الصراع القبلي( 3) نتائج الحرب الأهلية

لاشك أن الحرب الأهلية قد أفرزت مآسى ومصائب جمة داخل المجتمع الصومالى منها إنعدام الأمن والقتل العشوائى ونهب الممتلكات ، إضافة الى لجوء كثير من الصوماليين إلى الدول المجاورة والقارات النائية فى أرجاء المعمورة بحثا عن واقع أفضل ، فضلا عن مئات الألاف من النازحين والمشردين داخل البلاد . ومع إنهيا ر النظام المركزى إنهارت معه كل الخدمات الأساسية التى كانت تقدمها الدولة للشعب من تعليم وصحة وإقتصاد كما تعرضت البتى التحتية لتدمير كامل من قبل مليشيات قبلية لاترقب إلا ولاذمة . فالحرب الأهلية فى الصومال وان لم تكن على لون واحد إلا انها تشابهت فى النتائج وقد كانت كارثية وفى أكثر من صعيد :
على الصعيد الأمنى : شهد القطاع الأمنى حالة من الفراغ لم يسبق لها مثيل ، كان لها أكبر الأثر فى تدهور كل شيء ، وفى مقدمة الأسباب التى أدت الى تدهور الحالة الأمنية بشكل دراماتيكى إنهيار الجيش الصومالى مع إجتياح قوات المؤتمر الصومالى الموحد(USC) فى معظم المناطق الوسطى والعاصمة والحبهات الأخرى فى الأقاليم الشمالية والجنوبية لتحل محله مليشيات قبلية.
ورغم أن الجيش قد تفكك نوعا ما ما بعد هزيمةحرب 1977م ، وازداد ضعفا فى تماسكه مع الحرب التي خاضها ضد الجبهات إلا أن القشة التى قصمت ظهر البعير تمثلت في وقوع ترسانة أسلحة الجيش الصومالى وكذا أسلحة الشرطة في يد المليشيات التابعة للجبهات المسلحة ، كما وقعت أيضا في أيدى المجرمين واللصوص ، ونزلاء السجون الذين خرجوا من السجون ومباشرة توجهوا إلى مستودعات الأسلحة واستولو عليها ليشكلوا إثرها عصابات إجرامية منظمة تقطع الطريق وتقتل الأبرياء وتنهب الأموال وتهتك الأعراض وتقض مضاجع الأمنيين وتستهدف كذلك عمال الإغاثة من المواطنين والأجانب ، وتختطفهم كرهائن أحيانا بغية الحصول على فدية مالية كبيرة (1) هذه المظاهر خلقت نوعا من الفزع بين المواطنيين الذين تضرروا بغياب المؤسسات الامنية إذ يقتل الفرد ولأتفه الأسباب، مماحمل البعض ان يتجه نحو التسلح بهدف الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وممتلكاتهم . ولقد إرتكبت المليشيات القبلية والعصابات الإجرامية من الجرائم أفظعها فى حق المواطنين العزل بعد أن نبذت وارء ظهورها كل القيم الإسلامية والأعراف النبيلة للمجتمع الصومالى والتى لاتقر قتل نفس بغير حق ، مخالفة كذلك مبادئ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والذى يلزم على كل الأطراف المتصارعة مراعاة كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية . إضافة الى ما دأبت به المليشيات من فرض جباية على المواطنيين وإقامة حواجز بين المدن وحتى داخل المدينة الواحدة ، والهدف منها إيجاد دخل لقواتهم وتمويل لعملياتهم المسلحة فى خضم الصراعات القبلية من أجل السلطة والمال .
على الصعيد السياسى : فقدان الدولة المركزية ذات السيادة وغيابها كليا عن المسرح الدولى والإقليمى كان من أخطر نتائج الحرب على المستوى السياسى . وضاعف هذا النوع من الغياب لاسيما عن المؤسسات الدولية والإقليمية كالامم المتحدة والجامعة العربية والإتحاد الأفريقى والمنطمة الإقليمبة للتنمية (إيجاد) معاناة الشعب الصومالى ، لأن الغياب يعنى غياب قضاياه وهمومه وممثليه الشرعيين عن هذه المؤسسات الهامة والمؤثرة فى قضايا العالم ومنها معضلة الصومال العويصة . وقد أصاب شلل تام فى أداء السلك الديلوماسى فى الخارج مع إنهيار النظام المركزى اذ لم يعد هنالك للسفارات الخارجية أى وجود أو دور يذكر تستطيع أن تقوم من خلاله فى ترتبب أوضاع المغتريين فى أنحاء المعمورة ، وأصبح الصوماليون كشعب فى العراء دون اى غطاء يستندون اليه أو يلجأون إليه مما أدى إلى انتهاك حقوقهم فى كل مكان وإهدار كرامتهم .
على الصعيد الإقنصادى: لم يكن أفضل حالا إذ عم الفقر والبطالة فى إنحاء الجمهورية وتكررت المجاعات بسبب الجفاف . وانهارت البنى التحتية بالتمام والكمال ، وتم إغلاق مطار وميناء العاصمة الحيويتين . بجانب ضعف قيمة الشلن الصومالى التى تضررت جراء غرق الأسواق بالعملات المزيفة التى كانت تطبع فى الخارج وتصبح نتيجتها دوما التضخم والركود الإقتصادى . من الاثار الإقتصادية السالبة التى ترتبت على الحرب كذلك توقف الإنتاج والصاد رات الخارجیة عموما، وتراجع الإنتاج الز ا رعي ، وصعوبة تنقل البضائع بين المدن والأرياف اوالمناطق البعيدة ومرد ذلك إنعدام الأمن وكثرة الحواجز غير الشرعية والتى عادة ما تطالب دفع الرشاوى والضرائب التى تسدد للمليشيات والعصابا ت الإجرامية.
ومجمل القول فى هذا السياق يتلخص فى أن الحرب الأهلية و بقدر ما أدت تنافسا محموما على السلطة بين القبائل، كذلك خلقت وبنفس القدر ثقافة جديدة أساسها الصراع على الموارد ، إذ بدأت كل عشيرة من العشائر تسعى للإستيلاء على مؤسسة من المؤسسات الحكومية لضمان ان يكون المسؤول المقبل لهذه المؤسسة لقبيلتهم لدى تشكيل إى حكومة على المدى القريب أ والبعيد ، ولهذا لم يكن غريبا أن تستولي كل عشيرة على مؤسسة معينة فمثلا الميناء إستولت عليه عشيرة فلان ، بيما المطار الدولى عشيرة علان والإذاعة تتبع عشيرة أخرى. وهذا لم يكن على مستوى العاصمة فقط ، وانما إمتدت هذه الثقافة السخيفة إلى كل المدن الهامة فى الصومال مثل هرجيسا وكسمايو ، وبيدوا ، وبلدوين وغيرها من المدن الرئيسية . وقد جرت حروبا ضروسة من أجل مناطق خصبة فى البلاد ، وخير مثال لذلك ما حدث فى مدينة “كسمايوا ” والمناطق المجاورة لها التى ظلت مسرحا للعمليات الحربية منذ عام 1991م حتى إقامة مابات يعرف بأدارة جوبالاند لاحقا (2) والتى هى الاخرى المولد غيرالشرعى لمثل هذا النتافس .
على الصعيد الإجتماعى :غيرت الحرب والنزاعات المسلحة فى الساحة الصومالية وجه المجتمع الصومالى الموحد ومزقت النسيج الإجتماعى ليتحول الى كيانات عشائرية تتشاجر فيما بيتنها دون اى مراعاة للروابط الأخوبة فى النسب والدينية والجيران ، ولم يقف الصراع والنزاعات عند حد القبيلة فقط ، وإنما انتقلت العدوى الى البطون والأفخاذ إلى ان وصل الى أبناء العمومة وتعرضت الأسرة الصومالية للتشتت مما قطع اوصالها وهز فى كيانها يحيث لم تعد أسرة متماسكة تعيش فى مكان وأحد ، وانهارت العلاقات الإجتماعية يين المجتمع حيث غابت الألفة والترابط القوى الذى كان يسود فيما بينهم ليحل محله القطيعة والتنافر وعدم الثفة ، كما تحولت العلاقات الأخوية والتعامل المتباذل إلى عدوات سافرة وحساسيات دائمة . وأفرز النزاع الصومالى الصومالى أخلاقيات غريبة داخل المجتمع كإتخاذ السلاح وسيلة لكسب الرزق وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والعلماء والأطباء ، وما ساعد مثل هذه السلوك الغريب هو نزوح الشباب من الريف إلى المدن وإنخراطهم فى صفوف الجبهات المسلحة . ومن الأضرار التى وقعت على الأسرة الصومالية استهداف المليشيات للأطفال بغية تجنيدهم فساءت أحوالهم ليكون مصيرهم إما أن يقعوا فريسة فى شباك المليشيات المسلحة التى تستخدمهم للأعمال الإرهابية والقمعية أو يقومون باعمال دونية كالنظافة وحمل الأثقال مما يتنافى مع حقوق الطفل المقرة دوليا . بالإضافة الى إنتشار الجهل والأمية نتيجة لعدم مدارس ومؤسسات تعليمية أو لقلتها وعدم وجود المدرّسين الأكفاء فى المناطق التى توجد فيها المدارس(3) .

  1.  ابراهيم الدسوقى : مسيرة السلام والمصالحة ، الصومال بعد عام من ميلاد الجمهورية الثالثة (مركز القرن الأفريقي للإعلام والدراسات ، مقديشو، الصومال ، اغسطس 2001 م ) ، ص 32 . 
  2. عبدى يوسف فارح : مسيرة السلام والمصالحة فى الصومال”1989. 1999″ : رسالة بحث غير منشورة لنيل درجة البكالوريوس فى جامعة مقديشوا ،2001. ص 29 . 
  3. حرزا الله سمية : الحرب الأهلية فى الصومال 1991م مرجع سابق . ص : 40، 41.

آدم شيخ حسن

آدم شيخ حسن : باحث وكاتب فى قضايا السياسة والسياسات . حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال ويحضر حاليا لدرجة الدكتوراه في نفس المجال.عمل في مجال الاعلام محررا ومحللا وصحفيا مستقلا مع عدة مؤسسات دولية وإقليمية. كما يشارك في العديد من الحورات في الإذاعات والمحطات التلفزيونية العالمية إضافة إلي نشره عددا من المقالات والدراسات التي ساهمت في فهم قضايا وإستراتيجيات شرق إفريقيا الحالية.
زر الذهاب إلى الأعلى