“من أنجامينا إلى بورتسودان، ثمة توافق”

تدرك الخرطوم حقائق الأنظمة السياسية المجاورة لها إقليمياً، وذلك بسبب الدور الأمني والإستخباراتي والسياسي الذي لعبته الخرطوم في تأسيس تلك الأنظمة ودعمها للوصول للحكم، بدءاً من حكم الراحل زعيم النهضة الأثيوبية “مليس زيناوي” شرقاً، إلى الراحل “ثعلب الساحل الإفريقي” “إدريس ديبي” غرباً، وهذه حقيقة يعترف بها المعادين للدولة السودانية قبل الموالين لها.

لم يحمل الحديث حول الطلب الذي تقدمت به الحكومة التشادية للإجتماع مع الحكومة السودانية مؤخراً الشيء الجديد برأيي فهي خطوة متوقعة من النظام التشادي بعد إن إستحكمت الحلقات الداخلية والإقليمية على أنجامينا، وأنا هنا بالطبع لا أنفي أنها خطوة موفقة من حكومة الرئيس “محمد ديبي” وإن تأخرت، فأنجامينا تدرك كما تدرك الخرطوم بأن الرئيس التشادي “محمد كاكا” لن يستطيع إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء في هذا التوقيت المفصلي الذي تعيشه أرض المقرن، وكل ما سيصدر من إنجامينا الآن تجاه الأزمة السودانية هو ردة فعل لتطورات المشهد الدولي والإقليمي الذي بات يفرض نفسه في السودان، فخرطوم إبريل 2024 ليست هي خرطوم 2023، فالتطورات التي تؤكدها التقارير الأممية في الميدان السوداني المسلح فرضت واقع جديد قرأته إنجامينا بتعقل وأدركت بأن الخرطوم نجحت إلى حد ما في إعادة الدفة، وهذه حقيقة باتت واضحة حتى لتلك الأطراف التي تنظر للمشهد السوداني من الباب الموارب، فما بالك بتشاد المتفردة “إفريقياً” بكينونة الدولة السودانية، وأول المصابين من نتيجة سباق التأثر والتأثير السياسي والأمني السوداني في الإقليم، وأول من تقع عليه عيون العالم لو قررت الخرطوم الإلتفات غرباً “الغرب الإفريقي”.

تدرك تشاد بأنها لاعب محوري في الأزمة السودانية وأحد أهم الأطراف المؤثرة على سير المعارك المسلحة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، وبالتالي ترى أنجامينا بأن لها الحق في ممارسة إستراتيجية “خلط الأوراق” التي طالما ذاقت ويلاتها، وهذه فرصة “ثمينة” لإعادة ترتيب البيت التشادي من الداخل، وإحباط كافة المحاولات الساعية لإبعاد “أل ديبي” من حكم البلاد، وعليه أرى أن الطلب التشادي للسودان يحمل في طياته ثلاثة رسائل هامة:

الرسالة الأولى: قناعة إنجامينا بتغير مفهوم الأمن الإقليمي التي كانت تعتنقه الخرطوم، والذي بات اليوم في حكم الماضي بعد التحديات الأمنية والسياسية التي وجد السودان نفسه فيها منذ إبريل العام الماضي، والذي إنعكس بدوره على رؤية القيادة السودانية لإقليمها الجغرافي، ومستقبل المؤسسة العسكرية وكافة المؤسسات السيادية، وهذا ما أكده خطاب رئيس مجلس السيادة الفريق “عبد الفتاح البرهان” في كلمته الأخيرة بأن لا عودة لما قبل 15 إبريل 2023، ولا عودة لما قبل 25 أكتوبر2021، ولا عودة لما قبل أبريل 2019. (وهذا ما يقلق أنجامينا ويلقي بظلاله على مستقبل العلاقات السودانية التشادية).

الرسالة الثانية: إستخدام “إستراتيجية خلط الأوراق” إبتزازاً لأطراف إقليمية ودولية ترى أنجامينا بأنها ساهمت في إنشقاق الداخل التشادي، ودق إسفيناً بين المؤسسة الرئاسية والعسكرية، وهذا ما يطرح التساؤل التالي: “هل هي محاولة من الرئيس “محمد ديبي” لإستمالة المؤسسة العسكرية التشادية التي تعيش حالة من الغليان المعنوي منذ إبريل 2023 بسبب التسهيلات التي قدمها النظام التشادي دعماً لمليشيات الدعم السريع؟ أم أن إنضمام “حركة العدل والمساواة” وبعض المواليين لها دعماً للجيش السوداني أعادت الحسابات السياسية والأمنية لأنجامنيا بعد تدفق سيل التقارير الإستخباراتية على القصر الرئاسي تؤكد لديبي الإبن حقيقتان:

  • الأولى: الرهان على قيادة المليشيا للدولة السودانية فقد ساقيه ولم يعد محل نقاش بعد فشل مساعي “نصر الدين عبد الباري” ومن خلفه في إنتزاع دعم “أمريكي” يصل لقائد المليشيا “حميدتي” لسدة الحكم في السودان، وهو رهان طالما تمنت خسارته القيادة التشادية، فإذا كان هناك توافق مشترك بين الرئيس “محمد ديبي” والشعب التشادي فهو توافقهم الكامل على خطورة مليشيا الدعم السريع على مستقبل الدولة التشادية والجوار الإقليمي لها، ولكنها التقاطعات التي فرضت واقعاً مختلفاً لا تريده تشاد ولا يريده رئيسها ولا يريده شعبها.
  • الثانية: تنوع التحالفات الدولية والإقليمية، هو ضمان لإستقرار البلاد وتطورها، والوصول للحكم والإستمرار فيه، ولا يقل أهمية عن تعزيز أواصر الإمتداد القبلي.

الرسالة الثالثة: الإقرار”ضمنياَ” بتقدم العمليات العسكرية التي يقودها الجيش السوداني، وتصاعد موجة الإلتفاف الشعبي الذي حظيت به القوات المسلحة السودانية، في دلالة واضحة على تصاعد موجة الوعي السياسي الداعمة لمؤسسات الدولة الوطنية والتي تجاوزت الحدود الإقليمية للسودان، بدليل ظهور ما يطلق عليه بالفرنسية “Un devoir africain sacré” وتعني باللغة العربية “واجب إفريقي مقدس” الداعم للقوات المسلحة السودانية.

أرى بأن الخطوة التشادية الأخيرة تجاه السودان سيكون لها مردود سياسي على الطرفين، وستدفع أطرافاً إفريقية أخرى “أوغندا، جنوب السودان، إثيوبيا، إفريقيا الوسطى، كينيا، جنوب إفريقيا” لمراجعة موقفها من الأزمة السودانية، وبالتالي أرى أن تعمل حكومة الرئيس “محمد كاكا” على إصلاح ما يمكن إصلاحه في حال الموافقة على طلبها لمقابلة القيادة السودانية، ويجب على أنجامينا أن تدرك بأن ما سيتم التوافق عليه في إجتماع بورتسودان المرتقب هو ما سينعكس على سير خط الأحداث القادمة في الساحة التشادية وأهمها “الإنتخابات القادمة” و “مستقبل العلاقات السودانية التشادية” و “مستقبل القوات السودانية التشادية \ ميكس”

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

afrogulfrelations_21@hotmail.com

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى