إلا المسجد ولكن !

فقد احد أعيان منطقة نُغال فرد من عائلته  في موت مُفاجئ ، فحمل الميت هو وجمعاً من المسلمين بغية الصلاة عليه ، والانتقال به  إلى مثواه الأخير، وفي المقبرة ذكر شيخ إحدى المساجد  بانه قد عزم على غلق المسجد إمتثالا لأوامر السلطات كإجراء إحترازي لمنع تفشي وباء كاروونا بين المصلين  ، فاستنكر الحضور هذا الكلام و  لم يروق لشيخ القبيلة المحترم هذا الإجراء وعبر عن ذلك بقوله وهل لنا مكان غير المسجد يحتوينا؟  وهل لك انت يا شيخ المسجد قدر ودرجة إلا بفضل هذا المسجد؟،  كان ذلك  الحوار مُتوازياً مع سعى حكومة ولاية بونت لاند إيجاد كافة الحلول الوقائية الممكنة التي من خلالها تستطيع الحكومة حماية الشعب من خطر كاروونا المُحدق” لا سمح الله” ، وكان من بين الحلول الممكنة غلق كافة المساجد ، وهي من المحلول الصعبة و العسيرة  التي لا يمكن أن  يتقبله الشعب الصومالي بكل رحابة صدر ، لذلك أمر الرئيس ولاية البونت الدكتور” دني” تكوين لجان رفيعة المستوى مكونه من عدد من وزراء الدولة وبعض الشخصيات المجتمع المهمة  لعقد اللقاءات المكوكية مع أغلب مكونات الشعب وبالأخص علماء الدين بمختلف توجهاتهم الفكرية ، حتى يُطلعهم على آخر  خططه الاحترازية ، وكما كان متوقعاً لم تكن تلك اللقاءات بالجلسات المرنة والسهلة ، ولم تكن الحوارات فيها هادئة و  منخفضة الصوت ،  بل كان فيها قدر كبير جداً من الأخذ والرد بين الحكومة التي تتهم علماء الدين بأنهم ليسوا بقدر مسؤولية الحدث ، وبانهم لم يأخذوا الأمر بالجدية اللازمة ، و بسبب تهاونهم هذا سوف يقودون  المجتمع إلى حافة المرض ، و هذا الموقف المتشدد من الحكومة قابلة موقف لا يختلف حده من علماء الدين الذين دافعوا عن أنفسهم بأن ليس لديهم قوة يستطيعوا من خلالها منع الناس من الذهاب إلى المسجد و الاستكفاء بصلاة في المنازل في الوقت الراهن . فأي الطرفين مُحق ؟.

     فالواقع كلاهما مُحق ، فعندما يكون الحوار عن المسجد في الصومال  فهو حوار لا يصل إلى نتيجة إّذا لم يقتنع رواد المسجد بذلك ، فالحكومات مهما فعلت إّذا لم يقتنع المُصلي الصومالي  تبقى مُذنبة ، وتتهم بأنها تتصيد المسجد بأجندة خفيه ، و العالم الدين إذا لم يتكلم عن المسجد بلغة تتفهم ويفهمها  المصلي المتعبد ، يُشطب على قدره ، وتُحسب له خطيئة ما بقيه من عمره، فالمسجد في الصومال لم يغلق أبدا  منذ أن جاء اليها،  ولم يفقد مكانته رغم كل الظروف والمحن التي عصفت بالوطن الذي احتضنه،   و منذ ثلاثين عاماً غدا للفرد الصومالي عنوان نجاة ، و مكان لا يقبل المساومة ، فالتبرعات باسمه نافدة ، وتسابق لتشيده قائمة ، لذلك عندما يكون الحديث عن إغلاقه لظرف طارئ لابد أن يستحضر القائل مركزية المسجد في حياة  الإنسان الصومالي ، ويحاول من خلال الحوارات المفتوحة ،  ونقاشات المبسطة ، وتوعية الصحية المكثفة  خلق نوعاً من التقبل المؤقت لغلق المسجد ، مع إرسال رسائل تطمين بأنها أزمة وتزول .

فاطمة شيخ محمد حوش

كاتبة صومالية
زر الذهاب إلى الأعلى