زيارات فرماجو المتعاقبة لإرتيريا … الأسباب والأهداف

قادما من مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان وصل الرئيس محمد عبدالله فرماجو في 3/أكتوبر-تشرين الأول/2020م إلى مدينة أسمرا عاصمة إرتيريا.

ولقي الرئيس فرماجو استقبالا وحفاوة بالغة من نظيره الإرتيري إسياس أفورقي، وأجريا جلسات من الحوار والمباحثات تدور حول تعزيز العلاقات الدبلوماسية والتعاون المتبادل بين البلدين.

1-1

هذا وقد لفتت الزيارة الأخيرة للرئيس فرماجو إلى أسمرا انتباه المتابعين والمحللين لعدّة أسباب أهمها:

  1. كونها زيارته السادسة لهذه الدولة خلال عامين من رئاسته، إذ إن زيارته الأولى لأسمرا كانت في 27/يوليو-تموز/2018م ليكون بذلك أوّل رئيس صومالي يزور إرتيريا منذ انفصالها عن إثيوبيا في 1993م. وتعتبر هذه الزيارة نتيجة لتحسن العلاقات الإثيوبية الإرتيرية، ومحاولة لتكوين تحالف سياسي إقليمي بين الدول الثلاث (إثيوبيا، إرتيريا، والصومال)، وفي أغسطس-آب/2018م قام الرئيس فرماجو بزيارته الثانية إلى أسمرا والتي أسفرت عن قيام الرئيس إسياس أفورقي في ديسمبر/2018م، بزيارة إلى مقديشو لتكون بذلك أولى زياراته للصومال بعد سقوط الحكومة العسكرية الصومالية، وفي مارس/2019م، وصل إلى مدينة هرجيسا وفد إرتيري يترأسه عثمان صالح محمد وزير الخارجية الإرتيري، لإقناع صوماليلاند في المشاركة بتغيّرات المنطقة السياسية والاستراتيجية، ومساهمة إرتيريا في حلّ الخلافات الصومالية الصومالية. وفي 24/إبريل-نيسان/2020م قام الرئيس فرماجو بزيارته الثالثة لأسمرا قادما من القاهرة بعد مشاركته في مؤتمر حول السودان، وفي 10/يناير-كانون الثاني/2020م، كانت زيارته الرابعة لأسمرا، في حين كانت زيارته الخامسة بعد أيام من زيارته الرابعة إذ قام بزيارة أخرى في 26/يناير/2020م إلى مدينة أسمرا، للمشاركة في اجتماع ثلاثي بين قادة الصومال، إثيوبيا، وإرتيريا، والّذي تم التوصل فيه إلى وضع خطة عملية تساهم في تحقيق هدفين رئيسيين للمنطقة هما: تعزيز أمن المنطقة واستقراها، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الثلاث، بينما تكون زيارته في 3/أكتوبر-تشرين الأوّل/2020م زيارته السادسة لأسمرة، مما يجعل إرتيريا أكثر البلدان زيارة له خلال مدّة حكمه في الصومال.
  2. غموض الدّور الإرتيري في الصومال: يذكر أن الرئيس إسياس أفورقي كان يقيم في الصومال خلال كفاحه الطويل ضدّ إثيوبيا، وكان من رؤساء الجبهات المحاربة للنظام الإثيوبي والمقيمين في الصومال لموقفها العدائي تجاه النظام الإثيوبي آنذاك. لكنه ومع سقوط الأنظمة في كلّ من إثيوبيا والصومال وانفصال إرتيريا عن إثيوبيا أوائل التسعينات، ودخول الصومال في مرحلة الحرب الأهلية، كان كلّ من إثيوبيا وإرتيريا يقدّم الدّعم والسلاح إلى زعماء الفصائل المتحاربة على الصومال وفقا لتقارير أصدرتها هيئات الأمم المتحدة في فترات مختلفة. وفي 2006م وبعد توغّل القوات الإثيوبية في الأراضي الصومالية واجتياحها لقوات المحاكم الإسلامية، كانت إرتيريا أوّل من قدّم دعما مباشرا لقادة المحاكم الإسلامية والمنشقين عن البرلمان الصومالي الفيدرالي آنذاك رفضا للتدخّل الإثيوبي، فآوتهم في أرضها ووفّرت لهم مناخا آمنا يمارسون فيه أنشطتهم السياسية ضدّ إثيوبيا، وعلى أراضيها تم تأسيس تحالف إعادة تحرير الصومال في 14/سبتمبر-أيلول/2007م، والّذي كان الواجهة السياسية لبعض قوى المقاومة الصومالية في الدّاخل، وكان ذلك قبل أن ينقسم التحالف إلى جناحين بسبب الاختلاف حول دخول المفاوضات مع الحكومة الفيدرالية الصومالية في 2008م، مما دعا إلى ظهور تحالف إعادة تحرير الصومال (جناح جيبوتي) المقتنع بالمفاوضات، وتحالف إعادة تحرير الصومال (جناح أسمرا) الرافض حينها لفتح حوار مع الحكومة الفيدرالية. وخلال هذه الفترة كانت هناك اتهامات موجهة إلى إرتيريا لدعم العنف في الصومال غير أنها بين الحين والأخير تنفي صحة هذه التقارير وتشكّك في نزاهتها ومصداقيتها.
  3. التقارب السياسي بين الرئيس فرماجو والرئيس إسياس أفورقي: منذ وصول آبي أحمد إلى مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي في 27/مارس-آذار/2018م، حدثت تغيرات كبيرة في المنطقة بسبب تبنيه لإصلاحات سياسية إقليمية ومحلية نال بسببها جائزة نوبل للسلام بعد نجاحه في إنهاء القطيعة الإثيوبية الإرتيرية المستمرّة لأكثر من 20 عاما، ولم يتوقف آبي أحمد عند هذا الحد بل تتطلّع إلى وجود كيان سياسي متعاون في القرن الإفريقي تكون نواته الأولى دول إثيوبيا وإرتيريا والصومال، غير أن جائحة كورونا وأعمال الشغب المستجدّة في إثيوبيا تبدو أنها أوقفت المشاورات حول تكوين هذا التحالف السياسي والاقتصادي في المنطقة. وعلى الرغم من وقوف هذه المشاورات الثلاثية إلاّ أن العلاقات بين إرتيريا والصومال كانت على قدم وساق وخاصة في مجال العلاقات العسكرية والأمنية، إذ أشارت تقارير إعلامية نشرتها وسائل إعلام محلّية بأن الحكومة الفدرالية أرسلت سرّا مجموعات من الشباب الصومالي وعلى فترات زمنية مختلفة إلى إرتيريا لتلقي التدريبات العسكرية هناك. ويتساءل خبراء أمنيون ومحللون استراتيجيون السبب الأساسي للتقارب الصومالي مع دولة إرتيريا المنعزلة سياسية عن بقية العالم بسبب سياستها الاستبدادية وانتهاكها لحقوق الإنسان وفقا لتقارير منظمات حقوق الإنسان حول هذه الدولة، ومن بينها تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة في الأمم المتحدة في دورته الحادية والأربعين الصادر في 16/مايو-أيار/2019م، والّذي تمت الإشارة فيه إلى أنه وعلى الرغم من التطورات الإيجابية في مجال حقوق الإنسان بإرتيريا إلاّ أن المقرّرة الأممية المختصة بهذا الملف عبّرت عن شعورها بالقلق تجاه استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في إرتيريا، وخاصة في المجالات التي لم تعالج بعد والتي تتطلب إصلاحات وإجراءات حكومية عاجلة، ومن هذه المجالات: تعزيز حرية التعبير والصحافة، وزيادة حرّية التنقل والوصول للوكالات الدولية العاملة في البلد، ووضع حدّ للممارسات المتمثلة في الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي وكذلك الاحتجاز لأجل غير محدد، وغير ذلك من تحدّيات حقوقية تواجهها الحكومة الإرتيرية حتى بعد انفتاحها السياسي المحدّد على دول المنطقة. وعلى الرغم من كلّ ذلك فإن البروفسور محمد عمر طلحة النائب في البرلمان الصومالي يرى بأن إقامة علاقات حسن جوار مع أي دولة في المنطقة بما فيها إرتيريا يعدّ بخطوة إيجابية للدّولة الصومالية معللا ذلك بأن أي دولة في المنطقة ليس لها علاقات حسن الجوار مع الصومال كانت ترحب في أراضيها قوى المعارضة الصومالية سواء المسلّحة منها أو السياسية، أما الدكتور حسن شيخ علي نور المحلل السياسي والخبير بشؤون المنطقة فيرى مبدئيا أن إقامة الصومال علاقات حسن الجوار مع دول المنطقة وغيرها أمر إيجابي، غير أنه أشار إلى أن السياسة الخارجية الصومالية سياسة عشوائية لا تنطلق من استقراءات واضحة للتغيرات الكبيرة في المنطقة مما يبعث القلق على مستقبل السياسة الخارجية الصومالية، وفقا لمداخلة له في قناة البي بي سي الصومالية إثر دعوة الصومال إلى رفع العقوبات عن إرتيريا مما اعتبرته جيبوتي طعنا لها من الظهر.

ويرى مؤيدوا التقارب الصومالي الإرتري فإن العلاقات بين البلدين تهدف في مجملها وبالتعاون مع إثيوبيا إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، والتأثير في القرارات المصيرية للمنطقة، ومواجهة الأخطار المهدّدة لأمن المنطقة واستقرارها مثل انتشار الجماعات الأيديولجية المسلّحة، والاتّجار بالأسلحة، والهجرة غير الشرعية وتهريب المخدّرات!

26310fe8-bb78-43b0-b8bf-5da61116c711

زر الذهاب إلى الأعلى