إقليم هيران … تاريخ عريق وحاضر هش

أتي هذا المقال بعد تأمل طويل دام لفترة ليست بالقصيرة، وكنت أتردد أن أسكت عن  المأساة والحالة الراهنة التي يعيش فيها أبناء المحافظة حيث مسقط رأسي والتي تتوق النفس إليها دائماً، لكن  الحنين الشاهق الذي أكنه في نفسي لهذه المحافظة وأهلها لم يسامحني السكوت وأصبح لزاما علي أن أبوح ما بداخلي أداء للواجب الملقاة على عاتقي باعتباري ابنا بارا لهذه المحافظة ولأعطي القارئ على الأقل تصورا شاملا عن مكانة المحافظة سابقا وعن ما أولتها الظروف حاليا، ومن ثم أشير إلى بعض النقاط التي أراها كحل لهذه المأساة المتكررة والتي تتمثل في الفيضانات وسوء الإدارة وتفكك النسيج الاجتماعي للمحافظة، لتلعب المحافظة من جديد دورها الريادي التي كانت تلعب في السابق .

نبذه مختصرة عن المحافظة

تتمتع محافطة هيران بموقع جغرافي ممتاز حيث يمر فيها نهر شبيلي والذي ينبع من أعالي مرتفعات إثيوبيا، وتقع المحافظة في وسط الصومال، يحدّها من الشمال الاقليم الصومالي باثيوبيا، ومن الشرق محافظة جلجذوذ، ومن الجنوب محافظتي شبيلي الوسطى والسفلى، ويحدّها من الغرب محافظة بكول، تتكون من خمسة مديريات – بلدوين (عاصمة المحافظة )  – بولوبردي – جللقسي – محاس – ماتبان- وهي من أقدم المحافظات ولها تاريخ عريق حيث كانت واحدة من المحافظات الثمانية فبل التقسيم الحالي للمحافظات في عهد سياد برّي ، وهو الإقليم الوحيد الذي لم يجزأ بعد، و تعد المحافظة من المحافظات الحبيسة بحيث لا تملك ساحلا من المحيط الهندي ولا من البحر الأحمر ، فهي تعتمد على ميناء مقديشو عاصمة الصومال وميناء بوصاصو بإقليم بونت لاند. ينتمي إلى المحافظة كثير من القيادات وعلماء الدين الذين ساهموا في مسيرة البلاد، والجدير بالذكر أن إقليم هِيرَانْ حصل على 6 أعضاء من المجلس التشريعي للحكم الداخلي في الخمسينيات من القرن الماضي تحت مظلّة حزب ” نادي الشباب الصومالي” ، وها هي أسماؤهم: الشيخ على جمعالى برالى، وآدم عبد الله عثمان ” آدم عدى” أول رئيس للصومال عقب الاستقلال، والشيخ محمد إسحاق، والشيخ محمد بلعد، والشيخ عبد الرحمن حاج مؤمن، والشيخ محمد أدوير، كما ينتمي للإقليم شخصيات مؤثرة وقيادات بارزة .

الموارد الاقتصادية للولاية :

تتمتع المحافظة موارد اقتصادية تتمثل بالثروة الحيوانية والزراعية، بالإضافة إلى المنافذ البرية والتي تعتبر موارد اقتصادية فعالة تتمتع بها المحافظة  .

تشتهر المحافظة بالتجارة في الماشية، وإرسالها شحنات من الأغنام والعجول إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة عبر ميناء بوصاصو في إقليم بونت لاند الصومالية وميناء بربرة في أرض الصومال، رغم تأثرها في الفترة الأخيرة بالحظر التي تفرضه هذه الدول على استيراد الماشية الصومالية .

ينتج القطاع الزراعي في المحافظة قدرا كبيرا من إجمالي الناتج المحلّي، وتتمتع المحافظة أراضي صالحة للزراعة، و من المحاصيل الزراعية التي تنتج المحافظة القمح و الذرة والخضراوات والفواكه، وغالبا ما يقوم الإقليم بتصدير إنتاجه الزراعي من الحبوب والخضروات والفواكه إلى محافظات جلجدود ومودوغ وإلى حكومة إقليم ” بونت لاند” وأرض الصومال.

الوضع الراهن للمحافظة :

تسببت انهيار الحكومة المركزية ودخول البلاد في أتون صراعات داخلية وحروب أهلية بانهيار البنى التحتية من الطرق والجسور والسدود المائية وغيرها، وتعتبر محافظة هيران من أولى المحافظات التي تضررت كثيرا آثار الحروب الأهلية وغياب الدولة وما صاحبها من اهمال وضياع البنى التحتية والمرافق العامة، وتعاني المحافظة في السنوات الأخيرة فيضانات متكررة يتسبب بها نهر شبيلي، وشهدت مدينة بلدوين عاصمة المحافظة في السنوات الثلاث الأخيرة فيضانات عارمة والتي تسببت خسائر بشرية ومادية، ويعزى المتابعون الأسباب وراء هذه الفيضانات لعدّة عوامل اجتمعت من بينها : ارتفاع منسوب مياه نهر شبيلي نتيجة ازدياد كمية الأمطار التي تهطل في السنوات الاخيرة على أعالي المرتفعات في إثيوبيا والتي منها ينبع نهر شبيلي وعلى المدينة نفسها، وامتلاء مجرى عمق النهر بالأتربة والأوساخ، كما يعزي إلى انهيار السدود وانخفاض السواتر الترابية على ضفاف النهر نتيجة الأفعال الطبيعية والبشريه والعامل الأهم هو غياب الخطة الإدارية الاستباقية لتفادي الفيضانات المتكررة.

كما تعاني المحافظة من الصراعات االقبلية المتكررة حيث تشهد مناطق متفرقة منها صراعات وحروب قبلية مريرة لم تضع أوزراها بعد، بالاضافة إلى الصراع القائم بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة في أجزاء واسعة من المحافظة  الأمر الذي يلعب دورا كبيرا في تأثير نمط الحياة وزعزعة الأمن والاستقرار، و شلل حركة التنقل بين المدن و التحرك بين القرى الهيرانية.

يضاف إلى ذالك مشكلة انعدام استخدام الشلن الصومالي في المنطقة وانحصار السيولة باستخدام برنامج e.v.c الالكتروني،  مما يقلل السيولة النقدية و يصعب معيشة البسطاء.

ومما يزيد الطين بلّة أن المنطقه لم تشهد استقرار إداري وسياسي ولم تلق إدارة محلية ذات كفاءة عالية منذ فترة طويلة بل العكس من ذلك حيث يتم تعيين إدارة تلو الأخرى دون اعارة أي اهتمام لموافقة ورغبة سكان المحافظة، كما أن الفساد يستشري مفاصل الإدارات المتواجدة بحيث يتهم سوء التصرف واستخدام الضرائب التى تجبى من الموارد المتنوعة للمحافظة لأغراض ومصالح شخصية، الامر الذي يتسبب من تردي الخدمات وخير مثال هو مطار المدينة الذي ينغلق وتتوقف رحلاته في حالة نزول الأمطار على عاصمة المحافظة.

توصيات :

يبدوا واضحاً أن طريق مستقبل المنطقة ليس معبداً أو مفروشاً بالورود كما أنه لايتحسن بالأمنيات الطيبة والأحلام الودية ، ولكنه يحتاج جد ومثابرة كما يحتاج الى شبان واعين مجردين عن النزعة العشائرية  يتكاتف ويضحي أنفسهم بإخراج هذه المنطقة من عنق الزجاجة والمأزق الى وضع أفضل وهنا أقترح لعدّة خطوات أساسية كحل لتجاوز هذا الوضع المأساوي التي تعيشها المحافظة :

1- المصالحة بين أبناء المحافظة : يحتاج أبناء المحافظة إلى مصالحة شاملة تبني الثقة المهزوزة وتعزيز الترابط ، ومن ضرورات المصالحة رد المظالم والاعتراف بالآخر كشريك لك في المسار والمسير، وتبدأ المصالحة من الطبقة السياسية، كما تحتاج المحافظة إلى مجلس عليا يضم الأعيان والوجها ء لجميع القبائل القاطنة هناك بحسب وزن كل قبيلة، وهذا المجلس من شأنه أن يؤسس وثيقة مناطقية تعزز المصالح العليا المشتركة بين أبناء المحافظة، وله الصلاحية بانتخاب الادارة المحلية للمحافظة.

2- استقرار سياسي وإدارة ذات كفاءة : يعتبر الاستقرار السياسي الركيزة الأساسية لنهضة أي منطقة، كما أن من الضروري لأي نهضة إنسانية إيجاد إدارة ذات كفاءة تمكن لها القيام بمتطلبات المرحلة والتي تتطلب إلى قيادة تتصف بالكفاءة والنزاهة بالاضافة إلى بعد النظر والموازنة بين المصالح المتناقضة، بما أن محافظة هيران محافظة تعاني من مشاكل معقدة تحتاج إلى قيادة مشتركة ذات كفاءة يمكن لها الموافقة بين مصالح الأطراف المتجاذبة، كما أن الاستقرار السياسي مهم للمحافظة لاعطاء القيادة وقت كافي لإنجاز الخطط والمهام.

3- التوزيع العادل للسلطة والثروة : من المشاكل التي يعاني إقليم هيران التفرد والاستئثار بالثروة والسلطة وهذا يهدم الثقة ويقوي التناحر والتنافر بين أبناء المحافظة، وللحد من ذالك لا بد من نظام يكفل التوزيعق العادل للسلطة والثروة لأنهما صمام  أمام لاستقرار المحافظة والقيام بالنهضة المطلوبة، كما أنهما يعززان المسؤولية الاجتماعية المشتركة، مما يحث الجميع بالمساهمة في مسيرة دفع عجلة التنمية للمحافظة.

صلاد علمي فيذو

كاتب وباحث صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى