معضلة الدولة و القبيلة في الصومال

أجرى الأستاذ عبد القادر ورسمي يوم 13 من الشهر ديسمبر لعام 2020م جلسة حوارية بعنوان معضلة الدولة و القبيلة في الصومال ، وكان معه في الحوار بعض نخبة المجتمع الصومالي ، حوار الأستاذ و العشرات من الحوارات و المؤلفات التي تناولت موضوع الدولة والقبيلة في الصومال يكاد يمتلئ الأرشيف الصومالي منها ، لكن ما يُميز الحوار ” ورسمي” الأخير هي إثارة مسألة عوامل الوحدة في المجتمع الصومالي التي يمكن لها أن تواجه مركزية القبيلة ، و البحث عن عامل وحدة داخل المجتمع الصومالي هي في الحقيقة تجاوز لمرحلة جلد العقيم للقبلية، كما هو معلوم فلكل مجتمع فكرة رئيسية يعتنقها و يؤمن بها وتكون المحرك الحقيقي لكينونته ليكون دولةً ومجتمعا حقيقياً و تمثل ما يسمى الدول العميقة فيها ، فعلا سبيل المثال الفكرة التي ساعدت اليابان الخروج من الهزيمة بعد قنبلتين النوويتين مُدمرتين هي انطلاقهم من فكرة “الإنسان الياباني أولاً” فكانت القوانين والاختراعات و الاكتشافات و الأهداف و الاستراتيجيات اليابانية كلها من أجل تحقيق تلك الفكرة ، وذات الأمر واجهة مؤسسي الكيان الصهيوني ، فعندما أراد “تيودور هرتزل ” الترويج لفكرة تأسيس وطن قومي لليهود لم يستطيع تسويق الفكرة بين اليهود المتفرقين مكاناً ، و المتفاوتين فكراً و عقلاً ومصالحةً إلا عندما أستحضر نظرية المظلومية ومعاداة السامية و فحمل مؤسسي الكيان على عاتقيهم صور و مآسي “محارق الهولوكوست” عندها نجحوا في أن يأسسوا دولة يتحرك جيشها ويتحد أفراد شعبها على تلك الفكرة فقط وما دون ذلك فهو مجتمع متفرق ، وإذا اردنا أن نحلل الفكرة الرئيسية للدولة الصومالية قديماً و إلى الآن هي” فكرة الانتماء القبلي” حتى مع وجود مشتركات يمكن لها أن تنافس تلك الفكرة بقيا الانتماء القبلي هو اللوبي الفعلي المحرك للدولة الصومالي ، وهذا يُوضح لنا كيفية تكون المجتمع الصومالي من البداية، في المجتمع الصومالي الكبير هو في الأساس مجتمعات صغيرة تقوم على الانتماء القبلي فكونت ظل ما يُسمى وطن دون فكرة فلسفية حقيقية ، فإقصاء القبائلية الآن في الصومالي غير مُجدي لأنه “إقصاء قُشوري هش ” يضع المجتمع الصومالي عرضة للتوهان ، لكن التفكير البعيد المدى في إحلال بديل فكري عميق يؤمن به الفرد الصومالي البسيط ويشعر بأنه في حضن أمن عوضاً عن القبيلة وإيجاد عامل وحدة حقيقي هو المطلوب ، وفي اعتقادي بأن البديل الجاهز للمجتمع الصومالي الآن هو الخيار الديني لأنه الخيار أخذ وقت طويل يتغلغل داخل المجتمع الصومالي لكنه يحتاج حتي يكون بديل قوي عليه أن يتجاوز العفوية ويقدم نفسه على أنه الدولة العميقة الأمنة للمجتمع الصومالي وهو يتعامل مع القبيلة بذكاء مفرط مثل ما تعامل معها الرسول الله صلى عليه وسلم فالرسول الله لم يُمحي القبلية فوراً بل وضعها في مكانها الصحيح و ستفاد منها في ما يخدم المجتمع الإسلامي الناشئ و هو بذات الوقت يعمل على تنشئيه انتماء قوي يمكن أن يسرق الأضواء من الانتماء القديم.
14/12/2020

فاطمة شيخ محمد حوش

كاتبة صومالية
زر الذهاب إلى الأعلى