكر مدن مهمة، مثلا الإدريسي لم يذكر مقديسو لكن ذكر مركة  وبراوة مع كون مقديشو اهم منهما، ولقد فند جوليان[3]مغالطاتهم مفصلا بالأدلة التاريخية والجغرافية.

وقد تواترت الاخبار التاريخية الدالة علي أن أرض البخور والعطور أو أرض الالهة هي شرق أفريقيا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من كانو سكان هذه المناطق، هل كانوا أسلاف الصوماليبن الحاليين ام كانو أناس اخرين انقرضوا او هاجروا الي مناطق أخرى وربما هجروا وحل محلهم أسلافنا، وهذا يحتاج الي إثبات بالأدلة التاريخية. ويقول الانببولجيون والمؤرخين ان الشعوب هذه المنطقة جاءو بهجرات متتالية لفترات مختلفة من  زمن بعيد، وهذا مؤشر قوي يدل علي ان أسلافنا جاءوا الي هذه المنطقة من مكان آخر وليسوا اصل سكان هذه المنطقة في العصور الذي نتحدث عنه، ومن جهة اخري يتبين لنا من ما سبق ذكره من العلاقة التجارية بين شرق أفريقيا والأمم الأخرى أن سكان هذه المنطقة القدامى كان لهم نوع من الحضارة والتمدن وهذا ما لا نراه في الصوماليين الأوائل لأنهم كانو بدو رحل لا حضارة لهم حتى في وقت قريب، فكيف يمكن لأمة كانت لها حضارة واتصال مع حضارات اخري ان تتحول الي بدو بدون أن تترك أثرا يدل بوجودها وتحول حالها من التحضر الي البداوة.  يبدو لي ان سكان هذه المنطقة القدامي الذين يحدثنا التاريخ عنهم ما كانو صوماليين، بل كانو امما آخرى انقرضوا او هجروا وحل محلهم أجدادنا.

الصوماليون من حيث العرق  واللون والثقافة ينسب لمجموعة الجنس الحامي او الكوشي الذين جاءوا بهجرات متتالية وفي عصور مختلفة الي شرق أفريقيا، كما هو حال جميع الشعوب  المحيطة بهم   ويتشابهون خلقيا( بكسر الخاء المعجمة) وثقافيا، ويشتركون في كثير من العادات والأعراف، وكما ان الصوماليين في الأصل بدو ورعاة وكذلك اكثر الشعوب المجاورة لهم كالعفر والاورومو وبوران هم بدو ورعاة، وايضا اللغة الصومالية يعد من اللغات الحامية، هناك من يحاول ربط اصل الصومال بالعروبة او علي الاقل يدعي ان الصوماليين عرب، وهذا غير صحيح إذ ليس هناك أي حجة دامغة تربط الصومال بالعروبة غير الإسلام، لغويا، وثقافيا حتي العادات والتقاليد، يقول الدكتور حمدي سيد سالم[4].. وأن السمات الجسمانية والعناصر اللغوية، والعادات، ونظم الحكم، وغير ذلك من وسائل الارتباط الاجتماعي القائم على أسس أنثروبولوجية كوحدة مميزة قائمة بذاتها ، وتلك الدراسة هي من أنجح الوسائل لمعرفة الصوماليين باعتبارهم جزءا من الأمة الحامية في أفريقيا، انتهي.

اذن لا تشابه بين الصوماليين والعرب في جميع هذه الصفات الا ما كان بتأثير الإسلام او بعد اختلاط العرب بالصوماليين، اذن نستطيع القول بشكل جازم أن الصوماليين ليسوا من سلالة عربية او سامية بحتة.

[1] بهجة الزمان للفقيه شهابالدين احمدبن عبدالقادر المعروف بعرب ف

1 كابتن في البحرية الفرنسية كاتب كتاب وثائق وجغرافية وتاريخية وتجارة عن افريقيا الشرقية

[3] مصدر سابق

[4] مؤلف كتاب الصومال قديما وحديثا

خالد إبراهيم

باحث في تاريخ الصومال
زر الذهاب إلى الأعلى