الثقافة والتنمية

يعمل التدريب على تنمية وتطوير وتوسيع آفاق السلوكيات ذات العلاقة بالمرونة في العمل، والتفكير المنظّم وكيفية التعامل مع المُشكِلات المُختَلِفة ووضع المقترح والتوصيات، والقدرة على التأقلم مع التغييّرات وظروف العمل الجديدة وتنمية مهارات الانصات والابتكار والاتصال والتواصل  وتحفيز الموظفين واستثمار قدراتهم بما يعود بالنفع على جميع أطراف المجتمع.

كما إن أهمية التثقيف تتمثل بشكل رئيسي في أنه يساعد في بناء المعرفة لدى أفراد المجتمع بشكل يسمح له الانسجام في اطارة المجتمعي

•إنجاز بيئة  متكاملة ومتجانسة بين أفراد المجتمع.

•إيجاد نقاط للتواصل تجمع بين الميول والاهتمامات المشتركة بين أفراد المجتمع.

• تشكيل الطابع القومي والتراث الذي يُميّز أبناء المجتمع عن غيرهم من المجتمعات.

• تمكين الكيان الاجتماعي ودعم تماسكه من خلال التدريب المؤهل للأفراد المجتمع من اجل ايجاد فرصة العمل المناسبة للتدريبة

  • التأهيل النفسي للوصول بالفرد لأقصي درجة ممكنة من درجات التكامل في شخصيته وتحقيق ذاته.

إن الثقافة هي مجموعة الأفكار والمثل والتقاليد والعادات والمهارات وطرق التفكير وأساليب الحياة وتراث الماضي بقصصه ورواياته وأبطاله ووسائل الانتقال وطبيعة المؤسسات الاجتماعية في المجتمع الواحد.

 ومثال ذلك ثقافة الزي وثقافة إكرام الضيف وثقافة احترام الجار، واحترام النظام العام والمحافظة على نظافة المدينة، وكذلك ثقافة التعامل والتواصل والتعاون والتعارف بين أفراد المجتمع.

مما سبق نستطيع أن نقول إنه في حياة كل أمة من الأمم مفاهيم أساسية تحرص على ترسيخها وتطبيقها وتعميق إدراكها في نفوس أبنائها، وذلك في شتى المجالات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية.

 ولتحقيق ذلك فإن الأمة تتخذ وسائل مختلفة، فتؤلف الكتب وتعقد المؤتمرات وتضع مناهج التربية والتعليم وتستخدم كل وسائل الإعلام لتوضيح هذه المفاهيم الثقافية وشرح وبيان وجوه النفع فيها.

لا بدّ من الإشارة إلى ان العلاقة بين الثقافة والتنمية ليست ملفاً إدارياً صرفاً مع كل إدراكنا لدور الثقافة في تقوية القدرة الوطنية من خلال الاستثمار الإنساني بشكل يتلاءم مع أساليب الإنتاج وسوق العمل.

 ويمكننا الذهاب إلى أبعد من ذلك إلى القول ان التنمية القائمة على أسس ثقافية تجعل من الحضارة حركة اجتماعية متكاملة الإيقاع في كل ما هو مادي ومعنوي. وهكذا فإن العلاقة بين الثقافة والتنمية هي, أو يجب أن تكون, موضوعية, علمية, غير متحيّزة وإيجابية أي في ما يخصّ زيادة كمال الإنسان.

إنّ الأمم المتحدة تعتمد, في النهاية, منهج المجتمع كوسيلة لتوسيع آفاق الانسان. فهي تصف تنمية المجتمع على كونها عملية تربوية وتنظيمية “لأنها في نهاية الأمر مجموعة إجراءات لتقرير الاتجاهات الاجتماعية لدى الأهالي وتشجيعهم على تقبّل الأفكار الجديدة واكتساب المعلومات النافعة والمهارات العملية سواء بالنسبة للأفراد أو الجماعات”

. فجوهر التنمية في تحليل هذا التعريف هو ناتج عن ثورة عفوية, بل هو الوصول إلى مرحلة من الانطلاق الذاتي عن طريق تمكين الجماهير من القدرة على تحليل المواقف ومواجهة المشكلات والانخراط في العمل الجمعي من خلال مشروعات تعاونية

ويبدو ان البُعد الاجتماعي للتنمية لا ينبثق عن بناء أيديولوجي متميز. فالأمم المتحدة تارة تربط حركة التنمية الاجتماعية المحلية بحركة قومية شاملة, وتارة أخرى تحوّل القضية إلي عملية تربوية وتنظيمية تتعلّق بالإرشاد والتثقيف واكتساب المعلومات والخبرات

. وربما هذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى عدم التمييز بين مصطلحي تنمية المجتمع وتنظيم المجتمع. فبينما تتبنى أجهزة الدولة برامج تنمية المجتمع مثل التربية الأساسية, الإرشاد الزراعي, والإصلاح الريفي,

 نرى ان مفهوم تنظيم المجتمع يستهدف تحقيق أهداف إصلاحية تتمثّل في إعادة التوازن الاجتماعي عن طريق معالجة مشاكل الشباب, العنف ضد المرأة, المساواة بين الجنسين, وحقوق الطفل.

 ولا بد من التذكير بأن الفروق بين تنمية المجتمع وتنظيم المجتمع مهمّة فقط من الناحية المنهجية. لكن من الوجهة العملية لم تعد المسألة موضع خلاف بحيث ان أي إصلاح اجتماعي, أكان يعتمد على أنشطة الرعاية الفردية أم على الأجهزة الحكومية, يدخل في نطاق عملية التنمية الاجتماعية.

مثال على ذلك ان حامد عمّار ينظر إلى المعاق في إطار تنمية الموارد البشرية والتي تعتبر إحدى أعمدة السياسة التنموية. وفي اعتقاده ان الدول “التي تهتم اهتماماً منظمّاً ومخططاً وعلمياً بالأسوياء هي التي تعنى بنفس الأسلوب بقضايا المعاقين والمنحرفين” .

 وفي السياق نفسه يمكننا الحديث عن ضرورة إزالة كل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة, العمل على تعزيز حقوق الطفل وحمايته من المتاجرة والاستغلال, ودعم مسيرة الشباب وتقوية مناعته ضد المخدرات والجريمة والبطالة. مرّة أخرى نردّد أن غاية الثقافة تكمن في إعداد الانسان المدرك لحقيقة وجوده والواثق بقدرته على التغيير نحو الأفضل.

 فما تحتاجه الدول السائرة على طريق النمو يكمن في عملها على تقوية قدراتها الوطنية من خلال الاستثمار الانساني. فالثقافة تمثل خيارات في سلم قيم لها أبعادها الاجتماعية, الاقتصادية, الاعلامية, البيئية, والسياسية.

 فعلى الصعيد السياسي, مثلاً, لا يمكننا الحديث عن الديمقراطية دون مثقفين ديمقراطيين, أو خارج الإطار الثقافي. ومن الملاحظ اليوم أن الديمقراطية الشعبيــة هي صمّــام الاستقرار, لا بل إنهــــا مصدر القــــوّة للدولـــة السائـــرة على طريـــق النمو.

إن حماية الثقافة وتطويرها هما، في نفس الوقت، غاية في حدّ ذاتها ووسيلة للمساهمة المباشرة في تحقيق جزء كبير من أهداف التنمية المستدامة : مدن آمنة ودائمة، شغل لائق ونموّ اقتصادي، تقليص في الفوارق، حماية للمحيط، مساواة بين الجنسين، مجتمعات سلمية وشمولية… لكن العمل بأهداف التنمية يسمح أيضا بجني فوائد غير مباشرة من الثقافة.

ففي أهداف التنمية المستدامة مصادقة على مفهوم جديد للتنمية، يتجاوز هدف النمو الاقتصادي البحت، ليرسم المستقبل المنشود الذي يرتكز على الإنصاف والشمولية والسلام وديمومة البيئة. وهذه النظرة الجريئة تستوجب تفاعلات خلّاقة تتجاوز المقاربات السطحية والقطاعية التي تعوّدت عليها جلّ الدول منذ عقود.

وإذا حصرنا محورة هذه الأهداف حول الأسس الثلاثة للتنمية المستدامة، الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أدركنا الدور المشترك الذي يؤمّنه، في كلّ منها، البعدان الثقافي والإبداعي. وفي المقابل، تساهم أيضا الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة في المحافظة على التراث الثقافي وفي تغذية القدرات الابتكارية.

ويشكّل كلّ من التراث الثقافي المادي وغير المادي، والطاقة الإبداعية، موارد يجب حمايتها وإدارتها بكل عناية. فكل منها قادر على أن يكون مُحرّكا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة  وعلى  تيسيرها، باعتبار أن المقاربة الثقافية هي عنصر أساسي لإنجاح المجهودات المبذولة لبلوغ هذه الأهداف.

للثقافة دور حاسم في بلوغ الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة، الرامي إلى «العمل على أن تكون المدن والمؤسسات البشرية مفتوحة للجميع، مرِنة ودائمة يمكن للثقافة أن تكون فعالية تنموية عندما يتم الاعتراف فعليا بالخصوصيات الثقافية الخاصة بالمكان والمجتمعات المحلية وعندما يتم التوظيف الأمثل للموارد الثقافية المحلية والاستفادة من منظومة المعارف والمهارات والخبرات الكامنة فيها. وهذا يعني أن تجاهل المضامين الثقافية للثقافات المحلية قد يؤدي إلى فشل العملية التنموية برمتها.

فالثقافة تمكّن أفراد المجتمع من الهيمنة على المصير، وتجعلهم أكثر قدرة على تحقيق التغيير الملموس في مجال التنمية الشاملة، وهذا يشكل أمرا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة في أكثر مساراتها الوطنية خصوصية وأهمية. وعلاوة على ذلك، فإن احترام وتعزيز التنوع الثقافي في إطار نهج قائم على حقوق الإنسان، يسهل الحوار بين الثقافات، ويمنع الصراعات الداخلية، ويحمي حقوق الفئات المهمشة، داخل الدول وفيما بينها، مما يهيئ الظروف المثلى لتحقيق الأهداف الإنمائية.

زر الذهاب إلى الأعلى