هل الخلاف بين حركتي الاعتصام والسلفية الجديدة حقيقي أم وهمي 

من الحركات الإسلامية الصومالية جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة وحركة الدعوة السلفية المشهورة ” بالسلفية الجديدة “.

كثير من الناس تصيبهم الحيرة والاستغراب  عندما يرون علماء ودعاة تكاد تتشابه مواعظهم ودروسهم ومحاضراتهم وتوجههم العام ومع ذلك بينهم  حساسية مفرطة وتنافر مفتعل ، تهم متبادلة ، ردود ومناكفات وحرب  كلامية تستعر مرات وتخبو مرات أخرى ، مناداة بالمناظرة والمكاشفة ، وسجال على أعواد المنابر وعبر مواقع التواصل الاجتماعي ، تتخلله كلمات وجمل للتسفيه وللتحدي ، وأخرى للتبديع وللتجهيل ، تغريهم  التهويل والإثارة ، يكثرون اللجاجة والتحدي ، ويثيرون أمام العامة مسائل لا تبلغ عقولهم ، يشعرون بالزهو والنشوة عندما يردون على زلة من كانوا يناصبون له العداء ، لا يراعون حقوق الأخوة ولا يتقيدون بآداب الاختلاف والتنازع ،  ولأجل هذه الأخلاق المخالفة للهدي الصحيح تحولت الساحة الدعوية إلي ميدان يتبارى فيه مراهقون سفهاء  يتدثرون بلباس الدين ومع ذلك لا يجيدون فقه الدعوة والكلمة ولا يراعون قدسية الرسالة.

هذا الجدال العبثي والتراشق الإعلامي والمعارك الصفرية لا تعدو قدرها   مثل تهاوش الديوك التي لا  تليق بمقام الدعاة والعلماء ، ولا يوجد فيها غالب ولا مغلوب ، بل الكل ينزلق إلى مستنقع آسن تتكاثر فيه الأحقاد والضغائن ، وتكون نتيجته إساءة الظن بمكانة العلماء ومقامهم بين الأمة ، ويصعّب مهمتهم في اصلاح المجتمع وإرشاده .

لست طرفا في الخصومة الموجودة بين الفريقين ، ولا أنتصر طرفا على آخر ، وكل له رؤيته ومنهجه في ممارسة بما يحلو له في نشر ما يراه حقا وصوابا  ، ولكن الأسلوب والطريقة التي ارتضوا بها  لا تنصر سنة ولا تقمع بدعة ولا ترشد غاويا ولا ترحم هاديا ، ولا تعلم جاهلا ولا تسدد طالبا بل تنفر القلوب وتباعد الحبيب وتربي الناشئة على التطاول على مقامات العلماء .

والغرض من تسويد هذه الصفحات ينحصر فقط في تعريف الناس بما يدور في الساحة من غير أن نتعرض لبيان المحق منهما من المبطل ، أو الإساءة إلى أحدهما ، لأن المقام مقام تعريف وتوضيح وليس مقام تحكيم وتصويب .

من المعروف لمن له دراية في مسيرة الحركات الإسلامية الصومالية أن جماعة الاعتصام والسلفيين ( الجديدية ) خرجتا من عباءة حركة الاتحاد الإسلامي ذات التوجه السلفي  ، وأن غالبية العظمي الذين يتصدرون في الصفوف الأولى للحركتين كانوا من أعمدة وأركان وعلماء ودعاة حركة الاتحاد الإسلامي.

وأما سبب الخلاف الذي أودي بالحركة  كان في أول أمره خلافا إداريا وتنظيميا ، ثم  ألحق به مسائل شرعية بأثر رجعي  ، ولكن السبب الحقيقي الذي قصم ظهر الحركة وأخرجها عن الخدمة وطمس شعلتها وأفل نجمها وأرغم أنفها في التراب وأسقط هيبتها ومجدها وشتت دعاتها وفرق جمعها وجعلها أثرا بعد عين : هو العصبية القبلية .

هذه القبلية البغيضة لم تتوقف ولم تتجمد عند نهاية الحركة بل انتقلت بقضها وقضيضها مع الكيانات والأفراد والمؤسسات التي تأسست على أنقاض حركة الأم ، وهي اليوم أشدّ ضراوة وخنقا على ما كانت عليه في تسعينات القرن الماضي .

سنحاول في الأسطر التالية توضيح  الخطوط العريضة الجامعة بين الحركتين ، ثم نتبعها بعض المسائل التي يكثر الكلام فيها ويصورها البعض بأنها من مهمات الدين التي لا يجوز التهاون فيها أو التنازل عنها. 

الخط العام  الجامع بين الحركتين هو : الانتماء إلى الكتاب والسنة  على فهم سلف الأمة في أبواب التوحيد والتشريع  والسلوك  وغير ذلك  من مهمات الدين وقواعده الكلية  .

وقد يعترض البعض على هذا الكلام ولا يسلم بأن جماعة الاعتصام  تنتمي إلى المدرسة السلفية ! ، فأقول لست ناطقا  بلسانها ولا مدافعا عن منهجها، ولكن إذا كانت السلفية تعني المنهج فهي داخلة فيه ،   وإذا كانت تعني شيئا آخر فليس لي علم في ذلك .

وأما المسائل التي يتردد صداها في كل وقت ويكثر الجدال فيها وبسببها تُصدر أحكام المفاصلة والمفارقة فهي مسائل لا تخلو إما أن تكون  فرعية أو  مجرد رأي قابل للأخذ والرد أو تكون سفسطة كلامية لا حقيقة لها أو تكون مجرد اتهامات لا وجود لها .

ومن هذه المسائل على سبيل التمثيل لا الحصر :  

الموقف من الحكومة : موقف السلفية الجديدة  من الحكومات معروفة  ، ولكن هناك تشكيك في موقف الاعتصام في هذه المسألة .

والملاحظ في السنوات الأخيرة أن حركة الاعتصام قد تماهت في الوقوف والمؤازرة  مع  الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم ولها ممثلين في إدارتها العليا ، ومع ذلك يُتهم بأنها تؤمن خلاف ذلك ، وهو اتهام  يحتاج إلى دليل.

تأسيس حركات وجماعات دعوية : فالظاهر أن جماعة الاعتصام لا ترى ذلك بأسا ما دام القصد منها تنظيم الدعوة وتطويرها ، بينما تتخذ السلفية الجديدة موقفا متشددا في ذلك وتراه محرما ، والغريب أنهم يتواصلون ويتشاورون ولهم رؤوس يرجعون إليهم ، وإذا بحث الفرق بين ما يسمحونه لأنفسهم وينكرونه على غيرهم ، فلا يظهر لك جوابا مقنعا . 

التعاون مع من لا ينتمي إليهما : السلفية الجديدة موقفها واضح وجلي بعدم التعاون على  كل من لا يشاطرهم في ما يذهبون إليه .

 وأما موقف حركة الاعتصام فلا يختلف كثيرا عن موقف زميلتها، ولكنها تخرق هذا الموقف من أجل خلق توازنات في بعض الحالات والمناسبات ، لأن المجتمع الصومالي مجتمع قَبلي لا يُرضيه إلا أن يرى في المنصة ابن عمه ، ولذلك تعتمد الحركة على  الانتقائية ، فتأخذ عين الاعتبار ببعض الشرائح وتُشرك في أنشطتنا الموسمية من لا تقبله أصلا ولولا إرضاء تلك الجهة .

الخلاف لا يقوم على أسس صحيحة : بحسب نظري القاصر الخلاف المفتعل بين الحركتين لا يقوم على أساس صحيح ، وليس خلافا في أصول الدين ، بل يدور حول أمور ورؤى تتعلق في التعامل مع قضايا معينة أو اجتهادات في مسائل ذات طابع فكري تصيب وتخطئ، ولا توجب التنازع والتفرق ، أو تمنع التعاون والتآزر . 

طريق حل النزاع بين الحركتين : ينحصر فقط في أصل يؤمنون به وهو قول الله تعالى ﴿ فَإِن تَنازَعتُم في شَيءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسولِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأويلًا﴾ النساء ٥٩.

ثم النتيجة قول الله تعالى ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا﴾ النساء ٦٥.

ولكن المشكلة في عدم التوصل إلى حل جدري لإنهاء الخلاف بين الطرفين لا ترجع إلى قصور في فهم النصوص وكيفية تطبيقها بل في أمرين اثنين هما :  حظوظ النفس ، ومصالح شخصية وفئوية ، ولذلك من الصعوبة بمكان إيجاد حل جدري لتقريب وجهات النظر بين الطرفين ، ومثل هذه القضايا لا يمكن حلها عبر القنوات المعروفة في فض النزاعات .

دور الغلاة في تأجيج الصراع : يوجد في الطرفين غلاة يحملون أحقادا عصبية وقبلية لا يطيب لهم المقام إلا بإذكاء نار الخلاف والعداوة بين الدعاة ويعملون ليل نهار في  توسيع دائرته ، وما دام هؤلاء يتصدرون  في المشهد فلا أمل في لملمة الخلاف وإنهائه.

اعتصامي الهوى أم جديدي المنهج : قد ُيتهم صاحب المقال بأنه اعتصامي الهوى لأنه يهوّن مخالفات وأخطاء الاعتصام الجسيمة ويحاول تبييض وجهها الأسود لأنه يتعاطف ويحب الحزبيين كما قال له ذلك أحد منظري السلفية من قبل  ، ولكن الذي لا يعرفه  كثير من الأخوة ،بأن المشار إليه يتصدر في القائمة السوداء لحركة الاعتصام العابرة للقارات خلال العقدين الماضيين،  ومازالت سارية المفعول ، وكل من ظهر  اسمه  في القائمة غير مرحب به في أنشطة الحركة الدعوية في أي مكان في العالم .

والغريب أن الحيثيات التي اعتمدت على  إصدار وإمضاء هذه القائمة تتكون على تهم كيدية وإشاعة كاذبة وتشويه متعمد ، ومن بين التهم الملفقة بأن صاحبنا جديدي المنهج ، معاد للاعتصام .  

لم أكتب هذا المقال من أجل تفضيل جماعة على أخرى ، أو تشهيرها ، بل بمحض تدوين مشاهداتي في الساحة الدعوية الصومالية ، كونها جزء من تاريخ يعود ملكيتها للأمة .

وأخيرا فكلا الجماعتين فيهما خير كثير ، وإن وجدت فيهما أخطاء فلا مانع من نصحهما والتعاون معهما إن رضيا وقبلا ذلك ، وإلا فساحة الدعوة كبيرة وواسعة فليعمل كل واحد بقدر استطاعته من غير  أن يسيئ إلى أحد مهما  بلغت الخصومة ، ولا أقول لا يصلح العطار ما أفسده الدهر ، ولكن أقول  الدهر كاف في إصلاح ما أفسده الإنسان .

وفق الله تعالى الجميع بما فيه صلاح ديننا ودنيانا. 

 

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى