ما قرطو إلا نموذجاً !

  قبل أكثر من أربع سنوات أجرت إحدى القرى العشائرية في الصومال انتخابات لاختيار عمدتاً لها، و من المعتاد ان تؤول النتائج انتخابات لشخص واحد ، وكالعادة الصومالية المتوقعة حدث  اعتراض على النتيجة من احدى العائلات بحجته عدم عدالة النتيجة وإنه من غير الممكن أن يتعاقب أبناء عائلة واحدة على حكم القرية مرتين متتاليتين، -علماً بأن القرية لا يسكنها إلا عشيرة واحدة مكونه من عدة عائلات يرتبطون كلهم بعلاقات عائلية – وبعد معارضة شديدة حاول المصلحون إقناع العائلة المعارضة بأن الفترة العمادة القادمة تكون لهم، لم يقتنع أبناء العائلة بذلك وشددوا على مطلبهم بأن العمادة الحالية لهم وإذا تعسر ذلك فإنهم سوف يقبلون التقاسم العمادة كحل وسط بأن يكن للقرية عُمدتين و إلا فإنهم سوف يغادرون القرية تماماً ، وكان لهم ما ارادوا فغادروا القرية بجميع افرادهم ، وقرروا تأسس قرية من العدم ، وفي لحظة حماس وقع الاختيار على أرض قريبة من القرية الأولى ، لكن هذه الأرض تفتقر للماء ، وغير صالحة للزراعة ، وارضها صخرية جداً، و البناء فيها متعسر ، مع ذلك فبدعم من أبناء العائلة المغتربين و تشجيعهم المادي والمعنوي  تأسست قرية وتوسعت وتطمح اليوم على رغم من اساسها الهش بأن تكون مدينة كبيرة تنافس القرية الأولى . اذا كنت تتوقع بأن كل سبق ذكره كان دُعابة دعني أخيب أملك قليلاً و أقول لك بأني وقفت على هذه القرية الغاضبة بنفسي ، و بأن هناك العشرات من القرى والمدن الحالية التي قامت او عُمرت من جديد  لأسباب انفعالية بحته وبدون تخطيط مسبق خاصة بعد تجربة الحرب الأهلية التي أجبرت العديد من المواطنين  العودة إلى أراضي الأجداد الغير المُهيئة  لتأسيس او تعمير  مدن كبيرة، و ايضاً فإن  بعض المدن والقرى صومالية تأسست لظروف آنية حياتية لمجموعة بشرية  معينة في حقبة زمنية محددة فأستمر الأحفاد العيش فيها على رغم من كل عيوبها  ،  ومع تقادم الزمن نُسيئ الانفعال ، و اختفى الظرف المرحلي ، وبقيا الإنسان الصومالي في أرض غير آمنه ، وغير صالحة ، محاطة بعوامل تبشرها كل موسم  بأن وجودها مهدد، ومصيرها مبدد، وما قرطو و بارطيري وبلدوين التي تصارع ذات المشكلة أكثر من ستين سنة إلا نماذج لمدن صومالية عريقة قامت في وسط ظروف جغرافية  غير قادرة على صمود امام التغيرات المناخية الطارئة  او مستمرة.
     ان استمرار تلك مدن وكل مُدننا الهشة بلا استثناء بما فيها العاصمة مرهون بمدى تحركنا الفعلي لإحداث إصلاح متجذر ، لا بتقديم الحلول المسكنة ، و لا بإرسال الكلمات المعزية والشحنات الغذائية ، فإن التخطيط من جديد ، ورصد ميزانيات خاصة  ، والاستعانة بخبراء ومهندسي المدن ، وقراءة خريطة الوطن ، و الإلمام بالتغيرات المناخية ،ومكافحة فساد مشاريع البنية التحتية، والاعتماد على الله ثم بسواعدنا ، وعدم انتظار هبات الخارج، ،  هو ما يقلل الفواجع ويجعلنا نواجه كل المفاجئات المناخية بأرض صلبة .

فاطمة شيخ محمد حوش

كاتبة صومالية
زر الذهاب إلى الأعلى