سادة الأشراف في القرن الإفريقي ودورهم في نشر الإسلام وثقافته (3)

السادة الاشراف وأثرهم الدعوي والجهادي في شرق افريقيا :

ومما رفع شأنهم – أي سادة الأشراف – وعلا صيتهم ليس فقط بهذا  الإنتماء الشريف، بل أنّهم في الحقيقة كانوا مشغولين في نشر الإسلام وإرساء قواعده على الأرض، وهم الذين نشروا الدين الإسلامي معظم القارة الإفريقية وبلاد ملايو سواء  في أندونيسا – التي تعتبر اليوم أكبر دولة إسلامية من حيث العدد – أو في ماليزيا والجزر المحيطة بها، وكذا فلبين وخاصة جنوب البلاد في إقليمي ماندناو وسولو، لأنّ انتشار الإسلام في تلك الربوع تمّ عن طريق الدعوة والقدوة الحسنة والمعاملة الطيبة مع السكان الأصليين حتى دخلوا في دين الله أفواجاً اقتناعاً وحباً.

وعلى هذا النمط انتشر الإسلام في منطقة القرن الإفريقي سلمياً حتى تدفق إليها مجموعات كبيرة نزحت من الجزيرة العربية، ومن البديهي عند ما يبحث الألقاب والكنى يرجع إلى علم الأنساب وتسلسل  النسبي، وهذا ليس معنى بأنّ اللقب أو الكنية ما يستدل أو يستشف نسب شخص ما والشجرة التي ينحدر منه، ولكنّ ذلك ربما يقرب إلى الحقيقة ويوصل إلي الهدف، وخلال رجوعنا إلى تلك الكنوز من تراثنا الإسلامي نستطيع أن نتتبع حركة سادة الأشراف وأثرهم الدعوي والجهادي في أكثر من منطقة.

ولا غرابة في ذلك فهناك كتب تتبعت سير الأشراف وتنقلاتهم بين القارتين آسيا وإفريقيا مثل كتاب الروض الجلي في أنساب با علوي لمؤلفه السيد مرتضى الزبيدي[1]، وقد تتبع المؤلف كل أنساب آل با علوي وتفرعاتهم سواء في اليمن أو الهند والصومال والحبشة والحجاز وأندونيسا، وفند كل سلاسل أنسابهم  وأعقابهم، ونسب كل جد من هؤلاء الأجداد كلٍ إلى جذره، فهو اعتنى بالفروع والأصول [2].

وفي هذا الإطار هاجر عدد كبير من هؤلاء الأشراف المنتسبين إلى عترة النبي  – صلى الله عليه وسلم – إلى آفاق مختلفة في هذا العالم، لنشر الإسلام وتعاليمه السمحة، وقد توجه بعض منهم إلى منطقة القرن الإفريقي. وممن وصل إلى بلاد الصومال السيد حسين بن محمد بن علوي شنبل بن حسن ابن الفقيه، حيث كان ممن دخل زيلع وغيرها من المناطق في القرن الإفريقي كبر سعد الدين، وكان السيد حسين ممن اشتغل بالعلوم ومد في الفقه باعا وذراعا، وتوغل في مسالكه علما وطبا، وأخذ عن جمع من العلماء العاملين، واعتنى بالفقه والأدب، وارتقى فيهما أعلى الربي.[3]

الأشراف بين النصر والشهادة:

ودور سادة الأشراف وجهودهم لم يقتصر على الدعوة إلى الله ونشر تعليم الإسلام وتطبيقه فحسب، وإنّما كان لهم أيضاً دور ملموس عند مدافعة الدور والبيض ورفع راية الإسلام وصدّ محاولات الغزاة، بحيث كان سادة الأشراف يشتركون مع إخوانهم المسلمين بالمنطقة في عملية الجهاد والدفاع عن الإسلام أمام الأحباش والفرنج البرتغالين المهاجمين، بل كانوا في مقدمة الصفوف،  وقد استشهد عدد كبير منهم في سبيل ذلك كما أورد السيد الشريف عبد الرحمن بن محمد  المشهور [4]، علماً أنّه لا يوجد بيت من بيوتات سادة الأشراف إلا قد اشترك في علمية الجهاد ورفع راية الإسلام ليس في منقطة القرن الإفريفي فقط، وإنّما في كافة منقطة الساحل الأفريقي الشرقي، ومن هؤلاء:

آل محمد المجذوب بن حسن بن علي بن أبي بكر السكران وهم كثر بالساحل الأفريقي الشرقي وجزره، وقد استشهد هؤلاء عدد منهم مثل السيد أحمد بن أبي بكر بن علي بن أبي بكر ، حيث استشهد بزوره.

ومن آل حسين بن عبد الرحمن السقاف استشهد في ميادين الجهاد مع الكفار المعتدين السيد حسين بن عمر بن حسين في زوره، والسيد حسن بن عمر حيث قتل عام 915هـ،  أما السيد عبد الله بن محمد شقران وابنه استشهدا بعد مشاركتهما في حرب الأفرنج بزيلع مع جماعة من بني عمومتهم العلويين ومعظم أهل الزيلع. ومن بيت آل حسين المذكور استشهد فيما بعد السيد علوي بن أحمد بن حسين في عام 998هـ.

ومن آل النضير أيضاً استشهد  السيد أبو بكر بن عقيل الشلي حيث قتل شهيداً بأوسه، وكذلك أخوه إسماعيل وعبد الله  ببر سعد الدين وهرر. كما استشهد السيد عبد الرحمن بن علوي خرد بن محمد بن عبد الرحمن ببر سعد الدين عام 816هـ.

ومن آل عبد الله بن عبد الرحمن السقاف، استشهد منهم السيد عمر بن أحمد بن علوي، حيث قتل شهيداً ببر سعد الدين ( بلاد الزيلع ). كما أنّ السيد حسن والي كلوة في عهده قتل شهيداً عام 1025هـ، وكذا ولده استشهد بالجزيرة الخضراء القريبة من زنجبار. واستشهد السيد جعفر بن أبي بكر بن شيخ في حرب الإفرنج بزيلع عام 1098هـ.

ومن آل البيتي آل عم الفقيه المقدم هناك من استشهد في معارك المسلمين مع الكفار ، مثل السيد حسين بن عبد الله عيديد الذي استشهد في سواكن.

ومن آل هاشم بن عبد الله بن أحمد بن علوي الفقيه أحمد، استشهد السيد ياسين بن محمد بن هاشم في منطقة زوره بالحبشة.

وفي مدينة مركه الساحلية في جنوب بلاد الصومال استشهد السيد أحمد بن عبد الرحمن مغفون، وهو من آل عبد الرحمن بن أحمد بن علوي بن الفقيه أحمد، ورغم أنّ السيد أحمد بن عبد الرحمن مغفون استشهد إلا أنّه  له عقب في مقديشو. ولعله كان من من الشهداء في حروب المسلمين مع البرتغاليين الغازين، والله أعلم.

ومن آل حسن المعلم بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الفقيه المقدم استشهد السيد محمد بن أحمد بن قسم بن حسن المعلم، حيث استشهد بمدينة زيلع في حربه مع الأفرنج.

ومن آل إبراهيم الحراث، من آل محمد بن أحمد بن الفقيه المقدم استشهد السيد إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الحراث.

من آل حسين بن علي بن محمد بن أحمد بن الفقيه المقدم ، استشهد السيد أحمد الطويل بن علي بن حسين بالحبشة.

ومن آل النضير استشتهد السلطان أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن سالم القدري في كلوة حيث توفى مقتولاً، ولعل ذلك في غارات البرتغال في إفريقيا.

الأسر والثبات:

ومن  المجاهدين في صفوف سادة الأشراف من أراد النيل في الشهادة ولكنّه فوقع أسيراً  في يد العدو، فصبر حتى لقي ربه ، كالسيد عبد الله بن علوي بن شيخ هارون ، وقد أسره الأفرنج وهو وابنه عام 1110م وتوفيا في الأسر. مما يدل على أنّ سادة الأشراف كانوا يتطلعون إما النصر أو الشهادة، ولم يكن يخافون لومة اللائم.

وآل مولى الدويله كان لهم دوراً بارزاً في الساحات الحرب والقتال، فهذا السيد العلامة محمد بن أحمد مرزق بن عبد الله وطب بن محمد النفر كان مجاهداً في الحروب وكذا أخوه عبد الله. ومنهم من حمل لقب الشهادة في المنطقة، مثل السيد عبد الرحمن بن أبي بكر باعود مولى الدويله ، حيث توفى شهيداً بالطاعون في منطقة خناسر عام 917هـ، وكان له عقب في المنطقة حيث ترك ثلاثة أولاد، وهو أبو بكر ومحمد وشيخ.

وعلى كل حال فإنّ آل مولى الدويله كانوا بارزين في المجتمع الإسلامي في منطقة القرن الإفريقي ، وقد عاش كثير منهم في المنطقة دون أن يرجعوا إلى اليمن أو في الحجاز . ومن هؤلاء: السيد سالم بن عبد الله ، توفي في هرر عام 979هـ، والسيد حسن بن علي المكي بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، توفي ببر سعد الدين عام 923هـ. والسيد علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن باعبود، من آل علي بن محمد مولى الدويلة، وقد توفي ببر سعد الدني عام 942هـ.

وسادة الأشراف من آل مولى الدويله – الذين سبق ذكرهم –  كانوا في مقدمة المجتمع الإسلامي في منطقة القرن الإفريقي ولم يقتصر جهودهم في الحروب ومجاهدة الأعداء فحسب، وقد تولى بعض منهم قيادة الأمة ريادتها، كما سبق في الحلقة السابقة، ومن هؤلاء: السيد محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المنفر، حيث كان حاكماً في ولاية زيلع التي كانت أهم المواني في منطقة القرن الإفريقي، أما عمه السيد علي بن عبد الرحمن المنفر، فقد عاش في الحبشة حتى توفي في منطقة دوار عام 915هـ.

وكما أنّ السيد عبد الله بن عقيل بن محمد كان أيضاً حاكماً على زيلع ، وهذه الأسرة من قدماء الذين دخلوا جزائر القمر أيضاً  كأسرة آل بن حسن من آل بافقيه، آل حسين بن عبد الله الأعين النساخ بافقيه. وكان السيد أبو بكر بن حسين بن سليمان بن حسين بن عبد الله الأعين النساخ قد استولى على أمر جزائر القمر بعد أن طرد البرتغاليين منها وصار حاكماً عليها، ثم ورث من بعده الحكم ابنه عبد الله بن أبي بكر على سلطنة الجزيرة.

وللحديث بقية

[1] – السيد مرتضى الزبيدي: الروض الجلي في أنساب با علوي، المصدر السابق، ص 11.

[2] – انظر مقدمة المحقق لكتاب الروض الجلي في أنساب با علوي ص 11.

[3] – با علوي، المشرع الروي في مناقب السادات الكرام آل أبي علوي، 2/226

+

[4] – السيد الشريف عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور: شمس الظهيرة في نسب أهل البيت ، مصدر سابق، ص 602  – 610.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى