الجيش الإلكتروني الصومالي

الوطنية والقومية  والقبيلة والعشايرية، مسميات ومصطلحات  غالبا ما وظفها  كثيرون حكام ومحكومون  قديما وحديثا لغايات ولأغراض متعددة  سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية كل بحسب هواه بحسن نية أو بسوء نية.
قد نختلف أو نتفق على مفهوم و معني هذه الشعارات ومدلولاتها لكن المؤكد  أن بإسم الوطنية والقومية والقبيلة والعشايرية أريقت دماء معصومة،  وانتهكت أعراض بريئة،  وأهلكت الحرث والنسل، ومن الناحية الثانية وبنفس المقدار صونت  بإسم تلك المسميات الأعراض وأمنت الخايف،  وعمرت البلدان.
في الصومال، وبعد عام   ١٩٩١ أي بعد انهيار نظام سياد بري ظهر جيل جديد،  نشأ وتربى في وهج الفوضى والحروب الأهلية وآخر  ولد ونشأ في المهجر حيث تولدت لديه شعور الانتماء، والحنين  إلى وطن الآباء والأجداد  ورأى أن وطنه الجديد الذي ولد فيه ينفثه  ولا يحظى  فيه بالقبول وعند ما يرى  هذا الجيل لأول مرة في بلده الاصلي ما يشبه نظام الدولة، مثل: حكومة معترفة بها دوليا ، وجيش شبه نظامي، وتوافق قبلي لاقامة  مؤسسات الدولة،  وبرلمان وإن كان شكليا، ينبابه الإنبهار ، ويلهب فيه روح الحماس ، ويظن  أن الصومال  بات يشق طريقه ليصبح دولة ذا شأن كما كانت “أيام زمان” أو هكذا قيل لهم على الأقل، ولا يعرفون بالضبط ماذا كانت أيام زمان ( berisamaadkii)
في الآونة الأخيرة  لاحظت  في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة  الصفحات التي يكتب أصحابها بلغة الضاد، ظاهرة لفتت انتباهي، وهي  والتمجيد والتباهي بأسطورة الصومال القديم،  والبكاء على أطلاله،  والشوق إلى الماضي البعيد والقريب بشكل مبالغ وبدون أي أدلة أو حجج علمية أو منطقية، وهناك محاولة لتجميل أو لتحسين صورة الصومال التي صارت معروفة بالدولة الفاشلة  نتيجة الحروب والمجاعة. وبذلك يختلقون قصصا وبطولات وانتصارات وهمية، فبعضهم ينشر سلسلة تغريدات عن سلطنة عظيمة كانت الدول العظمي تحسب لها الحساب مثل سلطنة أجوران ( حسب زعمه) التي تحالفت مع العثمانيين واستطاعت تحرير الصومال من الاستعمار البرتغالي،  أو سلطنة غلذي التي غزت زنجبار وحررت أسرها بدون أن يقدم أي أدلة دامغة أو وثيقة تاريخية وأن جميع  ما يقوله ليس الا وهما وخيالا  وقصصا بعيدة عن الوقائع التاريخية . وآخر يصب جام غضبه علي شبكة الجزيرة  بسبب بثها برنامج وثائقي عن سواحل عمان (وفي الحقيقة فالبرنامج كان موجه للإمارات ويدعي أن الإمارات كانت جزء من سواحل عمان) عد سواحل الصومال ضمن مناطق تأثير ونفوذ عمان.  وهذه وقائع تاريخية موثقة لا مجال للتشكيك فيها،  غير أن هذا الناشط  أو ذاك المتحمس والمنتقد لبرنامج الجزيرة   إما جاهل عن تاريخ القرن الافريقي أو لم يفهم جيدا ما ورد في البرنامج. وناشط آخر يكتب أن الصوماليين والأرمويين تحالفوا وحاربوا ضد البرتغال والكنيسة الأرثوذكسية،. وبعضهم ينسب للصومال ما ليس لها، فمثلا عندما يتحدثون عن مماليك الطراز الإسلامي خاصة مملكة عدل كأنها صومالية وهي وليست كذلك، إنما كانت مملكة إسلامية فيما سمي في حينها بمماليك المسلمين في الحبشة ومن بين مكوناتها الصوماليون وغيرهم من مسلمي الحبشة.  وكذلك الإمام أحمد غري وصوملته.. إن شاء الله سوف نخصص للإمام وسيرته مقالا مستقلا. عندما تسألهم الدليل لما يروونه يجيب بعضهم ابحث عن الانترنت أو يرسل لك رابطا لموقع ويكيبيديا وهذا ينم عن جهل وضعف ، و يعكس عن قراءة سطحية  وكأن التاريخ أمنيات وتمنيات ، لكن التاريخ أحداث ووقائع .
وأما ما يتعلق بتاريخ المعاصر أي ما بعد الاستقلال وما أعقبه من حكومات مثل نظام سياد بري البائد يرونه نموذجا يحتدى به، ويجهلون تماما عن سيرة هذا النظام وإجرامه بحق الشعب والدين والوطن ولربما شاهدوا وتأثروا بمشاهد احتفالات ٢١ أكتوبر.
هولاء الشباب النشطاء أو الجيش الإلكتروني يظنون أنهم يحسنون صنعا  الا أنهم في الحقيقة يسيئون للصومال من  حيث لا يدرون لأنهم يقدمون للأجيال القادمة تاريخا مزيفا عن بلدهم، والأدهى أن هناك من الأجانب من يعتمد على هذه المعلومات ويعتبرها مصدرا علميا ، إنها حقا كارثة.
الصومال ككيان كما هو الآن مصطنع اصطنعها المستعمر الأوربي كما هو  الحال بنسبة لمعظم الدول العربية والإسلامية ولكن كشعب كان موجودا منذ القدم ولا ندري بالتحديد منذ متى هو وجد في هذا الأرض وكيف ومتى جاء إلى تلك المنطقة التي يقطنها.
واذا أردنا أن نكتب عن تاريخنا لا بد أن نتجرد عن القومية والعصبية والعاطفة، تاريخنا غير مدون وغير موثق لا نعرف عنه الا ما كتبه الجغرافيون العرب كالعمري وابن سعيد والحموي والمسعودي وغيرهم والرحالة المغربي ابن بطوطة، وهو ضئيل جدا ، واقتصرت كتابتهم على بعض المناطق الساحلية. وكذلك ماكتبه المستشرقين الأوروبيين بالإضافة إلى ما وصلنا عن طريق الآباء والاجداد مشافهة وفيه من الأساطير ما ألله به عليم.
 وفي الختام ينبغي للشباب المدافعين بقلمهم عن وطنهم وتاريخه وتراثه أن يدرسوا التاريخ بعمق وأن يتناولوها بشكل موضوعي وانصاف بعيدا عن التعصب والمبالغة وأن  يميزوا الغث عن السمين وبين ماهو حقيقي وما هو حكايات وأساطير  لا تمت للبحث العلمي بأي صلة.

خالد إبراهيم

باحث في تاريخ الصومال
زر الذهاب إلى الأعلى