قراءة في البيان الختامي  لمؤتمر رؤساء الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية في طوسمريب

إن قراءة موضوعية للبيان الختامي لمؤتمر طوسمريب وما تلاه من كلمات الرؤساء، لا تكشف سوى حقيقة الأزمة السياسية  في الصومال، وحجم التباين في الرؤى بين الرئيس فرماجو ورؤساء الولايات الاقليمية بشأن الانتخابات، وما تمثلها من أهمية قصوى للمستقبل السياسي للطرفين.

إن  الورقة الختامية تمت صياغتها بدرجة كبيرة من التوازن ، وبقدر عال من الوعي والنضج السياسي ، والشعور بالمسؤولية، فهي  في الحقيقة لم تعكس عن حدوث اختراق في المواقف بين الاطراف المشاركة في المؤتمر، ولم تنص على اتفاقات حول جوهر الخلافات بين الجانبين، لكنها في ذات الوقت   لبت  شروط  كافة الأطراف ، وحاولت قدر الامكان حفظ ماء وجه الجميع، ولم تخيب  آمال المواطنيين العاديين الذين سارهم القلق بشأن نتائج الاجتماع، ونجحت الورقة كذلك في تفويت الفرصة لمن كان يراهن على إعلان فشل المؤتمر.

وهذا إن دل على شيئ انما يدل على  أن ثمة نقلة نوعية في الحوارات والمفاوضات بين  المسؤولين  الصوماليين  سواء في الأسلوب والسلوك، بحيث أبدى المشاركون قدرة لافتة على  إخفاء المشاعر والنوايا الحقيقية، والاعتماد على أسلوب المجاملة والنكتات السياسية والابتعاد عن  الخوض في التفاصيل ومكمن الخلافات والاستخدام بعبارات عامة فضفاضة لا تشفي غليل السائل.

جاء البيان الختامي في حوالي (350 كلمة)، وإذا قرأنا ما وراء هذه الكلمات نجد أن مجملها ثانوية  وأنها ترد غالبا في البيانات الصحفية الرسمية ، فهي بنود غير مختلفة تؤكد على وحدة وسيادة البلاد ، وتفعيل التعاون في مجال الامن ومحاربة الارهاب، وتعزيز التنمية الاقتصادية، ودعم مسيرة شطب الديون الخارجية ، وتوجيه الشكر للمضيف على حسن الاستقبال وكرم الضيافة  والإشادة بدور المجتمع الدولي في بناء الدولة الصومالية.

أما القضايا الجوهرية فكانت  تقتصر على ثلاثة بنود فقط  تم اخراجها بعبارات غامضة ومثيرة للأسئلة، وهذا يعني أن الخلافات بين الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية تراوح في مكانها، ولم يحدث أي تقدم يذكر وأن المؤتمر فشل في هدم جدران الشك ، وتغيير  مواقف الاطراف  من الانتخابات المقبلة، فالرئيس فرماجو لا يزال مصرا على أن تكون الانتخابات شعبية مباشرة وأنه سيلجأ الى البرلمان ( مجلس الشعب) لرفض مقترح رؤساء الولايات المتمثل في أن تكون الانتخابات اقتراعا غير مباشر.

فعلى سبيل المثال فالبند الرابع لا يحسم موعد الانتخابات ولا يذكر وجود اتفاق واضح بين كافة الأطراف السياسية  على أن تنظم الانتخابات  في موعدها وانما اكتفى بذكر وجود “تفاهم” بين المشاركين في المؤتمر بأن تشهد  البلاد انتخابات توافقية تنظم في موعدها.

لقد تم صياغة البند الرابع كذلك بكلمات فضفاضة،  وفيه  الكثير من الغموض ولا يستبعد امكانية وجود خيارات أخرى ربما تكون من بينها التمديد أو تأجيل الانتخابات لأسباب فنية ، ومما يعزز على هذا الشك ما ورد في البندين  الخامس والسادس حيث  تم الاتفاق على تشكيل لجنة فنية مؤلفة  من الحكومة الاتحادية والحكومات  الاقليمية تنظر في مقترحات حول مسار وحسن سير الانتخابات ، وعقد مؤتمر تشاوري ثان في مدينة طوسمريب خلال أسبوعين لاستكمال اجراءات   العملية الانتخابية.

 وعلى هذا الأساس ، خلصت بعد قراءة متأنية للبيان الختامي وخطب الرؤساء على  وجود احتمالين :

 الأول : أن تتفق الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية على  تمديد فترة ولاية الرئيس محمد عبد الله فرماجو ضمن حزمة اتفاقات سرية تؤدي إلي أن يخرج كل واحد من اللعبة منتصرا،   وعلى قاعدة “أنت تكسب وأنا أكسب”

 الاحتمال الثاني:  أن المؤتمر قد فشل وأن البيان الختامي ليس الا للاستهلاك الإعلامي وأن كل طرف بات مستعدا  لجولة جديدة من الصراع.

زر الذهاب إلى الأعلى