كيف نحارب العنصرية؟

بسم الله..

وإذ يَذكر كلُّ مؤمن ومؤمنة:

  • أنَّ الله وحده هو الخالق المالك المتصرف في الكون، وأن ما سواه من العالمين عباده.
  • وأنَّ عباده على قدم المساوات أمام شرعه ودينه، وليس هناك أشخاص أو طبقات، أو سلالات مقدسة، أو عائلة مالكة تملك نواصي العباد، أو يتسنى لهم أن يخرجوا عن عباءة الدين، بل شرع الله هو قانون الله لكل البشر على اختلاف ألوانهم ولغاتهم، وأجناسهم، ومشاربهم، ومناصبهم، فكلهم سواسية أمام قانون الله تعالى وفق قوله تعالى” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” وقوله تعالى: ” وما أمولكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا …”
  • وإذ نلاحظ أن أول من رأى أن له تميز عنصري عن خلق الله “آدم وذريتِه” أنه كان “إبليسا”، وأن كل من افتخر بأرومته وأصله ولونه فإمامه إبليس، وهو متبع خطواته ومقتف على أثره.
  • وأن المزية والفضل فهو كسب شخصيٌ وما تحلى به من الأخلاق والاستقامة واتباع الحق، لقول الحق سبحانه وتعالى: ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” فيما رواه مسلم: “من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه”.
  • وأن الله أمر الأمة، برص صفوفها، وجمع كلمتها بالاعتصام بحبل الله تعالى، ونهى عنها الاختلاف والانشطار والتفرق لقوله صلى الله – كما في الصحيحين – “لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، كما أمركم الله”
  • وإذ نَستلهم مِن قول الرسول صلى الله عليه وسلم” يا أبا ذر إنك امْرؤ فيك جاهلية” بعد ما عير مسلما بأصله، واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا التصرف والافتخار بالجنس أو الطعن بأنساب الناس بأنها جاهلية بغيضة، التي نزل الدين الإسلامي لإخراج الأمة من ظلماتها، وإراحة العباد من جورها..
  • ومِنقوله صلى الله وسلم:” من دعا بدعوى الجاهليَّةِ فَهوَ من جُثا جَهنَّمَ وإن صامَ وصلّى وزعمَ أنَّهُ مسلمٌ” حديث صحيح خرجه الترمذي وغيره.
  • ومِن قوله صلى الله عليه وسلم ” أَرْبَعٌفي أُمَّتي مِنأمْرِ الجاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ في الأحْسابِ، والطَّعْنُ في الأنْسابِ، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجُومِ، والنِّياحَةُ” أخرجه مسلم.
  • ومنقوله صلى الله وسلم:” إنَّ اللهَ قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباءِ، مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدمَ، وآدم من تراب، لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامٍ، إنما هم فحمٌ من فحْمِ جهنمَ، أو لَيكونُنَّ أهونَ على اللهِ من الجِعْلانِ التي تدفعُ بأنفْها النَّتِنَ.” صحيح أخرجه أبوداود والترمذي وغيرهما..

نص النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الأربعة بأن العنصرية من إرث الجاهلية التي تتنافى مع روح الإسلام، وأن من تورط في أوحال أفكارها ففيه لوثة جاهلية، يجب أن يزيلها بطَهور الشرع والدين، وترياق الأخوة الإيمانية، وقد أعلن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أمام الحشود في حجة الوداع: “ألا وإنَّ كلَّ شيٍء من أمرِ الجاهليةِ تحت قدمي هاتين موضوعٌ”.

  • ومن قوله صلى الله عليه وسلم في آخر خطبته في وسط الحجاج في منى:” وهو على بَعِيرٍ، فقال: يا أيُّها النّاسُ، ألا إنَّ ربَّكُم عزَّ وجلَّ واحدٌ، ألا وإنَّ أباكُمْ واحدٌ، ألا لافَضْلَ لعربيٍّ على عَجَميٍّ، ألا لا فَضْلَ لأَسْودَ على أحمرَ إلّا بالتَّقوى، ألا قد بلَّغْتُ؟ قالوا: نعم، قال: لِيُبَلِّغِ الشّاهدُ الغائبَ” وهو حديث صحيح أخرجه أحمد وغيره.

إذًا مسئولية الإبلاغ ملقاة على أعناق الأمة رجالها ونسائها، قادتها وقاعدتها..

  • ومع أننا نسلم بأن الله سبحانه وتعالى أكرمنا بهذا الدين العظيم، وهذه المنة الجسيمة، وهذه الحلول الجاهزة الكفيلة بسعادتنا في الدنيا والآخرة، وهذه التربية الواضحة، والنصوص الصريحة، إلا أننا نلاحظ مع بالغ القلق والأسى أنه لم يتحقق الهدف المنشود، والثمار المرجوِّة، وراء هذه النصوص، على المستوى المطلوب من المساوات الشرعية إلا في فترة محدودة من الزمن، وما زالت شريحة واسعة من شعبنا تئنُّ تحت وطأة العنصرية القبلية، والتعصب الفئوية، وكراهية بعض المسلمين، وتطفوا هذه الظاهرة بأساليب المتنوعة وبدرجات متباينة، حسب بُعد المجتمع وقربه إلى العدالة الاجتماعية، وحسب قوة ثقافة المنطقة وضعفها، فإذا تشبع المجتمع علما وثقافة ينزل مؤشر العنصرية إلى الحضيض، بينما إذا جهل الشعب تظهر القبلية والعصبية علنا.

وإذا كانت العدالة الاجتماعية متاحة للكل، ويصل حقه بأقرب وسيلة؛ فإنه لا يحتاج إلى قبلية يلجأ إليها، وعصبية يحتمي بها.. وقد اشتهرت قصة “فَارح غُلُلَي” عندما مثلوا القبلية بصورة شخص، فكفنوا هذه الصورة فدفنوها؛ لكن “فارح” الذي اشتهر بإبداء رأيه من خلال دُعابة لطيفة، اعترض على دافني القبلية بقوله: “لا تدفنوها حتى لا تنمي وتكثر؛ لأنني فلَّاح، وتعلمتُ من الفلَّاحة أنَّ ما يُدفن في التراب يجرج أكثر مما كان” وكان يعني: أن مشكلةَ القبلية لا تعالج بصورة ساذجة من الشكليات الظاهرة؛ ولكنها تحتاج إلى حل جذري وعقيدة راسخة، وقناعة شخصية، وقانون يطبقه الكل، لا يعرف المحسوبية.

كنتُ مرة مع جيراني في مجلس عند فناء بيوتنا نتجاذب أطراف الحديث، فروى لي قصته مع صديق له في السعودية كان يشتغل معه، وبأنه عشق أخته، ثم طلب منه أن يزوجها؛ لكنه تلقى منه الرفض القاطع، وفهم “جاري” من صديقه السعودي: بأنه عنصري حقيقي.. ثم قلتُ لجاري: هبْ بأن زميلك منع تزويجك لأخته بالقبلية والعنصرية، فهل أنت بريء من هذه التهمة؟ هل لو خطب ابنتك فلان بن فلان فهل تقبل خطوبته؟ فقال: لا.. لا يكمن أن أقبل ذلك! فقلت له: لماذا لا تعترف بأنك عنصري أيضا! ترفض أن تزوج صوماليا تعرف أصله وفصله، ولا يمنعك عن ذلك إلا عنصرية واستنكاف عن أخيك الصومالي، ومع هذا تستغرب قبلية ذلك الرجل السعودي.!

فإن استمرار العنصرية، والتفاخر بالحسب والنسب، والتعالي على بعض إخوة الدين والوطن في أمة دينها الإسلام، في فترة طويلة من الزمن يدل دلالة واضحة على أننا نحتاج إلى مراجعة وسائل علاج هذه المشكلة الواغلة في جذور التاريخ، فيجب علينا أن نجد:

  • طرقا جديدة، وخطة واقعية عملية، لمكافحة القبلية البغيضة، والعنصرية الجاهلية.
  • علينا أن نولي إليها اهتماما خاصا، وأن نعطيها زخما اجتماعيا ووطنيا، لالتفات النظر إليها، تشاركها جميع القوى المؤثرة الرسمية وغير الرسمية.
  • علينا أن نستخدم كفاءات من نوع آخر، وجعل القرآن والسنة، حجر الزاوية لمحارية العنصرية لجميع أشكالها وصورها..
  • النظر إلى هذه من زاوية جديدة، وتحويلها إلى قانون ملزم، والانتقال من الاكتفاء بالأخلاق المجردة إلى مرحلة قانون يوقع عقوبة رادعة على من خالف هذا القانون الربانيّ؛ لأن هذه النصوص تكون نظرية مجردة بعيدة عن الواقع إذا لم تصغ صياغة قانونية.
  • يجب تسخير جميع الطاقات كلها لتوعية الشعب، من الشباب، والعلماء، والأمهات، والمدارس ومناجها التربوية، والمقرات المنهجية، والصحافة بجميع أشكالها؛ لتكوين أرضية المشتركة وهدف واحد لمحاربة العنصرية في داخل الإسلام الفسيح، وتفعيل الأخوة الإيمانية؛ لدفع عجلة الحضارة والتعاون والتآزر بين الشعب الصومالي المسلم.
  • علينا أن نستلهم الطاقة والحلول من ذلك النضال الطويل الناجح من تراث أمتنا بدأ بالقواعد التي أرساها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وطبقها عمليا، بحيث آخى المهاجرين والأنصار، وعقد التصاهر فيما بينهم؛ لمعالجة آثار الجاهلية، وعلى هذا المنوال نسج عليه الخلفاء الراشدون فسننوا قوانين تنطلق من هذا المعين النبوي، فقد أمر عمر رضي الله عنه قادة الأجناد: أن يوقعوا عقوبة رادعة لمن سولت نفسه بإحياء العصبية الجاهلية في المجتمع الإسلامي. ([1])؛ لأن العنصرية جريمة ضد الأخوة، وضد التعايش السلمي، وضد تماسك المجتمع عقيدةً وهُوية.

يوسف أحمد محمد – السويد

2020-06-21 م.

[1] – أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف

الدكتور يوسف أحمد

الشيح يوسف أحمد ... طالب في دراسة الدكتوارة. تخرجت كلية الدراسات الاسلامية بمقدشو عام 1989. إمام وخطيب بمسجد في السويد.
زر الذهاب إلى الأعلى