دور الحكومات الاقليمية في الانتخابات الصومالية … الوزن  السياسي وحجم التأثير

 

قرر الرئيس محمد عبد الله فرماجو في  ١٢ سبتمبر الجاري بشكل مفاجئ التخلي  عن موقفه الداعي إلى  إجراء انتخابات شعبية مباشرة  في الصومال بحلول عام ٢٠٢١،  ووافق على نظام انتخابي  مثير للجدل كان يرفضه بشدة منذ سنوات ، ووفق  جدول زمني يبدأ بمنتصف شهر أكتوبر الجاري وينتهي بـ ٨ فبراير المقبل منعا لحدوث أي تمديد لفترة ولايته المنتهية 7 فبراير 2021.  شكل هذا القرار انتصارا  حاسما للحكومات الإقليمية المطالبة بإجراء الانتخابات وفق النظام القبلي وأعطى أكثر  من “الثلث المعطل”.

لقد استوعب الرئيس فرماجو طبيعة النظام السياسي في الصومال متأخرا وحجم التحديات الماثلة أمامه والتي يصعب تخطيها  دون تحقيق توافق لجميع الشركاء السياسين. تأكد من استحالة  تنظيم اقتراع شعبي مباشر في ظل الظروف السياسية والأمنية الراهنة وفي ظل ما وصفه بـ”خذلان” بعض رؤساء الحكومات الإقليمية المقربين منه؛ رؤساء حكومات جلمدغ ، وجنوب غرب الصومال ، وهيرشبيلي،   واتهمهم بالتخلي عن مناصرته وإضعاف موقفه  السياسي أمام رؤساء الحكومات الأخرى.

ما لم يدركه كثيرون خلال الشهور الماضية أن رؤساء الولايات الإقليمية رغم تباين مواقفهم تجاه الرئيس الا أنهم كانوا ومازالوا متفقين على مسألة واحدة  هي  ضرورة تعزيز دورهم ونفوذهم داخل البرلمان الاتحادي المقبل وبما يسمح لهم تفادي أي سيناريو الإطاحة بهم في المستقبل.

ومن هذا المنطلق كافح رؤساء الولايات الإقليمية من أجل العودة إلى النموذج الإنتخابي القبلي وتشبثوا بها حتى تحققت أمنياتهم في  17 سبتمبر الماضي  حيث تم الإتفاق على أن تجرى الإنتخابات على أساس نظام المحاصصة القبلية الذي يعطيهم دورا أكبر وأوسع من دور الحكومة الاتحادية .

يمنح النموذج الانتخابي الجديد سلطات واسعة لم يسبق لها مثيل  للحكومات الاقليمية تمكنها من فرض هيمنتها على مجريات الانتخابات والتحكم على نتائج الانتخابات التشريعية  الامر الذي يسهل لها  أن  تؤدي دورا محوريا في تحديد من سيكون الرئيس المقبل .

على الرغم من شدة التنافس  بين عدة تيارات وجهات داخلية وخارجية  في  الهيمنة على البرلمان المقبل الا أن الاتفاق السياسي الاخير بشأن الإنتخابات يجعل رؤساء الولايات بيضة القبان في المعادلة الانتخاببة والمؤثر الأهم ضمن المؤثرات الثلاثة المتحكمة في الانتخابات: رؤساء الولايات الاقليمية، المال السياسي، الدور الخارجي ، فهم الذين يمسكون جميع الخيوط الانتخابية الأساسية ويتحكمون على قواعد اللعبة بدء من تشكيل اللجان المنظمة للانتخابات ولجنة فض النزاعات وحل الخلافات إلى اعلان النتائج.

لا يختلف النموذج الانتخابي الجديد  الذي تم الاتفاق بين الحكومة الاتحادية ورؤساء الولايات الاقليمية كثيرا عن النموذج الانتخابي لعام ٢٠١٦ وينص على أن ينتخب أي عضو من أعضاء مجلس الشعب البالغ عدده ١٧٥ نائبا  ١٠١ زعيما من زعماء العشائر وعلى أن تشهد العملية الانتخابية في العاصمة مقديشو وفي مدينتين من الولايات الاقليمية الخمسة بونت لاند ( جروي وبوصاص،   جنوب غرب الصومال (بيدوة وبراوة)،  هيرشبيلي (جوهر وبلدوين) ، جلمدغ (طوسمريب وجالكعيو) ، جوبالاند (كسمايو وجربهاري)، وباشراف من لجنتين احداها فيدرالية والأخرى ولائية يعيّن أعضاءها من قبل الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية، كما ينص النظام الانتخابي الجديد على أن يتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ (الغرفة العليا للبرلمان)   المكون من ٥٤ عضوا من قبل برلمانات الولايات الاقليمية ويتوقع أن تنتطلق انتخاباته في شهر أكتوبرالجاري.

فاذا نظرنا خريطة المناطق التي تشهد فيه الانتخابات  والنظام الإنتخابي يمكن لنا أن  نعرف بسهولة  حجم الحكومات الإقليمية  ودورها الكبير في اختبار أعضاء البرلمان الذين سينخبون رئيس الصومال في  الثامن من نوفمبر القادم والبالغ عددهم  329  عضوا : مجلس الشعب ( 275) مجلس الشيوخ (54)  وهؤلاء الأعضاء تم توزيعهم على الولايات والمناطق الصومالية  كالتالي : ولاية جنوب غرب الصومال(  77 نائب) وصومالي لاند (  57 نائب) وجوبالاند(51)  وهيرشبيلي( ( 46 نائب وبونت لاند(  (48 نائب وجلمدغ( (45 نائب.  ومقديشو( 5 ) نواب

يكون دور الحكومة الاتحادية في عملية انتخاب هؤلاء النواب بإستثناء  نواب مقديشو وصومالاند الذين ستشهد عملية اختيارهم في العاصمة مقديشو ونواب مدينة جربهاري المنطقة التي ينحدر منها الرئيس فرماجو، هامشية وغير مؤثرة لكن هناك مخاوف من وجود صفقات أو تفاهمات غير معلنة بين رؤساء الحكومات الإقليمية  والرئيس فرماجو لإعادة إنتخابه. هذا السيناريو وارد جدا غير أن تنفيذه بنحاح وفقا للمعطيات المتوفرة،  ونظرا لطبيعة المشهد  السياسي الصومالي  سيكون أمرا صعبا المنال .

زر الذهاب إلى الأعلى