مُدن صومالية بركانية بامتياز!

من سياسات التفرقة التي اعتمدها الاستعمار الإيطالي في مدينة مقديشو هو جعلها مدينة واحدة في النهار ومدينتين في الليل ، وذلك من خلال تقسيمها إلى مدينة حمر التي تحتضن الكل في النهار و مدينة حمر ديو التي يأوي إليها رجال يخشى الاستعمار ثورتهم فحرم بقائهم في حمر ليلاً ، أستمر الوضع على ما هو عليه إلى أن تم الاستقلال للصومال ، فبدأت مقديشو عهداً جديداً من التداخل و التعايش إلا في بعض أحيائها القديمة و التي ظلت محتفظة بأغلبية لمكون قبلي واحد فيها ما عدا ذلك كانت مقديشو شبه متجانسة لكن تجانسها ذاك كان تجانساً سطحي لم يصل في عمقه إلى درجة تماثل القيم ، وتشارك الاعتبارات الوطنية ، وتشابه رؤى المستقبلية للوطن ، فظلت الامتيازات الفردية للجماعات داخل المجتمع الصومال الكبير حية ، وأثر سياسة التفريق الاستعمارية في النفوس باقية ، حتى و بعد وصول الرئيس سياد بري إلى سدة الحكم بأفكاره الاشتراكية فلم تتجاوز اشتراكيته قشور المجتمع الصومالي رغم الكل الصخب والإصرار و الجهد التي بذلها( بري)، ظل الإنسان الصومالي قلعة للتميز الفردي حتى وإن لم يشعر ، ومع بداية الحرب الأهلية سقطت كل صور التشارك التي كان يظهرها المواطن ودخلت البلاد في موجة من التدمير لكل مشترك وعام ، و فقد الصومالي على ضوئي ما شاهد إيمانه بالمبادئ الوطنية المشتركة ، و عجز عن تصديق إمكانية وضع آمال يطمح لها الجميع بدرجة واحدة، فشعر بأن فرديته تضمن له البقاء و الاستمرار ، وعلى هذا الأساس الهش بُنيت و طُورت مدن وبشكل لا شعوري تعاظم معها الشعور التجزيئي شيئا فشيئاً في داخل مُدننا حتى غدت تتراءى للناظر خارجياً على إنها صورة لمدينة واحدة لكنها في الواقع هي عدة مدن قبلية داخل مدينة واحدة ، قابلة للاشتعال تحت أي ضغط لأحد مكوناتها القبلية ، فبعض مدننا نماذج خطرة تقف على فوهة بركان نشط استمرارها مرهون بمدى سكون وهدوء عناصرها المتضادة و هي قطعاُ غير صالحة للتوريث للأجيال القادمة فضلاً عن استنسخها وتكرارها في مدن أخرى ، لأنها بحق مدن مشوهة ، مبهمة ، مهمومة ، تجلب معها المشكلات أين ما حلت فكيف تكون هي هدف وحل ومخرج لمدن صومالية أخرى كمدينة بوصاصو مثلا أو في العاصمة مقديشو بشكل جديد ؟.
إن استمرار تلك المدن اصلا هو محل جدل فكيف في استحضارها كأيقونات نجاح يجب أن يحتذى بها لخروج المدن من عنق المشكلات حتى وان التحجج المسؤولين بالعامل الديموغرافي و بالمشكلات الأمنية دافع للتقسيم كالحل فهو اذا حل مردود وحيلة عاجز غير مسؤول ، فكل مُدننا أسرى لتصدع ولتمزق فلا تحتاج إلى حلول تقسم المقسم و تفتيت المتفتت ، و إنما تحتاج إلى عقول عميقة ، وحلول طويلة تبدأ من الأسفل إلى الأعلى ، توحد لا تُفرق ، تدوم لا تنقطع ، تبني لا تهدم ، تُجمع لا تنفر ، ببساطة مدننا تحتاج إلى رؤية و قرار وعمل وترك الباقي على الله.

فاطمة شيخ محمد حوش

كاتبة صومالية
زر الذهاب إلى الأعلى