ماذا تعرف عن سد النهضة ؟ (1 -2)

يعتبر سد النهضة الاثيوبي مثارا للجدل والترقب والخلاف بين كل من مصر واثيوبيا منذ البدء في انشائه عام 2011 وحتى اليوم , ولا يتوقع ان ينتهي هذا الخلاف مستقبلا مالم يتم التفاهم والاتفاق على النقاط العالقة بين الجانبين , وفي هذا المقال سنتعرف على عدد من المعلومات عن هذا السد الكبير والتي تخفى عن الكثير في ظل تسارع الاحداث مؤخرا لا سيما مع قرب بدء اثيوبيا ملأ السد مطلع يوليو القادم كما اعلنت.

يغذي نهر النيل الذي يصل مصر بشكل اساسي نهران هما النيل الازرق القادم من الهضبة الاثيوبية والنيل الابيض القادم من بحيرة فيكتوريا حيث يلتقي النهران في مدينة الخرطوم السودانية ثم يواصل اتجاهه شمالا الى مصر , وتشكل كمية الماء القادمة من النيل الازرق حوالي 85% من نهر النيل , وعليه يعتبر النيل الازرق هو المصدر الرئيسي لنهر النيل الذي لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لمصر.

يعد النيل في مصر هو مصدر الحياة نظرا لأن مصر فقيرة مائيا بالمياه بعد استبعاد نهر النيل الذي يوفر اكثر من 90% من احتياجات مصر المائية للشرب والزراعة وتوليد الكهرباء وغيرها , ولهذا فإن المساس بهذا النهر من منابعه أو في أي جزء منه سيؤثر على حصة مصر المائية منه, وبالتالي تعرض امنها المائي للخطر لاسيما مع تزايد عدد السكان الذي يتجاوز حاليا 100 مليون نسمة , في حين ترى اثيوبيا انها في حاجة ماسة للتنمية لا سيما في توفير الكهرباء لسكانها وللتطور الاقتصادي والاجتماعي في البلد الذي بدأته منذ 20 عاما تقريبا , ورغم ذلك لا يزال القسم الاكبر من سكان اثيوبيا بدون كهرباء حيث تشير الارقام الى أن حوالي 67 مليون شخص في اثيوبيا , وبحسب تقرير من البنك الدولي للتنمية في عام 2019 م  يبلغ متوسط استهلاك الفرد السنوي في اثيوبيا من الكهرباء حوالي 69 كيلو واط بالمقارنة مع استهلاك الفرد في مصر والتي تبلغ 1683كيلو واط .

نهر النيل يعتبر نهر دولي تنطبق عليه اتفاقات دولية في هذا المجال , والتي تضمن في مجملها عدم الضرر بجميع البلدان التي تستفيد من هذا النهر , وبالعودة الى محاولة اثيوبيا انشاء سدود على نهر النيل الازرق فقد بدأت المحاولة في عهد امبراطور اثيوبيا الراحل هيلا سيلاسي قبل حوالي 60 عاما , في فترة انشاء مصر السد العالي في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر , حيث دعا الامبراطور هيلاسيلاسي الولايات المتحدة الامريكية انذاك لمساعدة بلاده في انشاء سد على نهر النيل خصوصا وان اثيوبيا كانت موالية للغرب في حين كانت مصر موالية للاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية في تلك الفترة , وقد تولى ما يُسمى “مكتب استصلاح الأراضي” التابع للحكومة الأمريكية المهمة وأجرى عمليات مسح للنيل الأزرق، دون الرجوع إلى دول المصب، مصر والسودان، بخلاف ما تنص عليه اتفاقية عام 1929 بين بلدان نهر النيل.

وفي كتابه “نهر النيل: نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل”، يقول العالم المصري الراحل د. رشدي سعيد , “قام المكتب الأمريكي بدراسة هيدرولوجية حوض النيل الأزرق وجيولوجيته وتضاريسه ونوعية مياهه وثروته المعدنية وقياس تصرفاته وبتصوير الحوض من الجو ورفع الخرائط له، وقد نشر المكتب نتائج أبحاثه في تقرير وخمسة ملاحق”.

ويتابع: “ركز التقرير على إمكانيات استخدام مياه النيل الأزرق لتوليد الكهرباء. حيث يسقط النيل الأزرق خلال رحلته من بحيرة تانا وسط اثيوبيا إلى الحدود الأثيوبية- السودانية والبالغة 900 كيلو متر، حوالي 1350 مترا، يسقط منها 500 متر في المائة كيلو متر الأولى من مجراه، وقد اقترح التقرير بناء أربعة سدود كبيرة في الجزء الأخير من المجرى”.

لكن نتيجة الدراسة توصلت إلى أن تكلفة المشاريع المطلوبة كانت مرتفعة للغاية، لذلك “اقترح المكتب الأمريكي أن تقوم إثيوبيا بالتركيز خلال القرن العشرين على بناء السدود الصغيرة.. أما مشروعات السدود الكبيرة على النيل الأزرق فقد اقترح تأجيل إقامتها إلى القرن الواحد والعشرين”.

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى