ولاية جنوب غرب الصومال: النشأة والتكوين

ولاية جنوب غرب الصومال النشأة والتكوين pdf

اشتهرت مناطق جنوب غرب الصومال بسلطناتها وممالكيها المنتشرة  في القرنين الثامن العشر والتاسع عشر على  ضفاف نهر شبيلي ومناطق باي وبكول، وجدو  وقادتها المشهورين الذين تركوا أثرا ملموسا في الحياة السياسية والاجتماعية ليس في تلك المناطق  فحسب، بل في عموم جنوب الصومال ولا تزال هذه الأثار باقية وصامدة وتحكي عن جزء مهم من تاريخ الصومال القديم.

 ومن أبرز تلك الشخصيات التي حكمت ولاية جنوب غرب الصومال “جيدي بابو”  و”سلطان جليذو” يوسف محمود إبراهيم الذي جهز مرة واحدة 50 ألف مقاتل للسيطرة على مدينة بارطيري غرب البلاد.

يقال أن قبائل من اقليم جنوب غرب الصومال سيطرت ذات مرة على أجزاء واسعة من الصومال وانتشر حكمها  حتى في المناطق الشرقية بحسب ما رواه المؤرخ الصومالي يحيي عامر[1].

توجد في مدينة بيدوة أضرحة لأشخاص كانوا يعيشون فيها قبل 400 سنة مثل القديس ” أوبو عشيرو“ وحكموا المنطقة ويوجد كذلك في المدينة أحياء سكنها تجارب عرب قدموا من اقليم بنادر. ولأهمية المدينة حاول مينيليك الثاني ملك إثيوبيا  في أواخر القرن التاسع عشر احتلال المدينة لكن ردّ أعقابه[2].

ظلت منطقة ” بور هيبه ” أو “بور أيله” على بعد 75 كلم  شرق بيدوة منذ مئات السنين مركزًا سياسيًا ودينيًا مهمًا لسلالات كانت تعيش هناك ما قبل الإسلام ، وكان هناك مقابر لرجال قديسين مجهولي الهوية يزار من قبل السكان المحليين، وخندقا لا يمكن لأي شخص لديه ماض شرير أن يعبره. وخلال عهد الإسلام ، تم إعادة تسمية تلك المواقع في بلدة بور هيبه على أنها مواقع إسلامية مقدسة[3].

وكذلك كان لمدن مثل مركه وبراوة وأفجوي دورا جليا في حياة المجتمع الصومالي القديم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا  وحكمت تلك المدن سلطنات ذائع الصيت مثل سلطنة جلذي وسلطنة أجوران التي ظلت تحكم مناطق شبيلي السفلى وشبيلي الوسطى في القرن الخامس عشر والسادس عشر.

في الكفاح ضد الاستعمار

لعب أبناء ولاية جنوب غرب الصومال دورا رائد في الكفاح ضد الإستعمار الإيطالي وسجلوا بطولات خلدها التاريخ الصومالي وضربوا أروع المثل في البطولة والتضحية والذود عن حياض الدين والوطن. وخاضت قبائل اقليم شبيلي السفلى نضالا مريرا ضد  المستعمر الإيطالي في الفترة ما بين 1899- 1920 قبل أن يتمكن من السيطرة على جميع مدن وقرى الإقليم، ويبدأ الانتشار في مدن ولاية جنوب غرب الصومال الأخرى ، حيث  احتل الاستعمار الإيطالي مدينة بيدوة عام 1913،  وحكمها  حتى جاء الاستعمار البريطاني عام 1941 والذي اتخذ مديرية بردالي مقرا لعملائه وموظفيه[4].

بعد الاستقلال

أما ما بعد الاستعمار فكان أبناء جنوب غرب الصومال عنصرا فاعلا في المشهد السياسي الصومالي سواء في ظل الحكومات المدنية ونظام ثورة 21  أكتوبر العسكري وتولت شخصيات معروفة من المنطقة منصب سيادية في الحكومات المدنية المتعاقبة وانتخبوا رؤساء للبرلمانات المدنية .

سقوط النظام العسكري

لقد مرت ولاية جنوب غرب الصومال كغيرها من الاقاليم الصومالية بمراحل   عصيبة، وكان لها نصيب وافر من الحروب الأهلية وموجات الجفاف والقحط الّتي أصابت البلاد لفترات مختلفة. وتسببت الحروب التي خاضتها قبائل هذه المناطق ضدّ أنصار الجنرال محمد سعيد حرز مورغن عقب سقوط نظام سياد بري، وأنصار الجنرال محمد فارح عيديد في مطلع التسعينات، تسببت هذه الحروب إلى جانب موجات الجفاف التي ضربت المنطقة في تزايد حالات الوفاة في كثير من مناطق جنوب غرب الصومال وخاصة في مدينة بيدوة التي أطلقت عليها بعض المؤسسات الخيرية آنذاك بمدينة “الموت” وذلك لارتفاع عدد الوفاة جراء المجاعة والحرب.

حركة المقاومة الرحنوينية

وكردّة فعل لهذا الأوضاع المأساوية التي شهدتها معظم مناطق جنوب غرب الصومال، فقد تمّ في مارس عام 1995م تأسيس مجلس أعلى لقبائل دغل ومرفلي في هذه المناطق لمعالجة الأوضاع السائدة في هذا الاقليم.

وفي 13/أكتوبر /1995م تمّ تأسيس قوّة مسلحة من أبناء هذه المناطق أُطلقت عليها اسم قوات المقاومة الرحنوينية المعروفة اختصارا بـــ (RRA) والمأخوذة من الأحرف الأولى للعبارة الإنجليزية الدّالة على اسم هذه القوات (  Rahanweyn Resistance Army)، وخاضت حروبا عديدة ضدّ المليشيات التابعة للجنرال محمد فارح عيديد المسيطرة على جميع محافظات جنوب غرب الصومال.وكانت الجبهة تمثل الواجهة السياسية والعسكرية لقبائل دغل ومرفلي، وتناوب في قيادتها عدد من المسؤولين بينها المرحوم العقيد حسن محمد نور شاتي غذود، وشيخ آدم مذوبي والمرحوم محمد إبراهيم حابسذي.

انتهى كيان الجبهة في أغسطس عام 2000م، عندما انضمت قياداتها إلى  الحكومة الانتقالية الصومالية برئاسة عبدالقاسم صلاد حسن.

 لم يستمر انضمام قوات المقاومة الرحونية إلى الحكومة الانتقالية طويلا  وذلك بسبب خلافات بين الرئيس عبد القاسم ورئيس الجبهة  نور شاتي غذود حول تنفيذ اتفاقية عرتا التي نصت على أن تتخذ الحكومة المؤقتة مدينة بيدوة مقرا مؤقتا لها، وهذا الخلاف أثر أيضا سلبا على تماسك  الجبهة ونشب صراع بين قيادات الجبهة. وانضم العقيد حسن محمد نور شاتي غذود إلى  تحالف (SRRC) المعارض لحكومة عبد القاسم صلاد والمساند من قبل إثيوبيا بينما قرر  نائبيه آدم مذوبي وحابسذي  البقاء ضمن الحكومة الانتقالية، وهو ما أدّى إلى حدوث انشقاقات في صفوف قوات المقاومة الرحنونية .

بداية التأسيس

وهكذا  استمرّ الحال إلى أن جاءت لحظة إعلان العقيد حسن محمد نور شاتي غذود عن إدارة محلية لولاية جنوب غرب الصومال في 1/أبريل 2002م تشمل الأقاليم  الستة الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من الصومال وهي: باي، بكول، شبيلي السفلى، جوبا الوسطى، جوبا السفلى، وغذو.

وتخلى شاتي غذود عن رئاسة الإدارة المحلّية لجنوب غرب الصومال التي تعدّ النواة الأولى للإدارة الحالية في هذه الأقاليم نوفمبر 2004م  بعد أن أصبح عضوا في برلمان الحكومة الفيدرالية برئاسة العقيد عبدالله يوسف أحمد   التي اتخذت مدينة بيدوة مقرا لها  واستضافت أول اجتماع للبرلمان الصومالي داخل البلاد  منذ تأسيسه في كينيا عام 2004م ، وعين شاتي غذود عام 2005 وزيرا للمالية  ثم وزيرا للأمن عام 2007م.

 وبهذا انتهى النظام الإداري الّذي أسسه حسن محمد نور شاتي غذود في هذه المناطق. وفي يونيو/حزيران 2006م استطاعت جماعة المحاكم الإسلامية في مقديشو القضاء على نظام أمراء الحرب وبدأت بسط سيطرتها على العديد من المناطق في جنوب الصومال ما دفع حكومة عبد الله يوسف في مدينة بيدوة إلى المطالبة بتدخل إثيوبي ودخلت البلاد أعداد كبيرة من القوات الإثيوبية وتمكنت في غضون شهور من هزيمة قوات المحاكم الاسلامية والاستيلاء على العاصمة مقديشو ، وبعدها نقل مقر الحكومة الانتقالية من بيدوة إلى مقديشو أوائل عام 2007م.

مع اعلان انتهاء المرحلة الانتقالية في الصومال عام 2012م، انتعش من جديد آمال سكان جنوب غرب الصومال في الحصول على إدارة محلّية، وفي ديسمبر 2013م بدأت مشاورات بين القبائل من أجل  تأسيس نظام محلّي لمناطق جنوب غرب الصومال. والجدير بالذكر أن المفاوضات جاءت بعد 7 أشهر تقريبا من وفاة العقيد حسن محمد نور شاتي غذود الّذي توفي في مستشفى ببرلين في  3 إبريل 2013م.

لم تكن  هذه المفاوضات أمر سهلا فقد سيطرت عليها خلافات حول عدد المحافظات التي ستضم ولاية جنوب غرب الصومال وانقسمت قيادات العشائر إلى جناحين أحدهما يدعو إلى تأسيس إدارة محلّية واسعة تشمل الأقاليم الستة: باي، بكول، شبيلي السفلى، جوبا الوسطى، جوبا السفلى، وغذو، وجناح آخر يدعو إلى إنشاء إدارة تشمل فقط المناطق  الثلاثة باي، بكول، وشبيلي السفلى، وفشل الطرفان في تسوية خلافاتهما ما أدّى إلى إنشاء إدارتين تحملان نفس الإسم “جنوب غرب الصومال” إحداها تتكون من محافظات باي، بكول، شبيلي السفلى، جوبا الوسطى، جوبا السفلى، وغذو، وانتخبت مذوبي نونو محمد رئيسا لها في 3 مارس عام  2014   إلاّ أن عبدالله غوذح برّي وزير الدّاخلية في الحكومة الفيدرالية آنذاك رفض الاعتراف بهذه الإدارة.

وفي المقابل، انتخب محمد حاج عبد النور في   27 مارس 2014م رئيسا لإدارة أخرى  تتألف من الأقاليم الثلاثة باي، بكول، وشبيلي السفلى.

وسط هذه الأجواء المشحونة بالخلافات السياسية، سافر الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود في  30 مارس 2014م إلى  مدينة بيدوة للإطلاع على حقيقة ما يجرى في الاقليم، وحل الخلافات بين الطرفين إلاّ أن مساعيه آنذاك باء بالفشل.

وفي 23 يونيو 2014م وبعد سلسلة من المفاوضات تم التوصّل في القصر الرئاسي بمقديشو إلى اتّفاق سياسي بين  الطرفين على أن تكون ولاية جنوب غرب الصومال  تشمل فقط محافظات باي، وبكول، وشبيلي السفلى.

ولاية جنوب غرب الصومال موحدة

وبعد الاتّفاق بدأت الحكومة الصومالية بإجراءات  تشكيل إدارة ولاية جنوب غرب الصومال . وفي سبتمبر 2014م سافر رئيس البرلمان الصومالي السابق محمد عثمان جواري برفقة نيكولاس كي المبعوث الأممي الخاص في الصومال إلى بيدوة لإطلاق  عملية تشكيل إدارة موحدة لولاية جنوب غرب الصومال.

وفي 27  أكتوبر 2014م، انطلقت في مدينة بيدوة حاضرة إقليم باي فعاليات مؤتمر تأسيس الإدارة ، ووصل اليوم التالي 28 أكتوبر 2014م، الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود  دعما للجهود الرّامية إلى انشاء إدارة اقليم جنوب غرب الصومال.

وفي 7 نوفمبر 2014 م، تمت المصادقة على الدّستور المؤقت لولاية جنوب غرب الصومال.

وفي 16 نوفمبر 2014م، استمع نواب برلمان الولاية إلى خطب 5 مرشّحين لرئاسة  ولاية جنوب غرب الصومال وهم: سياد شيخ طاهر، محمد حسن عدو، محمد حسن فقي، آبو أوو صوفي عفان، وشريف حسن شيخ آدم.

وفي 17 نوفمبر 2014م، أعلن عن انتخاب شريف حسن شيخ آدم رئيسا لولاية جنوب غرب الصومال بعد حصوله على 373 صوتا من أصوات أعضاء البرلمان المكون آنذاك من 140 نائبا.

وبذلك أصبح شريف حسن شيخ آدم أول رئيس توافقي لولاية جنوب غرب الصومال، وبقي على كرسي الرئاسة إلى أن استقال آواخر عام 2018 إي قبل أيام من  موعد الانتخابات الرئاسية للولاية إثر خلاقات مع الحكومة الاتحادية، وفاز في الانتخابات عبد العزيز لفتاغرين الرئيس الحالي لجنوب غرب الصومال.

 المراجع والمصادر

[1] https://www.youtube.com/watch?v=rz7IW8rAngM

[2]  Historical Dictionary of somalia  New edition  D. Mohamed Haji Mukhtar page 46

[3] http://mogadishucenter.com/2019/04/قبيلة-أيله-في-الصومال-سكان-منطقة/

[4]  Historical Dictionary of somalia   مصدر سابقz

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى