قناة إسلامية صومالية : Somali Islamic Channel

رسالة الإسلام خالدة جاءت لإسعاد البشرية جمعاء ،ولا تحدها زمان ولا مكان ، وبسبب جهود دعاتها وعلمائها ومنسوبيها يتردد صداها اليوم في أرجاء المعمورة بعزّ عزيز أو بذل ذليل .

والدعوة إلى الله تعالى من أفضل وأحسن الطاعات والأعمال ، وفي التنزيل﴿ وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحًا وَقالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمينَ﴾ فصلتت ٣٣ .

وسائل الدعوة إلى الله تعالى ليست توقيفية بل مرنة وقابلة للتجديد والتحديث  والتبديع  كلما دعت الحاجة إلى ذلك ، وتتعاطى مع كل مرحلة بكل أريحية واقتدار، وتتطور وتنموا كل حين ووقت تلبية لحاجة الناس إلى التخاطب والتحادث معهم ، وتأخذ حكم المقاصد والغايات ، فكلما سمّت وعلّت ونَبُلت الغاية وأرتفع الهدف ، استمدت الوسيلة شرفها ورونقها من بهاء وإشراق المقصد ، لأن الوسائل تأخذ حكم المقاصد .

أبدع المسلمون الأولون في تنويع وتطوير وسائل الدعوة من أجل إيصال رسالة الإسلام إلى أكثر عدد من الناس ، لأن الناس ليسوا على مستوى واحد في الفهم والإدراك والاهتمام والاستماع ، فمخاطبة كل قوم بما يصلح لهم هو عين الصواب في نشر العلم والخير بين أتباعه وغيرهم . 

ولم تكن تنويع وسائل الدعوة بدعة من القول ، فهذا نبي الله تعالى نوح عليه السلام يستخدم أساليب متنوعة في دعوته لقومه كما حكانا القرءان الكريم ﴿قالَ رَبِّ إِنّي دَعَوتُ قَومي لَيلًا وَنَهارًا ﴾ وقال﴿ ثُمَّ إِنّي دَعَوتُهُم جِهارًا ، ثُمَّ إِنّي أَعلَنتُ لَهُم وَأَسرَرتُ لَهُم إِسرارًا  ﴾ نوح أية ٥ وأية ٨ و٩ .

وأما الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فلم يتقيد بنموذج واحد في نشر دعوته وإبلاغ رسالته ، فاستخدم الدعوة السرية والاتصال الشخصي والجماهيري وصعد الجبال وطاف الأسواق وزار مساكن وخيام زوار البيت الموسمية ، وخاطب زعماء القبائل وملوك العرب والعجم عن طريق البريد وارسال المندوبين .

إذا فالداعية مطلوب في كل زمان ومكان أن يواكب مع متطلبات العصر ويبتكر كل طريقة ووسيلة تقربه إلى الناس وتكون سببا لنشر رسالة الإسلام السامية بين الأنام .

يمثل الإعلام المرئي اليوم أكثر مجال للتواصل الاجتماعي انتشارا وأعظمه تأثيرا في جميع نواحي الحياة المختلفة والمتنوعة سياسة كانت أو اقتصادية أو اجتماعية ، وأصبح مركز أنظار العالم ومؤثره الحقيقي ، بل قد يفوق سلطانه في بعض الأحيان من قوة السلطات الرسمية ، ويلعب دورا كبيرا في تعبئة وتوجيه الرأي العام حسب مراد مشغلي هذه المكينة الجبارة ، كما أصبحت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا كبيرا لتلقي المعلومة ونشرها بسرعة فاقت كل التوقعات . 

الشعب الصومالي كغيره من شعوب أهل الأرض يوجد فيه الصالح والطالح والمصلح والمفسد والمتعلم والجاهل وهلمّ جر ، وهو بحاجة إلى علماء ودعاة يجيدون تعامل واستخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة من أجل الوصول إلى جميع أفراد المجتمع بكل يسر وسهولة ، وهذه المهمة لا يمكن تحقيقها إلى عن طريق استخدام الطرق الحديثة للاتصال والتخاطب التي قربت المسافات وجعلت العالم كقرية صغيرة يمكن للمرء أن يتجول فيها خلال بعض دقائق معدودة .

ولا يوجد في الصومال حسب علمي تلفزيون أو قناة مرئية للدعوة ونشر العلم الشرعي وتجعل المنهج الإسلامي الشمولي الاصلاحي في مسيرتها ومنهجها الإداري ، بل هناك قنوات حكومية أو خاصة تعرض بعض المواعظ والدروس العلمية في أوقات متفرقة ومناسبات مختلفة تلبية وتماشيا مع الذوق العام وتذكير الناس بهويتهم الإسلامية فقط دون التطرق إلى مواضيع ذات صلة بحياة الناس الدينية والدنيوية من منظور شرعي .

وقد توفرت لبعض الدعاة والعلماء الظهور على هذه الشاشات بصورة رسمية ولكن خطابهم بقي تقليديا ، إما قصورا من جانبهم أو أن القائمين على هذه المؤسسات لا يريدون أن يتجاوز الخطاب الإسلامي على حدود العبادات الشخصية كما هو الأمر في القنوات العاملة في العالم الإسلامي . 

والغريب في الأمر مع محدودية القنوات التي تتسامح في عرض شاشتها بعص المواعظ والمحاضرات الدينية أو تستضيف في برامجها الحية ببعض الدعاة إلا أن هناك بعض التنافس أو السعي لتوهيم القائمين على المؤسسات الإعلامية بأنه ينبغي لها أن لا ترسل بطاقة مشاركة ولا تسمح أن يظهر على شاشتها إلا من ينتمون إلى الفكر الفلاني أو الجماعة الفلانية ، خوفا من ظهور أي اسم أو شخص لا يتقيد بآرائهم ، وهو أمر محزن يَنم عن ضعف وهشاشة في التدين وسوء أدب مع قدسية الدعوة .

الصومال بحاجة ماسة إلى قناة إسلامية تخاطب العقول قبل القلوب ، وتقدم الأهم قبل المهم ، وتبني الإنسان قبل كل شيئ ، وتعرض الإسلامي الجمعي لا الحزبي ، لا تحتكر الفهم والإدراك  ، وتفسح المجال لأهل الخبرة ، وتجمع الأمة ولا تقسّمهم إلى فرق وجماعات ، وتقرب الأذهان بعضها إلى بعض ، ولا تقصي أحدا ، وتعتبر التباين في الآراء والأفكار من جمال الحياة ، ولا تحمل الناس على رأي واحد ، وترى الوجود بألوان متعددة ، ولا تجعل معيار التعامل بالأبيض أو الأسود ، وتحارب إما معي أو ضدي ، وتجعل الإسلام فوق القبيلة والمنطقة والجماعة والحزب والمصلحة الشخصية والفئوية ،وتناقش قضايا الأمة الكلية دون تحيز أو تغافل أو تجاهل ، تنمي التنافس الشريف بين الشعب ، وتحارب العنصرية بجميع أشكالها وأنواعها ، وتعمل جاهدة إلى جعل الإسلام أنموذج حياة تظهر أثاره في مكاتب الدولة ودواوين الحكومة ،وأسوار القضاء وأسواق البيع والشراء ، وفي كل مكان تذب في جنباته الحياة ، أي إسلاما يمشي على ظهر الأرض ، وليس فقط إسلاما يبقي في بطون الكتب والقلوب وألسنة الناس دون عمل ولا حراك .

وأخيرا فهذه القناة تحتاج إلى تمويل وإدارة وفريق عمل متخصص ، وليس كل من يملك رأيا ما أو تصورا ما في قضية من القضايا قادرا على تنفيذ ما قاده إليه رأيه ، وقد لا يكون  قد خلق له بهذا الأمر ، ولكن حسبه أن يعرض ما يرآه صوابا ، ولذلك أناشد كل من له قدرة مالية أو إدارية التبني بهذا الرأي والعمل بالبحث عنه والتحقق من صلاحيته وحاجة الشعب الصومالي إليه ، فإن وجد ما يحفز به فليمض به قدما ، ففيه خير وربح دنيوي وأخروي .

وفقه الله الجميع لما فيه صلاح ديننا ودنيانا. 

د. عبد الباسط شيخ إبراهيم مَيْلو

الاثنين ثاني يوم عيد الفطر المبارك ١٤٤١ه 

٢٥/٥/٢٠٢٠م .      

 

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى