التسوق في زمن كورونا

عدت لتوي من التسوق  في متجر موريسن القريب من بيتي في حيّ اكتن في مدينة لندن. ولما وصلت المتجر علمت ان مداخله الكثيرة قد اغلقت الا مدخلا واحدا، ورايت الناس في صف طويل امام هذا المدخل، وبين كل شخصين في الصف مسافة مترين، حذرا من عدوى الفيروس، فلا كلام لان الخطر في فتح الفم، ولا سلام لان المصافحة مجلبة للشر. اما السعال والعطسة فمهلكة للنفس تودي بك الى طردك من الصف او زيارتك السجن، وكأن كل احد منا جرثومة متحركة لا يؤمن من عدواها.
وعند المدخل رجال امن يسمحون للناس ان يدخلوا المتجر فرادى او مجموعات قليلة وتنتظر المجموعات الاخرى خارج المتجر ريثما تكمل المجموعة الاولى تسوقهم ثم يسمح لهم بالدخول وهكذا دواليك. تأملت الصفوف وكاننا في صلاة الخوف الا ان العدو هنا فيروس مستتر لا تراه العيون المجردة وياتي من كل الجهات ومتربص في كل الجبهات، فهو اخطر من العدو المقاتل الذي يقابلك في ميدان القتال، لانك تراه وتعرف جهته فتعد له العدة وتتأهب للقائه، فيحيا من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، اما الكورونا فلا يظهر ولا يبارز ويراك من حيث لا تراه ويضرب الوجوه والادبار كضرب ملائكة العذاب للكفار حين الوفاة .
ولما جاء دوري ودخلت المتجر رايت الناس متباعدين ولا يسمح ان يجتمع في كل رف من رفوف المتجر اكثر من شخصين او ثلاثة منعا من الازدحام الذي يفضى الى التقارب والتواصل. كانت كثير من الرفوف خالية من البضائع، فاخذت على عجل ما تيسر لى من الحوايج، ثم يممت وجهي شطر نقطة الدفع. وحينما وصلت نادى مناد في المكرفون ان يقف كل احد مسافة مترين من صاحبه الذي خلفه او أمامه، حتى جاء دوري ووضعت مشترياتي على عجلة متحركة، وأومأت لي فتاة من موظفات المتجر ان أبقى في مكاني حتى تكتمل عملية حساب مشترياتي، ثم قالت لي الفتاة: هل تدفع نقدا او بالكارد؟ فقلت بالكارد، كدّر الله يومك، وهكذا جمعت حوائجي وخرجت من المتجر متعبا مغموما مهموما وكأنني أطلقت من سجن او أنشطت من عقال فانطلقت لا الوي على شيي ولا أتلفت يمينا ولا يسارا.
ولما وصلت البيت هرع اليّ أطفالي فرحا بقدومي فصرخت في وجوههم وأنذرتهم وأمرت زوجي ان تبعدهم عني ولا يلمسني احد منهم حتى ادخل الحمام وأنظف الأيدي واميط عنى كل ما علق بي من الجراثيم المتوهمة والفيروسات المتربصة. ثم استلقيت على ففاي فى سريري  قائلا في نفسي لقد سمي الانسان إنسانا للأنس الذي بينه وبين اخيه الانسان، ولقد دارت الايام علينا حتى راينا الانسان يستوحش بأخيه الانسان ويفر منه فراره من الجرب، وتذكرت قول الاحيمر السعدي:
عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى …. وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
يــرى اللهُ إنـّي للأنيـــسِ ِلكــــارهٌ … وتبغضهم ْ لــي مقلة ٌوضميـرُ.
ولله الامر من قبل ومن بعد.

عبد الواحد عبد الله شافعي

كاتب صومالي من مواليد بلدوين ومقيم في بريطانيا. حصل على درجة الليسانس في الدراسات الإسلامية واللغة العربية من كلية الدعوة في ليبيا في عام ١٩٩٤. نال دبلوم ماجستير في اللغة العربية وآدابها من الكلية نفسها في عام ١٩٩٦. حصل على ماجستير في اللغويات وتعليم اللغات الأجنبية من جامعة لندن متروبولتان في بريطانيا في عام ٢٠١٦. يعمل في خدمة الجاليات المسلمة في بريطانيا. له مقالات وبحوث فكرية وسياسية منشورة في الصحف والمواقع العربية. يهتم بقضايا الفكر الاسلامي السياسي
زر الذهاب إلى الأعلى