الوسطية في التفكير مشروع السلام الحضاري

الوسطية من مميزات أمة الرسالة، فهي التي تؤهلها لأداء الشهادة على الآخرين وأن يشهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }

 وهي حالة محمودة وخاصية أساسية من خصائص هذا الدين عقيدة وشريعة ونظاما خلقيا واجتماعيا وسياسيا وحضاريا ، ترتبط وتترجم خاصية أخرى هي خاصية التوازن وعدم الميل إلى إحدى طرفي المعادلة أي الإفراط أو التفريط

والوسطية اليوم هي تيار يسري في الجسد الفكري والثقافي للأمة العربية الإسلامية يستنهض العزم ويقاوم أشكال الاستكانة إلى حال التخلف والجمود في جميع مجالات الحياة كلها. إنها تيار يستلهم الطبيعة الأصلية للأمة العربية كما يعبر عنها تاريخها، يقوم على إحياء الفهم الصحيح للدين وأحكامه ونظامه، 

ويسعى إلى تجديد معانيه في عقول ونفوس وواقع المسلمين، موصولا في ذلك بما أقرته أصول الإسلام ومصادره الأساسية، وبما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح والمجددون الذين توالوا عبر الأجيال

. والوسطية بهذا المعنى، الذي يفيد التوازن والتزام قاعدة، (لا إفراط ولا تفريط) لا تعني الهروب من الموقف الصعب إلى الموقف السهل، ولا العكس، وليست هي انعدام الموقف الواضح المحدد من المشكلات بل هي تعبير عن خاصية التوازن في جميع الأمور والمواقع: توازن بين الروح والجسد، وبين الدنيا والآخرة، وبين الدين والدولة، وبين الذات والموضوع وبين الفرد والمجموع وبين الفكر والواقع وبين المادية والمثالية وبين المقاصد والوسائل،

 وبين الثابت والمتغير والقديم والجديد، وبين العقل والنقل وبين الحق والقوة وبين الاجتهاد والتقليد وبين الدين والعلم إلى آخر هذه الثنائيات. ولذلك فإن من الواضح أن الوسطية – بما هي خاصية للإسلام عقيدة وشريعة ونظاما – ليست وصفة جاهزة أو خاصية مكتسبة بإطلاق للأمة أو لهذه الجماعة أو تلك، بل هي موضوع اجتهاد وجهاد متواصلين للعمل باستمرار وفق القاعدة الذهبية: «لا إفراط ولا تفريط»،

 وهو السر في جعلها مطلبا ودعاء نردده في سورة الفاتحة كلما صلينا عندما نقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}

– الوسطية إذن منهج في فهم الدين والعمل به يقوم على نبذ الغلو في الدين والتزيد فيه بالتشديد على النفس أو التشديد على الآخرين، كما يقوم على نبذ التفريط والتضييع لعقيدة التوحيد وأحكام الشريعة وآداب الإسلام وأخلاقه وأنظمته. فذلك كله مفض بصاحبه إلى الخسران والندامة غدا يوم لقاء الله

 كما ورد في قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا}) وفي قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}(29). يقول الإمام الطبري في نفس المعنى «وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم ّ وسط ّ لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلو بالترهب،

 وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ـ ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها (

ومن خلال هذا العرض يتبين لنا فهم واضح محدد لمعنى الوسطية المذكورة في صفة هذه الأمة وكونها أمة وسطا.

وهذا الفهم يتحدد في معنيين هما :

الأول : الخيرية والأفضلية.

الثاني : التوازن والعدل والقيام بالحق ، والبينية بين الإفراط والتفريط .

وكلا المعنيين داخل في الآخر، فإن الخيرية والأفضلية لم تتصف بها هذه الأمة إلا لكونها قائمة بالعدل والقسط والحق ، ولكونها وسطا بين الغالي والجافي. وكل من قام بالعدل والحق فهو الأولى بصفة الخيرية والأفضلية.

والوسطية والعدل والبينية تقتضي أن يكون هناك طرفان مذمومان يكتنفان الوسط والعدل .

أحدهما : ينزع إلى الغلو والإفراط .

والآخر : ينزع إلى التفريط والإضاعة والجفاء .

وفي هذا المعنى يقول ابن القيم : ” وقال بعض السلف : ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان : إما إلى تفريط ، وإما إلى مجاوزة ، وهي الإفراط ، ولا يبالي بأيهما ظفر : زيادة أو نقصان “

الوسطية هي الاعتدال في كل أمور الحياة من تصورات ومناهج ومواقف ، وهي تعريف متواصل للصواب في التوجهات والاختيارات ، فالوسطية ليست مجرد موقف بين التشدد والانحلال بل هي منهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي ، 

كما ذكر القرآن :” وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ” حيث تشير تلك الآية إلى أهمية الوسطية وتحقيق التوازن في الحياة . ومرجع الوسطية إلى الشرع فما وافق الشرع فهو الوسط فالتشدد في محله وسطية والرفق في محله وسطا كذلك

يقول الدكتور محمد عمارة إن ( الوسطية الجامعة ) التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة فتكوّن موقفا جديداً مغايرا للقطبين المختلفين ولكن المغايرة ليست تامة، فالعقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة، والوسطية الإسلامية تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خصيصة مهمة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي ، بل هي منظار للرؤية وبدونه 

لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام، وكأنها العدسة اللامعة للنظام الإسلامي والفكرية الإسلامية. والفقه الإسلامي وتطبيقاته فقه وسطي يجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المتغير أو يجمع بين فقه الأحكام وبين فقه الواقع، ومن هنا فإن الله جعل وسطيتنا جعلاً إلهياً (جعلناكم أمة وسطاً) سورة البقرة آية143

وكما يشرح الدكتور يوسف القرضاوي مفهوم الوسطية بقوله ( الوسطية بأنها التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد الطرف المقابل، ولا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه ويطغى على مقابله ويحيف عليه).

ويضيف حفظه الله : ومثال الأطراف المتقابلة أو المتضادة: الربانية والإنسانية، الروحية والمادية، الأخروية والدنيوية، الوحي والعقل، الماضوية والمستقبلية، الفردية والجماعية، الواقعية والمثالية، الثبات والتغير، وما شابهها، على أن يكون هناك توازن بينها فيُفسَح لكل طرف منها مجاله، ويُعطَى حقه بالقسط أو بالقسطاس المستقيم، بلا وَكْس ولا شطط، ولا غلو ولا تقصير، ولا طغيان ولا إخسار.

وهذا بالطبع مما يعجز عنه الإنسان بعقله المحدود وعلمه القاصر، فضلا عن تأثير ميوله ونزعاته الشخصية والأسرية والحزبية والإقليمية والعنصرية، وغلبتها عليه من حيث يشعر أو لا يشعر.

ومن هنا فإن القادر على إعطاء كل شيء في الوجود -ماديا كان أو معنويا- حقه بحساب وميزان هو الله الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديراً، وأحاط بكل شيء خبراً، وأحصى كل شيء عدداً، ووسع كل شيء رحمة وعلماً.

لكن الدكتور فهمي هويدي يخشى استخدام مصطلح الوسطية كونه أصبح مصطلحاً  فضفاضاً  بحيث تلفع به كثيرون، ويظن أنه لم يعد كافيا أن يعلن أي فرد أو جماعة عن التزامه بالوسطية، وإنما تعين علينا أن نسأل أي وسطية؟ وما موقفها من القضايا الحيوية المثارة في المجتمع؟

 ويضيف قائلا إنه إذا جاز لنا أن نعرِّف الوسطية في ضوء المعالجات المتعددة لها ، فربما قلت: إنها موقف يتسم بالتوازن في التفكير والنظر، يقبض على الأصول ويقبل الاختلاف في الفروع، وهو بذلك يميل لمصطلح التوازن الذي يعرفه ( بأنه ليس نقطة وسط بين الخير والشر أو الحق والباطل، ولكنه انحياز كلي إلى كل ما هو خير وحق مع الاعتراف بوجود الضد لكل منهما، ذلك أن هذا الاعتراف هو من دلائل الوقوف على الأرض ورؤية المجتمع الإنساني كما هو بما فيه من شر وقبح وظلم* 5

أما الدكتور عصام البشير مؤسس مركز الوسطية  فإنه يسعى حثيثاً  لتأكيد أهمية نشر فكر الوسطية ويشرح الدواعي التي دفعته لتأسيس المركز بقوله : ( بدأ التطرف و الغلو، في العصر الحديث يأخذ أبعاداً مختلفة. فقد أدت حالة الضعف و الهوان التي يعيشها العالم الإسلامي إلى التفكير و الاجتهاد في فقه جديد و هو فقه يدور حول كيفية الخروج بالعالم الإسلامي من أزمته الراهنة، والصعود به إلى المكانة اللائقة، و إنقاذ المسلمين من حالة التخلف و التردي التي تكبلهم و تحول دون تقدمهم . لذلك باتت الحاجة الماسة إلى إبراز الوجه الحقيقي للإسلام ، الذي يتسم بالسماحة و الاعتدال جناحا الوسطية

وللدكتور وهبة الزحيلي تعريفا للوسطية في كتاب له بعنوان ( الوسطية مطلباً شرعياً وحضارياً ) يقول فيه : الوسطية في العرف الشائع في زماننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام بالذات دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين، ولا تطرف أو شذوذ في الاعتقاد، ولا تهاون ولا تقصير، ولا استكبار ولا خنوع أو ذل أو استسلام وخضوع وعبودية لغير الله تعالى، ولا تشدد أو إحراج، ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى ولا حقوق الناس، وهو معنى الصلاح والاستقامة 

بيد أن المهندس محمد صالح البدراني في مقالة ( الوسطية بين الإسلام والتسليم ) يخشى استخدام مصطلح الوسطية من قبل أولئك الذين (يحاولون تقديم الإسلام بما يجاري الجهل عند الآخر وكأنه اعترف ابتداءً أن الإسلام في كونه وسطاً يحتاج إلى تفسير وأن سلوكيات جاهلة منحرفة هي ما ينبغي الدفاع عنها ومنها، أنت أخي الحبيب لا تقدم قارب النجاة للغرب الغارق في الظلام والحقد الطاغي ، 

أنت لن تسعف سلوكية الغرب الجاهلي المتطرف ، أنت لن تقنع الظالم الذي لا يرى ظلمه، بل إنه يعد منعه عن الظلم ظلما له، أنت لن تجذب أئمة الكفر إلى أن يكونوا قيّمين بالقسط. أن تصف الإسلام وكأنه الحمل الوديع فهذه ليست وسطية، فالإسلام لا يسمح بالفساد ولا يقر به، وهو حرب على الضلال والجاهلية، أتساءل من نقنع بوسطية الإسلام، هل نرى أنفسنا في حاجة لإقناع من يمنع الحجاب وهو يتصرف بتطرف ولا يستنكف تصرفه بل يرى انه على حق.

هل نرى أن دفاعنا عن أنفسنا هو تطرف واجب التذكير بالوسطية لمن يخطط لقتلنا ويعتبر أن ليس من حقنا أن نمنعه من قتلنا، علينا كدعاة أن نفرق بين الوسطية والاستلام أي بين الإسلام والاستسلام ويلخص الدكتور علي محمد الصلابي في رسالته القيمة ( الوسطية في القرآن الكريم ) مفهوم ومعنى الوسطية بنقاط تلخص الكثير مما ناقشه السابقون:

– أن الوسطية تعني الخيرية، سواء أكانت خير الخيرين أو خيرًا بين شرين، أو خيرًا بين أمرين متفاوتين   –أن المقياس لتحديد الخيرية هو الشرع، وليس هوى الناس أو ما تعارفوا عليه أو ألفوه، فإن مفهوم الوسطية عند كثير من الناس تعني التنازل أو التساهل؛ بل والمداهنة أحيانا، حيث يختارون الأمر بين الخير والشر وهو إلى الشر أقرب في حقيقته ومآله، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

– أن – – هناك عوامل كثيرة، وأصولا معتبرة، تجب مراعاتها عند ضبط مفهوم الوسطية وتطبيقها على أمر من الأمور، حيث إن قصر النظر على أمر دون آخر يؤدي إلى خلاف ذلك ومجانبته.

بعد هذه المجموعة الطيبة من التعريفات والشروح لمعنى الوسطية ، نجد هناك من يستغل الكلمة استغلالاً  يسيء لمعناها الراقي ( الخيرية والاعتدال) ويتهم كل من تشدد حتى لو كان التشدد في محله هو خارج عن الوسطية وبالنتيجة خارج من الإسلام ، وهذا تمييع حقيقي لمفهوم الوسطية ويميل بالكلمة لتكون عنوانا للخضوع والذل على أن يكون معنى للخيرية والتمييز للفكر الإسلامي *

– أهمية الوسطية وميزات تطبيقها على أرض الواقع:

راح علماؤنا الأجلاء يسهبون في وضع مميزات للمجتمع الذي يطبق الوسطية في حياته اليومية ويذكرون بنقاط معالمها وصفاتها الأساسية ، ويسندون أراءهم بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريف وسير الأولين فهذا الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله يسطر ثلاثين معلما للوسطية منها :

1.الفهم الشمولي التكاملي للإسلام.

2.الإيمان بمرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة للتشريع والتوجيه.

3.ترسيخ المعاني والقيم الربانية.

4.فهم التكاليف والأعمال فهما متوازنا يضعها في مراتبها الشرعية وينزل كل تكليف منزلته.

5.تأكيد الدعوة إلى تجديد الفقه القرآني والنبوي.

6.التركيز على القيم الأخلاقية التي عني بها الإسلام.

7.تجديد الدين من داخله وإحياء مبدأ الاجتهاد.

8.الموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر.

9.تبني منهج التيسير والتخفيف في الفقه والفتوى.

10.تطوير مناهج الدعوة إلى الإسلام للمسلمين وغيرهم، مع تبني منهج التبشير في الدعوة ليتكامل مع التيسير في الفتوى. ( كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها ) وغيرها من صفات ،، مجتمعنا المسلم اليوم بأمس الحاجة إليها ،

 كما يفرد الدكتور وهبة الزحيلي صفحات عديدة للوسطية كمطلب حضاري وشرعي بقوله ( إن الوسطية حق وخير وعدل، ومطلب شرعي أصيل، ومظهر حضاري رفيع، ليتحقق التكامل والانسجام بين الأوضاع، والتعاون بين الجميع، ويصير الإخاء والإقدام على العمل أساس كل تقدم ورفاه، 

كما أن حالة الوسطية تؤدي إلى أداء الواجبات وحقوق الله تعالى وحقوق الناس، فلا تقصير في واجب، ولا إهدار لحق، ولا تقصير في الأداء، كما أنه لا تظالم أو تناحر ولا صراع أو تنافس غير شريف، ولا تناقض في السلوك والممارسات الاجتماعية، ولا تعقيدات أو أمراض نفسية أو اجتماعية، لأن كل إفراط أو شذوذ يؤدي إلى الاضطراب، وكل تفريط في أداء واجب يكون سبباً في إثارة المنازعات والخصومات، وإغراق المحاكم بالدعاوي وتعطيل الأوقات، وتجميد الأحوال.

إن الحياة الهادئة لا تصلح بغير توسط في الأمور، وإن التوفيق بين متطلبات الدين وشؤون الدنيا والمصالح العامة والخاصة أمر مرهون بتوافر القدرة على إنجاز المهام كلها.

ولقد أرشد القرآن الكريم إلى ظاهرة التوازن في الأشياء والأعمال والقدرات والممارسات القائمة على صحوة الوجدان، وقوة العزيمة، والتمسك بالحق، والتزام العمل الصالح الذي هو سمة المجتمع المتحضر، وذلك في سورة موجزة هي سورة العصر: “والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” .

كما يضيف إن من أهم الآثار الناتجة عن تطبيق مبدأ الوسطية على المجتمع هو : (إذا كان هناك شيء من التكاليف الشاقة للأفراد، واختل ميزان الحق والعدل والتوسط في الأمور، وانعدمت الحريات التي هي تعبير عن الوسطية، وقع المجتمع فريسة الأمراض الفتاكة، والانحرافات القاتلة.

ولعل أبرز ما يبين أهمية الوسطية، كونها مفهوم وظيفي أساسي في التفكير والسلوك البشري، بمعنى أنها بمثابة المقدمة والبوابة الرئيسية لغيرها من المفاهيم والواجبات.

وهذا يعني أن الإنسان لن يتمكن من نيل كمال المعرفة أو السلوك إلا بها، وبالتالي فإن إحرازها والتعلق بها فكراً وسلوكاً، هو الطريق المفضي للكمال الإنساني والرقي البشري، ومن هنا تنبع أهمية وضرورة الوسطية في حياة ووجدان الأمة والفرد .

ويقرر الدكتور سلمان بن فهد العودة أن أهم معلم للوسطية هو أنه (يجب أن لا تكون الوسطية شعاراً نرفعه ضد خصومنا، بل أن تكون منهجاً معتدلاً في قراءة الأشياء؛ لنحقق الشهادة التي فرضها الله على هذه الأمة؛ كي تقوم بواجبها، يقول الله سبحانه وتعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..” البقرة:143 

عندما يتعرض العقل البشري الى حالة مضطربة لا تنسجم مع فطرة الانسان وهويته القومية ومبادئه الدينية فإن جهود الإصلاح والمناصحة قد تنجح في إصلاح هذه الحالة من خلال قيام المصلحين باتباع أسلوب النصح والتوجيه وبيان المخاطر المحتملة شريطة ان يكون التدخل مبكرا وقبل أن تصل الحالة لمرحلة متقدمة تكون خارج نطاق إمكانية الاستجابة وتقبل عملية التوجيه والوعظ والإرشاد.

 أما إذا سار تفكير الانسان به وقطع مسافة تتجاوز الحد المألوف وحدود الفطرة والنظام العام، وتبتعد كثيرا عن مركز الوسط فإن قرار التدخل الخارجي بإعادته الى مجال قدرة العقل على الاستجابة سيكون قرارا متأخرا وغير ذي جدوى.

 ذلك أنه حينما يتجاوز الفكر مجال المركز فكأنما يخرج من مجال الجاذبية الأرضية ويهيم في فضاء تتجاذبه فيه العوالم الأخرى فيعتقد بل ويؤمن بأنه الفضاء الصحيح لحياته ومماته. ومن هنا تكمن الصعوبة في العودة الذاتية الى طبيعة الانسان ومجاله الخيالي، وفي الإعادة الجبرية باستخدام طريقة التوجيه عن بعد.

وفي هذه الحالة العصية، عندما لا يستجيب العقل للنداء والتوجيه الصحيح فإنه لا بد حينئذ من البحث عن وسيلة علاجية اخرى تقودنا الى معرفة الأسرار وراء رفض العقل لمنطق العقل.

من البديهي والطبيعي ألا يحيد أو يشذ الفرد عن مسار الفكر السائد في بيئته ومجتمعه. وصحيح ان لكل انسان فكره وقناعاته الذاتية الخاصة به، إلا ان لهذه الأفكار الشخصية والقناعات الذاتية حدودا 

وبالتالي فهي ليست مطلقة وانما مقيدة بضوابط تحكم علاقة الفرد بالمجتمع وتضبط مستوى تصرفاته وتفاعله مع من حوله.

وبدون الالتزام بهذه القيم والضوابط والحدود فسوف يحدث ما يمكن أن يسمى بالانفلات الذهني في العقل البشري الذي خلقه الله في جسد الانسان ليكون بمثابة جهاز التحكم والسيطرة في الجسم البشري. وعندما يغذى هذا العقل بالمعلومات فإنه – ان كان سليما – سيعمل على تدقيق وفحص هذه البيانات او الأوامر والتعليمات ليرى ان كانت تتضمن ما هو خير او كانت تشكل خطرا على نفسه والمجتمع الذي يعيش فيه، وإن لم يكن هذا العقل سليما فمن الطبيعي ان يتشرب بالأفكار والمعلومات المضللة ويعمل بها دونما تحليل لمحتواها ودونما معرفة بمن سوّاها.

 بمعنى إن تأكد له خيرها فسوف يقبلها ويعمل بها وإن رأى فيها شرا رفضها وابتعد عنها. وتلك هي فطرة الانسان منذ ان خلق الله آدم على الأرض. ومادامت هذه هي بديهية الفطرة الإنسانية، فلماذا تتقبل بعض عقول الناس أفكارا غير سوية تضمر الشر وتتعارض مع نظام الحياة؟ وهل من الممكن المضي قدما في البحث عن وسيلة علاجية لتصحيح مسار العقل المضطرب بعد رفضه لجهود العلماء والفقهاء والمصلحين والموجهين؟

ان وحدة المعالجة الرئيسية Central Processing Unit في الحواسيب الآلية وغيرها من الأجهزة الذكية تستجيب عادة لعمليات الإصلاح وإعادة البرمجة، وبالتالي فإن العقل البشري إن هو في حالة غير جيدة قد يكون أيضا قابلا للإصلاح والاستجابة لعملية المعالجة وبالتالي إعادته للمسار الصحيح. وهي عملية تشبه الى حد بعيد عملية إعادة البرمجة في الأجهزة الذكية

وطالما ان الآلات، كما في الأجهزة الذكية وغير الذكية تتقبل عملية الإصلاح والبرمجة بالرغم من كونها جمادات لا حياة فيها، فكيف لا يستجيب العقل المعتل لعمليات الإصلاح وهو عضو حي نابض بالحياة؟. لقد أثبتت البرمجة العصبية مثلا إمكانية نجاح عيوب النظر وتصحيحه. بمعنى ان العين تستجيب للمعالجة ويتحسن مستوى قدرتها على الرؤية بشكل أفضل وأسرع. في حين ان العقل الذي هو وعاء الفكر وبه مركز العصب البصري والأوامر، قد لا يستجيب أحيانا للدواء فيظل عصيا وعنيدا ويابسا

ربما أن كثيرا ممن أخضعوا لجلسات المناصحة لم يستجيبوا تماما لمحاولات الإصلاح والإرشاد والتغيير، بل إن بعضهم عاد لسابق عهده وبتطرف اشد من ذي قبل، بينما استفاد وتجاوب بعضهم من الآخرين واستقامت حياتهم وأدركوا فيما بعد انهم كانوا يسيرون على غير هدى، وأنهم كانوا ضحايا لفكر متطرف وغريب وخطير.

وهنا يتضح لنا التباين الشديد في معدل قبول المناصحة والارشاد من شخص الى آخر. ولذلك أرى أنه لا بد من أن نستمر في البحث والتقصي عما قد يساعدنا في الوصول الى كشف أسباب العلل المانعة لاختراق مجال العلة والاستمرار في البحث عن وسائل عملية للقضاء على هذه الأسباب والمعوقات التي تحول دون الوصول الى حيث تكون العلة 

ويوجد الخلل للقيام بعملية تعقب المادة المسئولة عن تعطيل عمل جزء ما في المخ قد يكون من وظائفه الاستجابة لمنطق الأمور واستشعار مركز الوسطية بين قطبين متباعدين، ومن ثم التعامل مع هذا الجزء أملا في الوصول الى ما يحقق التعافي من هذا الداء الذي يهاجم عقول من سلكوا طريقا لا يحقق لهم الحد الأدنى من التوازن بين حياتهم المادية والروحية وبين علاقاتهم في العيش مع الآخرين بسلام.

نعلم جميعا أن الله سبحانه وتعالى خلق الانسان في حالة من التوازن النفسي والتوازن العقلي والعاطفي بحيث تستقيم وتستمر حياته بهذا الاعتدال ويستطيع تبعا لذلك ان يتعايش مع بني جنسه على سطح الكرة الأرضية بسلام ووئام، الا إن التطرف بكل اشكاله، سياسيا كان أو أيديولوجيا دينيا، لن يؤدي الى إيجاد هذا التوازن المطلوب في علاقات الفرد بالمجتمع، كما لن يؤدي الى الوسطية في علاقات الدولة بالمجتمع الدولي بأسره وبالتالي الجنوح نحو العزلة.

ان الأطياف السياسية left – Right Politics التي يرمز لها في الخط السياسي بأقصى اليمين او أقصى اليسار ربما لا تمثل في واقع الأمر أغلبية في أي برلمان او حزب سياسي. فأقصى اليمين يكون الخط السياسي متصلا بالفاشية، والأيديولوجية المحافظة، ثم الليبرالية، ثم الى اليسار تقع الاشتراكية والشيوعية. وفي كلا الجانبين: اقصى اليمين وأقصى اليسار، يكون التطرف Radical هو السمة السائدة في توجهات هذا الحزب او ذاك. الا أن هناك ما يسمى باليمين الوسط واليسار الوسط في كل من الاتجاهين حيث يمثل وسط اليسار ايديولوجيات رئيسية هي التقدمية والليبرالية الاجتماعية والديموقراطية الاجتماعية، وهذا الوسط اليساري يستبعد مواقف اقصى اليسار المتمثلة في النظرية الماركسية،

 وهي نظرية سياسية واجتماعية تنسب الى صاحبها الفيلسوف الألماني كارل ماركس وترى ان الاقتصاد هو الآلية الأساسية لعمل المجتمع حيث تتوقف كل المجالات الأخرى كالسياسة والدين على نمط النظام الاقتصادي. بينما يرمز وسط اليمين في الخط السياسي الى السياسة اليمينية المعتدلة التي تكون أقرب الى الوسطية أكثر من غيرها من المتغيرات اليمينية.

في حين يُنظر إلى الوسطية Centerism كحل وسط بين اليمين واليسار. وهي تمثل الاعتدال في كل أمور الحياة. فهي منهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي كما ورد في القرآن الكريم {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.» حيث تدل الآية الكريمة على أهمية الوسطية وتحقيق التوازن في الحياة من أجل ان ينعم الانسان – كما أشرت سابقا – بالسلام ويعيش في تناغم وانسجام مع كل البشر الذين يشاركونه الحياة على كوكب الأرض. فكما يكون الانسان مطالبا بأداء العبادات والشعائر الدينية فانه كذلك مطالب بالعمل والسعي في كسب الرزق.

وفي الإسلام تعدّ الوسطية ركيزة أساسية يقوم عليها المنهج الإسلامي حيث ينظر الإسلام الى الوسطية باعتبارها منهجا فكريا ودينيا نصت عليه وبرهنت الآيات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لتكون طريقا للعمل والعبادة. ومن هذه الآيات قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} البقرة. 143. وقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ} (171) سورة النساء. وفي هذه الآية نهي عن المغالاة في الدين عموماً، والتعصب المقيت في الرأي، والتزمت المشين في الفكر.

إذن فالوسطية والاعتدال كلاهما مصطلحين لغويين يشير كل منهما في دلالته المعنوية الى ضرورة إيجاد التوازن بين العمل والعبادة كما ورد في سورة القصص، الآية 77. وربما كان من المناسب ان نضرب مثلا من الممارسات العملية في الحياة العامة لبيان أهمية تحقيق التوازن وخطورة الميل أو التطرف في المذهب او في الاتجاهات الفكري.

فعلى سبيل المثال لكم ان تتصوروا مشهدا لرجل يسير على حبل بين قمتي جبلين يرتفعان عن الأرض ارتفاعا شاهقا، وهو يسعى بكل جهد ممكن الوصول إلى قمة الجبل المقابل سالما. سنشاهد الرجل ممسكا بعصا طويلة يستخدمها لمساعدته في حفظ التوازن اثناء سيره البطيء على الحبل. فماذا لو هبت عاصفة او تساقطت عليه زخات من البرد أو مر من أمامه سرب من الطيور الجارحة، ثم مالت هذه العصا الطويلة ذات اليمين او ذات الشمال؟

هل سيحاول الصمود قليلا في وجه العاصفة، أو يتحمل سقوط حبات البرد على رأسه لأجل ان يبقى محافظا على توازنه واعتداله حتى يقطع المسافة القليلة المتبقية على النهاية، أم انه سوف يقرر الانحراف نحو اليمين او الشمال ومن ثم يفقد توازنه ويسقط؟ ان أية محاولة للانحراف لأجل تفادي خطر بسيط سيؤدي الى السقوط ثم الهلاك الحتمي.

نعلم جميعا ان الله سبحانه خلق الأرض التي نعيش عليها بتوازن هو غاية في الدقة وبقدر محكم في كل مقومات الحياة من الماء والضغط والاكسجين وغير ذلك. وقد خلق الله الأرض في مسافة متوسطة من الشمس لكي تمدّها بالدفء والطاقة. ولو جعل الله الأرض في مسافة قريبة جدا او بعيدة جدا عن الشمس لاستحالت الحياة على كوكب الأرض

.كما نعلم ان الله سبحانه وتعالى أودع في جسم الانسان ما يحفظ له التوازن والاعتدال. ومن هنا نتفهم أهمية التوازن والوسطية سواء في المادة او في حياة الانسان. ونعلم أيضا ان كل عضو بجسم الانسان قد يتعرض الى حالة مرضية تتطلب البحث عن العلاج المناسب.

 وبالتالي فان عقل الانسان، وهو العضو الرئيسي باعتباره مركز التحكم في الجسم لن يكون ايضا بمنأى عن العلل التي قد تعيق أداءه لوظيفته وتقبله لمنطق الأمور والأدلة القاطعة. وحينئذ يصنف العقل هنا بوصوله الى مستوى من اللاتوازن مما يستدعي التدخل طبيا والخضوع للمعالجة املا في إعادته إلى حالة المنطق والتوازن والاعتدال. ومن الأمثال الدارجة التي تدل على نهج الاعتدال والوسطية قولهم: «يمسك العصا من الوسط»، وقد تعني محاولة إرضاء جميع الأطراف. ومن أقوال الحكماء في ذلك قولهم: «خير الأمور الوسط» كما يقابله في الامثال الانجليزية The middle way is the best one

إن الأمة الإسلامية هي الأمة الوسط، أي أمة العدل والقسط، أمة الاعتدال والقصد، وهذه الوسطية تتجلى في كل جوانب الإسلام، فالإسلام وسط في الاعتقاد والتصور، وسط في التعبد والتنسك، وسط في الأخلاق والآداب، وسط في التشريع والنظام

والاعتدال ضروري بين الأفراد وعلي صعيد الأسرة والمجتمع المحلي، وأن جهود تعزيز الاعتدال وتكوين السلم الأهلي والتقدم الحضاري بات من المواقف القائمة على بناء المنظومة القيمية للهوية الوطنية الواحدة، وإصغاء البعض للبعض والتضامن والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد؛ لذلك ينبغي أن تبذل في المدارس والجامعات وعن طريق التعليم غير النظامي وفي المنزل وفي مواقع العمل.

 وبإمكان وسائل الإعلام والاتصال أن تضطلع بدور بنّاء في تيسير الاعتدال والسلم الاهلي بصورة حرة ومفتوحة، وفي نشر قيم الاعتدال والسلم الأهلي وإبراز مخاطر اللامبالاة تجاه ظهور الجماعات والأيديولوجيات المتطرفة غير المتسامحة.

ويعدّ مفهوم الاعتدال من المفاهيم ذات الأهمية الأساسية في المجالات كافة، وتعدّ قيمه عناصر بنائية مشتقة من التفاعل الاجتماعي معبرة عن مكونات أساسية للمجتمع الإنساني، وتشير القيم بأنها تمثل انعكاسات فعلية لدى الإنسان أو تخلق لدية الرغبات والحاجات، من خلال سلوك الفرد.

ولأن حركة المجتمعات تتسم بالطبيعة الدائرية، ففي لحظة ما يحدث تراجع في مساحة التطرف المجتمعي، ويستعيد المجتمع اعتداله، وذلك لعدة اعتبارات أهمها النتائج التي ترتبت على المسار المتطرف، فاختيار التطرف كان محكومًا في المقام الأول برغبةٍ في الخروج من السياقات المتأزمة التي يعيشها المجتمع، ومن ثم فإن استمرارية هذه السياقات لفترات ممتدة واشتداد وطأتها سيدفع أعضاء المجتمع إلى إعادة التفكير مرة أخرى في جدوى المسار المتطرف. فالتكلفة المتزايدة للتطرف، وعدم قدرة أعضاء المجتمع على تحملها، يشكلان شرطًا أوليًّا لبدء مرحلة الاعتدال في دورة المجتمع.

ترسيخ ثقافة الاعتدال في المنظومة المجتمعية

إن الدولة بمفهومها الحديث لها أركان تقوم عليها، حسبما يرى العلماء المختصون، ومن أهم هذه الأركان المجتمع، لذلك يظهر تأثر المجتمع في بناء الدولة واضحاً، بل وحاسماً في قضية نجاح الدولة وفشلها، وباختصار تشير الوقائع والتجارب، أن المجتمع الناجح يصنع دولة ناجحة، والعكس يصح تماماً، لذلك يركّز العارفون في هذا الشأن على أهمية توازن المجتمع واعتداله، وابتعاده عن التطرف في الفكر والسلوك واتخاذ المواقف فلا يصح أن يكون حال المجتمع محصوراً بين الخنوع التام والعنف المطلق، بمعنى عندما يغيب السلوك الوسطي سوف يعيش المجتمع حالتين متناقضتين تماماً.

وهذا التذبذب بين الخنوع و العنف لا يمكن أن يسهم في صناعة دولة مستقرة، بمعنى أن المجتمع ينبغي أن يتخذ من الاعتدال والتوازن طريقاً للحياة وهذه مهمة النخب المعنية بهذا الامر، واذا تحقق ذلك مع مرور الزمن، فإن المجتمع سوف يكون في هذه الحالة صانع الاستقرار، وهو المحفّز على التغيير والابداع والتجدد، وهذا هو الطريق الأمثل نحو بناء الدولة المدنية المستقرة، ولكن عندما تغيب حالة الاعتدال في الفكر والسلوك المجتمعي، ويصبح المجتمع خانعاً أو عنيفاً بصورة مطلقة،

 فإن هذا المنهج لا يمكن أن يسهم في بناء دولة مستقرة تسعى الى التطور والتقدم، بل هذا الجانب سوف يؤكد فشل الدولة وتراجع المؤسسات المعنية في بناء المجتمع، وعدم قيامها بمهامها، فضلاً عن ضعفها وافتقارها للقدرة على البناء المجتمعي السليم، وهذه النتائج هي انعكاس حتمي لغياب الاعتدال المجتمعي. (عقيل، 2006، ص96)

ويفرز المجتمع نخبًا جديدة أكثر قدرة على تطوير خطاب معتدل يتعاطى مع مشكلات المجتمع بشكل واقعي دون الاستناد إلى خطاب المؤامرات الخارجية والتهديدات الدائمة. وفي السياق ذاته، يتم الاستقرار على صيغة إيجابية للانتماء الهوياتي تؤكد التعايش الجماعي، ولا تستلزم بالضرورة العنف والصراع مع الآخر؛ حيث يشير (هيجل) إلى “أن وجود الآخر ضروري وأساسي بالنسبة لي، فأنا لا أستطيع أن أكون حرًّا بمفردي، ولا أكون واعيًا بمفردي، ولا أكون إنسانًا بمفردي”.

ويرى أهل التخصص أن ثمة جوانب وعوامل ودوافع هي التي تأخذ المجتمع نحو التعصّب والتطرف في الرأي العام او السلوك، أو تجعله مستكيناً وخانعاً لأصحاب القرار، وفي كلتا الحالتين سيكون المجتمع هو الخاسر، أما الخنوع فهو نوع من السلوك السلبي،

 قد يلجأ إليه المجتمع في ظل مصادرة الرأي، واستعمال النظام السياسي الحاكم للقسوة والقوة المفرطة، في مقارعة الرأي والفكر والكلمة التي لا تتفق مع ثقافة واهداف الحكم، فعندما يصادر النظام السياسي حرية المجتمع، يهدف من ذلك إلى حماية عرشه، ومكاسبه المادية المتمثلة بالنفوذ والجاه والقوة، والاستحواذ على المناصب والاموال، ونشر الفساد في مفاصل الدولة كلها، حتى يسهل على رموز السلطة سرقة الشعب ومصادرة حقوقه وحرياته، كل هذا يحدث بقوة القمع، وهذه الظاهرة تحدث في ظل الحكومات الفردية والانظمة المتسلطة. (زقزوق، 2002، ص 97-99)

لذلك هناك دور أساسي للحكومة في تحقيق هدف الاستقرار، وهذا في الحقيقة جزء من الحلول التي ينبغي أن تلجأ إليها الدولة والمجتمع معاً، لكي يتحقق نوع من التوازن، والابتعاد عن التطرف، لذلك على الحكومة أن تقوم بدورها على أفضل وجه، لدعم الاستقرار، عن طريق الإسهام بقوة ومنهجية في صناعة المجتمع المدني المتوازن، وهي قادرة على التعامل مع هذا الجانب الحساس بنجاح، فيما لو تم التخطيط له بفاعلية ونجاح، وتم تنفيذه بصورة دقيقة، حتى فيما يتعلق بدور المجتمع، هناك دور للحكومة في تنشيطه وتطويره، ولكن ينبغي أن يقوم ذلك على التخطيط المدروس والمنهجية العلمية.(جمال، 2009، ص 164)

ولا شك أن التعاون المتبادَل بين الحكومة والمجتمع سوف يقود إلى نتائج سليمة بخصوص بناء الدولة المدنية المتطورة، وهذا يستدعي أن تتحرك الحكومة وفق خطوات عملية مدروسة، وموضوعة من لدن خبراء ولجان متخصصة، لكي تساعد على منع التطرف وعدم انتشاره بين مكونات المجتمع، ولابد أن تعمل فعلياً على خلق أجواء وافكار الاعتدال في السلوك المجتمعي عموماً، وهذا لا يتحقق في ليلة وضحاها، إنما يحتاج إلى تأسيس وتطوير وتخطيط مسبق وصبر وعلمية في التنفيذ، وصولاً إلى صناعة الدولة الناجحة.

فالاعتدال وفق هذه المعطيات عامل فاعل في بناء المجتمع بتشكيلاته التقليدية والحديثة ومشجع على تفعيل قواعده. وهكذا نستخلص إن الاعتدال يستوجب الاحترام ويستلزم التقدير المشترك بين ابناء الوطن الواحد ويدعو إلى السلم الاهلي في المجتمع وتتقارب

 ويفرض التعامل في نطاق الدائرة الموضوعية من دون المساس بدائرة الخصوصية من غير إثارة لحساسيتها وانتهاك لحرمة ذاتيتها وهي دائرة تبادل المعارف والمنافع والمصالح والشراكة الفاعلة التي يعود مردودها بالخير على الجميع. (عيدان، 2006، ص 81)

وعلى هذا يعدّ الاعتدال قيمة تتأسس على التناغم داخل الاختلاف، فهو ليس تنازلاً ولا مجاملة بل موقف فعال يحركه الإقرار بالحقوق العالمية للشخص وبالحياة الأساسية. لأجل ذلك كله يعتبر الاعتدال مفتاح الدخول إلى حقوق الإنسان والتعددية والديمقراطية ودولة الحق والقانون. من جهة أخرى يتسم الاعتدال بالعديد من المميزات الخلقية من بينها ايجابيته؛ 

إذ لا يقف الأمر عند حد قبول الآخر، ولكن الاستفادة منه لاكتساب مشاعر الوحدة الوطنية وروح الأمل، انه بلا شك يتيح التعلم للعيش مع التنوع الاجتماعي بين ابناء الوطن الواحد ومع الآخرين المختلفين عنا في العرق والدين، والاهم من ذلك هو أن نمنح الآخر حق التعبير في ممارسة معتقداته الدينية عن أفكار وقناعات قد تتناقض مع ما لدينا من أفكار وقناعات، بل واحترام الحق في التعبير عن مقاصد قد تبدو لنا غير ذات قيمة أخلاقية. يدوري، 2012، ص 75- 78)

وهو بذلك يعبر عن الموقف الايجابي المتفهم للعقائد والأفكار والذي يسمح بتعايش الرؤى والاتجاهات المختلفة على أساس شرعية الآخر سياسياً ودينياً، وعليه فالاعتدال هو امتزاج بين الفكر والأخلاق، وتعبير عن موقف فكري من جهة، وموقف أخلاقي من جهة أخرى، فالموقف الفكري يحدد طريقة التعامل مع المفاهيم والأفكار المغايرة على مستوى النظر، وموقف أخلاقي يحدد طريقة التعامل مع المفاهيم والأفكار المغايرة على مستوى العمل. (المحمداوي، 2014، ص 44)

أهمية الاعتدال:

لا شك في أن الاعتدال أمر ضروري وجوهري في المجتمعات الحديثة وفي واقعنا الراهن بكل ما يحمله من قيمة إنسانية عظيمة وان ثقافة الاعتدال ليست مجرد ترف فكري وإنما هي ووفق جميع الاعتبارات الأسلوب الأساس القادر على جعل المجتمع مكاناً صالحاً للحياة. والواقع التاريخي والمعاصر للعراق يكشف لنا أنه كان ولا يزال ملتقى الأديان السماوية، ومهد الحضارات العريقة، والعيش المشترك، وهي ميزة لم تكن إلا خلاصة تاريخ طويل لمجموعات من الشعوب، اتخذت من هذه الرقعة الجغرافية مقراً وموطناً لها، ومن طوائفها جامعاً مشتركاً تعرف به عن طريق ممارستها الدينية، والاجتماعية، والتربوية والسياسية، والاقتصادية، وغيرها.

والاعتدال هو ما يمكن أن يمارسه الأفراد أو الجماعات سواء في المجال العام على المجتمعات وسائر التجمعات الاجتماعية والحكومات والدول. (الخليل وآخرون، 1992، ص 29- 30)

وانطلاقاً من كون مفهوم (الاعتدال) مفهوماً عالمياً يشكل قاعدة للوحدة و الوسطية و للتفاهم والتخاطب والتحاور بين الشعوب والأمم والقوميات والأديان واتساقاً مع المنظومة الحضارية وتلافياً لأي فهم قاصر من الأنا تجاه الآخرين على تنوع الرق واللون والمعتقد واللغة والثقافة والدين والمذهب. (الجبوري، 2009، ص 29- 30)

أهداف الاعتدال:

ولأن الاعتدال يبنى على أساس الإقرار والقبول بالآخر مع وجود الاختلاف والتنوع، ولأنه في حقيقته خاصية وحاجة إنسانية، تتصل بإنسانية الإنسان الذي كرمه الله، بذلك تكون له أهداف نابعة من أهميته في الحياة الاجتماعية، وأهداف الاعتدال والحوار مع الآخر تتجلى في الوصول إلى الحقائق، أو القبول بالآخر لمصلحة الطرفين، فقد يشعر أطراف الصراع بأن تحدياً يواجه الجميع سوف تضعف مشاعر الكراهية والبغضاء وتتجه باتجاه آخر بدل توجهها نحو الداخل، ويمكن إبراز بعض هذه الأهداف ومنها:

1- التثقيف نحو الإيثار بكل شيء يسعى إلى لم الشمل والوحدة، وزيادة الوعي والمعرفة بكل ما من شأنه أن يبعد التفكير بالقضايا الخلافية الداخلية ومن ثم يضعف عوامل البغضاء والتعصب.

2- تهيئة وتفعيل الأفكار والآراء للتعامل مع القضايا الخلافية بأسلوب يتسم بالسلم الاهلي والمرونة، والترويج لتنمية الشعور باحترام الآخر، والاعتراف به وبحقه في ممارسة أفكاره، وعقائده بالطريقة التي يؤمنون بها.

3- التأكيد على أن ثقافة الإقصاء والتهميش واستخدام العنف ضد الآخر لن توصل أي الأطراف إلى بر الأمان، وهذا لن يكون إلا من خلال الاعتدال السلمي بين ابناء الوطن الواحد.

4- السعي لتفعيل دور قيم الاعتدال، عن طريق وسائل الإعلام بتجسيد الحوار والتسامح وتعزيز اللقاءات الصادقة وبنية حسنة لخروج الجميع سعداء من دون خسارة أي طرف. (المشهداني، 2012، ص 536)

أنواع الاعتدال:

للاعتدال أنواع تتركز بمجملها لصالح الفرد والجماعة ما لم تتصادم مع الثوابت العقائدية والفكرية ومن هذه الأنواع:

1. الاعتدال الديني:

يٌقصد به قبول واحترام المعتقدات الدينية والمذهبية الأخرى المختلفة والمخالفة، والتسامح تجاه معتنقيها، والاعتراف بحق المرء في تبني أية ديانة أو مذهب. (مراد ورزاق، 2012‘ ص 21)

وبموجب هذا التعريف يكون لأي فرد وفي كل الأديان حق ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية فهو يعني التعايش بين الأديان وحرية أداء ما يرونه، والتخلي عن التعصب المذهبي، قال تعالى ((إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) (المائدة: الآية 69). (حسين، 2010، ص 96)

كما تتجسد قيمة الاعتدال الديني في كونه يقتضي المساواة في الحقوق فالجميع يمتلكون الحقوق والوجود والدين والثقافة، فالغاية في الاختلاف هو التعارف لا التناكر، والتعايش لا الاقتتال، والتعاون لا التطاحن، والتكامل لا التعارض. إن أهمية الاعتدال الديني تتمثل في كونه ذا بعد وجودي، أي أنه ضروري ضرورة الوجود نفسه.

ولتوضيح ذلك يمكن القول أن سنة الوجود قد اقتضت أن يكون وجود الإنسان على الأرض على شكل تجمعات بشرية، وهي وان اتفقت في ما يجمع بينها من وحدة الأصل والحاجة إلى التجمع والحرص على البقاء والرغبة في التمكن من مقومات الحياة والسعي في إقامة التمدن والعمران والتوق إلى الارتقاء والتقدم فإنها قد تباينت في ما تتفرد به كل مجموعة من خصوصية عرقية ودينية وبيئية وثقافية.

يتضح من ذلك أن الاعتدال الديني يتمثل في كونه يقتضي التسليم المطلق -اعتقادا وسلوكاً وممارسة- ويعد أرضية أساسية لبناء المجتمع وإرساء قواعده وهكذا فهو عامل بناء ومشجع على تفعيل القواعد ويستوجب الاحترام المتبادل والتقدير المشترك ويدعو إلى تعارف الشعوب ويفرض التعامل في نطاق الدائرة الموضوعية من دون المساس بدائرة الخصوصية ومن غير إثارة لحساسيتها وانتهاك لحرمة ذاتيتها. (عيدان، 2006، ص 8- 9)

وفي إطار هذه المعطيات لابد من التأكيد على أن تعدد الأديان مشيئة إلهية، ولا يجوز أبداً أن يجبر احد على ترك دينه والانتماء إلى دين آخر. تلك المشيئة التي لخصها الرب القدير في القران الكريم، مخاطباً نبيه محمد (ص) بقوله: ((وَلَو شَاءَ رَبُكَ لَأَمَنَ مَنَ فِي الأرضِ كُلُهُم جُمِيعاً أًفَأنتَ تُكرِهُ الناسَ حَتى يَكُونُوا مُؤمِنِينَ))) يونس:99، وأهم من هذا كله، أن ترى في الآخر الذي لا يدين بدينها إنساناً، تحترم إنسانيته، وتعمل على أن تحفظ له كل ما يجعل حياته عزيزة كريمة، لا يمسها سوء، ولا يصيبها أذى. (الحيدري، 2012، ص60)

وبهذا يكون التعايش والاعتدال الديني مفروضاً على مختلف المجتمعات الإنسانية، وبين مختلف الأفراد، والجماعات والشعوب، وبذلك يصبح حاجة أساسية لا تهتم فقط بالعلاقات بين الحضارات والأديان والشعوب بل تشمل المجتمعات من داخلها.

2. الاعتدال الاجتماعي:

الاعتدال هو بلسم العلاقات مع الآخرين، وروح الاتصال الصحيح ومن دونه تصبح الحياة جافة جدا وتفقد قيمتها ولا يصبح للاتصال معنى ولا روح وهو أساس مهم جداً في الاتصالات والعلاقات البشرية.(جمال، 2009، ص31)

ويرى العالم (رينسكي) أن الاعتدال الاجتماعي يتضمن من الناحية النفسية مبدأ المساواة في المعاملة (Equl Treatment)، وإن معظم البشر يجب أن يحصلوا على ما يستحقونه في الحياة وأن كل فرد يجب أن يعامل على وفق مفهوم المساواة؛ لأن الكل بشر، والأفراد المرفهون يجب أن يساعدوا من هم اقل حظاً.

أما(ديفسون) فقدّ أكد أن الشخص المعتدل اجتماعياً يكون فرداَ موجهاً نحو الآخرين أكثر من توجهه نحو الذات ويتميز بقابلية الصفح (Forgiveness) مع من اخطأ بحقه. (بروازي، 2010، ص25)

فالاعتدال الاجتماعي هنا يعني العيش مع الآخرين في سلام وتقبل أفكارهم وممارساتهم التي قد يختلف معها الفرد، والإقرار لأصحابها بحقهم في ممارسة كافة حقوقهم في المجتمع. وقد يكون هؤلاء الآخرون مختلفين في الأصل أو الجنس أو اللون، أو الدين أو اللغة، أو من أبناء الوطن الواحد ولكنهم مختلفون في الرأي والفكر والمصالح والعادات والتقاليد والتعليم والمهنة والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، أو بعض الفئات الهشة كالمسنين أو المعوقين، كما قد يكون هذا الآخر إنساناً أو فكراً أو رأياً.

ويعدّ الاعتدال الاجتماعي من أهم القيم التي يتمحور حولها التنظيم الاجتماعي؛ لأنه اعتراف بالآخر على أساس إنساني بعد تجريد مرجعية التفاصيل من القيم العنصرية، والتجاوز عن الخلافات ومقابلة السيئة بالحسنة والعمل الصالح وتقديم يد العون والمساعدة، ونبذ روح التعصب والقسوة والعنف، ويكون ذلك عن طريق إقامة المناسبات ومشاركة أبناء المجتمع مع بعضهم البعض،

 وهذه مبادرات يمكن عن طريقها تقوية الأواصر والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد بعضهم مع البعض الآخر؛ لذلك يعد الاعتدال الاجتماعي من إحدى السمات الشخصية المرغوب فيها وهو شيء محبب لأنه ينطوي على تعزيز مشاعر الحب والمودة والاستجابات الايجابية المتمثلة بالأفكار التي ترفع من شأن الأفراد الآخرين، 

ويدعم الاعتدال الاجتماعي عن طريق العلاقات الاجتماعية وأشكال التفاعل الاجتماعي المرغوب فيها بين مختلف الجماعات التي تعيش في المجتمع الواحد أو في أكثر من مجتمع واحد مما يؤدي إلى اتسام هذا المجتمع بالتماسك، الذي يدفع به قدما في اتجاه النمو الحضاري والإنساني. (المشهداني، 2012، ص 537) كما أنه حقيقة اجتماعية 

لا يمكن أن تتجسد من دون تطوير الثقافة المجتمعية التي تحتضن كل معالم وحقائق هذه القيمة وبالتالي فأن المسؤولية الاجتماعية الأولى هي العمل على تطوير ثقافة الحرية والتواصل وحقوق الإنسان ونبذ العنف والإقصاء والمفاضلة الشعورية بين أبناء المجتمع الواحد

ولكي يُبنى الاعتدال الاجتماعي وتسود علاقات المحبة والألفة وحسن الظن صفوف المجتمع ينبغي ان نعلي من شأن الثقافة والمعرفة القادرة على استيعاب الجميع بتنوعاتهم واختلافاتهم الاجتماعية والفكرية. وهذا بطبيعة الحال، يتطلب ممارسة معرفية واجتماعية مع كل ثقافة تشرع لممارسة العنف والتعصب، أو تبرر لمعتنقيها ممارسة النبذ والإقصاء مع الآخرين، فالاعتدال الاجتماعي لا ينمو ولا يتجذر إلا في بيئة تقبل التعدد والاختلاف، وتمارس الانفتاح الفكري والمعرفي، وتطلق سراح الرأي للتعبير والنقد.

من كل ذلك يتضح لنا أن الاعتدال الاجتماعي هو الذي يدعم العلاقات الاجتماعية وينمي الأشكال المتنوعة للتفاعل الاجتماعي المرغوب فيها بين مختلف الجماعات التي تعيش في المجتمع الواحد أو أكثر من مجتمع، وهو شيء محبب لأنه ينطوي على مشاعر المودة والحب والتفاهم. (احمد، 2010، ص 101)

الاستنتاجات

1- مفهوم الاعتدال من المفاهيم ذات الأهمية الأساسية، في التفاعل الاجتماعي ويعبر عن مكونات أساسية للمجتمع الإنساني، وأنه يمثل انعكاسات إيجابية فعلية لدى الفرد في التسامح والعيش السلمي.

2- ضرورة معرفة خطر التطرف والطائفية والاختلاف بين ابناء الوطن الواحد على الأحداث اليومية التي يمر بها مجتمعنا؛ إذ شكلت أرضاً خصبة لتنامي التطرف وعدم الوسطية والاعتدال.

3- وأن جهود تعزيز الاعتدال وتكوين السلم الأهلي والتقدم الحضاري بات من المواقف القائمة على بناء المنظومة القيمية للهوية الوطنية الواحدة، وإصغاء البعض للبعض والتضامن والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد.

4- ينبغي أن تبذل كافة المؤسسات دورها في بناء تيسير الاعتدال والسلم الاهلي بصورة حرة ومفتوحة، وفي نشر قيم الاعتدال والسلم الأهلي وإبراز مخاطر اللامبالاة تجاه ظهور الجماعات والأيديولوجيات المتطرفة الغير المتسامحة.

التوصيات

1- دور الحكومة والجهات المسؤولة في معالجة التطرف، وذلك عن طريق تعزيز الثقة وبث روح الأمن والأمان والسلم الاهلي عن طريق الاعتدال و الحوار والتوعية الثقافية.

2- دور منظمات المجتمع المدني في إشاعة وتعزيز ثقافة الاعتدال بين ابناء المجتمع.

3- أن تكون مؤسسات المجتمع كافة مكان يزرع الاعتدال والوسطية والسلم الاهلي والأمن النفسي داخل نفوس ابناء المجتمع، بعيداً عن التطرف والعنف التي من شأنها تقليل الثقة بالنفس والمجتمع،

4- إقامة ندوات ومحاضرات تثقيفية من قبل الإعلام من شأنها أن تساهم في نشر ثقافة الاعتدال والوسطية والتسامح والسلم الاهلي بين ابناء المجتمع.

5- إعداد البرامج الدينية والإعلامية والاجتماعية التي تزيد من بث ونشر ثقافة الاعتدال والسلم الاهلي في المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى