لماذا الاندفاع نحو النفط في الصومال؟

في وقت تواجه الصومال  أزمة سياسية مع الانتخابات المقرر اجراؤها في شهر ديسمبر 2020 ، تضغط وزارة البترول الفيدرالية من أجل  بدء جولة منح التراخيص لشركات البترول بحلول ٤   أغسطس 2020.  ومع ذلك فأن المؤسسات الرئيسية المخولة لإدارة وتنظيم قطاع البترول ليست جاهزة بعد،وأن عملية بناء الحكومات الفدرالية لم تكتمل، وبالتالي فالسؤال هو لماذا الاندفاع نحو النفط في الوقت الراهن في وقت تشهد أسعار النفط انخفاضا حادا؟

تشير المسوحات الزلزالية(Seismic surveys) أن احتمالية وجود النفط في الصومال كبيرة. وكانت الحكومة الصومالية تسعى جاهدة في بدء عملية تنقيب النفط والغاز، ومنح التراخيص والذي بدوره يمكن أن يفتح ساحة لعب جديدة في سوق التنافس السياسي في الصومال. فقد فتح ملف النفط بالفعل نزاعا بحريا بين الصومال وكينيا حيث من المنتظر أن تصدر محكمة العدل الدولية حكما بشأنه.

وقع الرئيس الصومالي أخيرا مشروع قانون البترول ليصبح قانونا في الثامن من شهر فبراير ٢٠٢٠م، بعد تمريره عبر الغرفة العليا للبرلمان.  كان القانون في طور الانشاء منذ فترة، وكان محل نزاع وجدال.

ومع أن القانون يمهد الطريق ليصبح الصومال دولة منتجة للبترول ، إلا أن العديد من القضايا لا تزال عالقة، ويمكن أن يمثل البترول بداية صراع نفطي في الصومال، ويأتي رفض رئيس ولاية بونتلاند الصومالية قانون النفط الجديد خير دليل على ذلك.

وتتمثل القضايا العالقة:

  1. ما إذا كان قانون النفظ الجديد يحترم مبادئ الفدرالية التي نص عليها الدستور الفيدرالي، أم يؤدى  الى سلطة مركزية تسيطر على قطاع النفط.
  2. كيفية الإدارة، والتفاصيل المتعلقة باتفاقيات تقاسم الموارد
  3. النظام المالي والضريبي
  4. اتفاقية تقاسم الإنتاج النفطي، وإدارتها
  5. تنفيذ ومراقبة الهيئة المنظمة وهي وكالة البترول الصومالية

ومع أن تلك القضايا العالقة لم تحل بعد، يبدو أن التركيز منصب في الوقت الحالي على من يملك حق التفاوض والتوقيع على الامتيازات النفطية، ومن يتم ترشيحه للمواقع المسيطرة، وكيف.

النقطة الأخرى الرئيسية والمثيرة للجدل والتي لاتزال قائمة هي الإرث المستمر لشركة  (SOMA OIL ) التي أعيدت تسميتها لاحقا Coastline Exploration)) وهي شركة نفط تتخذ من بريطانيا مقرا لها ويرأسها زعيم سابق لحزب المحافظين  Lord Howard  والتي خضعت لتحقيقات بالفساد عام ٢٠١٥م .  تربط رئيس الوزراء الصومالي الحالي بعلاقة طويلة ومثيرة للجدل مع شركة ( SOMA Oil and Gas ) بالاضافة الى روابط محتملة مع مصالح لدولة النرويج.  هذه العلاقات لا تزال محط  شكوك ومخاوف من قبل خصوم رئيس الوزراء خيري السياسيين والإدارات الاقليمية، ومع أنه تنازل علنا عن  اسهمه  للشركة البالغة ٢ مليون عام ٢٠١٧م إلا أن مخاوف تعارض المصالح لا تزال قائمة، منها اتفاقية وقعتها شركة ( Soma oil )  مع وزارة البترول الصومالية عام ٢٠١٣م لإجراء مسح زلزالي، والتي تعطي الشركة حق التفاوض مع ١٢ كتلة من اختيارها.

تبدو عملية بدء جولة توزيع التراخيص النفطية متسرعة جدا وغير مبررة، ولا تضع في الاعتبار توصيات بحثين أجرتها منظمة آدم سميث والبنك الدولي عام ٢٠١٤م، و ٢٠١٦ على التوالي، والتي نصت على عدم الاستعجال في دخول عقود الاستكشاف قبل التأكد من وجود القانون والإطار التنظيمي فضلا عن المؤسسات الأساسية.

هذا والجدير بالإشارة إلى أن هناك عاملين رئيسين قد يشرحان سبب الاندفاع نحو بدء جولة منح التراخيص النفطية.

العامل الأول: لا تزال مصالح شركة (Soma Oil  ) قائمة، وفقا لإعلان عقود التراخيص الأخير، فقد تم منح ٧ كتل للشركة  ولا يشمل ذلك ١٤ كتل الممنوحة لها سابقا

 العامل الثاني: الأموال التي تم جمعها عن طريق ما سمي بـ “مكافأة التوقيع” البالغة ٢ مليون دولار لكل عقد.

الدخل الإضافي من تنقيب البترول قد يأخذ فترة تتراوح ما بين ثلاث إلى أربع سنوات في أفضل السيناريوهات.المزاعم  بأن تلك الأموال سيستخدم لإعادة البناء والتنمية تجافي الحقيقة لأن  معظم الأراضي الصومالية لا تقع تحت سيطرة الحكومة، حتى قعود بناء الطرق بالقرب من مقديشو لم تكن من الممكن تنفيذها.

لقد تم تأجيل بدء أول جولة من منح التراخيص النفطية عام ٢٠١٨/ ٢٠١٩ بسبب اعتراضات من المعارضة والشعب والنواب، والحكومات الاقليمية ومن الحكومة الفدرالية ذاتها، ومن أسباب التأجيل عدم مصادقة البرلمان على قانون النفط . وكذلك كانت تحتاج أن تعكس اتفاقية تقاسم الثروة المتفق عليها في اجتماع بيدوا عام ٢٠١٨م في قانون النفط ، وكان من المفترض أيضا توضيح دور الهيئة الصومالية للبترول.

بعد فشل مؤتمر النفط في لندن شهر فبراير ٢٠١٩. أجرت وزارة البترول تعديلات في قانون النفط ليتم تمريره في البرلمان بغرفتيه العليا والسفلي. ومع أن دور الهيئة الصومالية للبترول قد تم توضيحه إلا أن ولاية بونتلاند مازالت غير مقتنعة بالقانون، وقد انسحب أعضائها في البرلمان خلال جلسة مناقشة القانون.  وقد صرح رئيس ولاية بونتلاند سعيد ديني  أن الولاية غير مؤيدة بالقانون معللا بذلك أن القانون ذاته والطريقة التي مرر به في البرلمان يتعارضان مع مبادئ الفدرالية.

ومع ذلك سارعت وزارة البترول إلى الانخراط  في جولة منح التراخيص المتوقفة، معلنة باكتمال إنشاء التشريع الخاص بقطاع النفط.

بسبب جائحة كورونا، فقد تم تحويل الجلسة المزمع انعقادها في مدينة هيوستن بتكساس إلى عرض  تم عن طريق الانترنت في ١٢ من شهر مايو ٢٠٢٠م، حيث أعلن بصورة رسمية أن جولة ترخيص النفط ستبدأ في  الرابع من شهر أغسطس ٢٠٢٠م.

هذا الموعد يتزامن مع نهاية المهلة الممنوحة لانشاء الهيئة الصومالية للبترول، والتي نص عليها قانون البترول الجديد اكتمال انشائها في غضون ستة اشهر ابتداء من تاريخ توقيع رئيس الجمهورية القانون.

ومع أن ولاية بونت لاند أعلنت معارضتها لقانون النفط، وأن ولاية صوماليلاند ما فتئت تعتبر نفسها مستقلة عن الصومال، وأن نتائج الانتخابات في ولايات اقليمية اخرى لا تزال محل جدل، ولا يزال الغموض يكتنف حول وضع القانون، و إمكانية إنشاء الهيئة الصومالية للبترول، فالسؤال الملح  هو ماذا سيكون وضع الهيئة الصومالية للبترول في حال لم تضم لجنتها التنفيذية أعضاء ممثلين من بعض الولايات كما ينص القانون، وما هي الاجراءات المتبعة في تعيين أعضاء اللجنة التنفيذية للهيئة.

هناك قبول واسع بأن القانون الآن قد اكتمل، وتكمن الأهمية في تفاصيل تشكيل المؤسسات الفعلية وبناء قدراتها فضلا عن اهمية من سيتولى المواقع المهمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالهيئة الصومالية للبترول والشركة الصومالية للبترول. لأن الشخصيات التي تتولى مواقع السيطرة لهاتين المؤسستين تستطيع التأثير في القرارات المستقبلية في إصدار التراخيص، ومنح العقود، والاتفاقيات، والتشريع الخاص بالقطاع.

ما لم يتم تعزيز المؤسسات الرقابية مثل المدقق العام، اللجان البرلمانية المختصة والقضاء، فإن هؤلاء الاشخاص قد يكتسبون نفوذا وقوة للسيطرة على تدفقات الموارد النفطية، وبالتالي التأثير على السوق السياسي الصومالي.

ومع أن الصومال تحتاج الي التركيز على الانتخابات في شهر ديسمبر ٢٠٢٠م كان من المفترض ان تستخدم الوقت من الآن الى موعد الانتخابات  ببناء المؤسسات بصورة تدريجية وتوضيح القضايا العالقة قد يكون من الجدير انتظار المزيد من الاستقرار، حيث قد تكتسب شركات النفط المهتمة مزيدا من الثقة بتقديم العطاءات للكتل.

إعداد/يواكيم جونديل

 ترجمة/ مركز مقديشو

زر الذهاب إلى الأعلى