مشروع قانون الجرائم الجنسية في الصومال بين الرفض و القبول

من الطبيعي جداً أن يُثير  مشروع حقوقي له بُعد دولي حفيظة مجتمع محلي يؤمن بأن لديه تراث فكري ومعرفي وأساس ديني يُغنيه كما يعتقد  من الالتجاء إلى نتاج غريب ، بعيد، مهجن لا يمُت صلة بمحيطه ، وهذا بالضبط ما شعر به المجتمع الصومالي أمام مشروع قدمته الحكومة الفدرالية الصومالية ووزارة المرأة بقيادة  السيدة “ديقة ياسين” والذي كان بخصوص مسودة مشروع قانون لمواجهة الجرائم الجنسية في الصومال بنسخته الأصلية الغير معدلة و الذي يستند بشكل أساسي على ما أقرته منظمة العفو الدولية،  ومنظمات حقوق الإنسان.

 وكما كان متوقعاً قُبل المشروع بموجة من الجدال و النقاش و تبادل الاتهامات يتزعمها فريقان ، الفريق الأول يتبنى المشروع بنسخته الأصيلة غير المعدلة “كما هو” بل يرحب ويؤيد جميع البنود التي وردت فيه وأكثر من ذلك ينادي بضرورة شرعنته ودخوله حيز التنفيذ ، أما  الفريق الأخر  فإنه يمثل  الصوت المحافظ الرافض لفكرة استجلاب قوانين دولية تتعارض أو قد تتعارض مع المرجعية الدينية والثقافية للمجتمع الصومالي، وبين هذين الصوتين المتناقضين و الصاخبين يتذبذب المجتمع الصومالي على أساس عاطفي ، فالذي  يؤيد يؤيد من باب الإحساس  بالظلم وضرورة رفعه بما توفر وخصوصاً مع غياب التشريعات الواضحة أو الكافية في القانون الصومالي وخاصة فيما يتعلق بالبنود المذكورة في المقترح  ، وبين معارض  ينطلق  من باب الشعور بالتهديد الصريح ضد مقدساته الدينية والثقافية ، وعلى هذا الأساس العاطفي يستمر النقاش وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى رفض القانون في الفترة الحالية او غيابه عن مشهد الصومالي  لفترة وجيزة ، وكما يُعتقد  فان مشروع سوف  يعود بعد ذلك مرة أخرى  ويطرح من جديد مرة ومرتين وثلاث ، وهذا محتمل  جداً وذلك  للأسباب التالية:  الأول الصومال هي دولة تعمل ضمن المنظومة الدولية،  وثانيا هي دولة  مرتبطة  بتعهدات عديدة وهي  عضو في منظمات حقوقية عالمية تلزمه بأن يوفي ببعض تلك التعهدات ، وهنا قد يتحجج البعض “بأن الالتزام الدولي لا يعني الامتثال التام”  وتلك الحجة لا تقف على أرضية صلبة لأننا لا يمكن أن نتجاهل  بأن جمهورية  الصومال ليست في موضع قوة فهي  دولة تعتمد في اقتصادها وذمتها المالية على الدول المانحة و الواضعة أيضا لمواثيق الدولية التي يمكن لها أن تُساوم الصومال  ، أما  السبب الثالث  يرجع إلى  الخلل والغموض الموجود في القوانين الصومالية خاصة في الجرائم الجنسية ، وهذا الاسباب هي التي قد تُشجع تلك المنظمات على أن تأتي ببضاعتها وتُفرضها على المجتمع الصومالي،  وبالتالي فإن  التعامل الإيجابي من المجتمع الصومالي  قبل فوات والأوان هو ما يُنتظر منه في هذه الأزمة ، وذلك من خلال مبادرته هو في  ان يتسلم  زمام  الأمور  حسب إمكانياته الشرعية و القانونية ، ويتجاوز بحزم عاطفية الفريقين المتضادين، وأن يتبنى بصرامة  صوتا ثالثا يُسلم بضرورة النقاش الهادئ ، والحوار المفتوح ، وأهمية تفهم الواقع ، ووجوب التعاطي معه بحكمة ، ويعترف بالقصور الموجود بالقوانين الصومالية ، ويبدأ بشكل علمي منظم وغير عاطفي باستخراج القوانين والتشريعات  بصورة مقننة من الشريعة الإسلامية وبروح معاصرة  ويضع لها تفاصيل وتفريعات التي تستند كلها على الشرع الإسلامي و ما ناسبها من القوانين الأخرى.

فاطمة شيخ محمد حوش

كاتبة صومالية
زر الذهاب إلى الأعلى