ولاية بونت لاند والسباق الإنتخابي في الصومال

يتوقع أن يعقد غدا  الأربعاء اجتماع تشاوري  في العاصمة مقديشو  بين  الرئيس فرماجو ورئيسي بونت لاند وجوبالاند سعيد محمد عبد الله ديني وأحمد إسلان مدوبي.، وسينضم إلى الإجتماع الذي يناقش عددا من القضايا وعلى رأسها ملف الإنتخابات 2020/2021    رؤساء الولايات الإقليمية الأخرى، جلمدغ وجنوب غرب الصومال وهرشبيلي.

جاء  الاجتماع التشاوري  بمبادرة من ولاية بونت لاند   اثر    تعرضها لضغوط شديدة  من قبل المجتمع الدولي،   بسبب مقاطعاتها مؤتمر طوسمريب 3 ، وتتطلع أن يتم التوصل إلى  صيغة مشتركة لنموذج  انتخابي يحقق لها جزءا كبيرا من مطالبها؛ لأن الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة  تعد فاصلة بشأن  مستقبل ولاية بونت لاند ودرها في المشهد السياسي الصومالي، وأنه  في حال إعيد إنتخاب الرئيس فرماجو ، فإن مكانتها لا شك  سينتابها الإهتزاز..

بونت لاند والإنتخابات… مطالب وهواجس

تعتبر بونت لاند رقما صعبا في المشهد السياسي الصومالي،  فهي من أقدم الحكومات الاقليمية وأنشئت عام 1998 ، وتجيد  قواعد اللعبة وتوظيف ورقة الانفصال وتهدد دائما بأنها ستحذو حذو اقليم أرض الصومال ما لم تلب شروطها  ومطالبها السياسية وتجادل في أن  الحكومات الاتحادية التي مرت بالصومال خلال السنوات الأخيرة لا يحكمها وازع وبالتالي منرالضروري أن تظل  غصة في حلق الحكومة الاتحادية  وعقبة  أمام حصر القرار السياسي الصومالي في أيدي الحكومة المركزية بحجة أن هذا الأمر يعرض مصالحها للخطر ويمهد الطريق  لإستمرار سيطرة الطبقة السياسية في مقديشو على  المشهد لسنوات طويلة ويحول دون تعزيز علاقاتها مع الخارج  والاستفادة من  مواردها مثل الموانئ والنفط والغاز.

ولذلك سخرت بونت لاند في السنوات الثلاثة الماضية كل إمكانياتها لافشال مشروع الرئيس فرماجو الرامي إلى بناء سلطة مركزية قوية في ظل نظام فيدرالي عبر تشكيل إدارات موالية له . لكن مشروعه اصطدم بجدار بونت لاند..

في الوقت الحالي،  تتركز محاولات بونت لاند  على ضمان موقع قيادي تمكنها من  التحكم  على نتائج  الانتخابات المقبلة وربما هذا السبب هو الذي دفعها إلى مقاطعة مؤتمر طوسمريب 3،  بعد أن رفض مطالبها  بتعيين رئيس  وزراء جديد بعد الإقالة  المفاجئة لرئيس الوزراء السابق حسن علي خيري ، يكون جزءا من تنفيذ الاتفاقيات حول الانتخابات الوطنية 2020/2021 قبل انعقاد أي مؤتمر تشاوري ،   وحضور طرف دولي يضمن تنفيذ الاتفاقيات مع الحكومة الاتحادية  والاستماع إلى توصيات أصحاب المصلحة السياسيين   الصوماليين الآخرين  لتحقيق توافق سياسي يسهل اجراء انتخابات توافقية.

تسعى بونت لاند  إلى أن يكون  اجتماع يوم غد اجتماعا تكميليا  يتم الاتفاق على اجراء بعض تعديلات في الاتفاق  الذي توصلت إليه الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية الثلاثة في طوسمريب 3 وخصوصا في بنوده المتعلقة بالتعددية الحزبية،  ودور اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والبرلمان الفيدرالي،  ونظام الدوائر الانتخابية . وتعتقد بونت لاند  أن هذه البنود مدخلا لعملية تزوير واسعة  قد تستغل منها الحكومة الاتحادية  لإعادة أنتخاب الرئيس فرماجو،  وتعطي في المستقبل هيمنة مطلقة  للحكومة الاتحادية، لكن  يبدو أن الرئيس فرماجو  غير متحمس لهذا الاجتماع  لأنه يشكل تهديدا على ما أنجزه في مؤتمر طوسمريب3،  وكذلك الأمر بالنسبة للولايات الاقليمية الثلاثة الاخرى فهي ترفض بعض مقترحات  بونت لاند وجوبالاند أو على الأقل غير متحمسة.

بونت لاند  … لا ثقة

توجد أزمة ثقة كبيرة بين الحكومة الاتحادية وولاية بونت لاند   تعود جذورها إلى  عام 2017  وبعد أن شنت حكومة فرماجو حملة  على رؤساء الولايات الإقليمية وكل الشخصيات والقوى التي كان يرها  تهديدا حقيقيا أو محتملا  على الاستقرار الحكومي،  فقامت بتغيير رؤساء  أغلب الولايات الإقليمية وإقالة رئيس البرلمان السابق محمد عثمان جواري، لكن محاولات حكومة فرماجو لإطاحة إدارة  ولايتي جوبالاند وبونت لاند قد باءت بالفشل  ولم تنجح في  تنصيب إدارة تتناغم معها في مديني جروي  وكسمايو،  وهذا الأمر تسبب إلى أزمة ثقة كبيرة بين الطرفين دفعت الرئيسين سعيد ديني وأحمد مدوبي  إلى القيام بكل الإجراءات السياسية لمنع إعادة انتخاب الرئيس محمد عبد الله فرماجو في انتخابات 2020/21  لأن عودته إلى السلطة لمدة 4 سنوات جديدة تعني هذه المرة نهاية حكمهما  وبدابة مرحلة جديدة لنظام مطلق السلطات  في مقديشو.

بونت لاند والولايات الإقليمية الأخرى… تفاهمات متحولة

في هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن مواقف بونت لاند والولايات الاقليمية الأخرى باستثناء جوبالاند من الانتخابات ونموذجها لا تزال غير واضحة وتتسم بالتحول  وعدم الاستقرار.  تتقارب رؤية الطرفين  في بعض الأحيان بشكل أقرب إلى التطابق الكامل، لكن سرعان ما تتبدد هذه الصورة وتتكشف عمق الخلاف بينها وخصوصا فيما يتعلق بالعلاقة مع الحكومة الاتحادية في مقديشو والجهة المنظمة للإنتخابات ودور المجتمع الدولي.

اجتمعت قيادات الولايات الاقليمية الخمسة بونت لاند ، جلمدغ ، هيرشبيلي ، جنوب غرب الصومال،  جوبا لاند    في 12 يوليو الماضي في مدينة طوسمريب وسط البلاد  بعد خلافات حول العلاقة مع الحكومة المركزية استمر لعدة سنوات ، واتفقت على تعزيز التعاون في مجالات السياسية والأمن والاقتصاد وتطوير مسيرة بناء الدولة الصومالية غير أن الاتفاق لم يصمد طويلا وسرعان ما ظهر تباين في مواقفها حيال الانتخابات، حيث شارك 3 رؤساء من الولايات الإقليمية في مؤتمر طوسمريب 3  إلى جانب الرئيس محمد عبد الله فرماجو ، واتفقوا على خارطة طريق بشأن الإنتخابات 2020/21 والنموذج الانتخابي رغم مقاطعة ولايتا بونت لاند وجوبالاند للمؤتمر.

يعود الخلاف بين ولاية بونت لاند والولايات الثلاثة الأخرى إلى :

أولا: تبيان فلسفة ورؤية رؤساء الولايات الإقليمية   حول مستقبل العملية السياسية في الصومال، فعلى سبيل المثال تؤمن ولايات هيرشبيلي وجلمدغ وجنوب غرب الصومال بمرجعية العاصمة مقديشو وعشائرها وأولوياتها في قيادة البلاد  ولديها هاجس من أن تهيمن بونت لاند  على المشهد السياسي  وما يترتب من ذلك من تهميش لسلطتهم في المستقبل.. وعلى هذا   الأساس فمواقف  الولايات الثلاثة بشأن الإنتخابات غير  متشددة وأنها أقرب إلى مواقف الحكومة الإنتحادية .

أما  بونت لاند  لديها أيضا هاجس  ومخاوف من هيمنة عشائر مقديشو ويعتبران أنفسهما أوصياء على الشعب الصومالي.

ثانيا: أسباب اقتصادية وأمنية، فإن الولايات الثلاثة جلمدغ وهيرشبيلي وجنوب غرب الصومال نظرا لموقعها الجغرافي القريب من العاصمة مقديشو، تعتمد بشكل كامل على الحكومة الاتحادية سواء من الناحية الاقتصادية والأمنية  ولا يمكن أن تستغني عنها ولا تقدر أن تتبنى سياسات تستفز الحكومة المركزية.  بيد أن الوصع مختلف بالنسبة للولايتين الأخريين ، بونت لاند وجوبالاند بحكم بعدهما عن العاصمة مقديشو  يعتبر تأثير الحكومة المركزية عليهما محدودا. بالإضافة إلى ذلك تتمتعان بمصادر مالية خاصة توفر لهما ما يحتاجان من أموال لتغطية نفقات الحكومة كما أن لديهما علاقات خارجية  ويحصلان على دعم مالي وعسكري خارجي لا يمر أحيانا عبر القنوات الحكومية الرسمية.

زر الذهاب إلى الأعلى