وفاة فضيلة الشيخ يوسف سيد علي طوح شيخ أحمد رحمه الله

نؤمن بأنّ الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى وأنّ لا بقاء في هذه الدار إلا هو حيث يبقى وجه ربنا ذو الجلال والإكرام، والإنسان مهما طال عمره فإنّه يسأتي عليه يوم على الأكتاف محمول.

كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ      يَوْماً عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ

وصلني صباح اليوم الأحد 6 شعبان 1436ه الموافق 24 مايو 2015م خبر انتقال فضيلة الشيخ يوسف سيد على طوح في الليلة البارحة عن عمر يناهز 65 عاما إثر مرض في الرئة ألم به سنين طويلة وألزمه على السرير. وكان فضيلته أخاً وزميلاً حيث عملنا سوياً في المجال التدريس بالجامعة الإسلامية بمقديشو في الصومال، وعرفته عفيف النفس زاهداً في الحياة وفقيهاً صالحاً ذا خلق رفيع، وكنا نستمتع حديثه في بهو الجامعة وغرف الاستراحة، كيف لا ..وقد جمع الله له الفقه وأصوله مع الأدب البارع والفضل والدين والورع والتواضع والهدي الصالح، وكان على منهاج السلف المتقدم أخذ الناس عنه العلم الكثير وكان لذلك أهلا يواصل الحلقات العلمية حتى عندما كان مسافراً بعيداً عن ذويه ومقر إقامته حيث حبب إليه المحراب وأروقة العلم في داخل البلاد وخارجها…. إذاً فمن هو فضيلته رحمه الله؟

نسبه ونشأته وحياته العلمية:

وهو الشيخ يوسف سيد علي طوح شيخ أحمد شيخ محمد الأوغاديني فخذ عبد الله، وأمه عطر شيخ عمر شيخ نور من العشيرة نفسها. وقد ولد الشيخ يوسف سيد علي في قرية بارجون Baarjuun التابعة  بمحافظة غدي Godey في منطقة  الأوغادين في سنة 1950م، وتربى في حجر والديه في بارجون وكان أبوه زعيما روحيا لجماعة دينية، وتلقى الشيخ يوسف علومه الأولى في خلوة القرآن الكريم بحيث حفظ القرآن في ريعان شبابه على يد معلم أحمد معلم حسن الشيخالي القطبي، وعلي يد معلم حسن فارح الأغاديني من فخذ محمد زبير كل ذلك كان في قريته المذكورة، ثم التحق بالحلقات العلمية في بلدته وتلقى علم الفقه وخاصة الفقه الشافعي من كتاب سفينة الصلاة وسفينة النجاة وكتاب المنهاج للإمام النووي من قسم العبادات، كما تلقى تفسير القرآن الكريم من سورة الكهف إلى سورة الأحزاب كل ذلك تم على يد الشيخ محمد شبل Shibil حاج عبد الصمد الأبسمي الويتيني، ومما تلقى أيضا علم اللغة سواء في النحو والصرف بدءا من كتب الأجرومية والعمريطي على يد الشيخ أحمد سلطان معلم مٌحٌمد الأغاديني، كما واصل تعليمه بالتفسير من سورة الكهف إلى سورة الناس. وتلقى أيضا كتاب المنهاج ولكن في هذه المرة الكتاب كله، وكذا كتب الزهد من كتاب كفاية الأتقياء وتبارك ذو العلى والكبرياء ، وكتاب تعليم المتعلم لأدآب التعليم على يد الشيخ عبد الوهاب الملقب ب”هاجر” معلم على نور الأغاديني وهو ابن عم المؤلف وتلقى منه أيضا علم التجويد والسيرة النبوية الشريفة. ولم يتوقف الشيخ في طلب العلم بل وكان جاهدا لإكمال معرفة القرآن الكريم وخباياه حتى استطاع إتمام تفسير القرآن الكريم من سورة البقرة إلى سورة الأسراء على يد الشيخ عبد الرحمن دغال Digaale فلير Faliidh  الأغاديني فخذ عبد الله ، كما تلقى منه توجيهات تربوية صديدة. كله العلوم والمعارف تلقى الشيخ في منطقته جدي وضواحيها ، غير أنه سرعان ما انتقل إلى جمهورية الصومال ولاسيما عاصمة مقديشو وذلك عام 1972م، وفور وصوله إليها التحق بمعهد مقديشو الديني بالتابع بالأزهر الشريف، كما انتظم بعض الحلقات العلمية التي كانت تجرى على أغلب جنبات مساجد العاصمة ، وقد أنهى دراسته وهو في آواخر مراحله الثانوية عند ما قامت الحكومة الصومالية بقتل العلماء في حادثة عام 1974م المشهورة ، وقد أثرت هذه الواقعة على نفسية الشيخ ولاسيما أنّ شيخه الشيخ موسى الغدبيرس كان ضمن العلماء الذين قٌتلوا في تلك الحادثة. أما الدروس والحلقات العلمية التي كان يحرص عليها فتحول فضيلته رحمه الله إلى حلقة الشيخ يوسف حسين من الأشراف حيث درس على يديه كتاب تجريد البخاري. وكذلك تلقى أيضا كتاب بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ولكن من حلقة الشيخ عبد الله عمر نور الأغاديني فخذ عبد الله ، كما تلقى حلقة الشيخ عمر فاروق الحسني كتاب رياض الصالحين، ثم رحل الشيخ يوسف إلى شرق إفريقيا بدءا بكينيا حيث مكث منطقة الشمال الشرقي المعروفة بأنفدي الصومالية حيث أصبح مدرسا وعمل هناك حلقة علمية كان يدرس فيها علم النحو من الأجرومية إلى قطر النذى وبل الصدى، وكذلك علوم الحديث مثل تجريد البخاري وبلوغ المرام ورياض الصالحين ، كما قام بتدريس علم الصرف وخاصة كتاب لامية الأفعال كل ذلك في إقليم غارسا الصومالية في كينيا، وفتح هناك مدرسة أطلق عليها مدرسة الهدى الابتذائية الإسلامية في قرية هٌلٌقٌ Holoqo ثم بعد ذلك رحل إلى أغاندى Uganda  حيث التحق هناك معهد بلال الإسلامي في كمبالا وأخذ منه شهادة الثانوية وكانت دراسته انتسابا ثم رجع إلى غارسا، غير أنه وجد منحة دراسية  من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية حيث وصل هناك عام1980م وأتمّ دراسته عام 1984م من كلية الحديث بالجامعة الإسلامية.

جهوده في الدعوة ونشر العلم:

ولما رجع  فضيلته رحمه الله إلى بلاد الصومال أبدت نفسه إلا أن يرد الدين ويشارك في نشر العلم والدعوة إلى الله ذاكراً قول تعالى: ” وما كان المؤمنون لينفروا كافة فولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون” ومن هنا لم يأت بفراق تأسس الشيخ يوسف مدرسة إمام الشافعي الإسلامية في مخيمات اللاجئين في جللقسي Jalalaqsi  إضافة إلى مواطبته بحلقات المساجد التي كان يعقد بها ، حيث استقر هناك حتى نشوب الأزمة الصومالية في عام 1991م بعد اندلاع الحرب الأهلية ونزح مع عائلته إلى غدي وعاش هناك فترة وأسس معهد عمر الفاروق مع مجموعة من العلماء ، وكان لهذا المعهد مرحلتين ابتدائي ومتوسط غير أن هذا المعهد بعد مواصلته التعليمية عامين كاملين تدخلت الحكومة الايثوبية وعارضت التعليم الإسلامي تحت نفوذها السياسي وأرغمت المعهد إغلاقه، وكانت هذه الحادثة ضمن الحوادث مشابهة أخرى التي أغلقت أبواب المدارس والمعاهد والمؤسسات الإسلامية الأخرى المنتشرة في جميع الأراضي الأغادينية التي تمّ تحريرها بعد سقوط حكومة منجستو الشيوعية ، وعدد المدارس وحدها تقدر حوالي عشرين مدرسة. ثم رجع إلى الصومال عام 1994م مرة أخرى واستئنف نشاطه الدعوي في الحلقات بالمساجد إلى أصبح سلك أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بمقديشو في الصومال العامالدراسي 2001م/ 2002م ، وكان لنا زميلا وأخا وشيخا في الجامعة عندما كنت أحد مدرسيها في تلك الفترة.

أثره العلمي:

الشيخ يوسف سيد علي طوح شيخ أحمد شيخ محمد الأوغاديني رحمه الله كان مربي الأجيال من خلال جهوده الضمنية في نشر العلم والمعرفة ، وقد أشرنا فيما سبق إلى جهوده في نشر العلم سواء في الحلقات العلمية أو في المدارس النظامية وكذا المعاهد والجامعة، وقد تخرج على يديه خلق كثير ويكفينا أن نشير إلى نجم النجوم الدعاة في المهجر والمسكن  وصاحب المؤلفات العديدة العلامة الشاب أبي عبد الباري الشيخ محمود الشّيخ محمّد عبد الصمّد من آل الشبليّالذي طاف على العالم داعياً إلى الله وناشراً بالعلم والمعرفة ، علماً انّ الشيخ محمود الشبل ابن لأخت الشيخ يوسف، السيدة حواء بنت سيد علي طوح، وقد تلقى علىيد خاله علوما كثيرةعندما قرأ وتعلم في حلقاته مثل كتب الأجرومية وعمريطية وقطر الندى وبل الصدى وجزء من ألفية  الإمام مالك في اللغة العربية . أما في العقيدة فقد أخذ عنه كتاب التوحيد للشيخ محمد عبد الوهاب ، وعقيدة الواسطية،  وأما علم الفرائض فلقد أخذ من خاله الشيخ يوسف سيد علي طوح المذكور كتاب الرحبية وكتاب ابن يماز. وفيما يتعلق بالسيرة تلقى كتاب مختصر السيرة النبوية للشيخ محمد عبد الوهاب، ومن بين الكتب التي تلقى الشيخ محمود الشيليّ كتب بلوم المرام ومختصر البخاري للتخريج كل ذلك تلقىأيضاً على يد خاله الشيخ يوسف سيد علي طوح في مدينة جللقسي من إقليم هيران Jalalaqsi – Hiiraan  كما استفاد هداية المستفيد في علم التجويد في أعوام 1985م وحتى عام 1986م.وكلنا نعرف بأن فضيلة الشيخ محمود الشيخ محمد عبد الصمد المشهور بالشيخ شبل قد نفع الله به الأمة في المهجر وخاصة عندما كان مقيماً بهولندا وفي منطقة القرن الإفريقي.

أما فيما يتعلق جهود الشيخ يوسف سيد علي طوح المبارك في الإنتاج العلمي والثقافي، فقد عرفنا كتبابين صدر له مثل كتابه: ”  نضال الصومال الغربي ( أوجادين) وأطماع إثيوبيا التوسعة عبر التاريخ ” وقدقام الشيخ الفاضل يوسف سيد علي طوح على من خلال كتابه هذا عرض وتحليل لتاريخ منطقة القرن الإفريقي بصفة عامة ومنطقة الصومال الغربي المعروفة بأجادين بصفة خاصة منذ أن دخل الإسلام فيها وهو بمثابة دراسة ميدانية حول ما يجري في المنطقة من تصادم.وأشار المؤلف إلى الصراعات المحلية التي مرت بها المنطقة بين المسلمين الصوماليين بإماراتهم قبل دخول الاستعمار وبين نصارى الأحباش ، كما أشار إلى المقاومات الوطنية الجهادية والسياسية النضالية حتى استقلال جزئين من أرض الصومال. والكتاب يٌعدُّ فريداً من نوعه ويحمل في طياته أخباراً وأحداثاً تاريخيةً حدثت في المنطقة، ويقدم دراسة تجسد خفايا الصراع والأدوار التي مرّ بها الصراع، لذا فهو مصدر مهم في موضوعه ويقع في 394 صفحة، طبع الكتاب مركز الصومال للطباعة بمقديشو- الصومال، الطبعة الأولى عام 1421ه/ 2000م.كما صدر له كتاب ” دور إيثوبيا في الصومال بعد سقوط حكومته ” وحد علمي أن الكتاب كان مخطوطا غير مطبوع في حوزة المؤلف وكان ذلك في عام 2002م عندما كنانعمل معا بالجامعة الإسلامية  بمقديشو – الصومال قبل سفري إلى شمال أروبا، ولا أدري قد تم طبع الكتاب أم لا، كما لا أعرف ظهور إنتاج علمي لفضيلته، ولعل ذلك يسعفنا فضيلة الشيخ أبو عبد الباري الشيخ محمود الشّيخ محمّد عبد الصمّد من آل الشبليّ المشار إليه سابقاً، وكذلك ابنه  الكاتب والخطيب المفوه الشيخ عبد السلام بن الشيخ يوسف سيد على طوح.

وقبل الختام كان فضيلة الشيخ ضمن الأسماء المرشحة لإضافة السلسلة التي أنشرها في موقع مركز مقديشو للبحوث والدراسات في ركن أسبوعي تحت عنوان: عباقرة لهم أصول في منطقة القرن الإفريقي ” لولا رفض بعض الإخوة على اختصار السلسلة من توفي ورحل عن عالمنا، فرحم الله شيخنا الحبيب الشيخ يوسف سيد علي طوح شيخ أحمد شيخ محمد الأوغاديني العبدلي الصومالي وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون. 

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى