لقد حمِي وطيس الصراع على الحكم

=في آخر كل أربع سنوات يشتعل لهيب التنفس على الرئاسة ويشتد أوارها، ويحمي وطيسها، ويظهر السياسيون من كل أنحاء البلد، لكي يظهر كل واحد جدارته، ويسعى للوصول إلى سدة الحكم وقيادة البلد، وهذا ليس سلبيا ولا مستغربا؛ لأن السياسة في بلدنا غير مستقرة، والثقة بين الشعب شبه معدومة، ويخاف الناس من استغلال الحكم والقوة؛ لإلحاق الضرر بالآخرين، وهذا يظهر نضوجا وتحولا من لغة السلاح التي سادت البلاد في الفترة المشئومة إلى لغة الدبلوماسية والسياسة السلمية.

  ولكن الشيء الغريب، والعادة العجيبة أن أغلب المتصارعين على سدة الحكم

 عندما يطلبون الكرسي تجدهم مساكين أو يتمسكنون، وعند وصولهم إلى الكرسي يتحولون إلى جبابر عنيدة، وإلى ظلمة قاسية، وعند حرصهم على الرئاسة هم صوماليون بحتة، ويحلبون عواطف المجمع باسم الصوملة والوطنية، وعند التمكن سيتحولون إلى عصبيين قبليين بامتياز، وكانوا أمس عند بغيهم السؤدد من الشعب فقراء معدومين، لا يملكون ناطقا ولا صامتا فإذا هم يتحولون بين عشية وضحاها إلى أغنياء أثرياء بعد تبوئهم على عرش الحكم.

 ويتغنون قبل أن يصلوا إلى سدة الحكم بكلمات جذابه، وتعبيرات معسولة، تدغدغ العواطف، وتغري الرعاع، وتستهوي العجلان غير المجرب، وتخدع الساذج كوجوب الشفافية في الحكم، وأن الكرسي ليس حكرا على أحد أو فئة، بل هو دول في كل أربعة حجج، وأن الأمر شورى، وأن القانون فوق الكل، وأن المساءلة والمحاسبة مقدسة… فإذا هي فخ ينصبونها للمكر والغدر، وإذا تمكنوا المنصب يقلبون كلماتهم رأسا على عقب، وينسخون أقوالَهم بأفعالهم، وخطبَهم بسلوكهم، فإذا مُنوا بهزيمة ولم يصلوا إلى مآربهم فإنهم يسيلون اللعاب، ويكثرون العويل، ويستخدمون جميع الحيل حلالها وحرامها، بعيدها وقريبها، ضارها ونافعها، للعودة إلى الحكم، أو الوصول إلى قمة الهرم، وقيادة البلد إلى مآربهم، ومقاصدهم.

فيا أيها الصوماليون الأباة هل تخدعون في كل مرة بنفس الأسلوب، وتلدغون من نفس الجحر، أما تعلَّمتم من الأحداث دروسا! أما صقلتم الأيام، ودربتكم الأزمان!  ألا تعتبرون بدول الجيران، ومستبدو الأفارقة، وبقادة من القصر إلى القبر، فهل أنتم تجون عن هذا العطب؟

فَإِن تَنجُ مِنها تَنجُ مِن ذِي عَظيمَةٍ      وَإِلاّ فَإِنّي لا إِخالُكَ ناجِيا

**

لدى يوم لا تنجو ولست بمفلت     من الناس إلا طاهر القلب مسلم

***

ولا تمسك بالعهد الذي     زعمت إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت     إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا     وما مواعيدها إلا الأباطيل.

  وقولوا لهم صراحة بلا مواربات: لا يحكمنا أحد إلا بشروطنا، ولا نقبل العبث بأحلامنا البسيطة، وحقوقنا المرسومة، ولا نسلم أحدا رقابنا إلا بمراقبتنا، ولّى عهد الظلم والدجل، والقهر والقوة، ولّى زمن الضحك على الناس، دفعنا لحريتنا ثمنا باهظا، وتكاليف غالية، وتجرَّعنا في سبيلها غصصا مؤلمة، وفقدنا لأجلها الرخيص والنفيس، وقلعنا أشجار الاستبداد من أرضنا، فلا نقبل أن تنبت وتنموا أشد مما كانت،  لا نسلمها إلى من يطلبها بحرص، فالرئيس مجرد خادم لنا، والحاكم أجير عندنا، إن أحسن الخدمة نستبقيه إلى أجله، وإن أساء نسلبه ونقيله.

29-12-2020م

الدكتور يوسف أحمد

الدكتور يوسف أحمد

الشيح يوسف أحمد ... طالب في دراسة الدكتوارة. تخرجت كلية الدراسات الاسلامية بمقدشو عام 1989. إمام وخطيب بمسجد في السويد.
زر الذهاب إلى الأعلى