المؤتمرات والندوات العلمية في مقديشو :  أسلوب جديد نحو تأسيس لثقافة الحوار

شهدت مدينة مقديشو العاصمة يوم الخميس الماضي 22/أكتوبر-تشرين الأول/2020م حدثا علميا كبيرا، إذ نظم مركز المقاصد للبحوث والدراسات مؤتمر علميا بعنوان مشروع قانون الجرائم الجنسية الصومالي (رؤية شرعية وقانونية)، تحت شعار: الحوار أساس التفاهم، شارك فيه مختلف شرائح المجتمع من علماء ونواب  وقانونيين ومثقفين وجمعيات نسوية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل إعلام ولفيف من طلاّب علم ومهتمين بهذا العنوان.

وكان المؤتمر يتكوّن من 3 محاور أساسية هي : الندوات وجلسات النقاش المتعلقة بعنوان المؤتمر، مشاركات الحضور المتمثلة بالتعليقات والاستفسارات والاقتراحات، ومعرض للكتاب مصاحب للمؤتمر العلمي.

ومن خلال الأوراق العلمية وتعليقات المشاركين والحضور تبين للمؤتمرين أهمية الحوار ودوره في الوصول إلى تفاهم حول كلّ خلاف أو نزاع سياسي أو قانوني أو اجتماعي.

وفي تعليقه على فكرة المؤتمر العلمي الأوّل الّذي نظمه مركز المقاصد للبحوث والدراسات، ذكر الشيخ بشير أحمد صلاد رئيس هيئة علماء الصومال بأن أهمية هذه المؤتمرات تكمن في أنها تسعى إلى الجمع بين القوّة العلمية والقوة المادية أو الفعلية وهي منقبة وصفة حميدة في هذا العصر الّذي لا يكتفى فيه بالقوة المادية أو المحسوسة فقط بل يهتم أيضا بالقوة المعنوية المتمثلة بالإنجازات العلمية والثقافية.

ويبدو أن الصومال قد توجّه في الآونة الآخرة إلى الاهتمام بالعلم واللجوء إليه عند حلّ الأمور المستعصية خلافا لما عرف عليه خلال السنوات الماضية من لجوء إلى القوة والاحتكام إلى السلاح لكونه في فترة من الفترة لغة التفاوض الوحيدة في الصومال.

ونتيجة لهذا الاتجاه العلمي السلمي كثر الاهتمام بالمعرفة والعلم، وظهرت الحاجة إلى أندية ومؤتمرات علمية يتحاور فيه جميع شرائح المجتمع بطريقة علمية وحضارية بعيدا عن الأساليب العنفية في التواصل، وعلى هذا الأساس كثرت المراكز البحثية والندوات والمؤتمرات العلمية والجلسات الحوارية وما يرافقها من معارض للكتب، ولقيت هذه الفعاليات إقبالا ملحوظا من المجتمع الصومالي.

ويسير معهد الدراسات الصومالية التابع لجامعة مقديشو على هذا المنوال منذ 2014م حتى الآن، حيث يقوم هذا المعهد بتنظيم مؤتمر علمي سنوي في مقديشو بهدف إنماء ثقافة الحوار والبحث العلمي في الصومال، ورغم أن جائحة كورونا أثرت في الجدول الزمني لهذا العام قرّر المعهد عقد المؤتمر في ديسمبر المقبل عبر تطبيق الزوم وذلك اعتقادا منهم بأهمية هذا المؤتمر ودوره في إعادة بناء الصومال من جديد وفق رؤى علميةواقعية ومعاصرة.

وتأكيدا على أهمية الحوار والنقد البنّاء فقد أقام مركز القرطاس للترجمة والخدمات البحثية في 13/أغسطس/2020م، الحدث الثقافي الأول تحت شعار (اقرأ، فكّر) والّذي تم فيه عرض كتب قانونية وتاريخية واجتماعية وتنموية وبأقلام كتاب صوماليين، كما تم نقدها ومناقشتها علميا من قبل مثقفين وخبراء متخصصين في نقد الكتب ومناقشتها.

وفي حفل افتتاح البرنامج ألقى الدكتور عبدالله شذني مدير جامعة هورمود بمقديشو التي استضافت الحدث في قاعتها للمناسبات كلمة ترحيب للحضور والمشاركين أشار فيها إلى أهمية الكتابة والقراءة، كما حث الكتاب والباحثين على استيفاء الشروط الأساسية للتأليف والبحث العلمي كالأمانة العلمية والصبر على بحث المعلومة والسعي إلى حصولها.

وكانت من بين الكتب المعروضة في هذا الحدث الثقافي:

  1. حقوق السجناء في المواثيق الدولية والتشريعات الصومالية، للأستاذ محمد شيخ أحمد خليف، أستاذ جامعي وموثق عقود في مقديشو.
  2. الحركات الإسلامية الصومالية: مراحل النشأة والتطور، للأستاذ أنور أحمد ميو، باحث وكاتب صومالي.
  3. خواطر ورؤى معاصرة من واقع الدعوة والحياة، للمهندس منير شيخ عبدالله الحاج عبده، أستاذ وعميد بإحدى كلّيات جامعة شرق إفريقيا ببوصاصو
  4. إدارة الوقت (MAAREYNTA WAQTIGA) ألّفه باللغة الصومالية الأستاذ محمد شيخ أحمد خليف.
  5. مشاعر حب ونذر حرب (DAREEN CAASHAQ IYO DARUUR COLAADEED) ألّفه باللغة الصومالية الأستاذ بشير عبدالقادر معلّم، أستاذ جامعي في مقديشو.

إن هذه المناسبات والأحداث العلمية التي تشهدها المدن الصومالية المختلفة دليل على النموّ الثقافي والحضاري للمجتمع الصومالي، كما أنها تمثل تأسيسا لثقافة تعلي شأن الحوار والنقاش وتشجّع على اللجوء إلى الإقناع بالحجة والبرهان في القضايا الاجتماعية والسياسية المختلف عليها، وعليه فإنه ينبغي الاهتمام بمثل هذه المؤتمرات والأندية العلمية ودعمها فكريا وعمليا واقتصاديا حتى يتحقق الهدف الأسمى منها والمتمثل في إيجاد مجتمع إسلامي مثقف ومتحضر ولديه وعي ثقافي يستطيع من خلاله التصدّي للغزو الفكري والثقافي الّذي يعدّ أشد فتكا بالأمة من الغزو العسكري!

 

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى