الصومال والتحول الاستراتيجي في القرن الإفريقي…. حسابات الربح والخسارة 

نظرا لأهمية التحولات الجارية في منطقة القرن الإفريقي ليس  أمام  الصومال سوى الالتحاق بالركب والسعي في إنجاح مشروع التكامل الإقليمي لأن هذا المشروع رغم التحديات الكبيرة على أرض الواقع يحقق  العديد من المصالح الحيوية للصوماليين لكن بالتأكيد يجب أن يكون لدينا تصور واضح لما ستؤول إليه الأمور.

إنتهاء صلاحية وثيقة ” مكونات السلام والأمن لإثيوبيا لمابعد الحرب”

عاني الصومال منذ أكثر من 30 عاما من تدخل إثيوبي سلبي ساهم في تأجيج الاقتتال الداخلي وأدي إلى مقتل آلاف  الصوماليين وتدمير مقدراتها  وأن الصومال كان يأمل في أن تتغير إثيوبيا يوما ما وتتخلى عن سياسة فرق تسد التي كانت  تهيمن العلاقة بين البلدين،  وفق ما ذكر في وثيقة ” مكونات السلام والأمن لإثيوبيا لما بعد الحرب”  تم تسريبها في 7 يوليو 2007 عبر صحيفة ريبورتر الإثيوبية. وأوضحت الوثيقة أن السياسية الإثيوبية تجاه الصومال تكمن في تقسيمه إلى كانتونات[1]– وأن تحترم سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه وشعبه. ومن هنا يتبادر  إلى الذهن سؤال مهم، فهل إثيوبيا جديرة بالثقة ؟ لكن إذا تحقق هذا الأمل فإنه سيشكل لا  محالة نقطة تحول كبير في تاريخ الصومال، ويقتح الباب أمام مستقل باهر للشعب الصومالي، لأن إثيوبيا لها القدرة على أن تلعب دورا في تقوية الجهود الرامية إلى إعادة بناء وتقوية المؤسسات الوطنية الصومالية عبر جمع  الكيانات الصومالية وحثها على  وضع الخلافات جانبا والاتفاق على بناء  صومال قوي وموحد  يعيش جنبا إلى جنب بأمن وسلام مع إثيوبيا.

الإستغلال الأمثل للموارد الطبيعية

أن الصومال بلد استراتيجي وغني بالموارد الطبيعية، غير أنه  لا يمتلك الإمكانيات والخبرات المطلوبة مع العلم أن  المستثمر جبان وأن الاستثمار الأجنبي دائما يبحث عن المناطق الآمنة والمستقرة ولذلك في حال توافقت دول القرن الإفريقي على  التعاون في تحقيق التكامل من أجل منطقة مستقرة سيكون الصومال الرابح الأول   ويتمكن من الاستغلال الأمثل لموارده وثرواته الطبيعية  وتعزيز  المساعي الجارية من أجل  إعادة بناء قطاعاته الإنتاجية ومؤسساتها الاقتصادية بالإضافة إلى شطب ديونه الخارجية البالغ عددها 5 مليار دولار[2]، وكسب ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة، والحصول على أقراض من الدول والمؤسسات المالية  كالبنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية.

الحرب على حركة الشاب

حركة الشباب تمثل التحدي الأكبر أمام مستقل الصومال وهي قوية ولا يمكن التغلب عنها سوى جهد جماعي وتعاون  وثيق في شتى المجالات بسن دول المنطقة ولاسيما في المجال العسكري والأمني، وأن التكامل الإقليمي يتوقع أن يساعد الصومال في بناء مؤسساته الأمنية والعسكرية  لتتمكن من الانتصار في الحرب ضد حركة الشباب  التي تحاول في الشهور الأخيرة الحصول على موطئ قدم لها في دول الجوار وخاصة كينيا وإثيوبيا. وفي هذا الإطار هناك معلومات عن وجود اتفاقيات سرية بين اريتريا وإثيوبيا لدعم الصومال عسكريا بعد انسحاب بعثة قوة الاتحاد الإفريقي للسلام [3] وتزويد الجيش  الصومالي بأسلحة ثقيلة ونوعية وارسال قوات إريترية إلى مقديشو للحماية على المقرات الحكومية الرئيسية، والجدير بالإشارة هنا أن ارتريا قد أرسلت كميات من الأسلحة تشمل   دبابات إلى الصومال عام 1998 دعما لحسين عيد أحد زعماء الحرب الصوماليين السابقين، وبالتالي ليس من المستبعد أن يقرر الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إرسال معدات عسكرية ثقيلة  وجنود إلى الصومال وخصوصا بعد توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون الثانية بين البلدين في العاصمة الإريترية أسمرة في يوليو 2018[4].

التحديات والعقباب

كما أوضحنا في السابق، فإن التحولات التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي تحمل في طياتها بالنسبة للصومال العديد من الفرص ، لكنها لا تخلو من ذات الوقت من تحديات كبرى قادرة على خلط الأوراق وتعقيد المشكلة الصومالية بدلا من أن تساهم في حلحلتها، الأمر الذي يتطلب مستوى عال من اليقظة والحذر وعدم التسرع في القرارات لأن القرن الإفريقي منطقة استراتيجية تهتم بها قوى إقليمية وعالمية  كبرى وبعضها تعتبر المنطقة جزءا من أمنها القومي،  وبعض القوى ترتبط الصومال بعلاقات تاريخية وتنظر بأنها الحديقة الخلفية ولا شك أن تلك القوى لن تترد في ممارسة الضغوط على دول المنطقة بحثا عن مصالحها وحماية لأمنها القومي وبالتالي تحقيق التوازن بين تلك المصالح وعدم خلق عداوات جديدة تعتبر أحد أهم التحديات الذي قد يواجه الصومال في المستقبل.

 التحدي الأول: تحقيق توازن القوى والمصالح

بعض الدول التي تضم منطقة القرن الإفريقي مثل إثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا لها مصالح متعارضة ومناقضة في بعض الأحيان وكذلك لديها علاقات مع قوى إقليمية ودولية متنافسة وبالتالي تكون من الصعب  تحقيق توازن القوى والمصالح، وربما  تؤدي إلى توتر علاقات الصومال مع دول أخرى كانت صديقة له ترى  الكيان الجديد تهديدا على مصالحها القومية. فعلى سبيل المثال  تتوجس جيبوتي من دور إريتريا في ” مشروع القرن الإفريقي الجديد” في المستقبل وتزايد نفوذها في المنطقة تهديدا على مصالحها وأمنها القومي لأن ارتيريا تحتل جزءا من الأراضي الجيبوتية وأن موانئها البحرية في حال تم كسر عزلتها تقلل من أهمية موانئ جيبوتي البحرية  التي بات في السنوات الأخير قواعد للعديد من القوى الدولية والإقليمية وبالتالي كيف يمكن للصومال أن توازن العلاقة مع جيبوتي واريتريا في المستقل وكذلك الحال بالنسبة  للسودان واريتريا، وهذه كلها قضايا تحتاج إلى سياسية واستراتيجية واضحة للتعامل معها.

التحدي الثاني:  مستقبل العلاقة  مع إثيوبيا

العلاقة بين الصومال وإثيوبيا حساسة لأن الأخيرة  لديها طموحات كبرى لطالما سعت إلى تحقيقها عبر الوسائل الخشنة طوال القرون الماضية، فهي اليوم لم تتخل عن تلك الطموحات الا أنها غيرت الاستراتيجية والمسار وتريد  تحقيقها عبر الوسائل الناعمة، فهي تطمع أن تنشأ دولة إثيوبية عظمى  تمتلك كل المقومات التي تحتاجها الدول العظمى بما فيها المنافذ البحرية ولا يمكن أن يتحقق لها ذلك دون أن تنشئ كيانا موحدا تقود إثيوبيا ويضم الصومال ودول أخرى وقد صرحها ذلك رئيس الوزراء الإثيوبي كما أسلفت في صدر المقال،  وعلى هذا الأساس كيف ستتعامل الحكومة الصومالية مع هذا الهدف الذي سيمر عبر مراحل لكن سيفضي في نهاية المطاف إلى كونفدرالي تقودها إثيوبيا هو المحك  وأنه في حال تماشى الصومال مع مشروع آبي أحمد في الوقت الراهن ربما سيكون مجبرا على توقيع اتفاقيات  خطيرة يقوض كيان الصومال ووحدة أراضيه.

 الخاتمة

ليس من الحكمة أن يقف الصومال متفرجا أمام التحولات الجيوسياسية في القرن الإفريقي وينبغي أن يكون في قلب الحدث لكن في الوقت  ذاته لا بد أن يكون حذرا جدا لأننا نتحدث عن بيئة مرتبطة بالعديد من العوامل والمصالح لا تتحكمها دول المنطقة فقط وانما تمسك حيوطها أيضا دول كبرى، منها باب المندب ومشروع الحزام والطريق الصيني، ويملك هذا الخط أهمية مركزية نظرا لكون الطريق الوحيد المتاح ربما للبحر المتوسط وجنوب أوروبا، بالإضافة إلى  التوجهات الإستراتيجية الخليجية ازاء البحر الأحمر[5]، والنزاع المصري – الإثيوبي على نهر النيل. ولذلك يشكك البعض من قدرة الصومال على الموازنة بين المصالح والمخاوف في التنافس الأقليمي والدولي الحاد على منطقة القرن الإفريقي ويدعو أولا إلى تعزيز الجبهة الداخلية، وتحقيق توافقات سياسية بين مختلف مكونات المجتمع الصومالي وكياناته السياسية، وبلورة استراتيجية شاملة تجاه مستقل العلاقة بين الصومال وإثيوبيا من جهة والمنطقة من جهة أخرى، ووضع إطار يوجه العلاقة الصومالية مع القوى الاقليمية والدولية.

 المصادر :

 

[1]  أضواء على اأجندة السياسية الخارجية الإثيوبية  د. أحمد حسن دحلي 18 سبتمبر 2014

[2]  مقالة  بعنوان: صندوق النقد يقر حزمة تمويل تمهيدا لإسقاط ديون الصومال  19 ديسمبر 2019  موقع سكاي نيوز عربي

[3] أنباء عن خطط واتفاق لإرسال قوات أرترية إلى الصومال نشر  26 ديسمبر 2018 أنظر موقع  وكالة زاجل الإريترية

[4]   توقيع اتفاقية تعاون بين إثيوبيا  واريتريا والصومال  التاريخ :  6 سبتمبر 2018 نشر في موقع وكالة الأناضول التركية

https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A5%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84-/1247490

[5]  اتجاهات جديدة في تحالفات القرن الإفريقي  7 فبراير 2020  نشر في موقع اندبندنت عربية  https://www.independentarabia.com/node/92551/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%AD%D9%84%DB%8C%D9%84/%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A

زر الذهاب إلى الأعلى